أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، رسمياً، في خطابه السنوي، في 8 آذار/ مارس الحالي، عن حالة الاتحاد أنه سيوجه الجيش الأميركي لقيادة “مهمة طارئة لإنشاء رصيف بحري مؤقت في البحر المتوسط على ساحل غزة قادر على استقبال سفن كبيرة تحمل الغذاء والدواء والماء وملاجىء مؤقتة”، مؤكداً أنه لن يكون هناك تواجد لقوات أميركية على الأرض. وبحسب الرئيس الأميركي فإن بناء الميناء سينفذه ألف جندي أميركي يستغرق الانتهاء من بنائه 60 يوماً. بدورها سارعت بريطانيا إلى حجز مقعدها بالمشروع، فقد أعلن وزير خارجيتها، ديفيد كاميرون، أنه إلى “جانب الولايات المتحدة تعلن بريطانيا وشركاؤها فتح ممر بحري لتوصيل المساعدات مباشرة إلى غزة”. وكان وزير خارجية الكيان الصهيوني، يسرائيل كاتس، قد توصل إلى اتفاق مع قبرص واليونان حول ما يسمى “الميناء العائم” وخطواته وآليات عمله.
أعيد طرح مشروع بناء “ميناء عائم” بالتزامن مع العدوان الصهيوني الفاشي على قطاع غزة، المستمر منذ السابع من أكتوبر العام الماضي، وهو مشروع قديم من بين أهدافه إحكام السيطرة الصهيونية على المساعدات الإنسانية التي تصل إلى قطاع غزة، وجعلها تحت إشرافه، ولتحقيق ذلك دمر العدو في عدوانه على غزة الميناء الوحيد فيها.
ينطلق ممر السفن المحملة بالمساعدات الإنسانية من ميناء في جزيرة قبرص ترسو فيه السفن، وتخضع لتفتيش يشرف عليه الكيان الصهيوني الذي يقرر ما المسموح منها بارساله إلى قطاع غزة. حمولة السفن يتم إفراغها في “الميناء العائم” وتنقل إلى قطاع غزة. وبحسب البنتاغون فإن الميناء سوف يربط بنقطة على البر على شاطئ غزة عبر جسرَيْن بطول 550 م، بمواصفات تسمح باستيعاب جميع أنواع سفن المساعدات. وذكرت تقارير أن مساحة الميناء تقدر بحوالى 6-8 كلم2، تضم مستشفيات عائمة إلى جانبها بيوت إيواء عائمة بسفن.
تقطيع أوصال قطاع غزة
دمر العدو الصهيوني في عدوانه على قطاع غزة البنية التحتية في القطاع ومجمعات سكنية بأكملها، ذهب ضحيته عشرات آلاف الشهداء والجرحى والآلاف من المفقودين تحت الأنقاض غالبيتهم من النساء والأطفال، ونزوح أكثر من 1.4 مليون نازح إلى رفح وحصارهم في مساحة تقدر بـ 55 كلم2 يتعرضون فيها لقصف وغارات ومجازر صهيونية يومية وتهديدات بشن عدوان بري على رفح، ويمنع عنهم وصول المساعدات الأساسية من ماء وغذاء وأدوية.
يقوم المخطط الصهيوني على تقطيع أوصال قطاع غزة من خلال شق طريق يقسم القطاع إلى منطقتَيْن جغرافيتَيْن منفصلتَيْن هما شمال القطاع وجنوبه. وقد أظهر تحليل شبكة CNN لصور الأقمار الاصطناعية التقطت في 6 مارس/ آذار الحالي، بأن الطريق الذي كان يشقه العدو منذ أسابيع، وصل إلى الساحل. ومنذ العدوان الصهيوني على غزة تمت عملية تدمير ممنهج لجميع المباني وحرق الأراضي الزراعية وجرف المنطقة، التي يشق فيها العدو الطريق، بالكامل وتحويلها إلى منطقة أمنية تحت الاحتلال الصهيوني ممَّا يدل على أن العدو سيبقى في تلك المنطقة العازلة، أي إعادة احتلال قطاع غزة وتهجير سكانه منه بالقتل والدمار. هنا يأتي “الميناء العائم” ليكمل المشروع الصهيوني فرض الحصار على أهالي غزة، وفتح ممر واحد أمامهم هو البحر لتهجيرهم من أرضهم، أي قطع الطريق أمام عودة النازحين من رفح إلى شمال قطاع غزة الذي هجروا منه، أساس مشروع “الميناء العائم” نجده في عرض وزير الخارجية الصهيوني يسرائيل كاتس، خلال اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين في بروكسيل، في كانون الثاني/ يناير 2024، وهو مشروع عنصري عرقي تهجيري قديم يسمّى بـ “الجزيرة الاصطناعية” قبالة سواحل غزة التي تقدر مساحتها بـ 8 كلم2، حيث أعاد طرح تهجير نحو نصف مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى تلك الجزيرة وغيرها من المناطق والدول.
