رئيس التحرير: أسامة العبدالرحيم | رقم الترخيص بوزارة الاعلام: 518-2022
ولي العهد بين التزكية الأميرية والمبايعة النيابية: قراءة في تاريخ الكويت ومناقشات لجنة الدستور والمجلس التأسيسي وما جاء في الوثيقة الدستورية وقانون توارث الإمارة
خمسة من أمراء الكويت ورثوا مسند الإمارة عن آبائهم، وهم عبدالله الأول حاكم الكويت الثاني عن أبيه صباح، فجابر الأول عن أبيه عبدالله، فصباح الثاني عن أبيه جابر، فعبدالله الثاني عن أبيه صباح الثاني، وبعد ذلك، جابر المبارك عن أبيه مبارك الصباح.
بعدما بايع الكويتيون صباحاً الأول أميراً عليهم، تعاقب على مسند الإمارة من بعده ستة عشر أميراً من أسرة الصباح، ونلاحظ أن خمسة من هؤلاء قد ورثوا المسند عن آبائهم، وهم عبدالله الأول حاكم الكويت الثاني (1762-1813) عن أبيه صباح، فجابر الأول (1813-1859) عن أبيه عبدالله، فصباح الثاني (1859-1866) عن أبيه جابر، فعبدالله الثاني (1866-1892) عن أبيه صباح الثاني، وبعد ذلك، جابر المبارك (1915-1917) عن أبيه مبارك الصباح.
وعندما نعود إلى أحداث العام 1921 بعد وفاة الشيخ سالم المبارك نجد أنّ وجهاء الكويت قد وقعوا ميثاقاً دعا إلى “إصلاح بيت آل الصباح كي لا يجري بينهم خلاف في تعيين الحاكم” وجاء في البند الثاني من ذلك الميثاق “أنّ المرشحين لهذا الأمر هم الشيخ أحمد الجابر، والشيخ حمد المبارك، والشيخ عبدالله السالم”، ما يعني أنّه لم يكن هناك ولي للعهد، ولكننا عندما نعود إلى رسالة العزاء، التي بعث بها الشيخ عبدالله السالم إلى الشيخ أحمد الجابر في اليوم التالي لوفاة أبيه الشيخ سالم، نجدها تتضمن اعترافه لابن عمه بالإمارة، ما يعني أنه كان هناك ترتيباً ما للأمر… بينما نجد إشارات إلى أنّ الشيخ عبدالله السالم كان ولي عهد الإمارة في عهد الشيخ أحمد الجابر، ولهذا فقد استلم مسند الإمارة بيسر بعد عودته من مسقط، حيث كان موجوداً خارج البلاد عند وفاة الأمير، ما يؤكد كونه ولياً للعهد.
محاولات تنظيم ولاية العهد:
قبل العهد الدستوري خلال عهد الشيخ عبدالله السالم لم يكن هناك ولي للعهد، وقد تطلّب الوضع الدستوري ومقتضيات تطور الدولة وتنظيم الحكم أن تكون هناك آلية دستورية واضحة ومتسقة لتوارث الإمارة، ولئن كان ميثاق 1921 يمثّل المحاولة الأولى لذلك، فإنّ المحاولة الثانية تمثّلت في الوثيقة الدستورية التي أعدّها مجلس الأمة التشريعي في العام 1938 وعرضها على أمير الكويت حينذاك الشيخ أحمد الجابر، وكانت تتناول في الباب الثاني منها وعنوانه “الحاكم” أحكام توارث الإمارة، حيث نصّت المادة 18 على أنّ “سيادة الحكم لذرية المغفور له مبارك الصباح”، وقضت المادة 19 بأن “ولاية العهد لأكبر ذرية الشيخ المرحوم مبارك الصباح فالأكبر من الأحياء الذكور الصحيحي الإدراك والتمييز” فيما ألزمت المادة 20 الحاكم بالقسم أمام مجلس الأمة التشريعي يمين المحافظة على أحكام القانون الأساسي والإخلاص للوطن والأمة، إثر توليه الحكم، وحددت المادة 21 “سنّ الرشد للحاكم تمام العشرين عاماً قمرياً”، ونظمت المادتان 21 و22 وجود وصيّ في حال انتقال الحكم إلى مَنْ هو دون سنّ الرشد”… ولكن تلك الوثيقة على أهميتها وتفصيلاتها لم تصبح نافذة، إذ لم يوقع عليها الأمير، وانتهت مع حل المجلس في العام 1939 وما شهده من أحداث وتداعيات.
وبذلك فإنّ الترتيب الدستوري الأهم لهذا الأمر، هو ما رسمته المادة الرابعة من الدستور وفصّل أحكامه قانون توارث الإمارة ذو الصفة الدستورية.
مداولات لجنة الدستور: نقاشات واقتراحات واعتراضات وتسوية:
دار في لجنة الدستور بالمجلس التأسيسي في العام 1962 جدل متشعب حول نظام وراثة الإمارة، إذ كان هناك اتجاهان:
الأول، كان يرى أن يُنَصّ على تنظيم توارث الإمارة في الدستور أو بقانون دستوري، وأن يكون هناك دور لمجلس الأمة في اختيار ولي العهد، وهو اتجاه غالبية أعضاء لجنة الدستور.
والاتجاه الآخر، كان يرى تنظيم أحكام توارث الإمارة عن طريق أمر أميري يصدره الامير، ويعارض هذا الاتجاه مبدأ ترشيح أكثر من شخص لولاية العهد، وهو الرأي، الذي انفرد به عضو لجنة الدستور وزير الداخلية حينذاك الشيخ سعد العبدالله السالم.
وكانت مسودة الوثيقة الدستورية الأولى، التي أعدّها الخبير القانوني للحكومة محسن عبدالحافظ، وقدّمها إلى لجنة الدستور في المجلس التأسيسي، وذلك قبل قدوم الخبير الدستوري للمجلس الدكتور عثمان خليل عثمان، تنصّ في مادتها الثانية على أنّ “حكومة الكويت أميرية وراثية في أسرة مبارك الصباح. ويصدر أمر أميري بتنظيم توارث الإمارة”.
