اتسمت دراسة الشهيد حسين مروّة للفلسفة العربية – الإسلامية، في ضوء المنهج المادي التاريخي، بالشمولية وأظهرت الجوانب المحجوبة فيه، وكيف يمكن للتراث أن يكون أداة من أدوات التحرر الوطني. من الموضوعات الرئيسة في مقدمة كتاب حسين مروّة “النزعات المادية في الفلسفة العربية – الإسلامية”، التي هي مقدمة منهجية نموذجية، دراسته النقدية للحركة الاستشراقية وكشفه لخلفيتها الأيديولوجية، العنصرية – العرقية، التي شوهت تراثنا، وارتباطها بالمشروع الإمبريالي للهيمنة على بلداننا. وهي من الدراسات البدئية في اللغة العربية، بحسب اطلاعنا، للحركة الاستشراقية في ضوء المنهج المادي التاريخي، لذلك نعرض، بشكل موجز، أبرز أسس منهجية نقده للحركة الاستشراقية. ومن الأبحاث الشيقة حول نقد حسين مروّة للحركة الاستشراقية، التي أفدنا منها، بحث هادي العلوي بعنوان: “حسين مروة والاستشراق”، مجلة “الطريق”، حزيران / يونيو 1988.
الربط المادي الديالكتيكي بين الشكل الثقافي للاستشراق وحركته بشكله السياسي الاستعماري
إنَّ أي ظاهرة اجتماعية أو سياسية أو ثقافية، في ضوء المنهج المادي التاريخي، لا تدرس بذاتها ولذاتها بل بربطها بقاعدتها المادية، علاقات الإنتاج، وآليات تطورها، على هذا الأساس المنهجي، فإن دراسة حركة الاستشراق وتياراتها تبقى مبتورة، وتفقد علميتها إذا لم تربط بالواقع الذي أنتجها وتحولاته وتطوراته، فحجب تلك العلاقة يفقد الدراسة تاريخيتها، لتبدو معها حركة الاستشراق وكأنها ظاهرة منفصلة عن النظام الرأسمالي وحركة تطوره إلى مرحلة الإمبريالية، كما هو الحال مع بعض دراسات ظاهرة العولمة التي تبدو فيها منفصلة عن النظام الرأسمالي العالمي الإمبريالي العدواني، وهي منهجية مثالية توصِل، في جانب منها، إلى إظهار الصراع على مستوى الفكر والنظريات وكأنه عملية صراع، محض، بين أفكار مختلفة، منفصلة عن الواقع الاجتماعي وتناقضاته وموقعها الطبقي فيه، من مثل طرح هينتينغتون لصراع الحضارات.
تحول الرأسمالية إلى طورها الجديد، الإمبريالية، وتوجهها للسيطرة على العالَم العربي استلزم السيطرة على ثقافته، وفي الحقل الذي سلط عليه الضوء حسين مروّة نقدياً، في موضوعة “حركة الاستشراق”، أظهرَ أن تحقيق هذا الهدف كان يستلزم توجهاً تابعاً لها يسير في خطها نحو السيطرة على الثقافة العربية، وأنه لتحقيق ذلك كان التوجه إلى برجوازية المنطقة العربية المؤهلة، بحكم موقعها ومصالحها الطبقية، للانتقال إلى موقع التبعية “هذا الانتقال يستدعي (…) من هذه البرجوازية ان تعيد بناء ايديولوجيتها المتخلفة عن طبيعة عصر الامبريالية. فكان لا بد من التمهيد لهذا التحول بتمكين البرجوازية من اداة ثقافية يمكن الاستعانة بها في سبيل ذلك” (1) وهذا هو الغرض الأول الذي حدّده حسين مروّة بأنه يتعلق بالبرجوازية العربية. ويُكمل أن الإمبريالية حرصت على أن لا تظهر البرجوازية العربية التابعة بمظهر المنخلع عن تاريخها وثقافتها وقوميتها، لأن ذلك يضر بمصالحها، ولتحقيق هذا الغرض الامبريالي “اخذ مفكرو الرأسمالية، في مرحلة انتقالها الى الشكل الامبريالي، كل هذا الامور بالحسبان حين كان عليهم ان يقرنوا التوجه الاقتصادي والسياسي الامبريالي نحو المنطقة العربية بالتوجه الثقافي والايديولوجي الامبريالي نحو برجوازية هذه المنطقة. كان عليهم ان يستخدموا، في سبيل هذا التوجه الاخير، اداة ثقافية لها ارتباط بالتاريخ القومي والثقافة القومية، على ان يُفسَّر هذا التاريخ تفسيرا غيبيا وقدريا، وان تطرح مسائل هذه الثقافة على نحو يلائم هذا التفسير الغيبي. ذلك هو الغرض الاول من التوجه الامبريالي، عن طريق حركة الاستشراق، نحو السيطرة على الثقافة العربية، بمعنى التحكم باتجاهاتها الحديثة، لتكون دراسة تراثها الفكري بوجه عام والفلسفي بوجه خاص، احد وسائل هذا التحكم، او احد اشكاله”؛(2) أمَّا الغرض الثاني فحدَّده حسين مروّة بأنه يتعلق بالتكون الأيديولوجي لأكثر فئات المجتمع اتصالاً بالثقافة والتراث وأوفرها نصيباً من فرص التأثير في صياغة فكر عربي جديد، أي فئات المثقفين والأساتذة والباحثين، وكشفَ فيه خلفية التوجه إلى تلك الفئات الاجتماعية وذلك من خلال كشفه للصلة بين الدراسات الاستشراقية والرأسمالية في طورها الامبريالي، فالدراسات الاستشراقية “لتراث الفكر العربي – الاسلامي، اذ بدأت ونشطت مع بداءات عصر الامبريالية بالذات، واذ اتجهت – بطابعها الغالب- نحو توكيد الجوانب المثالية والافكار الغيبية في هذا التراث دون غيرها (…) كان ذلك كله علامة ان هذه الدراسات لم تكن منفصلة عن سياق تطور الرأسمالية نحو مرحلتها الامبريالية، وسياق الاعداد الفكري والايديولوجي في البلدان المرشحة للسيطرة الامبريالية من اجل دعم هذه السيطرة بقواعد فكرية وايديولوجية تُبنى على اسس من ثقافة البلدان وتراثها الفكري القومي، وتكوين ”ورشة“ من المفكرين والايديولوجيين المنتمين الى برجوازيتها او المتموجي الانتماء من البرجوازية الصغيرة والمتوسطة، ليتولى هؤلاء واولئك مهمة ترسيخ تلك القواعد في بلدانهم بأنفسهم، مسترشدين بالمناهج والاساليب التي جاءت بها الدراسات الاستشراقية”.(3) من دون أن يُقَلل من قيمة النتاج الفكري الذي قام به ذلك الجيل من الباحثين العرب، يقول حسين مروّة إن طريقة بحثهم كانت دون شك “ثورة لا بد منها للخروج على الطرائق الوصفية الانشائية الفارغة والمتخلفة التي كانت سائدة من قبل. وهنا نسجل الوجه الايجابي لاثر المناهج الاستشراقية عندنا. هذا اذا نظرنا الى المسألة من جانبها الاسلوبي المحض. أما اذا نظرنا اليها من جانبها المنهجي، بالمعنى الفكري والايديولوجي، فالامر يختلف. ان الجاذبية التي حظي بها المنهج، الاستشراقي الغربي باسلوبيته الجديدة المفاجئة للباحثين العرب، والتي بهرت افكار المثقفين والمتعلمين، قد ادّت الى استدراج اجيال من الكتّاب والمفكرين الى الاخذ بالمضمون الفكري والايديولوجي لهذا المنهج، سواء بالنظر الى العالم – الى المجتمع والفكر بخاصة- ام بالنظر الى التراث الفكري القومي وطريقة دراسته”. (4)