قاعدة عسكرية أميركية عائمة
إن إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن عن إنشاء “ميناء عائم” قبالة سواحل غزة تحت ذريعة إيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، يوضح الشراكة الأميركية – الصهيونية في العدوان المجرم على غزة، وأن لا خلاف بينهما، فالإعلان يعني استمرار اغلاق المعابر البرية ودعم استمرار العدوان الصهيوني على غزة، ومنع ايقاف دائم لاطلاق النار وانسحاب قوات العدو من المناطق التي احتلتها. فأي “مساعدات إنسانية” تلك وجسر إمداد العدو الصهيوني بأسلحة القتل والدمار لم توقفه الولايات المتحدة، واستخدامها حق النقض “الفيتو” ثلاث مرات لمنع صدور قرار من مجلس الأمن لوقف العدوان الصهيوني على قطاع غزة. إن الإعلان عن بناء “الميناء العائم” يعني، عملياً، إنهاء معبر رفح نهائياً، أي منع فتحه، وهو المعبر البري الوحيد للقطاع مع العالم. كما يعني المشروع الأميركي – الصهيوني إنهاء دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا، فقد عمد العدو منذ السابع من أكتوبر الماضي على تدمير البنية التحتية للأونروا بشكل مباشر وواضح تحت مرأى جميع دول العالم من دون أن يحركوا ساكناً، لا بل أعلنت العديد من الدول إيقاف تمويلها للأونروا، من بينها الولايات المتحدة الأميركية، وإيطاليا، وبريطانيا، وكان الكيان الصهيوني قد أعلن وقف عمل الوكالة في القدس المحتلة تحت كذبة أن بعض موظفيها قد شاركوا في عملية المقاومة “طوفان الأقصى”. هذا يعني، ربطاً بمشروع “الميناء العائم” ومندرجاته وآليات تنفيذه، أن العدو يفرض إشرافه على المساعدات التي سوف ترسل إلى القطاع من دون أي رقابة عليه. وممّا يزيد من خطورة مشروع “الميناء العائم” لايصال المساعدات الإنسانية إلى غزة أن الولايات المتحدة الأميركية تركت مسألة توزيع المساعدات مفتوحة على العديد من المناورات التي تصب في نهاية المطاف في خدمة الكيان الصهيوني، من تلك المناورات ما طرح عن تولي شركات أمنية خاصة توزيع المساعدات، أو شركات فلسطينية خاصة، من هي تلك الشركات ولأي سلطة تتبع؟. يوضح المشروع الأميركي – الصهيوني الإجابة عن السؤال وهي فرض إدارة محلية ضد إرادة الشعب الفلسطيني المقاوم للاحتلال تتحكم بالمساعدات الإنسانية تحت سلطة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وخلق حالة فوضى لإضعاف المقاومة.
إن مشروع “الميناء العائم” ربطاً بمندرجاته وآليات تنفيذه، لا يتوقف عند تهجير أهالي قطاع غزة منه قسراً، وإعادة احتلاله، إنه حلقة في المشروع الامبريالي الأميركي – الصهيوني التوسعي القائم على فرض الهيمنة على ثروات شعوب العالم ونهبها، فمشروع “الميناء العائم” مرتبط بثلاثة مشاريع استراتيجية اقتصادية رئيسة في المشروع الامبريالي الأميركي – الصهيوني الاستعماري الأم، وهي:
أولاً: ان “الميناء العائم” عبارة عن قاعدة عسكرية أميركية عائمة قبالة غزة عينها على ثروات الغاز في شواطئ قطاع غزة فبحسب بعض الدراسات والمسوحات الجيولوجية يوجد في بحر غزة أكثر من 2.5 تريليون متر مكعب من الغاز، وان هذه المنطقة من البحر الأبيض المتوسط تحتوي على ثروات كبيرة من النفط والغاز.
ثانياً: السيطرة على طرق نقل الغاز والبترول في منطقتنا، وبالتحديد شرق البحر الأبيض المتوسط في إطار المشروع الامبريالي – الأميركي لربط قارات أفريقيا وأوروبا وآسيا من خلال خطوط السكك الحديدية والنقل البحري بمواجهة مشروع “الحزام والطريق” الصيني.
ثالثاً: إن التدمير الصهيوني الممنهج لقطاع غزة وتهجير سكانه منه يوضح أنه مرتبط بالمشروع الصهيوني المعروف بإسم “قناة بن غوريون” لمحاصرة قناة السويس وإنهاء دورها، وهو مشروع من شروط تحقيقه احتلال قطاع غزة وتهجير سكانه وتجريفه بالكامل.
كل ذلك يجري، بالعلن، مشاريع امبريالية للهيمنة على منطقتنا، مجازر جماعية في غزة ضد المدنيين وأرض تحرق وتدمر بجميع أنواع أسلحة القتل الصهيونية – الأميركية، ومشاريع لاقتلاع أصحاب الأرض من أرضهم التاريخية فلسطين، والأنظمة الرسمية صامتة. لا درب لتحرير فلسطين كل فلسطين إلّا درب المقاومة الوطنية الشاملة لتوحيد الساحات بمشروع وطني تحرري تقدمي لبناء حركة تحرر وطني عربية جديدة بقيادة ثورية في مواجهة المشروع الامبريالي الأميركي والاحتلال الصهيوني.