وفي محاولة للتوافق على رأي فقد وافقت اللجنة في جلستها الثانية المنعقدة في 24 مارس 1962 على تكليف الشيخ سعد العبدالله السالم “باستطلاع رأي سمو الأمير والده فيما إذا كان يُنَصّ على موضوع وراثة الإمارة بالدستور، أم يترك ذلك لأمر أميري يصدر به”، ولكن اللجنة في الجلسة السابعة التي عقدت في 22 مايو 1962، بعد مشاركة الخبر الدستوري للمجلس التأسيسي الدكتور عثمان خليل عثمان في اجتماعاتها، استعرضت مقترحاً جديداً لمسودة الوثيقة الدستورية، حيث وردت أحكام توارث الإمارة في المادة الثالثة، على أن يصبح رقمها الجديد المادة الرابعة، وكان نصها: “الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح، وينظم توارث الإمارة قانون خاص، تكون له صفة دستورية، ولا يجوز تعديله إلا بالطريقة المقررة لتعديل هذا الدستور”، وهنا نجد أنه قد تم الأخذ بالاتجاه الأول لتنظيم توارث الإمارة “الدستور أو القانون الدستوري” على خلاف الاتجاه الآخر “الأمر الأميري”، الذي أخذت به مسودة الخبير القانوني للحكومة محسن عبدالحافظ… وعندما ذكّر الدكتور عثمان بالقرار السابق للجنة باستطلاع رأي الأمير، أوضح الشيخ سعد أنّ سموه الأمير لم يبد رأيه له بعد، فقررت اللجنة تأجيل نظر المادة.
ومرة أخرى في الجلسة التاسعة للجنة الدستور المعقودة في 31 مايو 1962 تكرر عرض المادة، وذلك بالنص، الذي سبق أن اقترحه الدكتور عثمان خليل عثمان، حيث تمت الموافقة عليها، ولكن الشيخ سعد العبدالله استفسر بعد الانتقال إلى المادة التالية في المسودة عن الكيفية، التي سيكون عليها هذا القانون المشار إليه في هذه المادة، وردّ عليه الخبير الدستوري: “سنضع البنود الرئيسية المتعلقة بنظام توارث الإمارة في الدستور نفسه، أما النصوص التفصيلية فإنّ القانون الخاص ينظمها، حتى لا تشغل جزءاً كبيراً من الدستور، ويعتبر هذا القانون ذا صبغة دستورية، أي أنه جزء من الدستور”، وكان رأي الشيخ سعد أول الأمر تضمين الدستور أحكام توارث الإمارة، حيث تساءل: لماذا لا يكون نظام توارث العرش في الدستور كله، أنا أطلب ذلك” مما يعني أنه كان في البداية يميل إلى الاتجاه الأول لتنظيم أحكام توارث الإمارة عبر النصوص الدستورية، وأيّده في الموقف ذاته عضو اللجنة وزير العدل حمود الزيد الخالد، الذي قال: “نحن نريد أن تكون النصوص الخاصة بنظام توارث العرش مقررة في ذات الدستور وبشكل واضح لا لبس فيه، حتى لا تحدث إشكالات في المستقبل بهذا الخصوص. كما أننا نريد أن يُنَصّ في الدستور على أن يختار ولي العهد مثلاً خلال ثلاثة أشهر من تولي الأمير منصبه، حتى يتضح لنا مَنْ سيحكمنا في المستقبل”.
وبعد المناقشة قررت اللجنة بالإجماع “أن تترك الفقرة الثانية من هذه المادة الرابعة من مشروع الدستور، على أن تُعدّ النصوص الرئيسة الخاصة بنظام توارث العرش كاملة وتوضع في صلب الدستور”، حيث حسمت اللجنة موقفها في مصلحة الاتجاه الأول.
وقد طلب الخبير الدستوري للمجلس في الجلسة الثالثة عشرة المعقودة في 16 يونيو 1962 أن “يكون إصدار هذا القانون في بحر ستة أشهر من العمل بالدستور”، وقد وافقت اللجنة على اقتراحه، ولكنه في الجلسة الرابعة عشرة المعقودة في 23 يويو 1962 دعا إلى أن يتم ذلك في فترة ثلاثة أشهر!
وفي الجلسة السادسة عشرة للجنة الدستور في 10 يوليو 1962 تقدّم الشيخ سعد بمجموعة من التعديلات على مواد سبق مناقشتها، كان بينها تعديل على المادة الرابعة ينصّ على أن يتم “تنظيم توارث الإمارة بأمر أميري بدلاً من قانون خاص له صفة دستورية”، إلا أنّ الشيخ سعد تراجع في وقت لاحق عن ذلك التعديل عندما ساوم لجنة الدستور على تعديل المادة 43 بشأن الهيئات مقابل التخلي عن تعديلاته.
وفي الجلسة الثامنة عشرة للجنة الدستور المنعقدة في 3 أكتوبر 1962 تلا الخبير الدستوري المادة 4 من مشروع الدستور ونصّها المقترح: “الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح، ويعيّن ولي العهد خلال سنة على الأكثر من تولية الإمارة، ويكون تعيينه بأمر أميري بناء على تزكية الأمير ومبايعة من مجلس الأمة تتم في جلسة خاصة بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس. وفي حالة عدم التعيين على النحو السابق يزكي الامير لولاية العهد ثلاثة على الأقل من الذرية المذكورة فيبايع المجلس أحدهم ولياً للعهد”، وقررت اللجنة تأجيل هذه المادة، ولكن الملاحظ أنّ النصّ تضمّن لأول مرة أحكاماً لكيفية تعيين ولي العهد.
وفي الجلسة التاسعة عشرة المنعقدة في 15 أكتوبر 1962 تكررت الإشارة إلى المادة الرابعة المؤجلة، حيث طلب الشيخ سعد العبدالله التأجيل لأن صاحب السمو سيبت في الأمر خلال اسبوع. أما عضو اللجنة وزير العدل حمود الزيد الخالد فاقترح أن تناقش المادة في حينه بعيداً عن مسألة تعيين ولي العهد، بحيث تتجه المناقشة نحو طريقة تعيين ولي العهد في المستقبل، على ألا تكون طريقة البت في مسألة ولاية العهد (الآن) سابقة للمستقبل، وقد أقر الخبير الدستوري هذا الرأي فاصلاً بين موضوعين “الأول مسألة تعيين ولي العهد حالياً، وهذا يكون البت فيه من قبل صاحب السمو دون تدخل من المجلس ولجنة الدستور وخارج نطاق بحثنا، والثاني مسألة طريقة توارث الإمارة في المستقبل، وهذا ما يجب أن نبحثه”. ونجد في هذه الجلسة أن الشيخ سعد العبدالله قد دعا إلى أن يتم تنظيم طريقة تعيين ولي العهد والأسس العامة لأحكام توارث الإمارة “في صلب الدستور” وفقاً لتعبيره، و”نترك التفاصيل للقانون”، ولكنه سرعان ما عاد في الجلسة ذاتها وعدل عن ذلك الرأي طالباً أن يتم ذلك عبر “امر أميري بدلاً من هذه القانون، على أن يكون لهذا الأمر صفة دستورية”، ووقد أوضح الدكتور عثمان خليل عثمان أنّ “الأمر الأميري يصدر من الأمير رأساً دون أخذ موافقة مجلس الأمة ومجلس الوزراء”، “ومن الأحسن أن يصدر بقانون لأن القانون سيكون له مظهر شعبي ديمقراطي وأثر طيب وخصوصاً في خارج الكويت”.
