واشنطن تنتزع نفوذاً جديداً: اتفاق المعادن يضع الكونغو في دائرة الشراكة الأميركية ويُقيّد التمدد الصيني

-+=

من خلال توقيع اتفاق الشراكة الإستراتيجية مع جمهورية الكونغو الديمقراطية في 4 ديسمبر 2025  حقّقت الولايات المتحدة هدفين مركزيّين في استراتيجيتها الخاصة بالمعادن الحيوية: تأمين وصول تفضيلي إلى النحاس والكوبالت والزنك والذهب وغيرها من المعادن، وإرساء إطار تنظيمي يجعل أي توسّع صيني جديد داخل القطاع المعدني في الكونغو أمراً بالغ الصعوبة سياسياً وقانونياً. وقد جرى توقيع الاتفاق في واشنطن عقب اتفاقات السلام والتكامل الاقتصادي التي توصّلت إليها الكونغو مع رواندا، ليؤسّس لشراكة تعدين وصناعة تُعطي الأولوية للشركات ورجال الأعمال الأميركيين و«رجال الأعمال والدول المتحالفة» مع الولايات المتحدة.

وينشئ الاتفاق مجموعة من المفاهيم — مثل «الاحتياطي الإستراتيجي للأصول» SARو«المشاريع الخاصة المؤهلة» QSP، و«احتياطي المعادن الإستراتيجية» (SMR)، إضافة إلى آليات تنفيذية — مثل «اللجنة المشتركة للتوجيه» JSC) وإجراءات قانونية وتنظيمية، أبرزها إلزام الكونغو بتعديل قوانينها وحتى دستورها لتسهيل تطبيق الاتفاق، إلى جانب إجراءات ضريبية تفضيلية تصوغ، من حيث الجوهر والتطبيق، إطاراً يضمن أمن الاستثمارات الأميركية واستقرارها، ويجعل الولايات المتحدة فاعلاً مباشراً في إدارة قطاع المعادن داخل الكونغو.

الاحتياطي الاستراتيجي للأصول (SAR)

ينصّ الاتفاق على أن «الاحتياطي الإستراتيجي للأصول» سيضمّ مجموعة من التراخيص والمشاريع التعدينية — سواء في المعادن الحيوية أو الذهب أو مناطق الاستكشاف غير الممنوحة — على أن تكون مشاريع عالية الإمكانات مخصّصة لجذب المستثمرين الأميركيين وتلبية الاحتياجات الإستراتيجية للولايات المتحدة. ويخضع هذا الاحتياطي لإشراف اللجنة المشتركة للتوجيه JSC، التي تُدار بشكل مشترك بين الكونغو والولايات المتحدة وتتخذ قراراتها بالتوافق.

وتلتزم الكونغو، خلال 30 يوماً من دخول الاتفاق حيّز التنفيذ، بتقديم قائمة أولية من الأصول المشمولة بـSAR، على أن تضيف أصولاً جديدة «بشكل منتظم» بالتشاور مع الولايات المتحدة، التي يحق لها أيضاً اقتراح إضافة أصول جديدة المادة IV.2)).

أما على الصعيد التشغيلي، فيضع الاتفاق إجراءات تفصيلية المواد VII وXII.2 وXII.3 و XII.4  تمنح المستثمرين الأميركيين وحلفاءهم وصولاً تفضيلياً وحوافز خاصة لكل مشروع، فضلاً عن حمايتهم من العراقيل السياسية والإدارية الناتجة عن بيئة الحوكمة التعدينية في الكونغو المادة IV.4.

كذلك يمنح الاتفاق الشركات والأفراد الأميركيين «حق الأولوية في تقديم العروض»، مع فترات تفاوض قد تمتدّ إلى 12 شهراً — ستة منها حصرية للأميركيين، وستة في منافسة مع «الدول المتحالفة» — مع بقاء الأولوية محفوظة للجانب الأميركي دائماً المادة VII.

