العلاقة بين فلسطين والكويت وبين الفلسطينيين والكويتيين علاقة كان لها ولا يزال ما يميّزها… علاقة مرّت عبر مراحل تطورها بالعديد من النقلات والتبدلات وشهدت ما شهدته من تطورات وتناقضات، وواجهت ما واجهته من تحديات ومنعطفات وتعقيدات، شأنها في ذلك شأن أي ظاهرة أو علاقة اجتماعية أو تاريخية أو سياسية أخرى… وهنا ألقي نظرة على جدلية العلاقة بين فلسطين والكويت.
(1)
العام والخاص في العلاقة الفلسطينية الكويتية
إنّ الأساس الموضوعي للعلاقة الجدلية بين الشعبين العربيين الفلسطيني والكويتي يستند إلى كونهما شعبين ينتميان إلى الأمة العربية، هذه الأمة التي ابتليت بالاحتلال والتجزئة والتفتيت وهيمنة قوى الاستبداد والفساد والتبعية عليها في ظل كيانات قطرية نال معظمها استقلاله الشكلي لكنه لا يزال خاضعاً للهيمنة الإمبريالية، فيما بقيت فلسطين تحت الاحتلال، وهي اليوم الجزء الوحيد في العالم، وليس فقط في وطننا العربي، الذي لا يزال خاضعاً للاحتلال الاستعماري الاستيطاني المباشر عبر كيان غاصب عدواني توسعي زرعته الإمبريالية في منطقتنا ليشكّل قاعدة متقدمة لها تؤدي دوراً وظيفياً لحماية المصالح الإمبريالية، ولإحكام قبضة الهيمنة الغربية على بلداننا وشعوبنا، ولمواصلة نهب ثرواتنا والسيطرة على مقدراتنا، ولعرقلة تحررنا، ولتنفيذ المخططات والمشروعات الإمبريالية في هذا الجزء من العالم، ومن بين تلك المخططات ضرب حركة التحرر الوطني والقومي والاجتماعي العربية وعرقلة إعادة توحيد أمتنا ضمن كيان سياسي وحدوي أو اتحادي أو حتى كونفدرالي… في ظل هذا الإطار يمكن النظر إلى مسار العلاقة بين الكويت وفلسطين وتطورها بغض النظر عن المسافة الجغرافية الفاصلة بين البلدين والتفاوت الواضح في مستويات تطور المجتمعين.
إنّ تاريخ القضية الفلسطينية، ومعه تاريخ العلاقة الفلسطينية الكويتية، لا يبدأ بنكبة 1948، بل يعود إلى ما قبلها، ويعود على نحو خاص إلى ما بعد وعد بلفور المشؤوم، الذي سبق النكبة بأكثر من ثلاثة عقود من الزمن اشتدت خلالها المؤامرات والضغوط الاستعمارية، وتحوّلت فيها فلسطين من بلاد يديرها الانتداب البريطاني كصيغة للاستعمار الغربي إلى وطن مغتصب ومحتل، وتحوّلت فيها الصهيونية من فكرة مبنية على أساطير توراتية رغم لبوسها غير الديني، لتصبح حركة هجرة استيطانية منظمة تحت رعاية إمبريالية، وصولاً إلى فرضها ككيان غاصب محتل مزروع على الأرض العربية.
(2)
البدايات
لم تكن فلسطين، وبلاد الشام عموماً، مجهولة عند الكويتيين، ذلك أنّ الكويت في أواسط القرن الثامن عشر كانت هي نقطة انطلاق القوافل التجارية المحمّلة بالبضائع، سواء تلك الواردة عبر البحر إلى مينائها أو الواصلة إليها أسواقها عبر خطوط التجارة البرية وسير القوافل الممتدة من جنوبي الجزيرة العربية وشرقها، ليتم نقلها إلى العراق وبلاد الشام… ويذكر المؤرخون أنّ إحدى تلك القوافل في العام 1758 كانت تضم خمسة آلاف جمل يحرسها ألف رجل، فيما تستغرق رحلتها الشاقة عبر الصحراء نحو شهر ونصف الشهر (يعقوب يوسف الحجي، الكويت كما عرفتها، 2013، ص. ص 13-14).
وعندما نعود إلى بداية العشرينات من القرن العشرين، أي قبل نحو قرن من الزمن وبُعيد سنوات قلائل من وعد بلفور، حينما كانت فلسطين خاضعة للانتداب البريطاني والكويت خاضعة للحماية البريطانية شأنهما في ذلك شأن معظم البلاد العربية الخاضعة للهيمنة الاستعمارية الغربية المباشرة، نجد أنّ المؤرخين يشيرون إلى أنّ وفداً برئاسة الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين ضم أمين التميمي ورشيد الحاج إبراهيم زار الكويت حينذاك لجمع التبرعات لإعمار المسجد الأقصى، وتلتها زيارة أخرى للحاج أمين الحسيني إلى الكويت في العام 1935 ضمن جولة عربية له (أ.د. فلاح عبدالله المديرس، تطور العلاقات الكويتية الفلسطينية وأثر الاحتلال العراقي عليها، الكويت 2008، دار قرطاس للنشر، ص. 9).