وفي تلك الجلسة دار النقاش حول المدة الزمنية لتعيين ولي العهد بعد تولية الامير، وكان اقتراح عضو اللجنة وزير العدل حمود الزيد الخالد أن يتم الاختيار خلال ثلاثة أشهر، بينما رأت غالبية اللجنة أن تكون المدة سنة. كما اقترح حمود الزيد الخالد أن “يختار الأمير ثلاثة على الأقل، ويختار مجلس الأمة واحداً منهم ليكون ولياً للعهد” ورأى “أنّ اختيار ثلاثة مرشحين أضمن للعائلة وفيه مجال لأن تجتمع الأسرة وتختار ثلاثة أشخاص تعرضهم على الأمير ويتشاوروا معه في مدى صلاحيتهم، وإذا تم الاتفاق في الأسرة يعرض الأمير الأسماء على مجلس الأمة”، وأيّده رئيس المجلس التأسيسي عبداللطيف محمد ثنيان الغانم، ولكن الشيخ سعد اعترض على ذلك الاقتراح وقال: “هذا التنافس لن يكون، فلا يمكن أن يتنافس أبناء الأسرة على الإمارة، ولن يرشح أحدنا نفسه ضد الآخر”!
وعندما عاد النقاش للموضوع ذاته في الجلسة العشرين للجنة الدستور المنعقدة في 20 أكتوبر 1962 أكد حمود الزيد الخالد رأيه السابق، وقال: “هذه الوسيلة السابق ذكرها هي أحسن وسيلة نحفظ فيها حقوق العائلة أولاً وقبل كل شيء. إنّا نخاف غداً أن يضعف الأمير وتغلب عليه عاطفة الأبوّة فيعين ابنه ولياً للعهد مع وجود مَنْ هم أكفأ وأحقّ منه”!
وأيّده رئيس المجلس التأسيسي عبداللطيف محمد ثنيان الغانم بقوله: “إنّ أوضاعنا الآن يجب ألا يقاس عليها أبداً، فالآن هناك روح من الأخوّة والصفاء تطبع حياتنا، وهي التي تذلل جميع العقبات والصعاب أمام هذه البلد. إننا نشعر الآن كأننا عائلة واحدة، والذي أخافه أن لا تبقى أوضاع البلد في المستقبل كما هي الآن. وأعتقد أنّ الطريقة، التي اقترحها أبوسليمان (وزير العدل) هي التي ستحفظ هذه الروح وتبقي عليها”.
وبعدها عرض عضو اللجنة وزير العدل اقتراحاً بأن “تجتمع الأسرة وتختار ثلاثة وتقول للأمير هؤلاء هم مرشحو الأسرة، والأمير يعرضهم ثلاثتهم على المجلس لتصبح المشاركة الشعبية صحيحة”، وكرر الشيخ سعد معارضته مبدأ الترشيح والانتخاب، وطلب تسجيل رأيه في المحضر، ولكنه في رده على سؤال وجهه إليه وزير العدل قدّم تصوراً وهو أن يسأل سمو الأمير “وجهاء البلد ورئيس المجلس والبارزين من الأعضاء والوزراء ثم يتصرف الامير كما يشاء، ونحن كلنا نلتزم بأمره”، وسأل الشيخ سعد أعضاء اللجنة الداعين لترشيح ثلاثة: “افرضوا أنّ الأسرة اجمعت على شخص معين فمَنْ سيقوم بالترشيح ضده، كيف إذاً نوجد المرشحين الثلاثة حسب الذي تقترحونه؟”.
وردّ عليه رئيس المجلس التأسيسي بأسئلة: “ما الحل إذا رشح الأمير ولي العهد للمجلس والمجلس لم يوافق عليه، ماذا سيحدث؟ إذا رشح الأمير ولي عهد والأسرة لا تريده؟”، فإجابه الشيخ سعد: “الشيخ الذي لا تريده العائلة لا يمكن أن يحكم”.
وتساءل وزير العدل:” إذا لم نأخذ بهذا الاقتراح أسأل، غداً؛ إذا تصارع اثنان من العائلة كيف سيكون الحلّ؟ ومَنْ سينهي هذا الصراع”، فكان ردّ الشيخ سعد: “مستحيل أن يتصارع اثنان من الأسرة الحاكمة”، فعقّب عليه أمين سر اللجنة يعقوب الحميضي: “ليس من المستحيل أن يتصارع أبناء الأسرة الحاكمة، وسعادتك موجود في الكويت، وتعرف كل شيء”، وأكد يعقوب الحميضي تأييده لاقتراح حمود الزيد الخالد بقوله: “إذا طبقنا اقتراح (أبو سليمان) سيكون نظامنا مفخرة بين نظم العالم، سنفخر أنّ نظامنا يتح لنا أن ينتخب ممثلو الشعب أمير البلاد، وهذا في صالح العائلة والحكومة قبل غيرها”، وعقّب عليه عضو اللجنة سعود العبدالرزاق: “هذا أسلم حلّ، ولا نستطيع أن نوجد أحسن منه”.
وعندما كرر الشيخ سعد تحفظه على مبدأ الترشيح، خاطبه رئيس المجلس عبداللطيف محمد ثنيان الغانم: “افرض أنّه أتى في المستقبل أمير يريد تولية ابنه، والأسرة لا تريد ذلك. في هذه الحالة سيكون مجلس الأمة هو الحَكَم بين الأمير والأسرة، وهذا في صالح الأسرة قبل أي شيء آخر”، ولعل هذا ما دفع الشيخ سعد لأن يغيّر رأيه بعض الشيء ليقول: “يتبادر إلى ذهني الآن اقتراح، وهو أن تقوم الأسرة باختيار ثلاثة ويختار الأمير أحدهم، فما رأيكم؟”، وردّ حمود الزيد الخالد على اقتراحه بالتذكير: “إنّ الأمر شركة بين سمو الأمير والشعب، فيجب أن يساهم في اختيار ولي العهد كلٌّ من الأسرة وممثلي الشعب” وهنا عاد الشيخ سعد إلى تكرار عرض رأيه السابق، وقال: “من الصعب جداً أن يصبح اختيار ولي العهد قائماًعلى الترشيح والانتخاب”، وبعدها أعلن رئيس المجلس موقف غالبية أعضاء اللجنة: “اتفقنا على اقتراح أبي سليمان”!
