
مأزق ترامب وأزمة نتنياهو أمام صمود غزة
انقلبت الإدارة الأميركية على اتفاق وقف إطلاق النار بمراحله الثلاث والذي كان بوساطتها مع مصر وقطر وقد دخل حيز التنفيذ بين المقاومة الفلسطينية وحكومة الاحتلال
مقدمة:
إنَّ الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص التي تعرف بـ Public-Private Partnership PPP، تتم ممارستها بتسليم خدمات المياه والكهرباء والنفايات والصحة والتعليم والمواصلات وغيرها من حقوق الناس إلى الشركات الخاصة التي لا تبغي سوى الربح، وذلك بحجة أن القطاع العام لا يجيد الإدارة وأنه بيروقراطي وغير مبدع.
الفصل الأول – نماذج للبيع تخطاها الزمن:
تشكل هذه الشراكة النموذج الخلّاق في منهجية السلطة في لبنان، ويختصرها القيمون بتنفيذ مقررات مؤتمر “سيدر” وشروطه. والغريب بالأمر أن أكثر المتحمسين لهذه الشروط هي الدولة الفرنسية على الرغم من أن فرنسا نفسها قد شهدت ردة عن هذا النموذج، ففي عام 2018، استضافت باريس وفدين أجنبيين سوقت فيها لنموذجين متناقضين لإدارة شؤون القطاع العام.
النموذج الأول: ” الشراكة بين القطاعين العام والخاص”:
في مؤتمر “سيدر” 2018، باعت فرنسا لوفد لبناني نموذجاً كارثياً اختبر في العديد من المدن الفرنسية التي عانت منه وعدلت عنه، لكنها سوقت له ضمن ما أطلقت عليه اسم ” مشاريع إنقاذية”، بشروط أملتها على المسؤولين اللبنانيين أقنعتهم فيها بسهولة أن ما تعرضه هو الحل الوحيد في ظل أزمة لبنان وعجزه.
النموذج الثاني: “فسخ الشراكة بين القطاعين العام والخاص”:
في زيارة لوفد ياباني مؤلف من وزراء في الحكومة اليابانية قام بها إلى فرنسا للاطلاع على التجربة الفرنسية الناجحة في السنوات العشر الأخيرة، أبدت فرنسا اعتزازها بتجربتها الناجحة حول “فسخ الشراكة بين القطاعين العام والخاص” واسترداد القطاع العام لحصرية إدارة مرافق حياتية مهمة كقطاع المياه، حيث عادت إدارة مياه باريس منذ عام 2010 إلى القطاع العام بعد تجربة مع القطاع الخاص امتدت لـ 25 سنة كانت نتيجتها كارثية على الصعيدين الاقتصادي والإنساني.
بالتالي، فإن ما سوق له الفرنسيون والأوروبيون في لبنان من خلال مؤتمر “سيدر” كمشروع “إنقاذي”، ليس إلّا بضاعة فاسدة ومنتهية الصلاحية.
الفصل الثاني – مشاريع حول العالم أعيدت إلى القطاع العام:
ما سوقته فرنسا والبلدان الأوروبية وأميركا في لبنان والعالم العربي على أنه الحل و”مشروع إنقاذي” للوضع الاقتصادي هو فعلياً ما تتخلى عنه فرنسا وأميركا والعديد من البلدان الآسيوية بسبب ما أفرزه من نتائج سلبية وكارثية على الاقتصاد والخدمات العامة. وقد حذرت منه المفوضية الأوروبية في كتابها الأخضر عام 2004 الذي يذكر بوضوح أن “الشراكة بين القطاع العام والخاص قد تكون إيجابية في مرحلة ما إلّا أن اللجوء إليها لا يمكن أن يكون حلاً واقعياً أو سحرياً لا بد منه في وضع الأزمات الاقتصادية”، وذكر التقرير السنوي لمركز التغيير Transnational Institute في شهر أيار 2020 (1) بأنه بين عام 2000 و 2019 جرت 1408 حالات استرد فيها القطاع العام مشاريع كانت ضمن اتفاقيات مع القطاع الخاص في أكثر من 2400 مدينة في 58 دولة قامت بجلب الخدمات العامة تحت سيطرة القطاع العام وإعادة الخدمات إلى البلديات، منها: 230 حالة في الولايات المتحدة الأميركية، 51 في كندا، 156 في فرنسا، 110 في بريطانيا، 119 في إسبانيا، و411 في ألمانيا. توزعت تلك الحالات على الشكل التالي:
– في مجال المياه 311 مشروعاً.
– في مجال الطاقة 374 مشروعاً.
– الإدارات المحلية 223 مشروعاً.
– في التعليم 38 مشروعاً.
