في الأسس النظرية لتمييز مفهوم الصراع الطبقي في مجتمعاتنا العربية 

الصراع الطبقي من المفاهيم الرئيسة في النظرية الماركسية – اللينينية، يُمارَس ضده هجوم أيديولوجي لنفيه، بالوهم، أو تشويهه بأشكال مختلفة تصل إلى حد نفي وجود طبقة عاملة في مجتمعاتنا العربية، بطروحات اقتصادوية، وتجريبوية، و”مجتمع مدنية” وقوى مضادة للثورة بمختلف تسمياتها السياسية والدينية السياسية، تعيد تأبيد شروط الاستغلال والتبعية للنظام الرأسمالي الإمبريالي.

إنَّ تمييز مفهوم الصراع الطبقي والأشكال التي يُحجب فيها، يرتبط، في منهجية النظرية الماركسية – اللينينية، بتحديد طبيعة نمط الإنتاج في المجتمعات العربية الذي حدَّده الشهيد مهدي عامل بأنه نمط إنتاج كولونيالي على علاقة تبعية بنيوية، بحكم تكوّنه التبعي، بنمط الإنتاج الرأسمالي الإمبريالي، وبحكم تبعيته يبقى تطوره مشوهاً. هذا التحديد لنمط الإنتاج الكولونيالي يعني أن تكوُّن الطبقة العاملة في البنية الاجتماعية الكولونيالية ومفهوم “الفئات المتوسطة” وتكوُّن الطبقة البرجوازية (التبعية)، الصيرورة الطبقية لطبقاتها، وشكل الصراع الطبقي فيها، يختلف عمَّا هو عليه في المجتمعات الرأسمالية التي حدثت فيها ثورة برجوازية ضد الاقطاعية، وبالتالي فإن تمييز الاختلاف بين تكوُّن البنيتَيْن، انطلاقاً من اختلاف الشروط المادية التاريخية بينهما، وعلاقة التبعية البنيوية للأولى بالثانية، هو نقد للفهم الاقتصادوي، والتجريبوي، لمفهوم الصراع الطبقي، الذي يقود، بمنطقه الداخلي، إلى نفي الصراع الطبقي في المجتمعات الكولونيالية أو تشويهه، وفصل الاقتصادي عن السياسي، ليريح نفسه من عناء تحديد تناقضات الواقع الاجتماعي وأشكال تطوره، وليستريح في عدميته التي يقدم فيها إلى القائم ذرائع تأبد، وإصلاحات تعيد إنتاجه وتعيد شروط الاستغلال والتبعية. في الموقع النفيي للاقتصادوية والتجريبوية، والإرادوية، وطروحات القوى المضادة للثورة التي تسهم في حجب الصراع الطبقي بأشكال مختلفة، أي في موقع الطبقة العاملة، ونظريتها المادية العلميَّة الثورية، يبدأ صدم مفاهيمها الكونيَّة في الواقع الاجتماعي المتميز، لطرح البديل الثوري وكشف حقيقة تلك الطروحات وخلفيتها الأيديولوجية التي تسعى من خلالها لمنع عملية التغيير الديمقراطي الثوري، انطلاقاً من قاعدة في النظرية الماركسية أضاءَ عليها لينين وهي تمييز كونيَّة القوانين الماركسيَّة، النقيضة لتطبيق متكوِّن على متميز. وهي عملية قام بها الشهيد مهدي عامل وأسّس عليها نتاجه الفكري وتحليله للواقع الاجتماعي وتحديد نمط الإنتاج فيه، وتمييز مفهوم الطبقة العاملة، المرتبطة بمفهوم لينيني، في الوقت نفسه، وهو قانون تفاوت التطور.

الصراع الطبقي وشكله في البنية الكولونيالية

ممَّا لا شكَ فيه أن حجم الطبقة العاملة وتطورها، وشكل الصراع الطبقي في المجتمعات الكولونيالية يختلف عمَّا هو عليه في المجتمعات الرأسمالية لسبب مادي تاريخي سبقت الإشارة إلى أسه، ولكن ذلك لا ينفي الصراع الطبقي في المجتمعات الكولونيالية، ووجود طبقة عاملة فيها، لا بل يضع النظرية الماركسية – اللينينية، والمثقفين الثوريين، أمام ضرورة اكتشاف التناقضات والأشكال التي يُحجب فيها الصراع الطبقي، وانتباذه عن الظهور على مستواه الرئيس، المستوى السياسي، وأشكال تشويه الوعي الطبقي. في ضوء هذه المنهجية يتضح معنى مفهوم التحرُّر الوطني السياسي، المرتبط بطبيعة التناقضات في المجتمعات الكولونيالية، ويتحدَّد، في البرنامج النضالي الثوري، مفهوم إحداث تغيير في البناءَين الفوقي والتحتي، لا ينفصل فيه الصراع الوطني التحرري عن الصراع الطبقي، في مواجهة طروحات ينتهي التاريخ عندها بإجراء إصلاحات لا تحدث التغيير الثوري، وتعيد إنتاج الواقع القائم وعلاقات إنتاجه لا بل تعيده إلى الخلف. 