أكدَ حسين مروّة أنه لا يمكن، ولا يصح، إنكار النتائج الايجابية لحركة الاستشراق، التي أوجزها بأنها حفظت الكثير من أصول تراثنا الثقافي ووقايته من الضياع خلال عصور العزلة المظلمة التي حالَتْ، بالمنع، بين أصول التراث وبين المتعلمين والاخفاء المتعمد لها، يقول “كان عمل المستشرقين في العصور الحديثة، مهما كان رأينا في القصد منه، هو البحث عن تلك الاصول في زوايا البيوت والمكتبات الخاصة المهملة واسواق الكتب في مختلف المدن والعواصم، بل القرى والمجاهل، من بلاد العرب وبلدان الشرق الاخرى، وجمع ما يصل الى ايديهم بمختلف الوسائل. وفي اعتقادنا أن هذا العمل – رغم ما نجد فيه من غضاضة – قد انقذ كنوزا كان يمكن ان تضيع، فبقيت وان في غير ارضها، وكان بقاؤها هو الاهم”.(5) النتيجة الايجابية الثانية لحركة الاستشراق التي أشار إليها حسين مروّة هي نشر تلك الأصول وطباعتها، وتحقيق بعض نصوصها، وأحياناً ترجمة بعضها إلى لغات الغرب، مع إشارته إلى أن تلك الترجمات كان يشوبها الكثير من الأخطاء، سواء في فهم النصوص أم في سوء الاختيار عن قصد وعن غير قصد، ولكن حسين مروّة بتأكيده أنه لا يصح إنكار النتائج الايجابية لحركة الاستشراق أكد في المقابل على قضية رئيسة هي أن دراسة التراث في حركة الاستشراق “هي القضية التي يعنينا هنا الوقوف عندها. فليس صحيحا الزعم ان نسبة الايجابية في هذه النقطة تعادل نسبتها في النقطتين السابقتين. بل الصحيح القول انها نسبة ضئيلة بالقياس الى ما غمرها من سلبيات طاغية”.(6)
اتجاهات الدراسات الاستشراقية
قسَّمَ حسين مروّة، في موضوعة “موقف المستشرقين”، الدراسات الاستشراقية إلى أربعة اتجاهات، أوَّل ثلاثة منها هي حركة الدراسات الاستشراقية للتراث العربي- الاسلامي المرتبطة بالاستعمار وأيديولوجيته؛ أمَّا الاتجاه الرابع فهو ما أطلق عليه تسميَّة الاتجاه الايجابي في الدراسات الاستشراقية لتراث الشرق. وخصصَ موضوعة مستقلة للدراسات الاستشراقية الماركسية النقيضة لتلك الاتجاهات.
الاتجاه الأوَّل حددَّه حسين مروّة بأنه عرقي يُدرس على أساسه التراث العربي، فيُنظر إلى العرب، أو “الجنس السامي”، أو الشرقيين عموماً في مقابل الغربيين، وأن عناصره الرئيسة هي اما انهم محكومون بالقصور الطبيعي المطلق عن الابداعات العقلية، أو باقتصار ممكناتهم العقلية على طريقة معينة من التفكير دون غيرها، أو بأن آفاقهم النظرية والعملية تنحصر في نطاق الروحانيات بمعناها الغيبي دون الماديات، وأنه بهذا التقسيم العرقي يظهر وكأن العجز عن التفكير العقلي يعود إلى التكُّون الطبيعي للشرقيين “الجنس السامي”. اتجاه انتقده حسين مروّة انطلاقاً من “ان الأساس ”النظري“ لهذا الاتجاه بمختلف افتراضاته، هو- فضلا عن كونه معاديا للعلم – يمثل الوجه الايديولوجي الاكثر عداء لتطور الشعوب – (المقصود هنا: الشعوب الموضوعة في خارطة السيطرة الامبريالية، ومنها الشعب العربي)، والاشد تحدّيا لمطامحها القومية التحررية بمحاولة وضعها – فكريا- امام جدار قَدَري جبري مغلق لا منفذ فيه لتغيير واقعها المتخلف الى واقع متقدم، موحيا اليها بان هذا الجدار القدري الجبري تجسيد لطبيعتها العاجزة عجزا تكوينيا، ابديا! اما الابعاد الايديولوجية البرجوازية لنظرية ”الجنس“، فتكمن في الايهام بان الفوارق بين الناس تقوم على الخصائص العقلية والعنصرية لا على التمايز الطبقي”. (7)
في هذا الاتجاه وضعَ ارنست رينان Ernest Renan “نظرية الجنس”، التقسيم العرقي للشعوب، التي على أساسها فضَّلَ “الجنس الآري” على “الجنس السامي”، ووصلَ في آرائه إلى ادعاء “عدم قدرة العرب”، العرق السامي، على الاختيار والتفضيل لأنهما يتطلبان التفكير وهو أمر، بادعاء رينان العرقي، “ليس من طبع العرب”، ليصل إلى أن “العرب انتحلوا الثقافة اليونانية كما وصلت اليهم…”. انطلق حسين مروّة في نقده لآراء رينان، سالفة الذكر، بتحديده أن ما يهمه ليس رأي رينان بشأن الفلسفة العربية بل مستنده النظري الذي أفصح عنه في مقدمة كتابه “ابن رشد والرشدية” وهو بزعم رينان أنه “… ليس العرق السامي هو ما ينبغي لنا ان نطالبه بدروس في الفلسفة”، وأن الفلسفة لدى الساميين لم تكن “غير استعارة خارجية صرفة خالية من كبير خصب، غير اقتداء بالفلسفة اليونانية”. آراء رينان العنصرية التي انتقدَ حسين مروّة أساسها النظري أضاءَ في نقده لها على قضية رئيسة هي “ان ”نظرية“ التفاضل بين ”الاجناس البشرية“ هذه، هي نفسها التي أصبحت، في ما بعد الأساس ”النظري“ لايديولوجية النازية الهتلرية المعادية للعلم وللانسان”. (8)
واليوم نجد أنَّ ما يسمّى “نظرية” التفاضل بين الأجناس البشرية على أساس العرق هي الأساس “النظري” للأيديولوجية الصهيونية النازية القائمة على العنصرية والقتل العنصري، التي يمثلها الكيان الصهيوني وما يرتكبه، منذ تأسيسه من قبل القوى الإمبريالية، من إجرام بحق الشعب الفلسطيني صاحب أرض فلسطين المحتلة، والقتل العنصري الذي يرتكبه منذ السابع من أكتوبر الماضي في غزة ورفح في ظلّ صمت من يروجون لمعاداة العنصرية، الشركاء في الإبادة العنصرية الجماعية المرتكبة في غزة.