لقد تفاعل الكويتيون مبكراً مع القضية الفلسطينية، ففي العام 1933 أرسل عدد من الشباب الكويتي رسالة إلى المقيم السياسي البريطاني في الكويت يحتجون فيها على سياسة التنكيل بالفلسطينيين التي مارستها سلطات الانتداب البريطاني… أما عندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية في العام 1936 فقد جمع الكويتيون التبرعات المالية دعماً لها، وشكلوا في أكتوبر من ذلك العام أول لجنة لمناصرة الشعب الفلسطيني ضمت سبع شخصيات وطنية كان على رأسها الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، وأقامت تلك اللجنة اجتماعاً تضامنياً مشهوداً … وتورد الوثائق البريطانية في ذلك العام أنه بعد نشر تقرير لجنة بيل، الذي اقترح تقسيم فلسطين إلى ثلاثة كيانات، فقد تحرك الوطنيون الكويتيون وأرسلوا برقيات احتجاج إلى مجلس العموم البريطاني وعصبة الأمم ووزير المستعمرات البريطاني والمقيم السياسي في الخليج، ولم يكتف الوطنيون الكويتيون بذلك، وإنما قاموا بتهريب السلاح إلى ثوار فلسطين عن طريق العراق، مثلما يذكر ذلك أكرم زعيتر في يومياته.
وفي سياق العلاقة بين فلسطين والكويت خلال ثلاثينات القرن العشرين، فقد بادر مجلس المعارف في الكويت، وهو مجلس مشكّل من الأهالي، إلى مخاطبة مفتي فلسطين رئيس “الهيئة العربية العليا” الحاج أمين الحسيني لإرسال مدرسين إلى الكويت، وقد استجاب المفتي لذلك الطلب، الذي حاول البريطانيون عرقلة تنفيذه، ثم اكتفوا بمنع منح سمة سفر إلى أحد المعلمين الفلسطينيين المرشحين للتدريس في الكويت وهو ذو الكفل عبداللطيف بسبب نشاطه السياسي، وشكّلت البعثة التعليمية الفلسطينية الموفدة إلى الكويت نقطة تحوّل هامة ليس على مستوى العلاقة بين الشعبين، وإنما على مستوى تطوير التعليم في الكويت.
وتكررت زيارات الوفود الشعبية الفلسطينية إلى الكويت وإقامة التجمعات التضامنية مع القضية الفلسطينية، وكان بينها زيارة وفد برئاسة فخري البارودي إلى الكويت في أبريل من العام 1938 لجمع التبرعات، والاجتماع التضامني، الذي دعا له الوطنيون الكويتيون حيث منعت السلطات إقامته واعتقلت عدداً من الداعين له.
وفي ديسمبر من العام 1947 بعد قرار التقسيم جرى منع مظاهرة احتجاج طلابية، ولكن في المقابل تم تنظيم حملة تبرعات لدعم القضية الفلسطينية بلغت حصيلتها نصف مليون روبية.
ونأخذ بعين الاعتبار ونحن نتابع تلك البدايات للعلاقة بين فلسطين والكويت حجم ضغوط السيطرة الاستعمارية البريطانية وسطوة المشروع الاستيطاني الصهيوني من جهة، وواقع التخلف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي الذي كانت تعانيه المجتمعات العربية من جهة أخرى، وصعوبات الاتصال والتواصل من جهة ثالثة.
(3)
ما بعد النكبة: التراكم الكمي
تمثّل نكبة فلسطين في العام 1948 منعطفاً خطيراً ليس في تاريخ القضية الفلسطينية فحسب، بإقامة الكيان الصهيوني، وإنما هي منعطف خطير في التاريخ العربي عموماً وضمن مسار صراع القوى الاستعمارية والصهيونية والرجعية العربية مع قوى التحرر الوطني العربية.
وعلى مستوى العلاقة بين فلسطين والكويت، فقد كانت النكبة بداية نزوح أعداد كبيرة نسبياً من اللاجئين الفلسطينيين إلى الكويت وإقامتهم فيها، ومع أنه ليست هناك احصاءات رسمية لعدد السكان في الكويت لعام 1948، ولكننا عندما نعود إلى أول إحصاء رسمي للسكان جرى في الكويت عام 1957 بعد النكبة بتسعة أعوام نجد أنّ عدد الفلسطينيين (مدمجاً معهم حملة الجنسية الأردنية) في الكويت بلغ حينذاك 15173 نسمة من بين إجمالي السكان وعددهم 206473 نسمة، أي نحو 7.3 بالمئة من السكان، وكان الفلسطينيون حينذاك يمثلون ثالث أكبر الجاليات المقيمة في الكويت من حيث العدد يسبقهم العراقيون ثم الإيرانيون، وتضاعف هذا العدد في إحصاء 1961 إلى 37327 نسمة، وقفز في إحصاء 1965 إلى 77712 نسمة، ليشكّل الفلسطينيون في الكويت ما نسبته 16.6 في المئة من إجمالي السكان، وواصلت هذه النسبة ارتفاعها في الاحصاءات اللاحقة حتى ما قبل الغزو.
وبحكم حاجة الكويت إلى الكوادر والكفاءات المتعلمة والمدربة وذات الخبرة في مختلف مجالات النشاط الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي فيها، وبحكم ما تميّزت به الجالية الفلسطينية في الكويت من قدرات، نجد أنّ العديد من المواقع القيادية في الإدارة الحكومية قد شغلها الفلسطينيون، وبينهم: خليل شحيبر – القيادي في الشرطة، طلعت الغصين – أمين سر مجلس الإنشاء، فاروق القدومي- المدير في الصحة، هاني القدومي – في الجوازات والإقامة، عبدالمحسن قطان – وكيل وزارة الكهرباء، وغيرهم كثيرون.