إلا أنّ الشيخ سعد عاد، في الجلسة ذاتها عند تلاوة الجزء المتصل بإصدار قانون يبين أحكام وراثة العرش في المذكرة التفسيرية، واعتراض قائلاً: “أنا مختلف معكم في هذا الرأي، وأريد تأجيل بحث المادة المتعلقة بإصدار قانون توارث العرش. وأعتقد أن ذلك يجب أن يكون بأمر أميري”.
وتم الاتفاق على تأجيل المادة وتفسيرها، ومع ذلك واصل الخبير الدستوري الدكتور عثمان خليل عثمان تلاوة هذا الجزء من المذكرة التفسيرية، الذي ينصّ على أنه “يلزم إصدار القانون المبين لأحكام وراثة العرش في أقرب فرصة لأنه ذو صفة دستورية، فيعتبر بمجرد صدوره جزءاً متمماً للدستور، فلا يعدّل إلا بالطريقة المقررة لتعديل هذا الدستور. قد التزمت المادة الرابعة هذا النهج، حتى لا تنوء الوثيقة الدستورية الأصلية بتفاصيل أحكام هذه الوراثة، وحتى تتاح دراسة هذه الأحكام التفصيلية الدقيقة في سعة من الوقت وروية من التفكير، ولذلك نصت المادة المذكورة على يصدر القانون المنوه عنه خلال سنة من تاريخ العمل بالدستور، واكتفت ببيان أسلوب الوراثة وأهم شروط ولي العهد”، وهو الاتجاه الذي تراه غالبية أعضاء اللجنة، ما عدا الشيخ سعد العبدالله، الذي كان يطلب التأجيل، ويرى أن يكون تنظيم توارث أحكام الإمارة بأمر أميري. وبعد ذلك، في الجلسة الحادية والعشرين للجنة الدستور، التي عقدت في 22 أكتوبر 1962، عرض الخبير الدستوري الدكتور عثمان خليل عثمان نصّ المادة الرابعة على ضوء مناقشات الجلسة السابقة، حيث جاء نصّها كالآتي: “الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح.
ويعيّن ولي العهد خلال سنة على الأكثر من تولية الامير، ويكون تعيينه بأمر أميري بناء على مبايعة من مجلس الأمة تتم بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس. وللأمير أن يرشح لولاية العهد ثلاثة على الأقل من الذرية المذكورة، وفي هذه الحالة تنحصر بيعة المجلس فيهم وحدهم.
وينظم سائر الاحكام الخاصة بتوارث الإمارة قانون خاص يصدر في خلال سنة من تاريخ العمل بهذا الدستور. وتكون له صفة دستورية فلا يجوز تعديله إلا بالطريقة المقررة لتعديل هذا الدستور”.
وقد اقترح الشيخ سعد العبدالله أن يكون ذلك بالاتفاق بين الأمير ومجلس الأمة “بدلاً من كلمة الترشيح”، وعندها تساءل الخبير الدستوري: “كيف سيكون هذا الاتفاق؟” فكان ردّ الشيخ سعد: “لنفترض أنّ الامير استشار المجلس واستشار رئيسه وكبار البلاد واتفقوا على ولي العهد. في هذه الحالة أعتقد أنه لا داعي للترشيح”، فأوضح أمين سر اللجنة يعقوب الحميضي أنّ رأي المجلس هنا سيكون استشارياً، وتساءل وزير العدل: “إذا حدث خلاف ماذا سيصير؟”، فأجاب الشيخ سعد: “قد يتفق الأمير ومجلس الأمة. هذا ليس مستحيلاً”، وعلّق الخبير الدستوري على قوله: “هذه الحالة ممكنة، والمادة تبيح ذلك، والفقرة الثانية من المادة المقترحة تواجه هذه الحالة، فإذا اتفق الأمير ومجلس الأمة على مرشح واحد فإنّ الأمير يترك المبايعة للمجلس دون ترشيح…”.
ويتضح من محضر تلك الجلسة أنّ الشيخ سعد خرج بعد مكالمة هاتفية تلقاها من قصر السيف، وعاد بعد نصف ساعة، حيث استأنفت اللجنة اجتماعها بملاحظة من الشيخ سعد حول الترشيح، وردّ عليه الخبير الدستوري: “نغيّر كلمة يرشح ونضع بدلها في المادة كلمة يزكي”، وعلى الرغم من هذا التنازل، فقد واصل الشيخ سعد إصراره على اقتراحه البديل، متسائلاً: “يُعيّن بأمر أميري بناء على اتفاق مع مجلس الأمة، ونستبعد قضية الترشيح، والأمير والمجلس حرّان في طريقة الاتفاق”!
كما تساءل: “هل من الواجب أن يرشح الأمير ثلاثة على الأقل، لماذا لا يكون اثنان على الأقل؟”، فردّ عليه الخبير الدستوري: “سيكون مجال الاختيار ضيقاً، وستكون القضية شكلية، وتصبح المسألة مسألة تعيين وليس اختياراً…”، وبعدها كرر الشيخ سعد طلب التأجيل بقوله: “أرجو إعطائي فرصة لعرض الأمر على إخواني لأن المسالة تهمهم كذلك”، فوافق رئيس المجلس.
وفي الجلسة التالية (الجلسة الثانية والعشرون المنعقدة في 25 أكتوبر 1962) قدّم الخبير الدستوري تعديلاً على النصّ المقترح للمادة الرابعة، وتحديداً الجزء المتصل بترشيح ثلاثة والنصّ على الشروط الواجب توفرها في ولي العهد، حيث جاء التعديل على النحو التالي: “… يجوز للأمير إذا رأى ضرورة لذلك أن يزكي لولاية العهد ثلاثة على الأقل من الذرية المذكورة. وفي هذه الحالة تنحصر بيعة المجلس فيهم وحدهم. ويشترط في ولي العهد أن يكون مسلماً رشيداً عاقلاً وابناً شرعياً لأبوين مسلمين…”، وأوضح الخبير الدستوري أنّ أمام الامير أمرين “الاول أن يترك الأمر للمجلس ليختار من ذرية المغفور له مبارك الصباح مَنْ يريد. أو أن يرشح ثلاثة على الأقل ليختار المجلس من هؤلاء ولياً للعهد، ولعل تفسير الخيار الأول، وفقاً لما جاء على لسان الخبير الدستوري أنّ المجلس يختار ولي العهد من دون تزكية الأمير لم يكن واضحاً تماماً لأعضاء اللجنة.