يحدِّد حسين مروّة أن تركيزه على الأساس “النظري” لآراء رينان العرقية يكمن في أن خطر هذه “النظرية” انها أصبحت بعد رينان، كتيار فكري في دراسات استشراقية، أحد الأسس المعتمدة للأيديولوجية الامبريالية، ومن أبرز ممثليه الذين انتقدهم حسين مروّة: ليون غوتييه L. Gauthier، وكريستيان لاسن Chrestian Lassen، واميل برهيه Emile Brehier وغيرهم من المستشرقين المنظرين لهذا الخط من الحركة الاستشراقية، المستندة إلى “نظرية عرقية- جنسية”. في نقده لهذا الاتجاه الاستشراقي ومرتكزاته، حذَّرَ حسين مروّة من أن اضطرار بعض الآخذين به للتراجع عن مواقفهم العنصرية بسبب تطور العلم والدراسات الاجتماعية والانتروبولوجية والنفسية التي أثبتت عدم صحة تلك “النظرية” العرقية “لا يعني نفض أيديهم من الابعاد الاجتماعية لتلك النظريات في مجال الصراع الطبقي من جهة وفي مجال الصراع بين الامبريالية وقوى الشعوب الطامحة الى التحرر الوطني من جهة ثانية”. (9)
الاتجاه العرقي في الحركة الاستشراقية لدراسة التراث العربي على أساس “نظرية الجنس”، نظَّرَ له أيضاً، المستشرق الألماني كارل هاينريش بيكيرCarl Heinrich Becker، وهو من مواليد العام 1876 وليس 1886 كما هو وارد في “النزعات المادية…” ص. 114، انتقدَ حسين مروّة طروحات بيكير العرقية التي أعادَ فيها الاختلاف بين الشرق والغرب إلى أن للشرق نزعته العقلية المنطقية التي لا تعرف “فكرة النزعة الإنسانية”، أما الغرب، بحسب تصنيف بيكير العرقي في مقارنته بين الشرق والغرب، فإن النزعة “الانسانية أصيلة فيه”. في نقده لآراء بيكير وطروحاته العرقية وضعَ حسين مروّة الأساس المادي لنقض تلك الطروحات وهو أن الذي “يحدد الطابع الغالب لكل شعب ليس هو الانتماء ”الجنسي“ أو الجغرافي، وإنما المحدد الحاسم هو الظروف التاريخية لهذا الشعب وذاك. نعني الظروف التي تقرر شكل العلاقات الاجتماعية ونوع التكون النفسي الناشيء عن المركب الثقافي الكامل. غير ان الظروف التاريخية هذه متحركة دائما، فهي اذن متغيرة. وبتغيرها يحدث التغير- لامحالة- بكل المعادلات المتأثرة بها، بل المتحكمة فيها”. (10)على هذا الأساس من التحديد النقدي النقيض لطروحات بيكير انتقدَ حسين مروّة مفهوم بيكير لـ “العوامل التاريخية” بطرحه السؤال الرئيس التالي “ماذا يعني “بـ ”التاريخية“ اولا؟ ثم اننا نجد ”العوامل التاريخية“ هذه، في مجمل بحثه، عوامل جامدة، ساكنة، ثابتة. فهي – اذن- ”لا تاريخية“”.(11) نرى أن نقد حسين مروّة لمفهوم “التاريخية” لدى بيكير ينطوي على مسألة بالغة الأهمية هي أن مفهوم التاريخية ليس واحداً، بل هو متعدد بتعدُّد المواقع الطبقية للآخذين به، بين طبقتَيْن نقيضتَيْن برجوازية وبروليتارية، وما يعنيه هذا التناقض، الصراع الطبقي، من تناقض بين مشروعَيْن على طرَفَي نقيض، مشروع استعماري إمبريالي يحتل العالَم وينهب ثروات شعوبه، ومشروع أممي وطني تحرري يخوض النضال، ضد المشاريع الاستعمارية الإمبريالية، من أجل حق الشعوب بتقرير مصيرها ومقاومة الاحتلال.
أيديولوجية مركزية الفلسفة في الغرب العنصرية
الاتجاه الثاني مركزية الفلسفة في الغرب دون الشرق “ربما كانت هذه شكلا اخر لنظرية التصنيف ”الجنسي“ لشعوب العالم، ولكنه شكل متميز بأن جذوره المعرفية تختلف عن الجذور المعرفية ”لنظرية الجنس“، وان كانت الجذور الطبقية والسياسية ليست مختلفة”. (12) طرحَ حسين مروّة السؤال التالي هل هذا الاختلاف في الجذور المعرفية بين الاتجاهَيْن في الحركة الاستشراقية، هو، وحده، يمثل الأساس لـ “نظرية” مركزية الفلسفة في الغرب، بخاصة، ما برز من خلال دراسة تاريخ ثقافة الشعوب أن وحدة هذه الثقافة تظهر بأشكال مختلفة متناقضة، أم يكمن وراءها أيضاً مستند أيديولوجي؟ يجيب حسين مروّة على السؤال الذي طرحَه بقوله إن الجذور المعرفية وحدها لا تقدم التفسير الواقعي الكامل لهذا الاتجاه، وذلك لاستناد مركزية “الفلسفة في الغرب” ونظريتها إلى جذور طبقية أي إلى أساس أيديولوجي، وبالتالي فإن “الرأسمالية في ظروف تطورها الى امبريالية، كانت بها حاجة الى ”تبرير“ فكري وايديولوجي لسيطرتها في آسية وافريقية اكثر من حاجتها الى ”التبرير“ السياسي. ففي تلك الظروف كانت الموضوعة البرجوازية القائلة بطابع اللاعقلانية والحدسية والدينية للثقافة الشرقية، بوجه عام، تؤدي وظائف سياسية معينة. ومن الطبيعي ان الأوروبي ”العقلاني“ قد حصل على ”التبرير“ لسيطرته على الاسيوي ”اللاعقلاني“”. (13)
هيغل وخلفية دعوته إلى “شطب الفلسفة الشرقية من تاريخ الفلسفة”
انتقدَ حسين مروّة تبني هيغل للفوارق بين الشعوب وثقافاتها، التي هي نظرية عنصرية، فقد أطلقَ هيغل حكمه المطلق على الفلسفة الشرقية بأنها تشكل الطريقة الدينية للتصورات، والآراء الدينية، لدى الشعوب الشرقية، وهي التصورات والآراء التي تفهم أول وهلة انها فلسفة، ودعا إلى الاهتمام بالفلسفة، بحسب مفهومه لها بالطبع، وليس بالعناصر الفلسفية بصورة مطلقة ولا بالأفكار الكامنة في الأساطير. ووصلَ هيغل إلى الدعوة “لشطب الفلسفة الشرقية من تاريخ الفلسفة”، لأنها، بحسب هيغل، وإنْ كانت تشتمل على بعض الأفكار العميقة إلَّا أنها موجودة فيها بشكلها المستتر. بعد عرض حسين مروّة لرأي هيغل وموقفه من الفلسفة الشرقية وطرحه لشطبها من تاريخ الفلسفة، انتقدَ هذا الموقف، بتحديده أنه موقف لم يكن بسبب ادعاء ان هيغل لم يكن مطلعاً، بشكل كافٍ، على نتاج الفلسفة الشرقية وأصولها، ليصلَ إلى النقطة المركزية في نقده وهي أنه “اذا كان هذا النقص كائنا بالفعل فليس هيغل معذورا ان يسمح به لنفسه. ففي الربع الاول من القرن التاسع عشر، حين كان يلقي محاضراته في تاريخ الفلسفة، كانت المعطيات المتوفرة في اوروبة عن الثقافات الشرقية، بما فيها من فلسفات، كافية للحكم الصحيح بشأن هذه الفلسفات، ولتكوين الفكرة السليمة عن تطور الفلسفة في الشرق. هذا يعني ان الامر لا يكمن في قلة المصادر او نقص المعرفة بها، بل يكمن في منهج هيغل الفلسفي وفي اسلوب البحث عنده. على ان فهمه للفلسفة، بمعناها الصارم، كان متأثرا بالمواقف الفلسفية التي سادت اوروبة في عهده، وهي مواقف الفلاسفة البرجوازيين في اوروبة الغربية من مسألة طرق التفكير في بلدان الشرق وبلدان الغرب. فان الادبيات البرجوازية، خلال كثير من العقود، كانت تسودها الموضوعة القائلة بالتناقض بين طرق التفكير عند الانسان الشرقي وطرق التفكير عن الانسان الغربي”.(14) القائمة على خص الغرب بطريقة التفكير العقلانية، وخص الشرق بطريقة التفكير غير العقلانية.
