على الرغم من أن حرب الجنرالات العبثية تدور رحاها بين قوات عسكرية مدربة على القتال سواء قوات الشعب المسلحة المختطفة من الحركة الإسلاموية وحلفائها من حركات دارفور وكتائب الإسلامويين، أو ميليشيا الدعم السريع التي تسيطر عليها بدورها قيادات وكوادر الحركة الإسلاموية، إلَّا أن فاتورتها باهظة الثمن والكُلفة دفعها ولا يزال المدنيون العزل. فعبثية الحرب تتجلى في أنها تدور داخل سكن المواطنين الأبرياء في أسواقهم ومدارسهم وبيوتهم وكل أماكن تجمعاتهم، فالموت يأتيهم بغتة من قصف الطيران أو التدوين العشوائي الذي امتهنه ميليشيا الدعم السريع الإرهابية ليحيل حياتهم إلى مأساة كالحة السواد، أو من خلال عمليات الإغتصاب الممنهجة باقتحام منازل المواطنين، وكذلك القتل بغرض السرقة والتصفية بدوافع سياسية وعرقية أو مهنية كما حدث لبعض الكوادر الطبية والصحية والصحفيين والمعلمين، هذا إضافة لعديد المجازر التي أُرتكبت من الطرفين في ولايات الحرب.
نرصد في هذا الحصاد الإنساني للعام 2024 الذي يُلملم أطرافه والحرب تقارب عامها الثاني أبرز ما تعرض له المدنيين من انتهاكات ومجازر:
حسب الجبهة الديمقراطية للمحامين فاق عدد القتلى الـ 150 ألف قتيل، وتهدد المجاعة أكثر من 25 مليون مواطن ومواطنة، وأرتكب طرفا القتال العديد من المجازر في ولايات السودان المختلفة.
الجبهة الديمقراطية للمحامين عدد القتلى 150 ألف قتيل
طيران الجيش السوداني شن هجماته على المواطنين في مدينة “كبكابية” بولاية شمال دارفور في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2024، مما أفضى لسقوط أكثر من 40 قتيلاً وإصابة العشرات بجروح بالغة الخطورة، وفي 10 ديسمبر/ كانون الأول شنت ميليشيا الدعم السريع هجماتها المتكررة على المواطنين وقصفت بالمدفعية سوق “صابرين” بمنطقة كرري شمال، والثورة الحارة 17 بمدينة أم درمان، راح ضحية الاستهداف أكثر من 70 قتيلاً بينهم ركاب حافلة، إضافة لعشرات الجرحى اكتظت بهم المستشفيات.
الجبهة الديمقراطية للمحامين ذكرت في بيان في 11 ديسمبر/ كانون الأول الماضي أن الاستهداف المباشر للمدنيين والقتل الممنهج للمواطنين من قبل الجيش ومليشيا الدعم السريع يُعد من الجرائم المحرمة دولياً وفق الإتفاقيات الدولية والقانون الدولي الإنساني، وهي جرائم ترقى لجرائم حرب حسب ما عرفته المادة (8) من النظام الأساسي لميثاق روما 1998.
وفي الخامس من يونيو/ حزيران 2024 ارتكبت ميليشيا الدعم السريع مجزرة في قرية “ود النورة” بولاية الجزيرة راح ضحيتها أكثر من 200 شخص، جلُّهم من النساء والأطفال وكبار السن. وفي نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي شهدت قرية “السريحة “بولاية الجزيرة مجزرة ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع راح ضحيتها 124 شهيدا وشهيدة و150 معتقل وأكثر من 200 مصاب، فضلاً عن مجزرة مدينة الهلالية التي راح ضحيتها نحو 500 قتيل.
بدورها سجلت نقابة الأطباء 47 حالة اغتصاب في نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في ولاية الجزيرة.
من جهتها قالت هيومن رايتس ووتش إنها وثقت 79 حالة اغتصاب ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، ومارس/ آذار 2024 بمنطقتي هبيلة وفايو في جنوب كردفان.
نقابة الأطباء نشرت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي قائمة بأسماء الكوادر الطبية والصحية وطلاب الطب الذين سقطوا منذ اندلاع الاشتباكات من 15 ديسمبر/ كانون الأول وحتى 17 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بلغ عددهم 78.