وبين الفلسطينيين العاملين في الكويت شخصيات ذات مواقع وأدوار نضالية وسياسية وفكرية وثقافية وإعلامية بارزة يقف في مقدمتهم ياسر عرفات المهندس في الأشغال، وصلاح خلف المعلم في إحدى المدارس، وغسان كنفاني الأديب الذي كان يعمل في حقل التعليم، وناجي علوش الكاتب الشهير والقيادي في حزب البعث حينذاك، وبشير البرغوثي وإسحاق الخطيب القياديان الشيوعيان اللذان أبعدا عن الكويت في الخمسينات، والمناضلة ليلى خالد، وشقيقها محمد خالد، والفنان ناجي العلي، والشخصية الثقافية التي ساهمت لاحقاً في تأسيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب صدقي حطاب، وسكرتير تحرير مجلة الهدف نجيب عبدالهادي، ومدير تحرير صحيفة الطليعة محمد نصر، والأديب المعروف وليد أبوبكر، وتوفيق أبو بكر المعلم والقيادي السابق في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وزهير الكرمي، والدكتور عبدالله الدنان، وعبدالعزيز السيد، وغيرهم كثر… وبالتأكيد فقد كان لتلك الكوكبة من الشخصيات النضالية والسياسية والفكرية والثقافية والإعلامية تأثير ملموس على المجتمع الكويتي رافقه تفاعل حيّ للفلسطينيين في الكويت مع قضايا المجتمع الكويتي، التي لم يكونوا بمعزل عنها، بل أنّ بعضهم كان جزءاً من تنظيمات سياسية ناشطة على الأرض في الكويت، فناجي علوش كان قيادياً في منظمة حزب البعث في الكويت الذي يقوده حمد اليوسف العيسى، وأعضاء حركة القوميين العرب من الفلسطينيين في الكويت أمثال غسان كنفاني وليلى خالد وشقيقها محمد خالد كانوا جزءاً من فرع التنظيم ذاته في الكويت بقيادة الدكتور أحمد الخطيب، بل لقد كانت الخلايا الحركية مدمجة أول الأمر ثم جرى تقسيمها إلى فرع فلسطيني في الكويت وفرع كويتي، وعلى سبيل المثال فقد لعب محمد خالد دوراً مهماً في الدورات التثقيفية للكوادر الكويتية الشابة في حركة القوميين العرب، وله الفضل في نقل بذور الفكر الماركسي إلى بعض عناصر المجموعة اليسارية منهم، التي انشقت لاحقاً عن الحركة ضمن ملابسات متنوعة في العام 1968، كما يذكر الباحثون في الحركات الإسلامية دور المجموعة الفلسطينية للإخوان المسلمين ضمن مجموعات الجماعة في الكويت، حيث يشير د. علي فهد الزميع في الجزء الأول من كتابه الهام “الحركات الإسلامية السنية والشيعية في الكويت” إلى أنّ “المجموعة الفلسطينية بالكويت هي أقوى فصائل الإخوان، وأكثرها استقراراً نتيجة للوجود الفلسطيني الضخم في الكويت، وبسبب كون جماعة الإخوان الفلسطينية الأم في فلسطين المحتلة والأردن لم تعانِ من أية أزمات سياسية أو صدامات مباشرة، كما كان حال منظمات الإخوان الأخرى في مصر وسوريا والعراق، وقد وفّر هذا – بدون شك- للفصيل الفلسطيني درجة من الاستقرار الضروري للنمو والتطور، كان من القادة البارزين لهذه المجموعات في عقدي الستينيات والسبعينيات: “د. حسن عبدالحميد” و: “عمر أبو جباره”، و”د. عبدالله أبو عزّة””. (ص. 165)، ويكشف أنّه كان هناك مكتب إقليمي هو أقرب إلى مكتب تنسيقي بين فصائل الإخوان في الكويت في ظل استقلال تلك الفصائل.
ومن جانب آخر فقد كانت القضية الفلسطينية والنكبة تحديداً هي شرارة تأسيس حركة القوميين العرب في صفوف خريجي الجامعة الأميركية في بيروت وطلبتها في بداية الخمسينات بقيادة الدكتور جورج حبش ومشاركة رفاقه الآخرين وبينهم الدكتور أحمد الخطيب، الذين أسسوا فروعها في بلدان المشرق العربي.
وعلى نحو جدلي فقد كانت الكويت في المقابل هي البيئة المناسبة، التي أتاحت الفرصة أمام تشكّل نواة حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، وهذا ما يوضحه أبو إياد، صلاح خلف في كتاب مذكراته “فلسطيني بلا هوية” الصادر عن “شركة كاظمة للنشر والترجمة والتوزيع” عندما قال: “كانت الكويت أحد الاستثناءات القليلة على القاعدة. فطالما أبدى شعب وحكومة هذه الدولة الصغيرة تعاطفاً ودعماً إزاء الفلسطينيين…”(ص. 73).
بل لعل الكويت كانت هي البلد الأول الذي سمح بإجراء انتخابات لاختيار أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني الأول في العام 1964، وقامت باقتطاع ما نسبته 5 في المئة من رواتب موظفي الدولة الفلسطينيين لصالح “الصندوق القومي الفلسطيني” وسمحت بتأسيس فروع للعديد من المنظمات الشعبية الفلسطينية، ومن بينها:
الاتحاد العام لعمال فلسطين، الذي بدأت أولى تكويناته في الكويت منذ العام 1959، وتشكّل المجلس النقابي الفلسطيني الأول في الكويت في أكتوبر 1963، وكان من بدايات أنشطته تنظيم تظاهرة احتجاج للعمال الفلسطينيين في شركة مرسيدس (الفلسطينيون في الكويت ص. 127)، وانضم فرع الكويت رسمياً إلى الاتحاد العام لعمال فلسطين في العام 1964 وشارك في المؤتمر الأول للاتحاد في القاهرة في العام 1965 بوفد ضم أربعة عشر عضواً، وتنامى أعضاء الفرع من 500 عضو في 1960 إلى عشرة آلاف عضو في العام 1965.
الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، الذي بدأ أولى تشكيلاته في الكويت في العام 1966.
الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين، الذي بدأت تشكلاته في العام 1964 وتم انتخاب خمسة وعشرين ممثلاً من صفوف المعلمين الفلسطينيين في الكويت، الذين كان عددهم يبلغ حينذاك نحو 2100 معلم، وهم نصف مجموع المعلمين في الكويت.