لخصَ حسين مروّة مشكلة أنصار “مركزية الفلسفة في أوروبا” بأنها تكمن في أنهم “اولا فرضوا صفة التناقض على مسألة الصلة بين طرق التفكير الشرقية وطرق التفكير الغربية. وثانيا، اهملوا طابع الوحدة في طرق التفكير البشري، واضفوا الطابع المطلق على الفوارق الكائنة بينها فعلا”. (15)
نقد مفهوم الصراع بين مركزية الغرب ومركزية الشرق
أوضحَ حسين مروّة أن ما أسهمَ في بروز اتجاه مقابل لـ “مركزية الفلسفة في أوروبا”، الذي سُمّي بـ “المركزية الشرقية”، أو “مركزية آسيا وأفريقيا”، هو حالة النهوض التحرري والقومي التي عاشتها آسيا وأفريقيا، وأن “لهذه الظاهرة الجديدة المعارضة ايضا جذورها المعرفية وجذورها الاجتماعية. أما المعرفية فشبيهة بتلك التي خرجت منها ”المركزية الغربية“ واما الاجتماعية فمرجعها الى عملية نهوض شعوب آسية وافريقية التي كانت في العصور القديمة مراكز لنشوء الحضارة البشرية”. (16) في قراءة حسين مروّة النقدية لظاهرة “المركزيتَيْن” قال إن ممثليها الطبقيين ليسوا بالطبع ممثلي الطبقة العاملة بل هم من ممثلي الطبقة البرجوازية والبرجوازية الصغيرة وطبقة الاقطاعيين وكبار الملاكين.
نقد حسين مروّة لاتجاه “مركزية آسيا وأفريقيا”، أبرز فيه أكثر ما تتجلى به هذه النظرية الذي هو بتحديده أنه اتجاه بالَغَ، كثيراً، في دور الثقافة الشرقية وفلسفة الشرق ودورها في تطور الفلسفة الأوروبية، حتى في تطور الماركسية منها، وأنه اتجاه أضفى الطابع المطلق على العناصر الدينية والصوفية في الثقافات الوطنية لبلدان الشرق وأفريقيا. من أبرز ممثلي اتجاه “مركزية الشرق”، الذين انتقدَ حسين مروة طروحاتهم: شريف الباكستاني، وليوبولد سنغور. في نقده لهذا الاتجاه قال حسين مروّة إنه “لا يساعد اطلاقاً على تلاحم الحركة الثورية العالمية. ان الخطأ المبدئي في اسلوب البحث هذا (مركزية الفلسفة) يكمن في عدم القدرة على اكتشاف الصلة المتبادلة في ما بين الفلسفة الوطنية والفلسفة العالمية. ان الرد على نظرية المركزية الاوروبية او الغربية للفلسفة، التي روجت لها الحركة الاستشراقية الغربية، وعلى نقيضتها (المركزية الشرقية، او الاسيو – افريقية) هو ان البشرية، سواء اكانت في الشرق ام في الغرب، موحدة بوحدة وجودها الذي تفعل فيه القوانين الموضوعية الواحدة. وهذه الوحدة تظهر في وحدة ظروف صيرورة الانسان والمحافظة على وجوده. وقبل هذه وتلك: وحدة الممهدات والظروف الاساسية لنشاط الانسان العملي. ان وحدة الوجود المادي للبشرية، هي التي تحدد -بدورها – الوحدة المبدئية لوجودها الفكري او الروحي، اي وحدة طرق التفكير ونتاجه”. (17)
في ضوء المنهجية المادية حدَّد حسين مروّة أن وحدة التفكير البشري لا تعني أن طريقة التفكير واحدة كلياً، ومنسجمة انسجاماً كاملاً، بل هي بتحديده المنهجي لها مسألة توجب التفكير فيها على نحو ما ننظر إلى وحدة صراع الأضداد والتناقض بينها، يضاعف حسين مروّة ايضاحه لهذه المسألة المنهجية التي حدَّدها بقوله إنه في هذا المجال يتجلى ديالكتيك العلاقة بين العام والخاص. بمعنى أن كل طريقة للتفكير هي فريدة من نوعها (خاصة)، وهي في الوقت نفسه عامة. على هذا الأساس المنهجي الذي حدَّده حسين مروّة يوضح أن مفهومه للفلسفة العالمية لا يعني فيه “النظر اليها في كل مرحلة من تطورها التاريخي بوصف كونها مجموعة بسيطة للفلسفات الوطنية او الاقليمية، بالرغم من انها تتكون – طبعا- من منجزات هذه الفلسفات ذاتها. بل الواقع ان الفلسفة العالمية لم تكن في اية مرحلة سابقة، وليست هي في المرحلة الحاضرة، فلسفة للعالم أجمع. فانه بسبب من التفاوت في التطور التاريخي للبشرية، الذي ينعكس تفاوتا في تطورها الثقافي، كانت تظهر في كل مرحلة مجموعة معينة من البلدان تؤدي دورا رئيسا في تطور الفكر البشري في هذه المرحلة بعينها. والفلسفة في هذه البلدان كأنها تستخلص في نفسها كل تطور الفكر الفلسفي في تلك المرحلة. لذلك نقول انه بالرغم من كون الفلسفة بالذات لم تكن فلسفة العالم بأسره، كانت تظهر كفلسفة عالمية”،(18) يكمل حسين مروّة بإضاءَته على مسألة منهجية أخرى هي “أن المستشرقين يتكلمون على الفلسفة الشرقية دون تحديد او تعيين. وهذا يوحي بأنه توجد فلسفة شرقية واحدة ذات خصائص او صفات متماثلة ان ذلك غير صحيح بل الصحيح والدقيق ان هناك فلسفات شرقية متعددة، لكل منها طابعها التاريخي المتميز(…) وانه لطبيعي ان لا يكون بين الفلسفات تماثل، ما دام هناك تفاوت او اختلاف في التطور التاريخي لكل من المجتمعات الشرقية التي أنتجت هذه الفلسفات، وذلك هو شأن الفلسفة العربية – الاسلامية بالنسبة للواقع الاجتماعي وللخصائص التاريخية التي جاءت هذه الفلسفة تعبيرا عنها بطريقتها الخاصة”. (19)
مثالية دعوة “الماركسية – الشرقية”