أما الشيخ سعد العبدالله فأبدى ملاحظة حول شرط أن يكون ولي العهد مسلماً ما دام من ذرية المغفور له مبارك الصباح، وأكد الخبير الدستوري أنّ هذا “تحصيل حاصل”، ويمكن حذف هذا النصّ والاكتفاء بأن يكون ابناً شرعياً لأبوين مسلمين، بينما رأى وزير العدل بقاء النصّ على ما هو عليه، وبعد انتهاء المناقشة أبلغ الشيخ سعد أعضاء اللجنة أنّه “إذا كنتم متفقين على هذا الاقتراح سأحمله لسمو الأمير لإبداء رأيه فيه وإن شاء الله سآتيكم بالجواب صباح السبت القادم”.
وفي الجلسة الثالثة والعشرين المنعقدة يوم السبت 27 أكتوبر 1962 تليت المادة الرابعة من الدستور، التي كان نصّها في المشروع: “الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح، ويُعيّن ولي العهد خلال سنة على الأكثر من تولية الأمير، ويكون تعيينه بأمر أميري بناء على مبايعة مجلس الأمة تتم في جلس خاصة بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس.
ويجوز للأمير إن رأى ضرورة لذلك أنْ يزكي لولاية العهد ثلاثة على الأقل من الذرية المذكورة، وفي هذه الحالة تنحصر بيعة المجلس فيهم وحدهم، ويُشترط في ولي العهد أن يكون عاقلاً وابناً شرعياً لأبوين مسلمين.
وينظم سائر الأحكام الخاصة لتوارث الإمارة قانون يصدر في خلال سنة من تاريخ العمل بهذا الدستور، وتكون له صفة دستورية، فلا يجوز تعديله إلا بالطريقة المقررة لتعديل هذا الدستور”.
وهنا أثار عضو اللجنة وزير الداخلية الشيخ سعد العبدالله سؤالاً: “هل الأمر الأميري يرشح ولي العهد والمجلس يوافق؟ إذا الأمير والمجلس متفقان على ولي العهد، فهل هناك داعٍ للتصويت؟”.
واقتراح الدكتور عثمان خليل عثمان أن يتم ذلك “بأمر أميري بناء على تزكية الأمير ومبايعة من مجلس الامة تتم في جلسة خاصة بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس”، وأكد أنّ “التصويت يكون ضرورياً إذ كان هناك خلاف بين مجلس الأمة والأمير، فيجب أن يجري التصويت ولا يصبح المرشح ولياً للعهد إلا إذا صوّت إلى جانبه أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس”.
وكرر الشيخ سعد موقفه القائل: “إنّ التصويت غير مستساغ، وإنّ الامير لن يرشح إلا الشخص المقبول من العائلة والمجلس وليس هناك داعٍ لهذه الفقرة”، فيما ردّ عليه أمين سر اللجنة يعقوب الحميضي متسائلاً:” وإذا لم يحدث… وإذا قدّم الأمير شخصياً للمجلس ولم يوافق عليه ما الحل؟ نحن يجب أن نحتاط للمستقبل، ولا ننظر لأوضاعنا الحالية…” ثم أعيدت صياغة الفقرة لتصبح: “وفي حالة عدم التعيين على النحو السابق يزكي الأمير لولاية العهد ثلاثة على الأقل من الذرية المذكورة فيبايع المجلس أحدهم ولياً للعهد” وحصل التعديل على موافقة إجماعية من اللجنة.
وبعد انتهاء مناقشة المادة الرابعة من الدستور في لجنة الدستور عرضت على المجلس التأسيسي في جلسته الخامسة والعشرين المنعقدة يوم الثلاثاء 30 أكتوبر 1962.
وقفة أمام مداولات لجنة الدستور حول ولاية العهد وتوارث الإمارة:
مما سبق من عرض لما دار في جلسات لجنة الدستور في المجلس التأسيسي نلاحظ أنّ الشيخ سعد ممثل الأسرة الحاكمة كان حريصاً على إبعاد مجلس الأمة عن تنظيم توارث الإمارة، بحيث تصدر أحكامها بأمر أميري يصدره الأمير، وليس عبر قانون دستوري، وكان يسعى لأن يكون قرار اختيار ولي العهد بيد الأمير، ويرفض أن يتم الأمر عبر الترشيح على أن يكون دور مجلس الأمة استشارياً فقط ويبايع من يختاره الأمير، وفي المقابل كان رأي غالبية أعضاء اللجنة أن يتم تنظيم أحكام توارث الإمارة بقانون دستوري وليس بأمر أميري، وأن يشارك مجلس الأمة في اختيار ولي العهد، وأن يُفسح في المجال أمام أكثر من مرشح من الأسرة الحاكمة.
والملاحظة الأخرى أنّ غالبية أعضاء اللجنة كانت تميل نحو عدم حصر ولاية العهد في شخص ابن الأمير، حتى لا تتغلب عاطفة الأبوة عنده على عنصر الكفاءة، الذي قد يكون متوافراً في غيره… ولكن هذا الميل لم يتحوّل إلى نصّ دستوري يمنع الامير من تزكية ابنه إذا أراد، إذ أنّ أبناء الأمير هم أنفسهم من ذرية المغفور له مبارك الصباح، ولهم الحقّ ذاته، في حال توفر الشروط الدستورية.
غالبية أعضاء لجنة الدستور في المجلس التأسيسي كانت تميل نحو عدم حصر ولاية العهد في شخص ابن الأمير، حتى لا تتغلب عاطفة الأبوة عنده على عنصر الكفاءة، الذي قد يكون متوافراً في غيره… ولكن ليس هناك نصّ دستوري يمنع الامير من تزكية ابنه إذا أراد، في حال توفر الشروط الدستورية.
وأما الملاحظة الثالثة، فهي أن غالبية أعضاء اللجنة كانت تميل أيضاً إلى مشاركة الأسرة في ترشيح ولي العهد مع الأمير، ولكنها لم تطلب وضع نصّ دستوري يبين هذا الدور للأسرة، وبذلك فإنّ الدستور لم يقرر دوراً محدداً للأسرة الحاكمة في اختيار ولي العهد، وإنما الأمر شركة بين الأمير ومجلس الأمة، ولا طرف ثالثاً في الأمر لا الأسرة الحاكمة ولا مجلس الوزراء، إلا مشاركة أفراد الأسرة من الوزراء ومشاركة الوزراء الآخرين بحكم عضويتهم في مجلس الامة في التصويت بالمبايعة أو عدمها، أو الامتناع على مَنْ يزكيه الأمير سواء كان المُزَكى شخصاً واحداً أو أكثر.
