دور صنعاء الجيو-سياسي في معركة طوفان الأقصى 

على مدار تاريخ اليمن الحديث، كانت فلسطين تحتل مكانة خاصة في قلوب اليمنيين. تميز الشعب اليمني بالاعتزاز بعروبته ونصرة القضايا القومية والإسلامية. ولم تكن الحرب الراهنة على غزة استثناءً، إذ خرج اليمنيون إلى الساحات بمختلف أطيافهم وولاءاتهم – وبرغم انقساماتهم في الشأن السياسي الداخلي- احتجاجاً على جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة، مؤكدين وقوفهم إلى جانب الشعب الفلسطيني.

بعد أيام قلائل من طوفان الأقصى في أكتوبر 2023 أعلن اليمن رسمياً مشاركته في عملية “طوفان الأقصى” تضامناً مع الشعب الفلسطيني ومقاومته في غزة. جاءت هذه المشاركة ترجمة حقيقية لما يؤمن به اليمنيون.

 وفي 14 نوفمبر 2023 أعلنت القوات المسلحة اليمنية عن بدء مرحلة جديدة من استهداف كيان الاحتلال الإسرائيلي، متوعدة بضرب أي سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر، حتى يتوقف العدوان على غزة. ولم يقتصر الأمر على التهديدات، بل نفذت القوات اليمنية حينها عمليتين عسكريتين استهدفتا أهدافاً حساسة في مدينة إيلات بالأراضي المحتلة.

تواصلت العمليات اليمنية وظلت تتصاعد بتصاعد العدوان الصهيوني وتجاوزه الخطوط الحمراء، وصولاً إلى بلوغ المرحلة الخامسة من التصعيد اليمني، بقصف يافا المحتلة، “تل أبيب”، بصاروخ باليستي فرط صوتي محلي الصنع “صاروخ فلسطين 2”.  

لقد نجح اليمن في توظيف موقعه الاستراتيجي جنوب البحر الأحمر وعلى مدخل المحيط الهندي، محققاً تحولاً نوعياً في التوازنات الإقليمية والدولية المفيدة للمقاومة، حيث بات جزءاً مهماً في معادلة المواجهة، معبراً عن أحد أشجع صور الدعم للشعب الفلسطيني. 

استطاع اليمن بفضل العمليات البحرية المتواصلة في البحر الأحمر والبحر العربي والأبيض المتوسط والمحيط الهندي ضد السفن المتجهة للكيان والشركات التي خالفت قرار القوات المسلحة اليمنية بحظر التعامل مع الكيان الصهيوني، بفضل هذه العمليات استطاع أن يُشكل ضغطاً كبيراً على “إسرائيل” وحلفائها، ويستنزفهم عسكرياً واقتصادياً، ممَّا جعلهم يدركون أن المواجهة مع الشعب الفلسطيني تتجاوز الأراضي المحتلة لتصل إلى مياه البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي، وهو ما لم يكن في حسبان الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتان شكلتا تحالف “حماية الازدهار” لمنع العمليات اليمنية فهزم وخرجت حاملات الطائرات والبوارج الأميركية من البحر الأحمر.

أشادت مختلف الفصائل الفلسطينية بدور اليمن الاستراتيجي في دعم المقاومة، فقد أدخل اليمن معركة “طوفان الأقصى” في مرحلة جديدة، وجدت فيها المقاومة الفلسطينية منصة ثورية جيو-سياسية هامة لمقاومة العدو، جعلت الجيش الصهيوني يشعر بأنه محاصر ومطارد حتى خارج حدود فلسطين المحتلة ودول الطوق. وهو تحول استراتيجي يشمل المنطقة بأسرها، ويخدم شعوب المنطقة العربية والإسلامية في مواجهة النفوذ الأميركي والإسرائيلي، وهذا المتغير بات مكتسباً راهناً ومستقبلياً حتى في فترة ما بعد توقف الحرب على غزة. 