إنَّ تمييز مفهوم الصراع الطبقي مدخله مقولة ماركسية رئيسة هي “أن كل صراع طبقي هو صراع سياسي“، له شكل تاريخي مرتبط بطبيعة التناقضات وترابطها وشكل ظهور الصراع الطبقي، وطبيعة الأزمة في المجتمع، وبالتالي فإن النضال من أجل التغيير الديمقراطي، بمفهومه الثوري، يهدف إلى جذب الصراع الطبقي، ديالكتيكياً، وليس إرادوياً وميكانيكياً، ودغمائياً، للظهور على مستواه الرئيس، المستوى السياسي، ونزع الأقنعة التي يُحجب فيها، ضمن برنامج يربط فيه النضال التحرري (الوطني) بالنضال الطبقي ضد النظام الرأسمالي الإمبريالي، وبالنضال الديمقراطي العام، الذي هو في أسه طبقي، لتوحيد الفئات الاجتماعية المتضررة من الطبقة البرجوازية المسيطرة، في سيرورة واحدة لإحداث التغيير الجذري للنظام الرأسمالي ولعلاقات الإنتاج الكولونيالية التي يؤبدها، انطلاقاً من الشروط المادية التاريخية التي يُميز فيها ما بين التغيير المرحلي والتغيير الجذري الثوري، بترابطهما ديالكتيكياً، بعيداً من الانحرافات اليمينية، ومنها الاقتصادوية، والمغامرات اليسارية (الثورة الآن)، وطروحات قوى “الإسلام السياسي” وتياراته التي التفت على ثورات الشعوب العربية وانتفاضاتها، وتيارات “المجتمع المدني” وقواه بمفهومه البرجوازي الذي يحجب موقعه الطبقي البرجوازي، و”العسكر”، هنا بالتحديد يكمن، في جزء منه، تمييز مفهوم الصراع الطبقي في المجتمعات الكولونيالية (التبعية)، والنضال الوطني التحرري النقيض لتلك الطروحات وقواها المضادة للثورة بمختلف تسمياتها، الذي يظهر كتناقض سياسي، وبالتالي فإن الممارسة السياسية الثورية هي شكل من أشكال الصراع الطبقي، لا تهدف، إلى النضال على المستوى الاقتصادي وحسب، وإنْ كان المحدِّد في نهاية المطاف، بل هي ممارسة سياسية نضالية تربط، ديالكتيكياً، مستويات البنية الاجتماعية الشاملة، لكسر علاقة التبعية البنيوية بالنظام الرأسمالي الإمبريالي، ومقاومة الاحتلال والمشاريع الإمبريالية التوسعية التفتيتية.

وعليه، فإن تمييز مفهوم الصراع الطبقي في مجتمعاتنا العربية يحتمه المنهج المادي العلمي، الماركسي – اللينيني، انطلاقاً من مبدأ تمييز كونيَّة القوانين المادية التاريخية الذي أضاءَ عليه لينين، على هذا الأساس ردَّ مهدي عامل، نقدياً، على مشكلة مطروحة في الحقل الفكري في العالم العربي، وهي ما يقال أن ليس من فكر ماركسي في الفكر العربي، وذلك في مقابلة أجراها معه الراحل نزار مروة بمناسبة صدور كتابه “النظرية في الممارسة السياسية/ بحث في أسباب الحرب الأهلية في لبنان“، ونشرت في جريدة “النداء” الملحق الثقافي، تحت عنوان: “كتابي ليس تطبيقاً للماركسية بل تمييز لكونية مفاهيمها“، وهنا نثبت نص مهدي عامل الذي شرح فيه العنوان الأول لكتابه وهو “النظرية في الممارسة السياسية” كونه أجاب عن المشكلة المطروحة، التي هي بأساسها تحاول نفي إمكانية وجود فكر ماركسي في الفكر العربي لتصل إلى نفي الصراع الطبقي ومفهوم التغيير الثوري… إلخ، ردَّ مهدي على ذلك القول بتحديده أنه “إذا ظننا أن مثل هذا الفكر الماركسي العربي سنجده في كتب، وأن له وجوداً نظامياً فصحيح أن مثل هذا الفكر يكاد يكون غائباً ما عدا بعض المحاولات والاستثناءات النادرة (…). وهذا يعني أننا نبحث عن هذا الفكر حيث لا وجود له. لكنه مع هذا موجود وحاضر ليس في الكتب بقدر ما هو حاضر بالدرجة الأولى في الممارسة السياسية للحركة الثورية في العالم العربي، وبالتحديد في ممارسات الحركات الشيوعية العربية، في أخطائها وفي ايجابياتها معاً، أي في ما هو صحيح وغير صحيح في خطها السياسي. لذلك إذا نظرنا في مثل هذه الممارسة السياسية نظرة نقدية وجعلنا منها موضوعاً لممارسة النظرية لأمكننا أن نستخرج منها ما نبحث عنه من فكر ماركسي في الفكر العربي. وعملية الاستخراج هذه هي عملية إنتاج هذا الفكر.