هذا غير فتح معسكرات تدريب الفلسطينيين المقيمين في الكويت على السلاح، التي أشار أحمد الشقيري إليها في مذكراته.
كما أنه تحت تأثير الموقف الشعبي القومي فقد تميّز الدور الكويتي الرسمي في مقاطعة الكيان الصهيوني، حيث صدر في 26 مايو من العام 1957 المرسوم الأميري بمقاطعة البضائع الإسرائيلية، وذلك قبل أن تنال الكويت استقلالها، وتأسس في ذلك العام “مكتب مقاطعة إسرائيل”، وهو مكتب متميز عن سواه من مكاتب المقاطعة العربية بفاعليته…. وفي العام 1964 بعدما نالت الكويت استقلالها، وذلك عندما أقر مجلس الأمة القانون رقم 21 لسنة 1964 في شأن القانون الموحد لمقاطعة إسرائيل.
وعلى مستوى الحراكات الشعبية الكويتية فقد كانت قضية فلسطين هي الشعار الأول والهتاف الرئيسي في أي مظاهرة شهدتها الكويت خلال النصف الأول من عقد ستينات القرن العشرين… ولنتوقف أمام بعض الشواهد:
أولها: المظاهرات الطلابية العفوية التي انطلقت في الكويت عندما تم الإعلان عن الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق في 17 أبريل 1963، حيث أذكر أنني كنت ضمن المشاركين والهاتفين فيها، وكان شعارنا الأول: فلسطين عربية فلتسقط الصهيونية.
وثانيها: ما شهدته الكويت على خلاف معظم بلدان المشرق العربي في مارس من العام 1965 عندما قام الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة بجولته، التي زار فيها الأردن، وألقى خطاباً شهيراً في أريحا بالضفة الغربية يوم 3 مارس من ذلك العام دعا فيه إلى التخلي عن شعار تحرير كامل فلسطين وطرح ما يمكن تسميته شعار خذ وطالب، وكرر ذلك الخطاب، الذي يعدّ استسلامياً، في مؤتمر صحافي خلال زيارته بيروت في 11 مارس من ذلك العام، ولم تبرز ردات فعل شعبية أو رسمية تجاه ذلك الموقف، ولكن الأمر اختلف عندما زار الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة الكويت، حيث ارتفعت صيحات الاستهجان والهتافات المضادة له خلال الاحتفال الذي أقامته الدولة تكريماً له في استاد ثانوية الشويخ عصر يوم الجمعة 12 مارس 1965، وتكررت خلال أيام الزيارة الاعتصامات والمظاهرات الطلابية المناهضة لتصريحات بورقيبة وكذلك ضد سياسة ألمانيا الغربية المتعاطفة مع الكيان الصهيوني في مختلف المدارس الثانوية في الكويت، وذلك قبل تأسيس الجامعة، وقادها الاتحاد المحلي لطلبة الكويت، وهو اتحاد للطلبة الثانويين، غير الاتحاد الوطني لطلبة الكويت الموجود حينذاك في الخارج للطلبة الجامعيين، وتطورت الأحداث والتحركات الطلابية لتطالب باستقالة وزير التربية والتعليم خالد المسعود على خلفية تهجمه على إحدى الطالبات المعتصمات في ثانوية الخالدية وللمطالبة بالاعتراف الرسمي بالاتحاد المحلي للطلبة، وكنت شخصياً أحد المشاركين في معظم تلك التحركات… ولعلّ تلك الحادثة وحدها تكشف في وقت مبكر مدى شدة حساسية الكويتيين تجاه دعوات الحلول الاستسلامية والتصفوية والتطبيع مع الكيان الصهيوني.
وثالثها: ما جرى عصر يوم الجمعة 2 يونيو 1967 بعد انتهاء المهرجان الخطابي، الذي أقيم في مبنى المدرسة المباركية للتضامن مع الجمهورية العربية المتحدة، في مواجهة الكيان الصهيوني قبيل عدوان 5 يونيو 1967 عندما انطلقت مسيرة جماهيرية حاشدة متجهة إلى سفارة الجمهورية العربية المتحدة في منطقة بنيد القار المطلة على شارع الاستقلال، وقاد تلك المسيرة الدكتور خالد الوسمي، وكان يهتف والجماهير من ورائه بأبيات من قصيدة الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد: شباب الفدا يا شباب الفدا:: فلسطين نادت فلبوا الندا.
هكذا كانت فلسطين وقضيتها في صدارة الاهتمام الشعبي والرسمي الكويتي.
(4)
ما بعد النكسة: التحوّل النوعي
جراء العدوان الصهيوني واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في 5 يونيو 1967 تضاعفت أعداد الفلسطينيين في الكويت حيث ارتفع عددهم من 77712 نسمة في العام 1965 يمثلون 16.6 في المئة من إجمالي السكان إلى 147696 في إحصاء 1970 يشكلون ما نسبته 20 في المئة من السكان، إلى أن بلغوا في العام 1990 قبيل الغزو نحو 380 ألف نسمة فيما كان عدد المواطنين الكويتيين حينذاك في حدود 650 ألف نسمة.
ولكن الأهم هو ما نجم عن تلك الزيادة الكمية والتطورات التي اتصلت بنكسة 1967 من تحوّلات ونقلات نوعية يمكن رصدها في النقلات التالية:
أول تلك النقلات: إرسال الكويت، هذا البلد العربي الصغير، قسماً مهماً من قواته المسلحة إلى الجبهتين المصرية أولاً ثم السورية، ممثلة في لواء اليرموك وقوة الجهراء، حيث شارك الجنود الكويتيون في معارك حرب الاستنزاف على قناة السويس، وفي حرب أكتوبر 1973 والمعارك التي تبعتها، وفي هذه المعارك استشهد 42 من أبطال الجيش، وبذلك أصبح الكويتيون شركاء في السلاح والدم مع الفلسطينيين وشعوب البلدان العربية التي تعرضت للاحتلال الصهيوني في الأردن ومصر وسوريا.