مع الانتشار القوي للفلسفة الماركسية – اللينينية، وما شكلته من دعم لقوى التحرر الوطني ضد الاستعمار والأنظمة التبعية، الذي أظهرَ رجعية الفلسفة البرجوازية وعمَّق أزمتها أكثر، برزت دعوات لإنقاذ الفلسفة البرجوازية من أزمتها، يقول حسين مروّة إن هذه الدعوات مهدت لهذه العملية بالقول إنه كانوا يهملون الفلسفة الشرقية، مع أن لدى الشرقيين فلسفة عظيمة، وأن عليهم دراستها وجمع المواد اللازمة عنها لإضافتها إلى فلسفتهم، فتتبلور، بتحديد حسين مروّة النقدي، فلسفة قوية قادرة على مواجهة الماركسية. ويضيف أن بعض ممثلي هذا الاتجاه وصلوا إلى الدعوة لإدماج فلسفة الغرب وفلسفة الشرق، ودعوة الماركسيين للتوجه إلى الشرق إذا أرادوا تطوير نظريتهم، هذه الطروحات والدعوات التي عرضَ حسين مروّة أسسها في “النزعات المادية…” انتقدَها بتحديده ان “الملحوظ خلال هذه الظاهرة أن مفكري البرجوازية الصغيرة في آسية وأفريقية، هم الاشد اصرارا على اندماج الماركسية والفلسفة الشرقية. لماذا؟. هناك سببان متناقضان يتلاقيان ديالكتيكيا: انهم – أولا- يجدون في الماركسية مجموعة من العناصر الجذابة، وانهم – ثانيا- كسائر فصائل البرجوازية الصغيرة في العالم – يخافون الماركسية الحقيقية. لذلك يقترحون ما يسمى بـ ”الماركسية – الشرقية“”.(20)
في نقد حسين مروّة لدعوة دمج الفلسفة الغربية والفلسفة الشرقية ورفضه لها، وتحديده أنها دعوة مصطنعة وهميَّة مثالية، يتضاعف بروز منهجيته في دراسة التراث والحركة الاستشراقية وذلك من خلال تحديده لأساس منهجي رئيس في المنهجية المادية التاريخية هو أن “الفلسفة نتاج تطور تاريخي للمجتمعات البشرية، وقد تجاهل انصار هذا الاندماج هذه الحقيقة، كما تجاهلوا الطابع الطبقي للفلسفة. ومن جهة ثانية تجاهلوا ان تأثير الفلسفة الشرقية على الفلسفة الغربية، ليس يجري الا بعملية تاريخية طبيعية يوجهها مجرى التطور التاريخي لبدان الشرق بحد ذاته. وهذه العملية لا يمكن – طبعا- ان تسرع او تبطىء الا تبعا للنشاط الاجتماعي الواعي، اي انها لا يمكن ان تحدث بطريقة تحويل خارجي مفتعل، لان العملية التاريخية الطبيعية لا تحدث بارادة مجموعة من الفلاسفة”. (21) مع تأكيده أن ذلك لا يعني “ان لا تتطور الماركسية باتجاه الاستفادة من عناصر ثقافات الشرق. بل ذلك يعني انه في سياق تطبيق الماركسية بالقياس الى الظروف الملموسة لكل بلد، سوف تتطور بالاستفادة من هذه العناصر”. (22) على هذا الأساس المنهجي فإن “دراسة تراث الشرق الفكري، ومنه التراث العربي – الاسلامي، بالارتباط مع قاعدته الاجتماعية – الاقتصادية، وفق منهج البحث الماركسي، هي شكل من أشكال هذا التطبيق”. (23)
إظهار للجوانب الغيبية وطمس للجوانب المادية
الاتجاه الثالث هو الذي حدَّده حسين مروّة بأنه يقصر عنايته على الجوانب الاكثر محافظة ورجعية وإغراقاً في الغيبيات وفي عالم المطلق، مع طمس الجوانب ذات النزعات المادية. أو اخفاء الأبعاد الاجتماعية الكامنة حتى في الاشكال الغيبية كآثار التصوف الفلسفي عند أمثال الحلاّج والسهروردي الشهيد، يُكمل حسين مروّة بل لقد حاول الكثير من هؤلاء المستشرقين توجيه المنظومات الفلسفية لأمثال الفارابي وابن سينا وابن رشد توجيهاً يصرفها عن أبعادها المادية ويفرغها من هذه الأبعاد لتصبح محض منظومات صوفية أو إشراقية أو دينية. من بين ممثلي هذا الاتجاه الذين انتقدهم حسين مروّة: كارا دي فو Carra de Vaux، ولويس ماسينيون Louis Massignon وجلسون، ومهرن.
في نقد حسين مروّة لهذا الاتجاه الاستشراقي أضاءَ على قضية في غاية الأهمية وهي أنه لا ينكر الأشكال الدينية في الفلسفة العربية – الإسلاميَّة، لا بل أكد أن الفلسفة العربية – الإسلاميَّة كانت ذات أشكال دينية، وهي مثلها مثل غيرها من فلسفات القرون الوسطى قد ارتبطت بالتاريخ الديني، هذه الميزة الواقعيَّة التي أبرزها حسين مروّة شدد أنها لا تخفي النزعات المادية، وهذا ما درسه في كتابه “النزعات المادية في الفلسفة العربية – الإسلامية”، في ضوء منهجية مادية علميَّة استطاع من خلالها كشف النزعات المادية المحجوبة، مع إظهاره لمسألة بالغة الأهمية، في دراسته للفلسفة العربية – الإسلاميَّة، هي أن فلاسفة القرون الوسطى قد استطاعوا “ان يبرزوا ميولهم الفلسفية المادية من خلال الاشكال الدينية بوضوح حينا (ابن سينا مثلا)، وبالرمز والمداورة حينا آخر”. (24)
مشكلة كلمة “المشرقية” ليست مسألة لفظية
انتقَدَ حسين مروّة ما أثير من قبل عدد كبير من المستشرقين أتباع الاتجاه الاستشراقي الثالث، لما يُعرف بمشكلة صوفية ابن سينا الإشراقية، في نقده حدَّد أن المشكلة بأساسها عبارة عابرة وردت في مستهل مقدمة ابن طفيل الأندلسي لـقصته الفلسفية الشهيرة “حي بن يقظان”، التي يقول فيها “سألتني – أيها الاخ الكريم الصفي – (…) ان ابث اليك ما أمكنني بثه من اسرار الحكمة المشرقية التي ذكرها الشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا”، ثم ينقل ابن طفيل في مكان آخر من المقدمة كلاماً لابن سينا قاله في مقدمة كتابه “الشفاء” يتلخص بأن “الشفاء” هذا كُتِبَ وفقاً لمذهب المشَّائين، أما رأيه الحق هو – اي ابن سينا- فينبغي ان يؤخذ من كتابه الآخر “الفلسفة المشرقية”.