(…) اكتفي بالإشارة هنا إلى الترابط العضوي بين الممارسة السياسية والممارسة النظرية، أو بين النظرية والسياسة، أو كذلك إن أردت بين الفكر وحركة الصراع الطبقي في عالمنا العربي. لذا كان الفكر النظري أعني العلمي، بسبب هذا الترابط، بالضرورة فكراً مناضلاً” (جريدة النداء، 16 كانون أول/ ديسمبر 1979، وعامل مهدي مناقشات وأحاديث في قضايا حركة التحرر الوطني وتَميّز المفاهيم الماركسية عربياً، بيروت، دار الفارابي، ط1، 1990، ص. ص340-341).

تمييز كونية القوانين الماركسية يتضاعف غناه وحثه على صدم المفاهيم بالواقع، بربطه بالقانون الذي اكتشفه لينين وهو تفاوت التطور بين البلدان الرأسمالية، هذا القانون عمل مهدي عامل على قراءته لينينياً، أي المنهجية التي لا تجمّد النص بل تحث على قراءة الواقع وتحليله مادياً علمياً، وذلك من خلال صوغه للقانون بأنه “قانون تفاوت التطور في تناقضات البنية الاجتماعية” كي يميز كونية القوانين الماركسية في ضوء منهجية قانون تفاوت التطور، محدِّداً أن أهمية هذا القانون تستوي على صعيدين: 

أولاً، صعيد نظري: أهمية هذا القانون بالنسبة للنظرية الماركسية.

ثانياً، صعيد عملي: تحديد الشروط التاريخية التي يتم فيها اكتشاف هذا القانون النظري.

إن هذا القانون بالذات هو الذي يحدد لنا نوعية البنية الاجتماعية حسب مفهومها الماركسي وفي اختلافها الجذري مع المفهوم الهيغلي. فالبنية الاجتماعية عند ماركس، وكما تظهر بوضوح في ضوء القانون اللينيني، بنية واحدة شاملة، لكنها معقدة. فهي تضم مستويات مختلفة متناقضة: مستوى اقتصادي، سياسي، ايديولوجي… إلخ وتعقد البنية الاجتماعية لا يكمن فقط في تعدد مستوياتها، – وإلا لما اختلفت جذرياً عن البنية الاجتماعية في مفهومها الهيغلي- بل في اختلاف مستوياتها من حيث وضع هذه المستويات فيها، أي في التناقضات التي تتولد بين هذه المستويات في تطور البنية الواحدة. وهذا ما يفسر لنا الاستقلالية النسبية في تطور كل مستوى من هذه المستويات ضمن البنية الاجتماعية الشاملة.

كما أن هذا القانون يفسر لنا قضية بالغة الأهمية سواء على الصعيد النظري أم، خاصة، على الصعيد العملي للنضال الثوري: إن في البنية الاجتماعية الواحدة، في كل مرحلة من مراحل تطورها التاريخي، تناقضات كثيرة. غير أن هذه التناقضات ليس لها الأهمية نفسها من حيث فعاليتها، أي من حيث قوة تأثيرها على الحركة التاريخية، كما أنها لا تستوي على مستوى واحد في البنية الاجتماعية. فلا بد، في كل مرحلة تاريخية، من التمييز فيها بين تناقض رئيسي وتناقضات ثانوية ضمن الإطار الواحد للبنية الاجتماعية، أي ضمن إطار التناقض الأساسي الذي يحدد، بشكل ثابت، طابع البنية الاجتماعية (عامل مهدي، لينين وأهمية العملية الثورية في تحقيق النشاط النظري، المصدر نفسه، ص. ص 215-216، ومداخلة مهدي عامل نشرت في مجلة “الطريق”، ضمن سلسلة ندوات فكرية وسياسية، في الذكرى المئوية لميلاد لينين. الطريق العدد الأول كانون الأول/ يناير، 1970). 