وثاني تلك النقلات تمثّل في صدور المرسوم الأميري بإعلان الحرب الدفاعية بين دولة الكويت والعصابات الصهيونية المحتلة، في يوم 5 يونيو 1967 وهو المرسوم الذي لا يزال سارياً إلى يومنا هذا… فنحن في الكويت من الناحية القانونية كنا ولا نزال في حالة حرب قائمة مع الكيان الصهيوني الغاصب، وهو أمر له دلالاته وأبعاده.
أما ثالث تلك النقلات فتمثّلت في تأثيرات هزيمة يونيو 1967 ونمو حركة المقاومة الفلسطينية وما شهدته من صراعات والمواقف المتصلة بالتعامل مع الاحتلال الصهيوني على الحركة الوطنية الكويتية، التي تأثر بها على نحو خاص فرع حركة القوميين العرب في الكويت، الذي كان يمثّل حينذاك القسم الرئيسي من الحركة الوطنية الكويتية.
فمن جهة وتحت تأثير ما اشتهر باسم “موضوعات 5 حزيران” التي توصلت إليها اللجنة التنفيذية القومية لحركة القوميين العرب في اجتماعها المنعقد أواخر يوليو 1967 عبر تقريرها المعنون “الثورة العربية أمام معركة المصير”، وما تضمنه من تحليل طبقي للنكسة يقول بسقوط دور البرجوازية الصغيرة في قيادة حركة التحرر الوطني العربية، فقد شهدت حركة القوميين العرب انقسامات واسعة في صفوفها قامت بها العناصر اليسارية، أدت في 10 فبراير 1969 إلى الإعلان رسمياً عن انهاء وجود الحركة… وهذا ما برز بصورة واضحة في الفرع الفلسطيني للحركة، الذي انقسم إلى الجبهتين الشعبية والديمقراطية، وانعكس على بقية الفروع في المشرق العربي، وضمنها الفرع الكويتي، الذي انشق اليساريون فيه عن قيادة الحركة في صيف 1968 وأنشأوا لاحقاً تنظيمهم اليساري “الحركة الثورية الشعبية” ذي الصلة القوية بالجبهة الديمقراطية.
وكذلك نلمس تأثيرات القضية الفلسطينية على الحركة الوطنية الكويتية باشتداد الخلاف بين الزعامتين القوميتين التاريخيتين للحركة في الكويت، وتحديداً بين الدكتور أحمد الخطيب، الذي شكّل “حركة التقدميين الديمقراطيين” وجاسم القطامي، الذي شكّل لاحقاً “التجمع الوطني” ذي الصبغة الناصرية، وذلك على خلفية هجوم صحيفة “الطليعة” التي تعبّر عن توجه الدكتور أحمد الخطيب على الجمهورية العربية المتحدة بقيادة جمال عبدالناصر لقبولها مبادرة روجرز في العام 1970 ورفض الناصريين بقيادة جاسم القطامي لذلك الهجوم.
ورابع تلك النقلات النوعية عبّرت عنها المشاركات الشعبية الكويتية في المقاومة الفلسطينية، وهنا نستذكر مشاركة الشهيد الشيخ فهد الأحمد الجابر الصباح في حركة المقاومة الفلسطينية ضمن “حركة فتح” حيث قاتل الغزاة الصهاينة في “معركة الكرامة” الشهيرة يوم 21 مارس من العام 1968، كما نستذكر أسماء العديد من شباب الكويت في نهاية الستينات وبداية السبعينات الذين التحقوا بصفوف المقاومة الفلسطينية، بينهم: السفير السابق محمد القديري، الذي كان ضمن فدائيي الجبهة الشعبية – القيادة العامة، وكان اسمه الحركي “الرفيق صقر”، ورجل الأعمال المعروف عدنان عبدالقادر المسلم، الذي التحق بقواعد فدائيي الجبهة الديمقراطية في غور الأردن في 1969، والشهيد عبدالرحمن الرميح الذي التحق بجبهة التحرير العربية في لبنان، ورفيقتنا نوال دعيج العون التي التحقت بقوات المقاومة في أعقاب الغزو الإسرائيلي للبنان في صيف العام 1982، وتكللت تلك المشاركة الشعبية الكويتية في حركة المقاومة الفلسطينية باستشهاد فوزي عبدالرسول المجادي، الذي روت دماؤه الطاهرة أرض فلسطين في 4 يونيو من العام 1989، وذلك بعدما نفّذ مع مجموعة من رفاقه من مقاتلي الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عملية فدائية جريئة في مستوطنة “مسكاف عام” بالجليل، ولم تتم إعادة جثمانه الطاهر إلى أرض وطنه الكويت إلا بعد مرور أكثر من 19 عاماً على استشهاده، وذلك ضمن عملية التبادل في يوليو من العام 2008، هذا ناهيك عن التحاق العديد من المناضلين اليساريين إما بصفوف الجبهة الديمقراطية كمقاتلين لفترات من حياتهم مثل الرفيق عمار حمود العجمي والصديق عبدالرزاق الجاسم، أو عضويتهم فيها والتزامهم منذ بداية السبعينات حتى العام 1990 بتقديم اشتراكات العضوية الشهرية مثل الرفيق ناصر ثلاب، وفي المقابل، وفي سياق العلاقة الجدلية بين الكويتيين والفلسطينيين، نجد أنّه من بين قائمة المتهمين المحكومين غيابياً في قضية الحركة الثورية الشعبية في الكويت عام 1969 القيادي السابق في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نبيل حمادة، وفي المقابل فقد كان عنصر الأمن الذي ألقى القبض عليّ حينذاك فلسطيني الجنسية… ويالها من مفارقة!