عرضَ حسين مروّة النصوص الواردة في مقدمة ابن طفيل حول ابن سينا لينتقدَ تأويل هذا الاتجاه الاستشراقي كلام ابن سينا المنسوب إليه، فكلمة “المشرقية” المنسوبة إلى ابن سينا الواردة في مقدمة ابن طفيل، هي التي أثارت المشكلة لدى المستشرقين، أي هل هي بـ (ضم الميم)، أم بـ (فتح الميم)، ولكن المشكلة نفسها، بتحديد حسين مروّة الدقيق لها، ليست بالفتحة أو بالضمة، بل كيف يقرأون كلمة “المشرقية” بضم الميم، أم بفتحها؟ سؤال طرحه حسين مروّة وأجاب عليه أن هذه المسألة ليست مسألة لفظية، فإثبات الضمة يعني أن ابن سينا ليس فيلسوفاً بل كان إشراقياً بمعنى من معاني التصوف، وكشفَ في نقده لهذه المسألة أساسها وهو أنها “تعني امرا بعيد المرمى لدى المستشرقين الغربيين البرجوازيين. فقد كان يعنيهم جدا ان يكون الكتاب الذي يعتمد ابن سينا معبرا عن رأيه الحق، دون ”الشفاء“، كتابا اشراقيا. لانه – اي ابن سينا- يخرج بذلك نهائيا من حلبة المدافعين عن العقلانية الارسطية، ليصبح قطبا من اقطاب الحلبة اللاعقلانية الميتافيزيقية السهروردية، ويصبح الكلام على فكرة اصالة الوجود عند ابن سينا، في نظرية المعرفة بالاقل، كلاما قد يعني بعض المشائين، ولكنه لا يعني مطلقا ابن سينا الحقيقي صاحب ”الحكمة المشرقية“ الذي لا بد ان تكون اصالة الماهية رأس مبادئه الاشراقية. ان الايديولوجية البرجوازية، وايديولوجية الامبريالية بدرجة اشدّ، يزعجها في هذا العصر ان نكتشف في المراكز الشامخة من تراثنا الفكري تعليما فلسفيا يتجه الى ما تعنيه فكرة اصالة الوجود من نزعة مادية، بقدر ما ينفعها ان تضع بين ايدينا هذا التراث مختوما عليه بخاتم ”الانوار“ الاشراقية ليزيدنا ”اغترابا“ على ”اغتراب“ في عالمنا الحاضر. لذا نقول ان ذلك الجهد الهائل الذي ارهق جمهرة من المستشرقين الغربيين في سبيل ان يثبتوا ”الضمة“ من كلمة ”المشرقية“ في اسم كتاب ضائع لابن سينا، لم يكن جهدا عبثا، لم يكن لعبا لفظيا (…) بل كان عملا جديا يدخل في صلب نهجهم الايديولوجي. من هنا لم يتوقف بعضهم عند مسألة ”الضمَّة“، بل حاول هذا البعض ان يضع كتاب ابن سينا ذاك، وهو غائب عن الاعين، في عِداد الكتب الاشراقية او ”الروحانية“ حتى مع ”الفتحة“ (فتح ميم المشرقية)”. (25)
مفارقة في الشكل
يمضي حسين مروّة في تفنيد الاتجاه الثالث من الحركة الاستشراقية منتقداً ما أسماه تيار العطف الحار من بعض المستشرقين الغربيين على التيارات التصوفية في تراثنا، الذين يرون أن التصوف هو “جسر بين الفكر الديني الشرقي والغربي” هنا طرحَ حسين مروّة سؤاله النقدي “هل من المفارقة حقا ان تجد في الحركة الاستشراقية هاتين الظاهرتين المتناقضتين: في الفكر العقلاني لا لقاء بين الشرق والغرب، وفي الفكر الغيبي الصرف يلتقيان ويؤلفان عالما واحدا؟ انها مفارقة في الشكل فقط وفقا لمنطق الايديولوجية الامبريالية والايديولوجية البرجوازية. اما في الجوهر فان كلتا الظاهرتين منسجمة مع كلتا الايديولوجيتين كل الانسجام. ان الجمع بين الشرق والغرب على الفكر الغيبي، وعلى تمجيد الامية والتعلم من كتاب” الحياة“ التي هي غير حياة البشر الواقعية، هو الامر الجوهري ايديولوجيا، بقدر ما هو جوهري – ايديولوجيا ايضا- التمييز المطلق بين الشرق والغرب في الفكر المتصلة جذوره، بالواقع الاجتماعي. والا فلماذا التفريق بين الفكر العقلاني والفكر اللاعقلاني؟ كلاهما تاريخي، وليس واحد منهما نشأ وعاش خارج التاريخ، تاريخ البشر، أي تاريخ النشاط الاجتماعي للبشر. ان الهدف الاساس من هذه المواقف كلها اخفاء كل ما يشير الى علاقة ما، في الاعمال الفكرية، بواقع الصراع الطبقي كمحدّد لاتجاه مسار التاريخ البشري”. (26)
رفض لتقسم الشعوب على أساس الجنس والعرق
الاتجاه الرابع هو الذي أطلق عليه حسين مروّة تسميّة الاتجاه الايجابي في الدراسات الاستشراقية للتراث، وقال إن فيه مباحث خرجت على الاتجاهات الاستشراقية الثلاثة المسيطرة على دراسات التراث الشرقي المرتبطة بالأيديولوجية الاستعمارية، وأن بعض دراسات الاتجاه الايجابي اتسمت بمواقف منطلقة من نظرة تاريخية سليمة أو منهجية علميَّة.
من المستشرقين البرجوازيين في هذا الاتجاه الإيجابي الذين ذكرهم حسين مروّة بول ماسون – اورسيل Paul Masson-Oursel يقول حسين مروّة إنَّ دراسة اورسيل التاريخية لفلسفة الشرق القديمة تتميز بطابعها المنهجي الذي يعارض الأساس الذي قامت عليه “نظرية مركزية الفلسفة”، وانه “يبني معارضته على موقف نظري صحيح من الوحدة المتكاملة للتفكير البشري”، (27) ويعارض الموضوعة الاستعمارية التي تنفي تاريخ أفريقيا الحضاري. الميزة الأخرى التي أبرزها حسين مروّة هي أن ممارسة اورسيل صائبة لفهم العلاقة الموضوعية بين الأساطير والدين والفلسفة، أي مختلف أشكال الوعي الاجتماعي، وبين الواقع والنشاط الاجتماعي، ويُكمل بأن أورسيل يعارض معارضة صارمة “نظرية” تقسيم الناس إلى عناصر وأجناس مختلفة.
المستشرق الثاني الذي ذكره حسين مروّة هو ريتشارد فالتزر. قال عنه إنه حدد بشمول وعمق مصادر الفلسفة الاسلامية الخارجية والداخلية وانه عارض كلا من الرأيين اللاتاريخيين القائل أحدهما بأن هذه الفلسفة نتاج عربي خالص، وثانيهما بأنها نتاج المصادر الفلسفية اليونانية وحسب. يُكمل حسين مروّة إن في دراسة فالتزر ملامح منهجية سليمة. أما مآخذه المنهجية على فالتزر فيقول “انه رغم صحة معارضته أن يكون ”تعطُّش الخلفاء الشخصي للعلم“ هو سبب الاقبال على ترجمة المعارف الاجنبية، لم يستطع ان يستنتج السبب الحقيقي (حاجات التطور الاجتماعي الى تطور المعارف العلمية)، بل اكتفى بالقول ان ”السبب ليس واضحاً“. ومنها أيضاً: ارجاعه اختلاف ”الفلاسفة العرب“ من حيث علاقة كل منهم بالافلاطونية المحدثة او بالارسطية، إلى المزاج الشخصي، دون اخذه بالحسبان الظروف العامة التي اقتضت هذا الاختلاف”. (28)
أما المستشرق هاملتون. أ. جب، فيقول حسين مروّة إنه من المستشرقين البرجوازيين الذين بالرَّغم من تعميماته الميتافيزيقية، حول التفكير العربي والعقلية العربية، إلَّا أنه حاول أن يتلمَّس بعض التفسيرات الواقعية “للتاريخ الاسلامي”، يذكُر منها قول جب إنه “ظهرت للاسلام ملامح مختلفة في مختلف الأزمنة والأمكنة بتأثير العوامل المحلية: الجغرافية والاجتماعية والسياسية فيه”، وهو بذلك “كان مصيباً في تطبيق هذا التفسير على ما استطاع رؤيته في الخصائص المميزة لكل المناطق التي وجد فيها الاسلام نظاما وثقافة ودينا”. (29) وحول كلام جب على الحركة الصوفية يقول حسين مروّة إنه “حاول ايضا تلمُّس الصلة بين هذه الحركة والفئات الشعبية، ولا سيما الريفية وفئات الحرفيين في المدينة، واذا كان لم يستطع ان يرى الجذور الطبقية لهذه الصلة لكي يكشف الجانب الثوري في حركة التصوف الاسلامية، فقد فسرها بالاتجاه الذي يشير اليها من بعيد”.(30) نظرات جب التاريخية قال حسين مروّة إنها تستحق الاهتمام بها على الرغم من عدم موافقته على منطلقاتها الفكرية والمنهجية.