التمييز بين تناقض رئيسي وأساسي وتناقضات ثانوية الحد المعرفي الفاصل فيه هو الموقع الطبقي، موقع الطبقة العاملة النقيض لموقع الطبقة البرجوازية بمختلف مسمياتها في بلداننا العربية وقواها، هذا الحد المعرفي الفاصل يحدِّد التمييز المادي العلمي ما بين التقاطع والتحالف، ومفهوم التغيير الثوري الديمقراطي الذي أسه الموقع الطبقي. عدم رؤية حركة التناقضات وإبرازها وكأنها حركة ثابتة تظهر فيها من دون تشويه أو حجب، انتقده مهدي عامل بتأكيده “ضرورة عدم الخلط بين التناقض الأساسي والتناقض الرئيسي، والتناقض الثانوي. فالتناقض الأساسي هو التناقض الاقتصادي الذي يحدد الإطار العام لتطور التناقضات الاجتماعية على مختلف مستوياتها ضمن مرحلة تاريخية معينة يحددها أسلوب أو نظام الإنتاج الاجتماعي. من الممكن ضمن هذا الإطار أن نقول إن التناقض الرئيسي يستوي دائماً على المستوى السياسي في البنية الاجتماعية ولكن أشكال هذا التناقض الرئيسي تختلف، أحياناً يتخذ شكل تناقض ديني وإن كان في حقيقته سياسي، أو بشكل تناقض إيديولوجي وإن كان في حقيقته سياسي، وهذه هي مقولة ماركس في أن التاريخ هو صراع طبقات” (عامل مهدي، مناقشات وأحاديث، مصدر سابق، ص.230). 

إنَّ الإضاءة، بعجالة سريعة – مع اقتباس نصوص طويلة لمهدي عامل- على تمييز مفهوم الصراع الطبقي في مجتمعاتنا العربية الذي عمل مهدي عامل على وضع أسسه وأسهم في تحليله في ضوء النظرية الماركسية – اللينينية وربطه بالنضال الوطني التحرري، ربط النظري بالممارسة السياسية الثورية، تتضاعف ضرورتها في مواجهة طروحات تطرح بدائل لا تمس أس الاستغلال الطبقي والتبعية، علاقات الإنتاج الكولونيالية؛ تظهر وكأنها الحل السحري للخلاص من الاستغلال وتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة إلخ… يبدو فيها وكأنها بلا هوية اجتماعية، والأصح قول إنه يتم حجب هويتها الطبقية في عمليَّة فصل منهجي لتلك الطروحات عن نمط الإنتاج الرأسمالي، وعلاقاته فتبدو وكأنها جوهر فوق الواقع وتناقضاته الطبقية التي أنتجته، أي نفي الأساس المادي، علاقات الإنتاج، وبتغييب الأساس المادي يصبح التغيير، وهمياً، ويعطي للاستغلال شروط تأبده، وينفي، بالوهم، الصراع الطبقي محرِّك التاريخ. 

وعليه، فإن النضال لكسر علاقة التبعية البنيوية بالنظام الرأسمالي العالمي وتمييز مفهوم الصراع الطبقي وتكوُّن الطبقات ليس مسألة فنية اقتصادوية تطرح بشعارات شعبوية من مثل محاربة الفساد بالحفاظ على السياسات الاقتصادية – المالية والاجتماعية القائمة، أي بوضوح أكثر، إجراء إصلاحات تجميلية ترقيعية من ضمن التوجهات السياسية المسيطرة والطروحات النيوليبرالية، القاعدة فيها إعادة إنتاج علاقات الإنتاج الرأسمالية القائمة، بل هي مسألة نضالية سياسية اجتماعية شاملة تخاض بالصراع الطبقي وتحديد الهوية الطبقية، الطبقة العاملة، كما أنّ النضال من أجل اقتصاد وطني منتج وتطوير القطاع العام والدفاع عنه وتحقيق التنمية الاجتماعية الشاملة لا تحققه البرجوازية التبعية بمختلف مسمياتها وطروحاتها السياسية، بل يتحقق ببديل ثوري يربط السياسي بالاقتصادي في سيرورة نضالية طبقية واحدة تحقق التغيير الديمقراطي الجذري المرتبط، ديالكتيكياً، بمقاومة الاحتلال والنظام الرأسمالي العالمي الإمبريالي التوسعي لكسر علاقة التبعية التي تكرسها الطبقة البرجوازية المتلونة بلون الحدث اليومي وقواه، مواجهة قوى وتيارات سياسية تشوه فعل الثورة، هي القوى المضادة للثورة التي بطروحاتها وممارساتها تستبدل استبداداً باستبداد وقمعاً بقمع وتحجب موقعها الطبقي بشعارات طنانة رنانة تعيد إنتاج الأساس المادي لعلاقات الاستغلال، نمط الإنتاج الرأسمالي التبعي وتفصل، بحكم موقعها الطبقي البرجوازي، وتبعيتها السياسية، ربط الثورة على الاستبداد والقمع بمقاومة العدو الصهيوني، فتصبح “الثورة” بمفهومها التضليلي المشوه للوعي، عملية استبدال طبقي في موقع التماثل الطبقي البرجوازي، يحرف الثورة عن مفهومها بما هي ثورة وطنية ديمقراطية اجتماعية شاملة تربط التغيير الديمقراطي على مختلف مستويات البنية الاجتماعية بمقاومة الاحتلال والمشاريع الإمبريالية التوسعية التفتيتية.  