ورغم أن الاتفاق لا يمنع الكونغو من التعامل مع شركاء آخرين المادة VII.11 فإن السلطات الواسعة الممنوحة للجنة JSC —  مثل اتخاذ القرارات بالتوافق وإمكانية تمديد فترات التفاوض — إضافة إلى إجراءات الاستثمار المادة VII.6 قد  تجعل من تجميد المشاريع أمراً وارداً، خصوصاً مع غياب نص واضح يحدّد مدة إزالة مشروع ما من تصنيف “SAR”

السيادة التعدينية الكونغولية

يشترط الاتفاق أن تقدّم السلطات الكونغولية إحاطة ربع سنوية لسفير الولايات المتحدة في كينشاسا المادة XII.5 تشرح فيها مبررات وسياسات التصدير المعتمدة. وهذا يعني أن القرارات الكونغولية لن تُتخذ وفق مصالحها الوطنية وديناميات السوق فقط، بل أيضاً وفق متطلبات هذه الشراكة الإستراتيجية.

كما يُلزم الاتفاق الحكومة الكونغولية بمنع أي تغيير في الملكية قد يؤدي إلى «إخراج» مشروع من تصنيف SAR — ما يفرض على الكونغو، قانونياً وتنظيمياً، منع دخول مستثمرين غير متحالفين، وفي مقدمتهم المستثمرون الصينيون.

موقع الصين من الاتفاقية

الاتفاق لا يؤثر على المشاريع الصينية الحالية، لكنه يفرض آلية استبعاد غير مباشرة. فبمجرد إدراج أي مشروع ضمن قائمةSAR، تواجه الشركات الصينية—وأي شركات محظورة وفق القانون الأميركي عوائق تمنعها من شراء أو تطوير مشاريع اقتصادية مجدية.

ويكمن الهدف الأساسي للاتفاق في تأمين إمدادات أميركية مستقرة من المعادن الحيوية في ظل المنافسة الجيوسياسية مع الصين. لذلك من المتوقع أن تختار الكونغو والولايات المتحدة، عبر اللجنة المشتركة JSC المشاريع ذات الإمكانات الجيولوجية الأكبر. ويسهّل ذلك الاتفاق من خلال المادة XIV.F  التي تمنح الأميركيين حق الوصول إلى البيانات التاريخية حول التعدين والجيولوجيا في الكونغو لتقييم المشاريع المرشحة لإدراجها في قائمة SAR.

إمكانية استحواذ الولايات المتحدة الأميركية على مشاريع صينية –كونغولية 

يفتح الاتفاق المجال أمام الشركات الأميركية للاستثمار في مشاريع التعدين المشتركة بين الصين والكونغو، حتى عندما تكون الحكومة الكونغولية شريكاً أقلية. وتنص المادة XIII (الفقرة 3) على أن تقوم الكونغو «بمراجعة من يملك ويدير الشركات الحكومية في قطاع التعدين» ومشاركة هذه المعلومات مع لجنة JSC ومكتب الممثل التجاري الأميركي USTR لتسهيل الحوار والتعاون.

كما يشجع الاتفاق الكونغو على استخدام حصتها الأقلية في هذه المشاريع لفتح فرص استثمارية أمام الشركات الأميركية والدول الحليفة. ويشمل ذلك مشاريع كبيرة مثل:

Sicomines. Tenke Fungurume Mining . Kisanfu Mining.

فعلى سبيل المثال، تملك شركة Gécamines  الكونغولية 20% فقط في هذه المشاريع، بينما تملك الشركة الصينية CMOC  نسبة 80%.

Author

  • كريبسو ديالو

    مترجم وباحث في العلوم السياسية المتعلقة بالشأن الأفريقي. كاتب في العديد من المجلات والصحف الأفريقية. شارك في طبعات مترجمة باللغة العربية والإنجليزية في عدة مراكز بحثية بأفريقيا

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

بنين: انقلاب فاشل يكشف نظامًا مأزومًا

بلا شك، الخاسر الأكبر في 7 نوفمبر بنين. ففي بلد تتطلب فيه التهديدات الأمنية جيشًا موحدًا، بات الجيش أكثر انقسامًا من أي وقت مضى بين موالين ومتمرّدين. ومن الواضح أن الجيوش الأجنبية باستثناء حماية رئيس دولة لم يعد يثق بقواته لن تحل شيئًا. الرد لا يمكن أن يكون أمنيًا، فالحل الحقيقي سياسي.