في ضوء المنهجية المادية التاريخية كشفَ حسين مروّة الجانب الثوري لحركة التصوف الإسلاميَّة، التي لم يستطعْ جب رؤيتها بسبب منهجيته المثالية، ومراحل التطور التي مر بها التصوف الإسلامي من مرحلة حركة الزهد إلى مرحلة الفكر الصوفي، وارتباطه بالواقع الاجتماعي والموقف السياسي والأيديولوجي منه، دراسة تشكل إحدى أهم الدراسات حول التصوف وتاريخه، فقد كشفَ حسين مروّة في دراسته للحركة الصوفية أن رفضها أيديولوجية النظام الاجتماعي الحاكم، هو موقف أيديولوجي تكمن فيه نزعة ثورية، سمّاها ثورة سلبية على الواقع، ووصلَ في دراسته للتصوف إلى أنه جزء من الفلسفة العربية – الإسلاميَّة، مميز بطابعه الخاص ونظريته الخاصة.
من الانتقادات لمنطلقات جب- وماكدونالد- الفكرية ومنهجيته نقد صادق جلال العظم لها بأنها تستند إلى أسطورة الطبائع السائدة وتنبع من عقلية سكونية معادية لكل فكر تاريخي. هي طروحات انتقدها صادق جلال العظم، انطلاقاً من الأساس المنهجي والفكري نفسه الذي انطلق منه حسين مروّة في نقده لاتجاهات الاستشراق الرأسمالي الامبريالي، فقد طرحَ العظم تساؤلات نقدية على منهجية جب وماكدونالد وطروحاتهما الفكرية منها “أولم يكن تصور الغيب حاضراً كل الحضور وقريبا كل القرب عند الشعوب الغربية، في تلك المرحلة التاريخية، تماما كما هي الحال عند الشرقيين؟” (31) يقول العظم في قراءته النقدية لطروحات جب وماكدونالد إن (هذا ما لا يفعله إدوارد سعيد بنقده).
غواشون
آراء وتفسيرات المستشرقة الفرنسية أ.م. غواشون A.M Giochon ، أعطاها حسين مروّة مساحة في مقدمة “النزعات المادية…” من ص. 137- 139، أبرزَ فيها ما تتمتع به دراساتها للفلسفة العربية – الإسلاميَّة، في الاتجاه البرجوازي الايجابي، من عمق الاطلاع والاستيعاب لنصوص الفلسفة العربية – الإسلاميَّة، وانها لم تنزلق إلى المواقف الأيديولوجية للاتجاهات الاستشراقية الامبريالية الثلاثة السابقة في دراسة التراث، وأن غواشون تخصصت بدراسة فلسفة ابن سينا التي تميزت، بتحديد حسين مروّة، بآراء وتفسيرات انتقدَت فيها مزاعم المستشرقين بأن ابن سينا في “الاشارات والتنبيهات” يناقض ابن سينا في “الشفاء“، وذلك بهدف يكمن في سعيهم لإبراز الوجه المثالي لابن سينا وطمس وجهه المادي. هذا الزعم رفضته غواشون، وهي ميزة لها يذكرها حسين مروّة، ويعرض في “النزعات المادية….” نقدها لتلك المزاعم من دون تحفظ.
الدراسات الاستشراقية الماركسية وركائزها
تتميز الدراسات الاستشراقية الماركسية بأنها على طرف نقيض من الاتجاهات الاستشراقية المرتبطة بالمشروع الإمبريالي وأيديولوجيته، وذلك لأن الاستشراق الماركسي يقوم على أساسَيْن هما: “أساس مادي تاريخي من حيث المنهج، وعلى أساس الاشتراكية العلمية من حيث الأيديولوجية. ذلك يعني اننا لن نجد في دراساتهم لهذا التراث تلك الوجوه السلبية الجوهرية التي وجدناها لدى المستشرقين والباحثين الغربيين، أو لدى الباحثين العرب المحدثين، الذين ينطلقون في دراساتهم من مواقف مثالية لا تاريخية منهجياً، ومن مواقع امبريالية او برجوازية أيديولوجيا، ولكن ليس يعني ذلك اننا لن نجد في دراسات المستشرقين الماركسيين وجوها سلبية اطلاقا. أننا- كماركسيين، او لكوننا ماركسيين ضبطا- بعيدون جدا، او يجب ان نكون بعيدين جدا، عن مثل هذه الاطلاقية”.(32)هذه السلبيات في دراسات المستشرقين الماركسيين “تبقى سلبيات ثانوية بالقياس الى الجوهرية، لانها ليست آتية من المنهج والايديولوجية بذاتها، بل من الفهم الميكانيكي او الرؤية الغامضة بين نظرية المنهج وواقعيته“؟ (33) ومن المصادر الأخرى للسلبيات الثانوية أنها “ربما تصدر عن الاجتهادات الشخصية في تطبيق القوانين العامة، على هذا الخاص او ذاك، فقد تصاب هذه الاجتهادات بنقص في المعطيات التاريخية عن الخاص الذي يراد تطبيق العام عليه، او قد تصاب بالتباسات يحاط بها الخاص من قوى خارجية”. (34)
في دراسة حسين مروّة للحركة الاستشراقية في ضوء المنهج المادي التاريخي تبرز قضية منهجية رئيسة أبرزَ جانباً منها هادي العلوي وهي بتحديده أن القاعدة التي انطلق منها إدوارد سعيد في دراسته هي ارتباط الاستشراق بالاستعمار، التي “شكّلت محوراً تتلاقى عنده فصول الكتاب. وهو من محاور حسين مروة الأساسية كذلك. ويمكن بناءً على ذلك اعتبار المبادرتين نتاجاً لموقف ضد امبريالي. لكن دوافع إدورد سعيد عربية – شرقية أكثر منها وطنية بالمفهوم السياسي البحت. ورغم أن هذه الدوافع التي ظهرت شديدة الوقع في كتابه قد أثمرت فضحاً موثقاً وصادقاً للاستشراق وارتهاناته ومنهجه التحايلي مما يتوافق مع ما قام به حسين مروة، فقد اختلفت نتائج الإثنين مع اختلافهما في الدوافع، وقبل ذلك في الموقع الاديولوجي لكل منهما.. الاستشراق عند إدورد سعيد إنحشر في زنقة لن يخرج منها إلاّ مدمَّراً. وهذا لأنه جزء من فكر واحد ووضع سياسي واحد. وبسبب نظرته التعميمية لم يوفَّق إدورد سعيد إلى تقدير حجم الثورة التي قام بها كارل ماركس ضد الفكر الغربي المؤطر بمحدوديّات التقاليد البرجوازية، وهو الفكر نفسه الذي انتج الاستشراق كمنهج. وتالياً فهو قد عجز عن تصوّر كيف يمكن للاستشراق أن يستمر في سبل جديدة مغايرة مستنداً إلى هذا الفكر المارق الذي جاءت به الثورة الماركسية. إن هذا ما أدركه حسين مروة وبنى عليه استقراءه لاتجاهات الاستشراق الجديد حيث برزت قدرته على محاكمة المناهج المختلفة تبعاً لمنطلقاتها السياسية والاجتماعية وبالتالي الاديولوجية. والفضل هذا يعود لماركسيته وليس لأنه متفوق علمياً على إدْورد سعيد. فكلا الرجلين عالم “. (35)