الدستور لم يقرر دوراً محدداً للأسرة الحاكمة في اختيار ولي العهد، وإنما الأمر شركة بين الأمير ومجلس الأمة
والملاحظة الرابعة أنّ ما نصّت عليه المادة الرابعة في مشروع لجنة الدستور في المجلس التأسيسي في شأن مشاركة مجلس الأمة في اختيار ولي العهد، وكذلك في جعل الخيار بين ثلاثة على الأقل من ذرية المغفور له مبارك الصباح في حال عدم الاتفاق على شخص واحد يجد أساسه التاريخي في مشاركة الكويتيين في اختيار أميرهم، وما تضمنته الوثيقة التاريخية الموقعة في العام 1921، التي تمّ على أساسها حصر الامر في ثلاثة من الأسرة الحاكمة ومبايعة الشيخ أحمد الجابر وفق تلك الوثيقة.
اختيار ولي العهد قبل إقرار المادة الرابعة من الدستور:
على أرض الواقع نجد أنّ الأمر الأميري بتعيين سمو الشيخ صباح السالم الصباح ولياً لعهد دولة الكويت قد صدر في 29 أكتوبر 1962، أي في اليوم السابق لجلسة المجلس التأسيسي، التي عرضت فيها المادة الرابعة، وتلي ذلك الأمر الأميري في الجلسة ذاتها قبيل مناقشة المادة الرابعة من الدستور، بحيث كان واضحاً تماماَ أنّ تعيين ولي العهد حينذاك قد تمّ بمعزل عن أحكام المادة الرابعة، قبل مناقشتها أو إقرارها، وهو موضوع كان متفقاً عليه داخل لجنة الدستور بحيث تكون المادة الرابعة من الدستور وقانون توارث الإمارة أساس تنظيم وراثة مسند الإمارة في المستقبل.
تم تعيين الشيخ صباح السالم الصباح ولياً لعهد دولة الكويت في 29 أكتوبر 1962، أي في اليوم السابق لجلسة المجلس التأسيسي، التي عرضت فيها المادة الرابعة بشأن تعيين ولي العهد.
إقرار المادة الرابعة:
عندما تلا الأمين العام للمجلس التأسيسي في جلسة المجلس العامة المنعقدة يوم 30 أكتوبر 1962 النصّ المقترح للمادة الرابعة كانت الملاحظة الوحيدة من وزير الشؤون الاجتماعية عضو المجلس التأسيسي محمد يوسف النصف، الذي تساءل عما إذا كانت مبايعة ولي العهد تتم في جلسة علنية أو سرية؟ فأوضح الخبير الدستوري أنّ قرار سرية الجلسة أو علنيتها يعود إلى مجلس الأمة.
وبذلك تم إقرار المادة الرابعة من الدستور وفقاً للنصّ النهائي التالي: “الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح. ويُعيّن ولي العهد خلال سنة على الأكثر من تولية الأمير، ويكون تعيينه بأمر أميري بناء على تزكية الأمير ومبايعة من مجلس الأمة، تتم في جلسة خاصة، بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس. وفي حالة عدم التعيين على النحو السابق يزكي الأمير لولاية العهد ثلاثة على الأقل من الذرية المذكورة فيبايع المجلس أحدهم ولياً للعهد.
ويُشترط في ولي العهد أن يكون رشيداً عاقلاً وابناً شرعياً لأبوين مسلمين.
وينظم سائر الاحكام الخاصة بتوارث الإمارة قانون خاص يصدر في خلال سنة من تاريخ العمل بهذا الدستور، وتكون له صفة دستورية، فلا يجوز تعديله إلا بالطريقة المقررة لتعديل هذا الدستور”.
أما المذكرة التفسيرية للدستور فتشير إلى هذه المادة وإلى قانون توارث الإمارة بقولها: “إنّ عرش الإمارة وراثي في أسرة المغفور له مبارك الصباح”… “يلزم إصدار القانون المبين لأحكام وراثة العرش في أقرب فرصة لأنّه ذو صفة دستورية، فيعتبر بمجرد صدوره جزءاً متمماً للدستور، فلا يُعدَّل إلا بالطريقة المقررة لتعديل هذا الدستور. وقد التزمت المادة الرابعة هذا النهج، حتى لا تنوء الوثيقة الدستورية الأصلية بتفاصيل أحكام هذه الوراثة، وحتى تتاح دراسة الاحكام التفصيلية الدقيقة في سعة من الوقت وروية من التفكير. لذلك نصّت المادة المذكورة على أن يصدر القانون المنوه عنه خلال سنة من تاريخ العمل بالدستور، واكتفت ببيان أسلوب الوراثة وأهم شروط ولي العهد”.
قانون توارث الإمارة:
بعد أن صادق الأمير على الدستور في 11 نوفمبر 1962، جرت انتخابات مجلس الأمة الأول في 23 يناير 1963، وعقد المجلس أول اجتماع له في 29 يناير، وتقدّمت الحكومة بمشروع قانون توارث الإمارة إلى مجلس الأمة، حيث أقرّه وصدر في 30 يناير 1964، أي في نهاية مدة السنة، التي قررتها المادة الرابعة من الدستور، وحمل القانون توقيع ولي العهد ونائب الأمير الشيخ صباح السالم الصباح والتوقيع المجاور لنائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر الأحمد الجابر، ونشر في العدد 464 من الجريدة الرسمية “الكويت اليوم” الصادر بتاريخ 2 فبراير 1964، وهذا نصّه:
“نحن صباح السالم الصباح ولي العهد ونائب أمير دولة الكويت بعد الاطلاع على المواد 4 و 59 و 61 من الدستور
وافق مجلس الأمة على القانون الآتي نصه , وقد صدقنا عليه وأصدرناه .
المادة 1
الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح .
الأمير
المادة 2
الأمير رئيس الدولة , وذاته مصونة لا تمس , ولقبه ‘ حضرة صاحب السمو أمير الكويت ‘ .