وخامس تلك النقلات: تأسيس “اللجنة الوطنية الكويتية المشاركة للثورة الفلسطينية” التي عقدت مؤتمرها التأسيسي في الاتحاد العام لعمال الكويت يوم 27 يونيو 1973 تلبية للدعوة الموجهة من المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد بالقاهرة في شهر أبريل من ذلك العام، وشاركت في اللجنة التأسيسية شخصيات كويتية وطنية نيابية وسياسية ونقابية عمالية وطلابية بارزة من مختلف التوجهات القومية والناصرية والبعثية واليسارية بينهم: الدكتور أحمد الخطيب، والدكتور خالد الوسمي، وفيصل الصانع، وعلي البداح، وأحمد النفيسي، ومحمد القديري، وأحمد الربعي، وحسين صقر عبداللطيف… وشكّلت هذه اللجنة في وقت لاحق فرع الكويت في “الجبهة العربية المشاركة في الثورة الفلسطينية”، التي سبق لها أن عقدت مؤتمرها التأسيسي في بيروت خريف العام 1972، وكان يمكن لتلك الجبهة أن تستمر وتؤدي دورها المشارك في الثورة الفلسطينية، لولا ما تعرض له لبنان من حرب أهلية في منتصف السبعينات.
سادس تلك النقلات: تنامي واتساع دائرة التحركات والاحتجاجات وأشكال التضامن الشعبية التي قامت بها الجماهير الكويتية مع المقاومة الفلسطينية، سواء في مظاهرات التنديد بضرب النظام الأردني للمقاومة الفلسطينية في أيلول/ سبتمبر 1970، أو الموقف ضد الحلول الاستسلامية والتصفوية للقضية الفلسطينية بالاحتجاج الواسع على زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى الكيان الصهيوني في نوفمبر 1977، وضد اتفاقات كامب ديفيد في سبتمبر 1978 على الرغم من أن الكويت حينذاك كانت تمر بفترة الانقلاب السلطوي الأول على الدستور وما رافقه من تقييد على الحريات… أو ذلك التضامن الكويتي الواسع وغير المسبوق مع الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى المسماة “انتفاضة الحجارة”، التي انطلقت في ديسمبر من العام 1987.
(5)
ما بعد الغزو: التناقض
جاء غزو النظام العراقي السابق للكويت واحتلالها في الثاني من أغسطس من العام 1990 ليمثّل منعطفاً بالغ الخطورة ليس فقط في تاريخ الكويت، ولا على مستوى العلاقة بين الكويت والعراق فحسب، وإنما كان غزو الكويت واحتلالها منعطفاً بالغ الخطورة في مسار القضية الفلسطينية وترك آثاراً شديدة السلبية على العلاقة الفلسطينية الكويتية شعبياً ورسمياً.
وهناك عوامل عدة ساهمت في ذلك، كان أبرزها:
– الانعكاسات المتناقضة للغزو والاحتلال العراقي للكويت على واقع الفلسطينيين المقيمين فيها، وما نجم عنها من تأثيرات على مواقفهم تجاه الغزو والاحتلال والقضية الكويتية، وتعاون بعض الفلسطينيين مع سلطات الاحتلال العراقي.
– إرسال بعض المنظمات الفلسطينية المرتبطة بالنظام العراقي السابق عناصر مسلحة إلى الكويت المحتلة وقيامها بأعمال استفزازية تجاه المواطنين الكويتيين.
– مواقف القيادات الفلسطينية تجاه غزو الكويت واحتلالها من جهة وتجاه الوجود العسكري الأميركي في المنطقة من جهة أخرى.
– استخدام النظام العراقي السابق ورقة الربط بين انسحاب قواته من الكويت والانسحاب من الأراضي الفلسطينية، وفي الغالب كان المقصد، الانسحاب من الأراضي المحتلة بعد 1967، وما نجم عنه من تأثيرات على مزاج الرأي العام الشعبي العربي والإسلامي.
ونبدأ بالعامل الأول: الانعكاسات المتناقضة للغزو والاحتلال العراقي للكويت على واقع الفلسطينيين المقيمين فيها، وما نجم عنها من تأثيرات على مواقفهم تجاه الغزو والاحتلال والقضية الكويتية، وتعاون بعض الفلسطينيين مع سلطات الاحتلال العراقي:
إذ يشير الدكتور شفيق الغبرا في بحثه “الفلسطينيون والكويتيون” المنشور ضمن كتابه “من تداعيات احتلال الكويت” الصادر عن دار قرطاس للنشر والتوزيع في العام 1995 إلى أنه “منذ بداية الغزو انقسم المجتمع الفلسطيني في الكويت إلى مجموعات ثلاث: فلسطينيون متعاطفون مع العراق، وفلسطينيون معارضون للغزو ومتعاطفون مع الكويت، وآخرون اتخذوا سبيل الحياد. وكل من هذه المجموعات اتخذت موقفها بناء على خبراتها التاريخية في الكويت”.
ويتحدث د. الغبرا عن تحولات في مواقف هذه المجموعات الثلاث، فالمتعاطفون مع العراق ارتفع عددهم عندما أعلن العراق استعداده للانسحاب من الكويت شريطة أن ينسحب الاحتلال الصهيوني من الضفة والقطاع… أما الفلسطينيون الرافضون للاحتلال العراقي والمتعاطفون مع الكويت وهم أقلية لا يستهان بها حيث بلغت نسبتها حوالي 30 % على الأقل في بداية الغزو فقد ارتفعت نسبتهم مع مرور الوقت، خصوصاً بعد أن اكتوى الكثير من الفلسطينيين بتصرفات الأجهزة والجيش العراقي اللامسؤولة في الكويت.
