
الروائي الثوري صنع الله إبراهيم
تحية إلى الروائي اليساري الثوري صنع الله إبراهيم حامل هموم الشعب والفقراء ورافع قضية مقاومة العدو الصهيوني
الكتابة هي فعل مقاوم يمارسه المثقفون الثوريون ضد الاحتلال وفي نضالهم الطبقي ضد الاستغلال والظلم من أجل التغيير الديمقراطي الثوري، فيلتحم في نتاجهم الثقافي فعل مقاومة العدو والنضال التحرري الوطني في سيرورة نضالية واحدة لا انفصال بين طرفيها.
هكذا كانت، وهكذا ستبقى، الكلمة المقاومة: القصيدة، الأغنية، المقالة، جنبا إلى جنب بندقية المقاومين في الدفاع عن بيروت المحاصرة الصامدة الشامخة المقاومة.
خلال حصار بيروت عام 1982 كتب الراحل محمد دكروب (1929- 2013) وكوكبة من المثقفين والشعراء الوطنيين واليساريين والشيوعيين، من قلب بيروت المحاصرة، العديد من المقالات والأشعار وصدحت الحناجر بالأغنية الوطنية، في مواجهة الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982 وحصاره لبيروت. فكان نتاجهم أحد أشكال الصمود والمقاومة.
من بين المقالات التي كتبها الراحل محمد دكروب مقالة بعنوان: “بيروت وسكانها.. والوحوش المصفحة”، نشرت في جريدة “النداء” اللبنانية بتاريخ 14 آب 1982، الجريدة التي بقيت تصدر طيلة حصار بيروت لتكون لسان حال الصمود والعنفوان والمقاومة، وبقيت تصدر رغم أنف جيش العدو الصهيوني الذي احتل بيروت، لتكتب على صفحتها الأولى عن المواجهات ضد العدو الصهيوني، وليكون عنوان صفحتها الاولى في 17 سبتمبر 1982 اعلان بيان انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وبعد ذلك عن عمليات جبهة المقاومة البطولية في بيروت ضد جيش العدو الصهيوني. وتحرير بيروت. وإسقاط “اتفاق السابع عشر من أيار/ مايو”؛ وتحرير معظم الأراضي اللبنانية من رجس الاحتلال الصهيوني.
تعيد «تقدُّم» نشر مقال الراحل محمد دكروب تحية إلى بيروت المقاومة وإلى كل الكتاب والمثقفين والمقاومين الذين صمدوا في بيروت وأخرجوا جيش العدو الصهيوني منها مهزوما بفعل عمليات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية “جمول”؛ وهو ينادي بمكبرات الصوت “يا أهالي بيروت لا تطلقوا النار علينا نحن منسحبون”. وتحية إلى غزة الشامخة الصامدة غزة العزة والكرامة.
من مقالات الراحل محمد دكروب خلال حصار بيروت العام 1982
بين غارة وغارة، وقذيفة وقذيفة.. يخرج ناس بيروت إلى شوارعها، يتلمّسون جراحها الجديدة- بيروت، الجسد الحي الصامد لسكان صامدين صابرين مقاتلين.
الآن، هدأت قليلاً – ولو مؤقتاً- عاصفة الجنون التدميري الذي انصبّ على بيروت من الجو والبحر والبر.. ومن إذاعة “صوت.. لبنان”!
الناس في الشوارع. العيون تتطلع إلى الانهيارات الجديدة، وإلى الثقوب الهائلة الجديدة التي أحدثتها القذائف والصواريخ الجديدة، في جدران البنايات السكنية، وعلى الطرقات.
الزجاج المحطَّم المكسّر والمسحوق يغطي الشوارع والطرقات والأرصفة… زجاج، زجاج… على مد النظر! … والعيون موجوعة حزينة غاضبة.
الثقوب في الجدران ثقوب في القلب. وجراح المنازل والطرقات سكاكين تحفر أثلاماً في الجسد الحي. النوافذ التي اندلعت منها نيران الحرائق توقد النيران في الروح.
ويا أيها الشعراء الصامتون! تعالوا انظروا الدماء في الشوارع… تعالوا انظروا الدماء في الشوارع – (هكذا صرخ نيرودا وهو يرى إلى شوارع مدريد بعد واحدة من مجازر فرانكو الفاشية).
العيون البيروتية – (جميع عيون سكان بيروت هي الآن عيون بيروتية) – العيون المخضّبة بالحزن والمشحونة بالغضب، يتألق فيها حب هائل. حب كأنه تفجر مع تفجيرات القذائف والصواريخ… الوجوه التي لا يعرف بعضها بعضاً تكتشف انها تعرف بعضها من زمان. كل واحد يقول للآخر:”الحمدلله على السلامة”… “بعدنا صابرين وصامدين”.