الفصل الثالث – الشراكة كتمويه لعملية نقل الملكية:
في تقاريره منذ عام 2014، صنف ديوان المحاسبة الفرنسي “الشراكة” بـ “القنابل الموقوتة” (2)، وان هذا النوع من الاتفاقيات يسمح لمسؤولي الدول التي تقع في عجز اقتصادي بإخفاء جزء من الدين العام عبر إيهام الناخبين بأنهم ينفذون المشاريع كما وعدوا، وبأن الوضع الاقتصادي في البلد بألف خير، بينما هم فعلياً يراكمون الديون ويسلمون رقبة الدولة ورقاب المواطنين إلى مقصلة الشركات الخاصة، وهذا ما سيوصل البلد المعني في المستقبل إلى كارثة اقتصادية ـــ إنسانية أكبر من التي كان يعاني منها قبل اعتماد “الشراكة”. هذا ما دفع بديوان المحاسبة الفرنسي مثلاً إلى وصف الـPPP في تقاريره منذ عام 2014 بـ “القنابل الموقوتة”، بحسب صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية حيث احتل تعبير “القنابل الموقوتة” عنوان تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي عام 2014 محذراً “من المخاطر والأعباء المالية التي تحملها اتفاقيات “الشراكة” للقطاع العام ونتائجها التي قد تصبح مضرة جداً على الأجيال المقبلة، ما يجعلها قنابل موقوتة تنتظر أجيال المستقبل”. وعندما سئل الرئيس الأول السابق لديوان المحاسبة الفرنسي، فيليب سيغان، عن رأيه باعتماد الدولة نموذج “الشراكة” قال: إن الدولة “برهنت أنها مصابة بقصر نظر مكلف جداً”.
وفي تقرير من ملف بحثي في جامعة كيبيك في مونتريال الكندية تم شرح كيف أن بعض اتفاقيات “الشراكة” في مرافق خدماتية أساسية في كندا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والأرجنتين لم تحسن نوعية الخدمات كما وعدت، بل رفعت أسعارها، وانتهت بالتحكم في الشروط والاستفادة فقط من تقديم الدول لمقرات مجانية لتلك الشركات الخاصة، كما أثبت أن اقتراض الدولة للأموال من نفسها لتحسين مرفق عام هو أوفر بكثير من تسليم إدارة المرفق لشركة خاصة ستفرض عاجلاً أو آجلاً أعباء مالية إضافية على كاهل الدولة والمواطنين. وبالتالي فإن “الشراكة” بين القطاعين العام والخاص هي في الحقيقة عملية “نقل ملكية” من القطاع العام إلى القطاع الخاص، وكلمة “الشراكة” وضعت لتمويه هذا النقل.
الفصل الرابع – تقارير دولية حول اتفاقيات الشراكة بين القطاعين العام والخاص:
تقرير تحذيري من ديوان المحاسبة الأوروبي لعام 2018 :
درس التقرير الرسمي الصادر عن ديوان المحاسبة الأوروبي عام 2018 بعنوان “الشراكة بين القطاع العام والخاص في الاتحاد الأوروبي: قصور كثير وإيجابيات محدودة”، اتفاقيات “الشراكة” التي وقعها الاتحاد الأوروبي مع دول أوروبية (فرنسا، واليونان، وإيرلندا وإسبانيا)، وخلص إلى ملاحظات خطيرة أبرزها:
كما أوصى التقرير بالآتي:
تقرير تحذيري من صندوق النقد الدولي:
حذر التقرير الذي أعده ماكسيميليان كوران (3)، وهو محلل في قسم الشؤون المالية في صندوق النقد الدولي، من المخاطر المالية التي يجرها نموذج الـ PPP ، حيث عرض فيه أرقاماً ونسباً معبرة:
الفصل الخامس – تجارب الشراكة بين القطاعين العام والخاص في بعض البلدان:
النفايات في أوسلو:
أنهت العاصمة النرويجية أوسلو في عام 2017، “شراكة” مع القطاع الخاص في إدارة النفايات دامت لمدة 20 سنة. فقد تصاعدت الاحتجاجات في المدينة بين عامي 2016 و2017 بسبب تقصير الشركة المكلفة بجمع النفايات من شوارع المدينة. وذلك بعد تحقيق رسمي أجرته الدولة، وتم اكتشاف، أيضاً، أن الشركة كانت تشغل بعض عمالها لمدة 90 ساعة في الأسبوع، ما يتنافى مع قوانين العمل وحقوق العمال. وفي بداية عام 2017، أعلنت الشركة إفلاسها وحررت نفسها من كل المسؤوليات، من ضمنها دفع مستحقات موظفيها. ومنذ ذلك الحين، عادت إدارة النفايات في أوسلو إلى القطاع العام.
فضائح التلاعب بالأسعار في ليتوانيا:
فسخت العاصمة الليتوانية فيلنيوس (نحو 545 ألف نسمة) في عام 2016 عقدها مع شركة تابعة للعملاقة الفرنسية Veolia في مرفق الطاقة الغازية وتأمين التدفئة، ورفضت تجديد العقد معها بعد 15 سنة من “الشراكة”، فقد كشف تحقيقاً داخلياً أن الشركة الخاصة كانت تتلاعب بأسعار المحروقات لتزيد من سعر الخدمة المدفوع من قبل السكان. بعد ضغوط شعبية واتهامات بالفساد وعدم الشفافية، رفضت بلدية العاصمة تجديد العقد مع الشركة، ما دفع بالشركة العملاقة الأم Veolia إلى المطالبة بتعويض قدره 100 مليون يورو من الدولة الليتوانية، الأمر الذي تبعه مسار قضائي دولي طويل، وفي عام 2017 أعلنت السلطات الليتوانية إعادة خدمات التدفئة، نهائياً، إلى القطاع العام.