أما الفنان التشكيلي الفلسطيني الكبير الأستاذ إسماعيل شموط في كتابه “أيام الغزو” من منشورات تكوين 2022، الذي سجّل فيه يومياته أثناء احتلال الكويت، وهي شهادة مهمة، وهنا سأتوقف إلى ما كتبه عن سبب إقبال الفلسطينيين المقيمين في الكويت على المدارس، التي دعا الكويتيون إلى مقاطعتها ضمن عصيانهم المدني خلال الاحتلال، حيث كتب “إنّ ذلك تصرف خاطئ من أساسه، وغير مبدئي” وأضاف متسائلاً “إن كان ما يدفع المدرسين للذهاب هو حرصهم على دخلهم ووظائفهم التي يعتاشون منها، والخوف من اعتقال أي متخلف عن ذلك مفصول من عمله أولاً… ثم مطرود من البلاد ثانية… فما هو مبرر إرسال التلاميذ إلى المدارس؟”… بينما يوضح الدكتور شفيق الغبرا أنه “لم تفتح سوى أعداد قليلة من المدارس، كما أن عدد التلاميذ الفلسطينيين فيها لم يتجاوز خمسة آلاف طالب سجلوا فقط في الأيام الأولى”.
ولكن في مقابل ذلك علينا أن نشير إلى نقاط مهمة أخرى، من بينها مشاركة فلسطينيين ضمن المقاومة الكويتية للاحتلال العراقي، وبينهم الشهيدان الفلسطينيان أشرف محمود نافع وسمير محمود أبو ذكر، اللذان كانا من ضمن المشاركين في عملية تفجير فندق هيلتون وتم إعدامها في 5 فبراير 1991… وكذلك التحرك الذي قامت به شخصيات فلسطينية وكويتية بينها الفنان التشكيلي الفلسطيني إسماعيل شموط في الأيام الأولى من الاحتلال لتأسيس “لجنة التآخي الكويتية الفلسطينية”، وهذا ما أشار له الروائي الكويتي الأستاذ سعود السنعوسي في مقدمته لكتاب “أيام الغزو”… وهنا أعلن شهادتي الشخصية حول البيان المناهض للغزو والاحتلال الذي أصدره لفيف من الفلسطينيين المقيمين بالكويت سلمني إياه الرفيق الشيوعي الأردني من أصل فلسطيني عبدالرحمن الهندي، بالإضافة إلى شهادتي الشخصية وشهادات كثير من أصدقائي للدور المقدام الذي قام به الرفيق علي الرنتسي في مساعدة العشرات من الكويتيين، وأنا أحدهم، خلال الاحتلال… وغير هذا يجب الالتفات إلى أمر ذي دلالة وهو عدم قيام أي مظاهرة فلسطينية في الكويت لتأييد الاحتلال العراقي، باستثناء رفع عناصر “جبهة التحرير العربية” الموالية للعراق صور صدام في مظاهرة فلسطينية انطلقت في الكويت احتجاجاً على مجزرة المسجد الأقصى ما أدى لانسحاب عناصر فتح بقيادة أبو أيمن علي الحسن من المظاهرة، ولا نحسب هنا المظاهرات الدعائية المختلقة التي فرضتها المخابرات العراقية عبر حواجز طيارة لحجز مجاميع بشرية في الأسواق وإبرازهم كداعمين للاحتلال.
أما ثاني العوامل التي أثّرت على مواقف الفلسطينيين في الكويت خلال فترة الاحتلال، فيتمثّل في إرسال بعض المنظمات الفلسطينية المرتبطة بالنظام العراقي السابق عناصر مسلحة إلى الكويت المحتلة وقيامها بأعمال استفزازية تجاه المواطنين الكويتيين.
فهناك العديد من الشواهد والشهادات على قيام منظمات فلسطينية ذات صلة بالنظام العراقي بإرسال قواتها إلى الكويت المحتلة وقيامها بعمليات مساندة لها واستفزازية ضد الكويتيين عبر نقاط التفتيش ومداهمات البيوت والاعتقالات والتحقيق، وبينها “جبهة التحرير العربية”، و”جبهة تحرير فلسطين” بقيادة أبو العباس وتنظيم أبو نضال المنشق عن فتح… ولكن في المقابل، لم يشر أحد إلى أي دور مشابه لمنظمات فلسطينية رئيسية أخرى، باستثناء العناصر المسلحة من الفلسطينيين الذين لجأوا إلى مكتب منظمة التحرير بعد اندحار قوات الاحتلال العراقية من الكويت، وتم لاحقاً ترتيب خروجهم بسلام.
وثالث العوامل التي ضغطت على موقف الفلسطينيين المقيمين في الكويت خلال الاحتلال العراقي شكّلته مواقف القيادات الفلسطينية تجاه غزو الكويت واحتلالها من جهة وتجاه الوجود العسكري الأميركي في المنطقة من جهة أخرى.
وهنا نشير إلى تفاوت هذه المواقف، فبينما كان موقفا قيادة فتح ومعها منظمة التحرير الفلسطينية بالغ السلبية، فهما لم يدينا الغزو والاحتلال ولم يطالبا بسحب القوات العراقية من الكويت فحسب، بل كانا داعمين له، بينما نجد أن مواقف الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وحركة الجهاد الإسلامي ركّزت على مواجهة العدوان الأميركي على العراق والكويت.
وفي المقابل فقد تبدّل موقف حماس عندما أصدرت أول الأمر بياناً ملتبساً، ثم دعت في بيانها الثاني إلى انسحاب القوات العراقية من الكويت مقابل انسحاب القوات الأجنبية من المنطقة، وأن يكون لشعب الكويت حقه في اختيار مستقبل بلاده.