وتنعقد الحلقات أمام المنازل. رجال ونساء وشبان، وأطفال يلعبون.. والأحاديث تدور في أمور السياسة، وأمور العيش اليومي: الحصار.. المياه التي قطعوها.. الكهرباء التي أطفأوها.. الطحين الذي منعوا دخوله.. والدواء الذي قطعوا عليه الطريق.. كل شؤون السياسة والعيش مطروحة للتداول والنقاش والتعليق والتساؤل..
سؤال واحد فقط، لم يعد وارداً، لا في هذه الحلقات، ولا في غيرها.. سؤال تولت القذائف الإسرائيلية نفسها – في انهيالها اليومي فوق الأبنية والأحياء السكنية البيروتية- الإجابة عنه بشكل واضح قاطع.
فقد كان البيروتيون يتساءلون، في بداية الحرب: “لماذا يقول الإسرائيليون وتقول اذاعاتهم – هنا وهناك- ان قذائفهم تدك فقط (المواقع الفلسطينية)!.. في حين ان هذه القذائف تستهدف كل الأحياء، وكل الشوارع، وكل البيوت، وكل الناس في بيروت (الغربية) على السواء”؟؟
كانوا، ببراءة، يطرحون هذا السؤال:
ولكن استمرار انهيال القذائف بدّد هذا السؤال البريء، الساذج…
– إسرائيل.. أميركا.. وعملاؤهما، يريدون جميعاً إخضاع بيروت كلها، تدميرها بمن فيها وبما فيها، وخصوصاً بما تمثّله وتعنيه بيروت بالذات في حركة التحرر وحركة النضال العام ضد الامبريالية.. ومن خلال بيروت يريدون إخضاع لبنان كله.. بل وإخضاع حتى أولئك المتعاونين معهم، وأولئك الذين طأطأوا رؤوسهم سلفاً..
إسرائيل العنصرية لا تريد حتى أن يظلّ العملاء مجرّد عملاء أو متعاونين معها.. فقط هي تريد خَدَماً!.. وقد بدأ المتعاونون أنفسهم يلمسون هذا يومياً، خلال عملية تحويلهم التدريجي إلى خدم!..
هذه الوقائع، التي وعاها جيداً سكان بيروت الصامدة، هي التي تزيدهم اصراراً على الصمود.. حتى صار الصمود نوعاً من صوفية التوحّد ببيروت الحجارة والشوارع والدمار والتاريخ والبشر وآلاف الشهداء. صوفية المجابهة المطمئنة إلى استمرارها، مهما كانت نتائج هذه المجابهة مع عدو عنصري فاشي لم يأخذ من التطور التكنيكي الحديث سوى جوانبه التدميرية…
***
تعال معنا يا ممثل الرأي العام العالمي – أياً كنت- تعال معنا إلى شوارع بيروت الحقيقة وبيروت الرمز.. لا تنفعل. لا تتأوّه. لا تتعاطف. لا تشفق علينا. بل لا تجهد نفسك بالتفتيش عن وسيلة تتضامن بها معنا لتريح ضميرك.. بل تامل فقط. صِفْ للعالم كله ما ترى، دون أن تبالغ، دون أن تتحيّز. صوِّر فقط، بالقلم، أو بالكاميرا، أو بالصوت، أو بالذاكرة: انهيارات البيوت.. حرائق البيوت.. البنايات التي صارت على الأرض وتحت أنقاضها مئات الجثث.. النوافذ التي طارت إطاراتها فانفتحت أفواهاً تسكنها الدهشة والصرخة والغضب والحزن الذي لا يستسلم أبداً…
صوِّر هذه البناية المنهارة والحفرة البركانية في جانبها حيث غارت قذائف الطائرات الأميركو- إسرائيلية إلى عمق ثلاثة طوابق تحت الأرض، فتشابك الحديد بالحديد والاحتراق الأسود ببياض الجدران، وانعجن الأثاث بلوحات الرسامين وبقايا الكتب والجثث.. فإذا أنت أمام مشهد سريالي مدهش غرائبي ومرعب وغير معقول. صوِّره فقط، كما هو.. (لا تذكر انه كان هنا، بالأمس فقط. عدد من الأطفال يلعبون.. فهؤلاء شاهدتهم أنا عندما مررت أمس قرب هذه البناية بالذات.. ولا تتساءل: أين هم الآن؟.. أين بعضهم وبقايا بعضهم!.. حتى لا يقال أنك متحيّز..) لا تزد حرفاً على ما ترى، ولا أية تفصيلة واحدة…
… ثم، تأمّل الوجوه. حاول أن ترسم ما هو ظاهر على الوجوه، وما ينبثق من العيون. ولا تحاول أن تتعمّق المشهد البشري وتغور إلى دواخل النفس والفكر والروح وبركان الغضب المشتعل، لا تحاول!.. فقط: صوِّر الوجوه والعيون كما هي.. فالذي في الداخل واضح واضح، بل هو متألق في الوجوه والعيون…
كن واقعياً.. كن حتى فوتوغرافياً.. ارسم ما ترى.. فقط ما ترى.. دون إضافة ودون إخفاء…
هذا وحده يكفي.
وهذا هو الشكل- النضالي- لتضامنك معنا.
