يعود تاريخ الحصار الأميركي لكوبا إلى تاريخ انتصار الثورة الكوبية في الأول من يناير / كانون الثاني 1959، التي قادها فيدل كاسترو ضد نظام باتيستا الاستبدادي والتابع لحكومات الولايات المتحدة الأميركية ومعها بدأ قطع العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والمالية بين البلدين، وفي نفس الوقت بدأت تتوسع وتتعزز العلاقات مع المعسكر الاشتراكي في تلك الفترة وخصوصاً الاتحاد السوفيتي والصين ومع دول العالم الثالث ممثلة في منظمة دول عدم الانحياز ومنظمة الدول الأفريقية ومع معظم دول أميركا اللاتينية وبحر الكاريبي، وبالتحديد مع المكسيك رغم العداء الواضح والصريح من منظمة الدول الأميركية التي تضم كل بلدان القارتين الأميركيتين الشمالية (الولايات المتحدة الأميركية وكندا) والجنوبية، عدا كوبا التي كانت رفضت المشاركة فيها لأن المنظمة بمثابة “وزارة الاستعمار القديم والجديد” التابعة للحكومة الأميركية وسياستها الامبريالية.
كان أول انتصار كوبي على الامبريالية، فشل الغزو الأميركي والقوات المرتزقة التابعة لكوبا في “خليج الخنازير” / بلايا هيرون أبريل/ نيسان 1961 وإعلان الطابع الاشتراكي للثورة الكوبية، سبباً واضحاً لتشديد الحصار، إضافة لسياسة كوبا في التضامن الأممي المساند للقضايا العادلة في العالم والدعم المقدم لحركات التحرر في العالم ومنها دعم الثورة الجزائرية والقضية الفلسطينية وثورتها، ودعم التحرر الفيتنامي ضد الغزو الأميركي ومساعدة أنغولا في استقلالها وفي القضاء على نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
كانت أول محاولة كوبية لتقديم مشروع قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة في بداية نوفمبر/ تشرين ثاني 1991 تحت عنوان “ضرورة إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه حكومة الولايات المتحدة ضد كوبا، لكن وبسبب الضغوط الهائلة التي مارستها أميركا على معظم الدول الأعضاء ولضمان نجاح التصويت وإقرار القرار الأممي، سحبت كوبا المشروع، وفي العام التالي 1992 عادت وكررت تقديم مشروع القرار مع تحديث لحجم الأضرار الناجمة عن الحصار.
لأكثر من ستة عقود، تقاوم كوبا الحصار الأميركي الإمبريالي الاقتصادي والتجاري والمالي الذي لا يرحم. أكثر من 80% من سكان كوبا الحاليين لا يعرفون سوى كوبا المحاصرة. لم تتوقف مساعي إدارات الولايات المتحدة لحرمان كوبا من المداخيل المالية الأساسية، وخفض مستوى معيشة السكان، وفرض نقص مستمر في الغذاء والدواء وغيرها من الإمدادات الأساسية، والتسبب في الانهيار الاقتصادي.
تتم مهاجمة القطاعات الأكثر حساسية في الاقتصاد ويتم السعي عمداً إلى إلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بالعائلات الكوبية. الحصار هو عمل من أعمال الحرب الاقتصادية في وقت السلم، ويهدف إلى إبطال قدرة الحكومة على تلبية احتياجات السكان، وخلق حالة من عدم القدرة على الحكم وتدمير النظام الدستوري.
وقد تم وصف هذه الأهداف بوضوح في المذكرة سيئة السمعة التي قدمها وكيل وزارة الخارجية ليستر مالوري، بتاريخ 6 نيسان/أبريل 1960، والتي رفعت عنها السرية بعد ذلك الموعد بسنوات طويلة، وجاء فيها:
“يجب تطبيق جميع الوسائل الممكنة على وجه السرعة لإضعاف الحياة الاقتصادية (…) من خلال حرمان كوبا من الأموال والإمدادات من أجل خفض الأجور الاسمية والحقيقية، بهدف إحداث الجوع واليأس والإطاحة بالحكومة”.
هذه هي طبيعة وأهداف سياسة الحرب الاقتصادية منذ نشأتها وحتى اليوم، وأقصى قدر من الضغط الذي تمارسه إدارة الولايات المتحدة الحالية ضد كوبا.
منذ هذه المحاولة الثانية وحتى العام الحالي 2024، نجحت كوبا في مصادقة الجمعية العامة على مشاريع القرارات التي أقرت بالأغلبية وتعد انتصارا معنويا وسياسيا لكوبا.
تصويت تاريخي: 187 دولة في الأمم المتحدة تطالب بإنهاء الحصار الأميركي ضد كوبا
في 30 أكتوبر الماضي صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع القرار المعنون “ضرورة إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه حكومة الولايات المتحدة ضد كوبا”، حيث صوتت 187 دولة لصالح إلغاء هذه السياسة الأميركية المعادية.