ومن الانتقادات العميقة لإدوارد سعيد في ضوء المنهج المادي التاريخي نقد الشهيد مهدي عامل له الذي في نقده لأربع صفحات من كتاب “الاستشراق” المتعلقة بنظرة إدوارد سعيد لعلاقة ماركس بالفكر الاستشراقي وبالشرق الآسيوي، كشفَ المقولة الأساسية التي تحكم فكر إدوارد سعيد على امتداد صفحات كتابه، التي هي في تحديد مهدي عامل، الدقيق لها، أن إدوارد سعيد لم يحدِّد الطابع الطبقي التاريخي “للثقافة السائدة الطاغية” التي أنتجت صورة للشرق ملائمة لها “بل يكتفي بالقول عنها إنها ثقافة الغرب، أو الثقافة الأوروبية الغربية. وهي ”السائدة الطاغية“ من حيث هي هذه الثقافة الغربية، لا من حيث هي الثقافة البرجوازية المسيطرة. بانتفاء طابعها الطبقي التاريخي في تحديدها السعيدي هذا، تنتفي إمكانية وجود نقيضها نفسه، فتكتسب، بهذا الانتفاء، طابعاً شمولياً تحتل به كامل الفضاء الثقافي. وهذا ما تطمح إليه، من موقع وجودها المسيطر. إنها تطمح إلى إلغاء كل ما ليس هي، وإلى الظهور مظهر الثقافة الواحدة بالمطلق”. (36) يكمل مهدي عامل نقده الممتع الدقيق بتحديده أنه بين هذا المظهر الذي تطمح إليه الثقافة البرجوازية المسيطرة ووجودها كثقافة برجوازية مسيطرة “ثمة فارق هو الذي يزيله من ينظر في التاريخ من موقع الفكر المسيطر، حتى لو كان ينظر فيه بعين ناقدة. وهذا هو الذي يؤكده من ينظر في التاريخ من موقع الفكر النقيض، في حركة الصراع والتناقض بين الاثنين. من هنا أتت الضرورة في أن يكون الفكر الناظر في التاريخ فكراً مادياً، حتى يتمكن من أن يكون علمياً. أما الفكر الذي يستوي عنده ظاهر الشيء والشيء نفسه، فيلغي التناقض والصراع في تاريخ الفكر بين الأفكار، ويأخذ بواحدية الثقافة، إذ يرى في الثقافة المسيطرة أو ”السائدة الطاغية“، الثقافة كلها، ولا يترك لنقيضها إمكان وجود، فهو فكر أقل ما يقال فيه إنه مثالي، يرى التاريخ بعين الفكر المسيطر، حتى لو حاول أن يكون ضده”. (37)
إنَّ الاطالة المتعلقة بانتقادات وجهت إلى جزء من دراسة إدوارد سعيد للاستشراق لا تعني على الإطلاق التقليل من أهمية دراسته النقدية للاستشراق وللاستعمار، ولكن ليعذرنا القارئ على هذه الإطالة فهي لها ضرورتها المنهجية كونها تضاعف الإضاءَة على جانب رئيس من نقد حسين مروّة للاستشراق، يدخل في أس المنهجية المادية التاريخية، يكمن في أن علاقة الثقافي (الأيديولوجي) بالسياسي، هي علاقة اتصال، مادية ديالكتيكية، بتحديدها يتحدّد الموقع الطبقي في البنية الاجتماعية، هل هو بموقع الطبقة البرجوازية المسيطرة وأيديولوجيتها فيعيد إنتاجها وإن كان ضدها أو انتقدها، أم في موقع نقيض لها، موقع الطبقة العاملة ونظريتها الثورية فيطرح مشروعه الشامل البديل.
على هذا الأساس المنهجي الذي يظهر علاقة الثقافي بالسياسي فإنَّ دراسة حسين مروّة للحركة الاستشراقية وتحديده لاتجاهاتها وإبراز خلفيتها الأيديولوجية والسياسية، في ضوء المنهج المادي الذي عصبه الديالكتيك الواقف على قدَمَيْه، تتضاعف ضرورتها في مواجهة تشويه الوعي الذي تمارسه القوى الإمبريالية، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وأدواتها ضد شعوب العالَم للسيطرة عليها، لحرف الصراع الطبقي الوطني التحرري، عن مجراه المادي التاريخي، الذي هو صراع ضد الاستعمار والاحتلال. وبالتالي فإن نقد طروحات الامبريالية وكشف أيديولوجيتها هو شكل من أشكال الصراع الطبقي تخوضه قوى التحرر الوطني ضد الأيديولوجية الإمبريالية ومشاريعها الاستعمارية، من أجل كسر التبعية البنيوية بالنظام الرأسمالي العالمي، وحق الشعوب بتقرير مصيرها ومقاومة الاحتلال.
المصادر والمراجع:
(1)- مروه حسين، النزعات المادية في الفلسفة العربية- الإسلامية، جزءان، بيروت، دار الفارابي، ط5، 1985. ج1، ص.111.
(2)- المصدر نفسه، ص. ص. 111-112.
(3)- المصدر نفسه، ص. 112.
(4)- المصدر نفسه، ص. 113.
(5)- المصدر نفسه، 108.
(6)- المصدر نفسه، والصفحة نفسها.
(7)- المصدر نفسه، ص. 114.
(8)- المصدر نفسه، ص. ص 117-118.
(9)- المصدر نفسه، ص. ص. 120-121.
(10)- المصدر نفسه، ص 116.
(11)- المصدر نفسه، ص. 117.
(12)- المصدر نفسه، ص. 121.
(13)- المصدر نفسه، ص. 123.
(14)- المصدر نفسه، ص. 122.
(15)- المصدر نفسه، ص123.
(16)- المصدر نفسه والصفحة نفسها.
(17)- المصدر نفسه، ص. 125.
(18)- المصدر نفسه، ص. 126.
(19)- المصدر نفسه، ص. 127.
(20)- المصدر نفسه، ص. 128.
(21)- المصدر نفسه، ص. 129.
(22)- المصدر نفسه، ص. 130.
(23)- المصدر نفسه، والصفحة نفسها.
(24)- المصدر نفسه، ص. 131، هامش رقم 1.
(25)- المصدر نفسه، ص. 132.
(26)- المصدر نفسه، ص. 134.
(27)- المصدر نفسه، والصفحة نفسها.
(28)- المصدر نفسه، ص. 136.
(29)- المصدر نفسه، ص. 137.
(30)- المصدر نفسه، والصفحة نفسها.
(31)- العظم صادق جلال، الاستشراق والاستشراق معكوسا، ط1، دار الحداثة، بيروت، 1981، ص.19.
(32)- مروة حسين، النزعات المادية….، مصدر سابق، ص. 140.
(33)- المصدر نفسه والصفحة نفسها.
(34)- المصدر نفسه، ص. 141.
(35)- العلوي هادي، حسين مروة والاستشراق، مجلة الطريق، حوار مع فكر حسين مروة، بيروت، العددان الثاني/ الثالث، حزيران/ يونيو، 1988، ص. 97.
(36)- عامل مهدي، هل القلب للشرق والعقل للغرب؟ ماركس في إستشراق إدوارد سعيد، بيروت، دار الفارابي، ط.2، 1986، ص. 7.
(37)- المرجع نفسه، ص. 8.