نقابة الأطباء مقتل 78 كادر طبي
وفي 10 ديسمبر/ كانون الجاري قالت نقابة الصحفيين إن ما لا يقل عن 500 صحفي وصحفية تعرّضوا للقتل أو الاعتقال أو التعذيب أو تدمير مؤسساتهم، ومقتل 15 صحفياً وصحفية على الأقل كانت أبشعها إغتيال مراسلة صحيفة (الميدان) الزميلة حنان آدم وشقيقها داخل منزلهم في 9 ديسمبر/ كانون الأول بقرية “ود العشا” بالجزيرة من قبل ميليشيا الدعم السريع، وإطلاق النار مباشرة على 28 صحفياً وصحفية، إضافة إلى ما يقارب 30 حالة إعتداء ونهب ممتلكات، من بينها 3 صحفيات، ومالا يقل عن 65 حالة إختفاء قسري واختطاف واعتقال تعسفي، و20 تهمة كيدية بدعوى الإنتماء إلى جهات عسكرية، فضلاً عن قطع الإنترنت والإتصالات عن 80% من السودان، مما فرض عزلة إعلامية خانقة وزاد من صعوبة نقل الحقائق وكشف وتوثيق الجرائم والانتهاكات المُروعة.
جديرٌ بالذكر أن إتفاقيات جنيف الأربع تتحدث بشكل واضح عن حماية المدنيين والسلامة العامة، وتحظر الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب.
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قالت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إن المجاعة تقتل بصمت 100 شخص يومياً في السودان.
هيومن رايتس ووتش 79 حالة اغتصاب
منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة قالت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إن عدد النازحين بلغ 14.5 مليون ما بين نازح ولاجئ.
منظمة الهجرة الدولية أكثر من 14.5 مليون ما بين نازح ولاجئ
في سياق آخر قالت الأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول 2023 إن الحرب في السودان خلقت أسوأ أزمة جوع في العالم مع فرار 20 ألف شخص من منازلهم يومياً، مؤكدة أن أكثر من 12 مليون شخص معرضون لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي بسبب النزاع، وفي أغسطس/ آب الماضي تم الإعلان رسمياً عن بدء المجاعة في مخيم “زمزم” للنازحين في مدينة الفاشر في شمال دارفور، والذي يحتمي فيه نصف مليون شخص، ويشتبه الخبراء أن مخيمي “أبو شوك” و”السلام” للنازحين القريبين يشهدان أيضاً مجاعة.
وفي الصدد قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان ديسمبر/ كانون الأول الجاري إن 26 مليون شخص يعانون من الجوع الحاد في السودان و755 ألف في خطر المجاعة.
في السياق ذكرت نقابة الأطباء أن عدد الأسر النازحة من شرق الجزيرة إلى ولاية القضارف في نوفمبر/ كانون الأول الماضي بلغ 8.500 أسرة.
وكشف تقرير لجنة مراجعة المجاعة بالتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في 24 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عن تفشي المجاعة وأن خطر المجاعة يهدد 17 منطقة إضافية.
وأفاد أحد القادة المحليين في مدينة الكومة نهاية ديسمبر/كانون الأول الجاري، أن حوالي 1.500 أسرة غادرت خلال الأسبوع الماضي نتيجة القصف الجوي المتواصل الذي استهدف المنازل والأسواق في المدينة، حيث لجأ البعض إلى الغابات والأودية المحيطة.
وأدى إنهيار النظام الصحي وتوقف المستشفيات إلى انتشار الأمراض، ففي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي نشرت نقابة الأطباء تقريراً ذكرت فيه أن عدد الإصابات بالكوليرا بلغت أكثر من 10.000 حالة إصابة و400 حالة وفاة.
وتصدر السودان، للعام الثاني على التوالي، قائمة الأزمات الإنسانية العالمية التي يجب مراقبتها في 2025، والصادرة عن لجنة الإنقاذ الدولية المعنية بالإغاثة، 11 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
السودان يتصدر للعام الثاني قائمة الأزمات الإنسانية العالمية
وأوضح تقرير المنظمة أن الأزمة الإنسانية في السودان، هي الأكبر منذ بدء التسجيل، مضيفاً أن البلاد تمثل 10% من جميع المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية، على الرغم من أنها موطن لـ 1% فقط من سكان العالم.