الفصل السادس – التجربة البريطانية كواحدة من أهم تجارب التخلي عن القطاع الخاص:
من أوائل الدول التي اعتمدت مبدأ “الشراكة” هي بريطانيا، حيث يُسمى النموذجPrivate Finance Initiatives PFI، أي “مبادرات التمويل الخاص”، ولكن بين عامي 2008 و2010 ، أنهت بريطانيا عقوداً بقيمة 20 مليار جنيه استرليني مع شركات خاصة كانت مسؤولة عن تأهيل وتنفيذ مشاريع خطوط مترو العاصمة لندن، وذلك لأسباب تتعلق بـ: “سوء إدارة الشركات، وعدم الكفاءة، وعدم القدرة على السيطرة على التكاليف، وغياب خطة واضحة للمستقبل وسوء الإدارة المالية وإلى ما هنالك”.
أما قطاع الطاقة (الغاز والكهرباء) المخصخص بشكل كامل منذ عهد مارغريت تاتشر، فبدأ يشهد تغييرات كثيرة أدت إلى استرداد القطاع العام في عدد من المدن الكبرى. فبعض المدن البريطانية الكبرى أنشأت شركات عامة تؤمن الطاقة للسكان بعدما لاحظت أنه لم يعد بمقدور جميع السكان، خصوصاً من ذوي الدخل المحدود، دفع تكاليف خدمات الغاز والكهرباء، وهي خدمات حيوية لا يمكن التنازل عنها. مثال ذلك في مدينة نوتنغهام (532 ألف نسمة) التي أنشأت عام 2015 شركة “روبن هوود إينرجي” لتوفير الطاقة بأسعار منخفضة وتوزيعها على جميع السكان. وبعد نجاح تجربتها، انتقل النموذج إلى مدن كبرى أخرى في كل أنحاء بريطانيا، حيث تمَّ تأمين الغاز والكهرباء بأدنى الأسعار لأكثر من مليوني نسمة.
الخاتمة:
إنَّ جميع هذه الوقائع والتجارب والتقارير التي نعيد تسليط الضوء عليها لا تعني شيئاً للسلطات الحاكمة في العالم العربي وفي لبنان، وتصر جميعها على اقناع شعوبها بأن خشبة الخلاص تكمن في المشاركة مع القطاع الخاص أو في الخصخصة وبيع ممتلكات الدولة للقطاع الخاص، وتحاول إيهام الشعوب بأنها سوف تخلق آلاف فرص العمل وتحل مشكلة هجرة الشباب وتؤمن الكهرباء والمياه النظيفة والتعليم المجاني وجميع الحقوق الإنسانية، والحقيقة هدفها تعبئة جيوب أصحابها بالتكافل والتضامن، وتحويل هذه الخدمات إلى سلع تجارية يشتريها الأغنياء، ويفقد الفقراء حقهم الإنساني المشروع بها، الذي ناضلوا من أجله عشرات السنين وقدموا الشهداء من أجل العيش بكرامة.
(*) – دكتور مهندس طاقة، أستاذ جامعي لديه العديد من الدراسات والأبحاث في اختصاصه وفي المجال الاقتصادي العام.
المراجع:
(1) – دوهيرتي، آن، (2020)، “القطاع العام هو المستقبل – نحو الملكية الديموقراطية للخدمات العامة”،
Transnational Institute
https://www.tni.org/files/publication downloads/arabisch_executive_summary_november_2021.pd
(2)- https://www.senat.Fr rapport dinformationN733(2013-2014)
(3)- https://www.imf.org/external/np/seminars International Monetary Fund march 2014
دكتور مهندس طاقة، أستاذ جامعي من لبنان لديه العديد من الدراسات والأبحاث في اختصاصه وفي المجال الاقتصادي العام.
انقلبت الإدارة الأميركية على اتفاق وقف إطلاق النار بمراحله الثلاث والذي كان بوساطتها مع مصر وقطر وقد دخل حيز التنفيذ بين المقاومة الفلسطينية وحكومة الاحتلال
يمرّ الوضع اللبناني بمرحلة شديدة الخطورة على جميع الصعد، فمن ناحية ما زال العدو الصهيوني يحتلّ عدداً من المواقع الحدودية، بما يشكّل انتهاكاً سافراً لاتفاق
إنَّ الأطماع الصهيونية في المياه اللبنانية لها تاريخها الطويل، ذُكر بعضها في اللمحة التاريخية عن الأطماع “الإسرائيلية” في المياه العربية وسرقتها (في العدد الرابع عشر
اندلعت حرب 15 أبريل/ نيسان عام 2023 بين ميليشيا الدعم السريع التي كانت جزءاً من الجيش، والجيش السوداني في السودان عقب ثورة ديسمبر/ كانون الأول