في الكيان الصهيوني.. الأندية الرياضية معامل لتفريخ الفاشية والعنصرية

لمن يمتلك معرفة، ولو محدودة، لواقع أندية كرة القدم ومشجعيهم الصهاينة، لكان لن يُفاجأ بما فعله مشجعو (مكابي تل أبيب) في أمستردام، بالعكس، لفوجئ كيف يمكن للسلطات الهولندية أن تسمح للآلاف من هؤلاء بالدخول لهولندا، وهم المعروفون بسلوكهم الغوغائي والعنصري والهمجي، علماً أن المفاجأة ستزول إن أُخذ بالاعتبار الموقف الهولندي الرسمي العنصري، المخلص لتراث الرجل الأوروبي الأبيض، في العداء لكل ما هو شرقي، ومنه العربي والإسلامي. 

أما سلوك قطعان المستوطنين في الشوارع وهم يهتفون بالموت للعرب، ويمزقون الأعلام الفلسطينية، تعبيراً عن جوهر ايديولوجيتهم وخطابهم العنصريين الفاشيين، فهذا لم يستدعِ تدخل الشرطة، فقط عندما تصدى العرب والهولنديين المتضامنين لتأديب ذلك القطيع المنفلت في الشوارع إرهاباً وعدواناً، تحركت أدوات القمع ومعها ماكينة الإعلام الرسمي الهولندي والأوروبي والأميركي (للتعاطف) مع اليهود ضحايا ليلة (بوغروم) جديدة في هولندا! فانسحب رئيس الوزراء من اجتماعات الاتحاد الأوروبي وبدأت سلسلة من التصريحات والاتصالات والمواقف! 

هذا يبدو للمتابع معروفاً، أقله لرئيس بلدية أمستردام الذي أكد حقيقة ما جرى، وللسكان ولكل صحافي تحلى ولو بقدر ضئيل من النزاهة، وعليه ما يجب التركيز عليه يكمن في الخلف من هذه التفاصيل الميدانية.

جولة قصيرة على محرك البحث (غوغل) يمكن ملاحظة عشرات، بل مئات أحداث الشغب في الملاعب الأوروبية، فلا يغرنك حديثهم التاريخي عن النظام والوقوف في الطابور واحترام القانون ودولة القانون، الذي يرفعونه في وجه شعوبنا، وهذا موضوع آخر لا مكان له الآن هنا. ما يهم هنا ضرورة عدم تبهيت سلوك القطيع الفاشي المسمى (ألتراس مكابي تل أبيب)، واعتبار ما فعله جزء من أعمال شغب اعتيادية تعرفها الملاعب الأوروبية. أولاً هم لم يهتفوا ضد فريق اياكس الهولندي، بل ضد العرب والفلسطينيين مع دعوات صريحة للقتل والإبادة، وهذه واقعة تجعل من الضروري إخراج سلوكهم من خانة أعمال الشغب المتوقعة والاعتيادية في الملاعب، ليطال التحليل، ومن ثم الفهم، وضع هذا السلوك في سياق طبيعة الخطاب الصهيوني، ومن خلفه الأيديولوجية الصهيونية.

بالمناسبة هذا الهتاف بالموت للعرب يكرره العديد العديد من (ألتراساتهم) في ملاعب الكيان، ضد الفرق الفلسطينية، وتحديداً ضد فريق مدينة سخنين الفلسطينية، وهذا مؤشر على التربية العقائدية التي يقومون بضخها في عقول الشبيبة الصهيونية، تلك التربية التي تدعوهم لتحويل أية مناسبة رياضية بمناسبة للنباح العنصري النازي ضد العرب والفلسطينيين.