فقد افتتحت الجمعية العامة للأمم المتحدة دورتها الـ 29 لمناقشة موضوع تأثير الحصار الأميركي على كوبا، وأعربت عشرات الدول عن رفضها لهذا الإجراء الاقتصادي الإجرامي المفروض منذ أكثر من 60 عاماً ضد الدولة الكوبية وشعبها وطالبت بإنهائه فوراً.
وبعد مداولات، صوتت 187 دولة لصالح القرار وصوتت دولتان ضد القرار هما الولايات المتحدة و”إسرائيل” وامتنعت دولة واحدة عن التصويت وهي مولدافيا، أما الدول الثلاث التي لم تتمكن من التصويت بسبب إجراءات المنظمة الدولية هي أفغانستان وفنزويلا وأوكرانيا.
وهذه هي المرة الـ 32 التي تناقش فيها الأمم المتحدة وتتداول في مشروع قرار إدانة هذه السياسة التي وصفتها بعض الدول بأنها أكبر انتهاك لحقوق الإنسان في كوبا.
استناداً للتقرير الأخير الذي قدمته وزارة الخارجية الكوبية حول تأثير الحصار فإن هذه السياسة الاقتصادية كبدت كوبا خسائر بلغت 5056.8 مليون دولار في الفترة ما بين مارس/آذار 2023 و 29 فبراير/شباط 2024. وخلال ستة عقود، وبالأسعار الحالية، تسبب حصار واشنطن بأضرار بلغت قيمتها 164،141 مليون دولار، هذه الأضرار محسوبة بقيمة الذهب ومع مراعاة الانخفاض الحالي لقيمة تلك العملة، فهي تبلغ تريليون و499 مليار دولار.
وكشف التقرير الذي قدمته هافانا إلى الأمم المتحدة أنه في غياب الحصار، كان الناتج المحلي الإجمالي لكوبا بالأسعار الحالية سينمو بنسبة لا تقل عن 8 % في عام 2023.
وزير خارجية كوبا: الحصار الأميركي ينتهك ميثاق الأمم المتحدة ويشكل جريمة إبادة جماعية
بدوره ندَّد وزير خارجية كوبا برونو رودريغيز باريلا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في جلستها المتعلقة برفع الحصار عن كوبا بعواقب الحصار المشدد الذي تطبقه حكومة الولايات المتحدة ضد كوبا ولا سيما الأضرار الناجمة عن الضغوط بجميع أنواعها لقطع وصول الوقود وانهيار الاقتصاد
وذكر الوزير رودريغيز باريّا أن سياسة الضغط القصوى هذه التي تشمل فرض عقوبات وترهيب ضد المنتجين والناقلين وشركات التأمين تنتهك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وترقى إلى جريمة إبادة جماعية.
وكشف في تقريره أنه خلال عام 2023، فرض البيت الأبيض عقوبات على 53 سفينة و27 شركة لمنع توريد الوقود بانتظام إلى كوبا.
وذكر أيضاً أن كوبا تخسر أكثر من 200 مليون دولار خلال 18 يوماً من الحصار الأميركي، وهو مبلغ يكفي لتوفير الصيانة للبنى التحتية التي تجعل من الممكن إنتاج الكهرباء وبالتالي ضمان الخدمات الحيوية للسكان الكوبيين وتجنب انقطاع التيار الكهربائي المزعج.
وكمثال على العواقب الوخيمة لاضطهاد واشنطن لواردات الوقود، أشار إلى انقطاع النظام الوطني للطاقة الكهربائية مؤخراً بسبب نقص الوقود، وهو الحدث الذي ترك البلاد في الظلام لمدة خمسة أيام وأجبرها على ضمان الخدمات الضرورية فقط.
وشدَّد على أن ما هو “فريد واستثنائي فيما يتعلق بكوبا هو التصميم المتعمد للولايات المتحدة على خنق الاقتصاد الوطني والتخريب ووضع عقبات كبيرة لعرقلة نمونا وتنميتنا”.
كما طالب القرار الولايات المتحدة بإزالة كوبا من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والتي كان الرئيس دونالد ترامب في فترة ولايته السابقة قد وضعها فيها بشكل غير عادل ومتحيز سياسياً قبل تسعة أيام من انتهاء فترة ولايته السابقة والتي حافظ عليها رئيس البيت الأبيض جو بايدن خلال فترة ولايته.
وأشار وزير الخارجية رودريغيز باريلا في تقديم كشف حساب للأضرار التي لحقت بكوبا جراء هذه السياسة العدوانية، إلى أنها تترك أثراً شهرياً يقدر بشكل تقريبي بأكثر من 421 مليون دولار، أي أكثر من 13.8 مليون دولار يومياً، فضلا عن رقم يزيد عن 575,683 دولار كأضرار لكل ساعة.
كانت الدعوة المشتركة لغالبية الدول التي وافقت على القرار هي أن “تترك كوبا لتعيش بسلام”.
كوبا الاشتراكية تحتاج اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى تضامن كل الشعوب الحرة معها، كوبا التي وضعت بصمتها في معظم دول العالم بناءً على المبدأ التضامني الأممي القوة تواجه الوحش الامبريالي وحدها.
انتصرت من قبل وستنتصر اليوم، كوبا الاشتراكية لن تسقط أبداً.