ومن شأن هذا الوصف والتصوير أن يسهم في إيقاظ ضمير العالم وتفتيح العيون على خطر نازية جديدة لا تتسلّح فقط بعصارة قبح حقد عنصري محشو بكل أوهام تاريخ مزوّر، بل هي تتسلّح أيضاً بأرقى ما توصّل إليه التكنيك الأميركي المعاصر من آلات الفتك والتدمير والسحق والإبادة!…
***
… وينقضّون علينا مصفّحين!
آلات حقد عنصري تتخذ أشكال بشر، تأتي إلينا مصفحة…
منهم من ينقض علينا مصفحاً بطائرة حربية وقنابل قاصفة..
ومنهم من يمخر مصفحاً ببارجة حربية قاذفة…
ومنهم من يربض مصفحاً بدبابة تطلق الحديد والنار…
وحتى المشاة منهم تراهم من بعيد أشبه بقرود “الشمبانزي” لكثر ما صفّح الواحد منهم نفسه بالدروع الواقية والقنابل والمدفع الرشاش!..
ولكن الأشد فتكاً من آلاتهم التدميرية هذه التي تصفّحهم، هو: أن عقولهم نفسها صارت مصفّحة!
عقولهم مشحونة بصديد الماضي، بالأوهام العنصرية، بسعار الشعور الوحشي بالتفوّق!..
هكذا يعملون على تعليبهم وتصفيحهم، هناك في إسرائيل!… وهذا ما نلمسه نحن، يومياً، ليس بما نسمعه من كلامهم، بل بما يحفر في أجسادنا وفي جسد بيروتنا ولبناننا، يومياً، من قذائفهم وفسفورهم وقنابلهم العنقودية.. قذائف وقذائف ربما لم تشهد مثل كثرتها، ومثل حقدها، ومثل كثافتها وتواليها واستمرارها وقدراتها التدميرية أية مدينة في العالم خلال الحرب العالمية الثانية:
أعطونا اسم مدينة تحمّلت في يوم واحد ما تحمّلته بيروت في اليوم الواحد من قصف وفتك وتدمير، حتى تعلن بيروت الباقية الشامخة تآخيها الكفاحي معها إلى أبد الآبدين.
***
… وبين كل غارة وغارة ينتشر سكان بيروت في شوارع بيروت.
الحزن والحب في عيونهم، والغضب في الروح وفي العيون…
صوفيّون هي سكان بيروت. مندمجون هم بها، متوحّدون بحجارتها المحترقة، بإيمان أسطوري هو نفسه سيعيد الحجارة إلى أمكنتها حجراً حجراً.. وتعود بيروت- بيروت الوطنية والثقافة والصمود- منارة تطرد ظلمات كل حقد عنصري، من هنا او من هناك…
وبيروت الآن تنتظر، كل يوم، أن تنقضّ عليها مجدداً الوحوش المصفحة… ولكنها تنتظر باستعداد مدهش:
في الصحف صورة رائعة لمقاتل من القوات المشتركة، خلف متراس باتجاه بوابة المتحف، عاري الصدر، يسند إلى كتفه قاذفة الـ “آر. بي. جي”، يترصّد هناك قدوم الوحوش المصفحة بدباباتها.
هذا المقاتل، العاري الصدر، لا يملك مثل تلك المصفحات التي تصفّح الأجسام… ولا ينحبس داخل جمجمة مصفحة تسكنها أوهام التفوّق الوحشي وعفن التاريخ.
ما يريده هذا المقاتل واضح واضح: أن يدافع عن بيروته، وحقه، وشعبه.
هذا المقاتل، غير المصفّح، جسماً وعقلاً، هو المنتصر، في النهاية، بالتأكيد.
ربما لأنه بالضبط غير مصفّح بالحديد، بل بالأرض والحق والشعب…
بيروت راسخة راسخة فوق أرض صلبة وحق صلب وصمود أصلب.
تحية إلى الروائي اليساري الثوري صنع الله إبراهيم حامل هموم الشعب والفقراء ورافع قضية مقاومة العدو الصهيوني
” الطريق إلى فلسطين ليست بالبعيدة ولا بالقريبة، إنها بمسافة الثورة “(ناجي العلي) رسم ناجي العلي فلسطين القضية ومقاومة العدو الصهيوني، رسم معهما معاناة الشعوب
في الثاني من أغسطس العام 1990 أقدم نظام صدام حسين البائد على غزو الكويت واحتلاله البغيض لوطننا، واجه الشعب الكويتي الغزو الغاشم بعصيان مدني ومقاومة شعبية مسلحة، شارك فيها مختلف أطياف الشعب الكويتي، وكان للتقدميين الكويتيين واليساريين مساهمتهم فيها إلى جانب أبناء شعبهم
كنفاني لم ينتج فكراً يخص جزءاً من الشعب الفلسطيني أو العربي أو يخص بعض مكوناته، بل كانت أفكاراً لكل الفلسطينيين ولكل الأحرار في العالم