أما عكس الحقائق من قبل الصهاينة وحلفائهم من الامبرياليين الأوروبيين والأميركيين، بالحديث عن (العداء للسامية)، وليلة شبيهة بليلة (البوغروم) النازي في ألمانيا، فتلك هي الخاصية الأبرز في الخطاب الصهيوني: الكذب. الكذب الذي يصل حدوداً لا يمكن إلَّا أن تُجبه كل متابع. فالجيش المجرم الذي لا يتمتع بأية أخلاقية عسكرية معروفة لدى جيوش العالم، بل ويقوم بالإبادة، يقدم نفسه باعتباره الجيش الأكثر أخلاقية في العالم!. في 10/11/ 2024، نقلت صحيفة هآرتس الصهيونية عن العميد إيتسيك كوهين قائد الفرقة 162 العاملة شمال القطاع قوله إنه تلقى أوامر صريحة بالتطهير العرقي للسكان من نتنياهو وقائد الجيش.

ليس الكذب مجرد ملح الخطاب الصهيوني، بل وشيجة ناظمة لكل الخطاب والفكر الصهيوني، منذ بدأت بلورة هذا الفكر وذاك الخطاب ثقافياً منتصف القرن التاسع عشر، وسياسياً نهاية ذات القرن. فقادة الفكر الصهيوني آنذاك، الملحدون، حسب توصيف المؤرخ الإسرائيلي المعادي للصهيونية إيلان بابيه، يؤمنون، رغم إلحادهم، أن الله منحهم أرض فلسطين، لا بل ويؤمنون بأنهم شعبه المختار، وأن تلك الكذبة/ الثيمتين شكلتا محور التلاقح البنيوي بين النص التوراتي الأسطوري والفكر القومي الأوروبي، لتنتج الفكر الصهيوني وخطابه. فكل ثيمات هذا الفكر وذاك الخطاب هي في الحقيقة سلسلة من الأكاذيب، تمتد عبر علاقة بنيوية مع ثيمات الرجل الأبيض الأوروبي: التمدن، تحويل الصحراء لواحة، نقل الحضارة، التحديث والحداثة. هذا ما يتعلمه الشبيبة في ألتراساتهم ومدارسهم وأحزابهم وشوارعهم، لنغدو ليس فقط أمام سياسيين وقادة مؤسسات أمنية وعسكرية، فاشيين وعنصريين، بل أمام مجتمع من الفاشيين العنصريين. لم نبتعد كثيراً، فكل المجتمعات الاستيطانية، بالضرورة، ستتشكل كمجتمعات عنصرية وفاشية، إذ لا يمكن أن تتشكل، باعتبارها مجتمعات تقوم على الترحيل والتطهير والإبادة، إلَّا على قاعدة متينة من الفكر الفاشي العنصري الإبادي.

لذلك كان متوقعاً تماماً أن يردوا على تأديب قطعانهم في شوارع أمستردام، بأن هذا (عداء للسامية) وتكرار لليلة (البوغروم)، ولكن هذه المرة تقف خلف هذه البروباغاندا الصهيونية، وهي ذاتها بروباغاندا الرجل الأبيض الأوروبي والأميركي، اعتبارات أخرى تستوجب التركيز عليها، حتى لو بدت في منتهى السخافة ومجافاة للحقيقة والوقائع.

من أهم نتائج معركة الطوفان أنها وجهت ضربة قاصمة للرواية الصهيونية البكائية، التي حولت المجرم لضحية، متكئة على المذبحة النازية بحق اليهود، فاستدرت تعاطف ودموع العالم الغربي. السلوك الإجرامي للجيش الصهيوني، وصورة المقاوم الفلسطيني البطولية كمقاتل من أجل الحرية، وصور شبكات التواصل الفاضحة للإجرام الصهيوني، كلها وغيرها، فضحت مقولات روايتهم وعرّتها تماماً، فتسلحت الملايين في شوارع العالم بشعارات الحرية لفلسطين، والرافضة للمشروع الصهيوني من أساسه عبر شعار (من النهر إلى البحر الحرية لفلسطين From the River to the Sea Palestine will be Free).