المادة 3
يشترط لممارسة الأمير صلاحياته الدستورية ألا يفقد شرطا من الشروط الواجب توافرها في ولي العهد . فإن فقد أحد هذه الشروط أو فقد القدرة الصحية على ممارسة صلاحياته , فعلى مجلس الوزراء (بعد التثبت من ذلك) عرض الأمر على مجلس الأمة في الحال لنظره في جلسة سرية خاصة . فإذا ثبت للمجلس بصورة قاطعة فقدان الشرط أو القدرة المنوه عنهما , قرر بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم , انتقال ممارسة صلاحيات الأمير إلى ولي العهد بصفة مؤقتة أو انتقال رئاسة الدولة إليه نهائيا.
المادة 4
إذا خلا منصب الأمير نودي بولي العهد أميرا .فإذا خلا منصب الأمير قبل تعيين ولي العهد , مارس مجلس الوزراء جميع اختصاصات رئيس الدولة لحين اختيار الأمير بذات الإجراءات التي يبايع بها ولي العهد في مجلس الأمة وفقا للمادة الرابعة من الدستور . ويجب أن يتم الاختيار في هذه الحالة خلال ثمانية أيام من خلو منصب الأمير.
المادة 5
لا تجوز مخاصمة الأمير باسمه أمام الحاكم .
ويعين الأمير بأمر أميري وكيلا أو أكثر يتولون في الحدود التي يبينها الأمر الصادر بتعيينهم إجراءات التقاضي , وتوجه إليهم الأوراق القضائية في الشئون الخاصة بالأمير .
ولي العهد
المادة 6
يعين ولي العهد بالطريقة المنصوص عليها في المادة الرابعة من الدستور ولقبه ‘سمو ولي العهد’. ويشترط في ولي العهد أن يكون رشيدا عاقلا مسلما وابنا شرعيا لأبوين مسلمين , وأن لا تقل سنه يوم مبايعته عن ثلاثين سنة ميلادية كاملة.
المادة 7
ينوب ولي العهد عن الأمير في ممارسة صلاحياته الدستورية في حالة تغيبه خارج الدولة وفقا للشروط والأوضاع المبينة في المواد 61 و 62 و 63 و 64 من الدستور .
وللأمير أن يستعين بولي العهد في أي أمر من الأمور الداخلة في صلاحيات رئيس الدولة الدستورية .
المادة 8
إذا فقد ولي العهد أحد الشروط الواجب توافرها فيه، أو فقد القدرة الصحية على ممارسة صلاحياته، أحال الأمير الأمر إلى مجلس الوزراء وعلى المجلس في حالة التثبت من ذلك عرض الأمر على مجلس الأمة فورا لنظره في جلسة سرية خاصة. فإذا ثبت لمجلس الأمة بصورة قاطعة فقدان الشرط أو القدرة المنوه عنهما. قرر بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم انتقال ممارسة صلاحيات ولي العهد بصفة مؤقتة أو انتقال ولاية العهد بصفة نهائية إلى غيره، وكل ذلك وفقا للشروط والأوضاع المقررة في المادة الرابعة من الدستور.
المادة 9
تكون لهذا القانون صفة دستورية , فلا يجوز تعديله إلا بالطريقة المقررة لتعديل الدستور.
المادة 10
على رئيس مجلس الوزراء والوزراء تنفيذ هذا القانون ويعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
نائب أمير دولة الكويت
صباح السالم الصباح
نائب رئيس مجلس الوزراء
جابر الأحمد الجابر
صدر في 16 رمضان 1383 هـ الموافق 30 يناير 1964 م”
المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون توارث الإمارة:
نصت المادة الرابعة من الدستور على الأحكام الأساسية في توارث الإمارة وتعيين ولي العهد, وتركت سائر الأحكام ينظمها قانون خاص يصدر في خلال سنة من تاريخ العمل بالدستور. كما تركت المادة 59 لذات القانون أن يحدد الشروط اللازمة لممارسة الأمير صلاحياته الدستورية.
وتنفيذا لتلك النصوص، تقدم الحكومة مشروع القانون المرافق. وقد تضمنت المادتان الأولى والتاسعة منه أحكاما وردت في نصوص الدستور , فقضت المادة الأولى بأن الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح , وقررت المادة التاسعة أن لهذا القانون صفة دستورية فلا يجوز تعديله إلا بالطريقة المقررة لتعديل الدستور.
ويتضمن المبحث الخاص بالأمير النص على أنه رئيس الدولة وأن ذاته مصونة لا تمس، وحددت لقبه الرسمي بحضرة صاحب السمو أمير الكويت.
ثم تناولت المادة الثالثة الشروط الخاصة بممارسة الأمير صلاحياته. ورسمت الطريق الدستوري الواجب الاتباع عند فقد الأمير الشرط أو القدرة الصحية المنوه عنهما، فجعلت نقل ممارسة صلاحيات الأمير إلى ولي العهد بصفة مؤقتة أو نهائيا متوقفا على عرض مجلس الوزراء بعد التثبت، وقرار مجلس الأمة بأغلبية خاصة هي ثلثا الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس.
وواجهت المادة الرابعة حالة خلو منصب الأمير , فقضت بالمناداة بولي العهد أميرا , أما إذا لم يكن ولي العهد قد عين بعد , فتركت لمجلس الوزراء سلطات الأمير في رياسة الدولة وتعيين الأمير الجديد بمبايعة مجلس الأمة وفقا لأحكام المادة الرابعة من الدستور. وشرطت أن يتم ذلك خلال ثمانية أيام.
ولما كانت ذات الأمير مصونة لا تمس , وكانت أحكام المحاكم تصدر باسمه فقد نصت المادة الخامسة على عدم جواز مخاصمته باسمه أمام المحاكم , فتكون مخاصمته , وإجراءات المخاصمة منه , باسم وكيل يعينه بأمر أميري.
ثم انتقل المشروع في المبحث الثاني إلى بيان أحكام ولي العهد فشرطت المادة السادسة منه في ولي العهد ذات الشروط الواردة في الدستور , واستلزمت أن لا يقل سنه يوم مبايعته بولاية العهد عن ثلاثين سنة كاملة وهو السن الذي اشترطه الدستور في الوزراء وأعضاء مجلس الأمة.
وقررت المادة السابعة قاعدة نيابة ولي العهد عن الأمير عند تغيبه خارج الدولة , وأباحت أن يستعين به الأمير في أي أمر من الأمور الداخلة في صلاحياته.
وواجهت المادة الثامنة حالة فقدان ولي العهد أحد الشروط الواجب توافرها فيه بنص الدستور، أو القدرة الصحية على ممارسة صلاحياته. فرسمت إجراءات نقل ممارسة الصلاحيات إلى غيره بصفة مؤقتة أو نهائية.