يرى المراقبون أن العمليات العسكرية التي نفذها اليمن ضد أهداف إسرائيلية، تُعد مؤشراً مهماً لما يمكن أن يحدث في حال عاد العدوان على اليمن مجدداً، حيث يمكن أن تؤثر العمليات اليمنية مستقبلاً على إمدادات الطاقة العالمية، خاصة تلك التي تمر عبر البحر الأحمر، في ظل الأزمات الدولية الراهنة مثل حرب أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا.

ولعل الصواريخ الباليستية الفرط صوتية التي أطلقتها القوات المسلحة اليمنية نحو يافا المحتلة “تل أبيب” تحمل دلالات عميقة تعكس فشل “إسرائيل” في تحقيق الردع الاستراتيجي، فالكيان الذي طالما ادعى القوة بات هشاً ومعرضاً للهزيمة. ومع كل صاروخ يطلق من اليمن، يتجدد التأكيد أن معركة “طوفان الأقصى” لا تقتصر على قطاع غزة، بل تمتد لتشكل تهديداً حقيقياً على “إسرائيل” في الداخل والخارج، وتتضافر العمليات اليمنية مع جبهات الإسناد في لبنان والعراق في آن. 

في الوقت الذي يعاني فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي من الإنهاك بسبب حربه المستمرة على غزة، تبرز صنعاء كعامل ضغط إضافي، خاصة بعدما أصبحت ممرات الملاحة في باب المندب والمحيط الهندي جزءاً من المواجهة. وتعمق صنعاء اليوم المأزق الأميركي والإسرائيلي بتوسيع نطاق العمليات العسكرية، مما يُصعِّب الخيارات أمام واشنطن وتل أبيب، ويضعهما أمام معضلة كبيرة: إما الدخول في حرب شاملة مدمرة لا يتكهنون بنهايتها، أو القبول بحرب استنزاف تضعف صورتهما أمام العالم.

ختاماً، تثبت القوات المسلحة اليمنية، في الأحداث الجارية أن الأمة العربية تمتلك من أوراق القوة ما يجعل “إسرائيل” وحلفاءها يعيدون حساباتهم. اليمن اليوم، بفضل مواقفه الثابتة وشجاعته، يُثبت أن المقاومة ممكنة في هذا الزمن، ويمكن للأمة أن تفرض معادلات جديدة تتجاوز لغة الإدانات والتصريحات المكررة، وتؤدي إلى إنهاء العدوان ورفع الحصار عن الشعب الفلسطيني، وتحرير الأرض في نهاية المطاف، وأن يكون لها مستقبل في النظام العالمي لما بعد الأحادية القطبية. 

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

الاقتصاد السوري بين مطرقة العقوبات وسندان الليبرالية؛ موازنة 2025

الأغلبية الساحقة من السوريين تعيش بين مطرقة العقوبات الغربية وسندان السياسات الليبرالية التي تتبعها الحكومات السورية المتعاقبة، وذلك بالرغم من أن العقوبات نفسها ينبغي أن تتحول من كارثة إلى فرصة نحو تغيير جذري في طبيعة الاقتصاد السوري وتوجهاته.

كوبا الاشتراكية تواجه الحصار الأميركي الإمبريالي

كوبا الاشتراكية تحتاج اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى تضامن كل الشعوب الحرة معها، كوبا التي وضعت بصمتها في معظم دول العالم بناءً على المبدأ التضامني الأممي القوة تواجه الوحش الامبريالي وحدها.

اللجنة الكويتية للسلم والتضامن: نرفض السياسات الإمبريالية ونحمّل الولايات المتحدة والناتو المسؤولية الكاملة عن التهديد المباشر للأمن والسلام العالميين

طالبت اللجنة شعوب العالم بالتصدي لهذه السياسات التوسعية والمدمرة، والضغط على حكوماتهم للعودة إلى طاولة الحوار. كما دعت المجتمع الدولي إلى تحكيم العقل والعمل على إيجاد حلول سلمية تضمن الأمن والاستقرار، وتجنب البشرية كوارث مدمرة تهدد مستقبل الأجيال القادمة

[zeno_font_resizer]