لذلك، يبدو أن هذه السرعة برفع شعارات (العداء للسامية وليلة البوغروم) في مواجهة تأديب قطعان الصهاينة في أمستردام، هو محاولة دفاعية صهيونية رسمية، ومدعومة من الامبرياليات الأوروبية والأميركية، لاستعادة زمام المبادرة الدعاوية أمام تهتك وانفضاح شعار (العداء للسامية) الذي بات متهالكاً على المستوى الشعبي الأوروبي، وإلَّا بماذا يمكن تفسير التصريحات والضجة الأوروبية الرسمية دعماً للسعي الصهيوني لإعادة الاعتبار لمقولة (العداء للسامية) مقابل كل صوت متضامن مع شعبنا؟

إن العلاقة القائمة بين الامبرياليات الأوروبية والأميركية والكيان الصهيوني تتجاوز حدود المصالح السياسية والاقتصادية المعروفة، لتصل لحد العلاقة التاريخية البنيوية بين المشروعين: مشروع الرجل الأبيض الاستعماري الأوروبي، والمشروع الأبيض الصهيوني، الثاني نتاج الأول وربيبته، ومن رحمه الذي ولد فيه، وعليه يمكن فهم ذلك الدعم غير المحدود لجريمة الإبادة وما يلحقها ويجانبها من مقولات دعاوية.

ليس ألتراس “مكابي تل أبيب” بخارج عن طبيعة المشروع الصهيوني. لسنا أمام مجتمع (طبيعي) تظهر فيه أحياناً مظاهر شغب عند مشجعي الأندية، كأي مجتمع طبيعي، لسنا أمام أندية رياضية بالمفهوم الذي نعرفه للأندية كمؤسسات لممارسة أنشطة رياضية تتسم بالإنسانية. إننا أمام شبيبة تتربى عقائدياً على سجايا أخلاقية تفتقد للحد الأدنى من القيم الأخلاقية الإنسانية، شبيبة تُعلي من قيم الموت للعرب والفلسطينيين، (قيم) الإبادة والتقتيل العشوائي، إننا أمام مجتمع استيطاني عنصري فاشي لا يمكن إلَّا أن ينتج ظاهرة كظاهرة (الألتراس) العنصري الفاشي، إننا أمام أندية هي بالضبط، كما كانت مزارعهم التعاونية قبل نشوء الكيان معامل لتفريخ العنصرية والفاشية، هي معامل لذات الغرض. 

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

نظام الانتخابات الرئاسية الأميركية: هيمنة رؤوس الأموال وضرب لمفهوم التعددية الحزبية والديمقراطية الحقيقية وحقوق الطبقة العاملة

تتغنى الولايات المتحدة الأميركية بنظامها “الديمقراطي” وحرية الانتخابات فيها، والحريات والدفاع عن حقوق الإنسان فأين تلك الادعاءات والولايات المتحدة الأميركية حامية للاحتلال الصهيوني ومشاركة في حربه العدوانية على قطاع غزة ولبنان.

تصويت تاريخي: 187 دولة في الأمم المتحدة تطالب بإنهاء الحصار الأميركي الجائر على كوبا

صوتت الأمم المتحدة يوم الأربعاء 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على مشروع القرار المعنون ”ضرورة إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه حكومة الولايات المتحدة ضد كوبا“، حيث صوتت 187 دولة لصالح إلغاء هذه السياسة الأميركية المعادية .

احتدام حرب الجنرالات في السودان

تجددت الاشتباكات بين جنرالات الحرب في السودان الجنرال “حميدتي” قائد ميليشيا الدعم السريع، والجنرال البرهان قائد الجيش المختطف من الحركة الإسلامية، بشكل أكثر شراسة خلال شهر أكتوبر المنصرم على جميع محاور القتال، بخاصة في محوري الخرطوم وولاية الجزيرة.

أيقونة المقاومة الفلسطينية ليلى خالد في حوار خاص مع «تقدُّم»: عملية 7 أكتوبر بداية معركة التحرير والمقاومة بوصلتنا

خلاصة خبرتها النضالية ورؤيتها الثورية المفعمة بروح المقاومة والثقة بتحقيق النصر وتحرير فلسطين كل فلسطين، ولتضع أمامنا قراءتها للمشهد المقاوم المستمر منذ أكثر من عام في مواجهة العدوان الصهيوني على قطاع غزة الصامد، بالإضافة إلى حديثها عن الحاضنة الشعبية للمقاومة ودور جبهات الإسناد في دعمها.

[zeno_font_resizer]