وبدأتها بإحالة الأمير الأمر إلى مجلس الوزراء ثم موافقة المجلس , وقرار مجلس الأمة بأغلبية خاصة (نصف الأعضاء الذين يتألف منهم) , كل ذلك في حدود الشروط والأوضاع المقررة في المادة الرابعة من الدستور.
وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء”
وقفة وملاحظات حول قانون توارث الإمارة:
استند القانون في ديباجته إلى مادتين دستوريتين غير المادة الرابعة، وهما المادتان 59 و61 من الدستور، واللافت للانتباه أنّ المادة 59 كانت في النصّ المقترح من مسودة الوثيقة الدستورية، التي أعدّها الخبير الدستوري للمجلس التأسيسي الدكتور عثمان خليل عثمان كانت تحمل الرقم 45، وكانت تنصّ على أنّ “السنّ اللازمة لممارسة الأمير صلاحياته الدستورية عشرون سنة شمسية”، وقد أثار عضو لجنة الدستور وزير العدل حمود الزيد الخالد اعتراضاً على تدني متطلب السن، بينما رأي رئيس المجلس التأسيسي عبداللطيف محمد ثنيان الغانم أنّه “لا يمكن أن نرفع سنّ الرشد إلى أكثر من عشرين سنة”، وقد وافقت لجنة الدستور في جلستها العاشرة المنعقدة في 2 يونيو 1962 على نصّ المادة، التي تغيّر رقمها إلى المادة 59، وأقرها المجلس التأسيسي في جلسته العشرين بتاريخ 18 سبتمبر 1962، بينما نجد أنّ نصّ المادة 59 من الدستور قد تغيّر لاحقاً ولم ينص على شرط السنّ، إذ أحاله مع الشروط اللازمة لممارسة الأمير صلاحياته الدستورية إلى قانون توارث الإمارة، ولم أتمكن من خلال متابعتي للمحاضر أن أجد ما يشير إلى قرار المجلس التأسيسي بتغيير نصّ تلك المادة، التي أصبح نصّها الآن، كما هو مثبّت في الدستور: “يحدد القانون المشار إليه في المادة الرابعة الشروط اللازمة لممارسة الأمير صلاحياته الدستورية”.
لم تتضمن المادة الرابعة من الدستور ولا قانون توارث الإمارة شرط الجنس بشكل صريح وواضح، على خلاف العديد من الأحكام الدستورية وقوانين توارث العروش الملكية ومساند الإمارات، التي تشترط الذكورة في الملك أو الأمير أو ولي العهد.
لم يتضمن القانون وكذلك الدستور أي نصّ يشير إلى أداء ولي العهد يمين القسم الدستوري أمام الأمير أو أمام مجلس الأمة بهذه الصفة، وإنما فقط أداء يمين القسم كنائب للأمير.
لم يوضح قانون توارث الإمارة ما إذا كان ممكناً أن يبايع مجلس الأمة الشخص، الذي زكاه الأمير أول مرة ولم يحصل على مبايعة المجلس، وهناك تفاوت بين الفقهاء الدستوريين بهذا الشأن، حيث يرى الدكتور أحمد كمال أبوالمجد في مذكراته المعنونة “السلطات العامة في الكويت: تنظيمها واختصاصاتها” أنّه “ليس هناك من يمنع من ذلك، إذ قد يرى المجلس وهو ملزم بالاختيار بين الثلاثة أنّ المزكى أول مرة هو أفضل الثلاثة وأجدرهم بولاية العهد”، وإن عاد فاستدرك قائلاً: “ومع ذلك فإنّ الملاءمة تقضي بغير ذلك”، أما الدكتور عثمان عبدالملك الصالح في كتابه “النظام الدستوري والمؤسسات السياسية في الكويت” فيرى أننا في هذه الحالة سنكون أمام مرشحَيْن – في واقع الامر- لا ثلاثة لأنّ المرشح الأول قد زُكّي وبتَّ المجلس في أمره بالرفض، ومن ثمَّ فَقَدَ أهليته للترشيح بطبيعة الحال”.
لم يوضح قانون توارث الإمارة ما إذا كان ممكناً أن يبايع مجلس الأمة الشخص، الذي زكاه الأمير أول مرة ولم يحصل على مبايعة المجلس، وهناك تفاوت بين الفقهاء الدستوريين بهذا الشأن.
ولعلّه كان من الأنسب تفصيل آلية التصويت واجراءاته في مجلس الأمة عند تعدد أشخاص الذين زكّاهم الأمير، بحيث تعالج إمكانية إعادة تزكية مَنْ لم يحصل على المبايعة منفرداً من عدمها، وطبيعة الغالبية العددية في حال تعدد المرشحين وإعادة التصويت.
***
ختاماً، لئن كانت سلطة الأمير مطلقة في تزكية مَنْ يراه من ذرية المغفور له مبارك الصباح لولاية العهد في حال انطباق الشروط الدستورية عليه، إلا أنّه في المقابل فإنّ مجلس الأمة يملك الحقّ في مبايعة المزكّى لولاية العهد من عدمها، وفي حالة عدم المبايعة يزكي الأمير ثلاثة على الأقل من الذرية المذكورة ليبايع المجلس أحدهم.
لمن يمتلك معرفة، ولو محدودة، لواقع أندية كرة القدم ومشجعيهم الصهاينة، لكان لن يُفاجأ بما فعله مشجعو (مكابي تل أبيب) في أمستردام، بالعكس، لفوجئ كيف يمكن للسلطات الهولندية أن تسمح للآلاف من هؤلاء بالدخول لهولندا، وهم المعروفون بسلوكهم الغوغائي والعنصري والهمجي.
تتغنى الولايات المتحدة الأميركية بنظامها “الديمقراطي” وحرية الانتخابات فيها، والحريات والدفاع عن حقوق الإنسان فأين تلك الادعاءات والولايات المتحدة الأميركية حامية للاحتلال الصهيوني ومشاركة في حربه العدوانية على قطاع غزة ولبنان.
صوتت الأمم المتحدة يوم الأربعاء 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على مشروع القرار المعنون ”ضرورة إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه حكومة الولايات المتحدة ضد كوبا“، حيث صوتت 187 دولة لصالح إلغاء هذه السياسة الأميركية المعادية .
تجددت الاشتباكات بين جنرالات الحرب في السودان الجنرال “حميدتي” قائد ميليشيا الدعم السريع، والجنرال البرهان قائد الجيش المختطف من الحركة الإسلامية، بشكل أكثر شراسة خلال شهر أكتوبر المنصرم على جميع محاور القتال، بخاصة في محوري الخرطوم وولاية الجزيرة.