أما الحزب الشيوعي الفلسطيني، الذي تحوّل القسم الأكبر منه لاحقاً إلى حزب الشعب الفلسطيني، وكذلك الحزب الشيوعي الأردني فقد شاركا في بيان الأحزاب الشيوعية والعمالية في البلدان العربية الصادر في 18 أغسطس 1990، بعدما عقدت تلك الأحزاب اجتماعاً طارئاً لها، حيث دعت في ذلك البيان إلى مطلبين في وقت واحد هما:
طرد القوات والقواعد العسكرية الإمبريالية من الخليج ومن المنطقة.
وحل الأزمة بين العراق والكويت في إطار الجامعة العربية، على أساس سحب القوات العراقية وضمان حق الشعب الكويتي في تقرير مصيره. ( مجلة النهج، العدد 32، 1990، ص. ص 283-284).
أما العامل الرابع المتمثّل في استخدام النظام العراقي السابق ورقة الربط بين انسحاب قواته من الكويت والانسحاب من الأراضي الفلسطينية فقد ساهم في خلط الأوراق على نحو دراماتيكي، وذلك على الرغم من أنه لم يطرح ذلك في بداية غزوه الكويت واحتلالها في الثاني من أغسطس وإنما لوّح بتلك الورقة في الثاني عشر من أغسطس، بالإضافة إلى عملية خلط الأوراق الأخرى بعد إطلاق النظام العراقي السابق بعضاً من صواريخه على الأراضي المحتلة خلال المواجهة العسكرية مع قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
لقد دفع الكويتيون الثمن غالياً جراء عدوان النظام العراقي السابق وغزوه الكويت واحتلالها، وكذلك فقد دفع الفلسطينيون في الكويت جزءاً من ذلك الثمن المكلف، عندما اضطرت غالبيتهم إلى مغادرتها سواء أثناء الاحتلال أو بعد اندحار القوات العراقية، بحيث انخفضت أعدادهم لتصل إلى عشر العدد الذي كان قبل الغزو.
والأسوأ تنامي ذلك التناقض المؤلم بين الكويتيين والفلسطينيين، الذي تسبب فيه الاحتلال العراقي للكويت ومواقف أبرز القيادات الفلسطينية تجاه القضية الكويتية، وما تركه من آثار سلبية على العلاقة بين الشعبين، خصوصاً في عقد التسعينات.
(6)
الانتفاضة الثانية والطوفان: نفي النفي
مثّلت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في نهاية سبتمبر من العام 2000 بداية مهمة لتسامي الكويتيين فوق جراحهم تجاه مواقف عدد من القيادات الفلسطينية والقسم المتعاطف مع الاحتلال العراقي للكويت بين الفلسطينيين المقيمين فيها خلال فترة الغزو والاحتلال في العام 1990، وبرز ذلك بشكل واضح وملموس في التجمع التضامني الحاشد للجماهير الكويتية في “ساحة العلم” الذي اتجه بعدها إلى مبنى مجلس الأمة… يومها تمت إعادة الاعتبار إلى القضية الفلسطينية كقضية تحررية قومية تعني الشعب العربي في الكويت، الذي لا يمكن أن ينعزل عن قضاياه القومية ولا يستطيع أحد فصله عن انتمائه العربي.
وتجسد هذا الموقف على نحو مؤسسي في انعقاد المؤتمر التأسيسي للمؤتمر الشعبي لمقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني في الخليج على أرض الكويت في نهاية مايو من العام 2001، وصولاً إلى مختلف أشكال التضامن الكويتي مع الشعب العربي الفلسطيني وقضيته العادلة ومع المقاومة ورفضاً للتطبيع ولمؤامرات تصفية القضية الفلسطينية، وجاء طوفان الأقصى ليعيد الاعتبار إلى المقاومة ودورها ويؤكد على نحو ملموس ذلك الارتباط الجدلي بين مقاومة الشعب العربي الفلسطيني للاحتلال الصهيوني مع مقاومة الشعوب العربية وقواها التحررية للهيمنة الإمبريالية وأنظمة التبعية والتطبيع.
***
هذه إطلالة سريعة حاولت أن أعرض خلالها مسار العلاقة الجدلية بين الشعبين العربيين الفلسطيني والكويتي بكل تبدلاتها وتعقيداتها وتناقضاتها وتحولاتها، ووقفة أمام تاريخ إرادتيهما المشتركة في التحرر من الكيان الصهيوني واستكمال عملية التحرر الوطني لشعوب الأمة العربية واستشرافاً لمآل النضال المشترك.
لمن يمتلك معرفة، ولو محدودة، لواقع أندية كرة القدم ومشجعيهم الصهاينة، لكان لن يُفاجأ بما فعله مشجعو (مكابي تل أبيب) في أمستردام، بالعكس، لفوجئ كيف يمكن للسلطات الهولندية أن تسمح للآلاف من هؤلاء بالدخول لهولندا، وهم المعروفون بسلوكهم الغوغائي والعنصري والهمجي.
تتغنى الولايات المتحدة الأميركية بنظامها “الديمقراطي” وحرية الانتخابات فيها، والحريات والدفاع عن حقوق الإنسان فأين تلك الادعاءات والولايات المتحدة الأميركية حامية للاحتلال الصهيوني ومشاركة في حربه العدوانية على قطاع غزة ولبنان.
صوتت الأمم المتحدة يوم الأربعاء 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على مشروع القرار المعنون ”ضرورة إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه حكومة الولايات المتحدة ضد كوبا“، حيث صوتت 187 دولة لصالح إلغاء هذه السياسة الأميركية المعادية .
تجددت الاشتباكات بين جنرالات الحرب في السودان الجنرال “حميدتي” قائد ميليشيا الدعم السريع، والجنرال البرهان قائد الجيش المختطف من الحركة الإسلامية، بشكل أكثر شراسة خلال شهر أكتوبر المنصرم على جميع محاور القتال، بخاصة في محوري الخرطوم وولاية الجزيرة.