إنَّ تركز الهجوم على مفهوم الصراع الطبقي، لنفيه بالوهم، هو في أسه سعي لنزع عصب النظرية الماركسية – اللينينية، نظرية التحرر الوطني والثورة، سعي لتشويه مفهوم الثورة الاجتماعية والوعي الثوري وحامله الطبقة العاملة حفَّارة قبر النظام الرأسمالي العالمي، لتأبيد علاقات الإنتاج الكولونيالية التبعية. برد سريع على أس ذلك السعي لنفي الصراع الطبقي في مجتمعاتنا العربية ونفي وجود طبقة عاملة فيها، نعيد التذكير بسؤال طرحه الشهيد مهدي عامل هو “كيف يموت صراع تتولد فيه الحياة ضد قديمها ونقيضها؟ بمنطق الرغبة في موته. هكذا بالسحر يلغي الفكر الرافض للتاريخ، العاجز عن إدراكه صراع الطبقات الذي هو هو السياسي”. (عامل مهدي، نقد الفكر اليومي، دار الفارابي، بيروت، ط1، 1988، ص. 23).

ومع استيلاء القوى المضادة لثورة الشعوب العربية وانتفاضاتها على السلطة السياسية وممارساتها القمعية وانكشاف طروحاتها السياسية والاقتصادية، فإن القوى اليسارية والتقدمية أمام مهمة تجذير نضالها بين الجماهير الشعبية، بمختلف فئاتها الاجتماعية، لتكون القوة المواجهة للقوى المضادة للثورة، وتطرح بديلها التغييري الثوري التقدمي الديمقراطي المقاوم.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

طوفان الوعي: تحليل خطاب الهزيمة

إنَّ الهزيمة التي يتحدثون عنها هي مجرّد خطاب وليست واقعاً، بينما شاهدنا المادي على النصر أننا نستطيع أن نراه لا أن نتخيله، في بنية المقاومة السياسية والعسكرية وحاضنتها الاجتماعية في الساحات وفي المشاهد التاريخية لعودة النازحين إلى شمال غزة.

عشر محطات ثقافية تاريخية عراقية – كويتية

عند تناول العلاقات العراقية – الكويتية، فإنّ الاهتمام ينصرف غالباً نحو المشكلات الحدودية والأزمات السياسية والأعمال الحربية، ولكني هنا سأركّز على البعد الثقافي التاريخي للعلاقات بين البلدين الجارين والشعبين الشقيقين، واخترت كنقطة بداية أواسط عقد عشرينات القرن العشرين لارتباطها من جهة بتأسيس الدولة العراقية الحديثة، ولارتباطها من جهة أخرى بانطلاق الحركات الإصلاحية في الكويت في ذلك الوقت.

تفكيك الاستعمار الاستيطاني.. نحو دولة علمانية ديمقراطية في فلسطين

المقاومة الفلسطينية لم تعد مجرد رد فعل على الاعتداءات المتكررة، بل أصبحت نضالاً شاملاً يرفض الانصياع لأي تسويات تنتقص من الحقوق الوطنية، ويؤكد على ضرورة إنهاء كافة أشكال الاستعمار الاستيطاني وبناء مشروع تحرري وطني شامل.

“امرأةٌ من ظفار” .. المهمش المنتصر على الطغاة والغزاة

الشخصية الرئيسية في الرواية هي المرأة الظفارية ”مِثال“، الفتاة الجميلة التي تنتمي لجبال القرا، الحُرّة من أي قيود، العاشقة للطبيعة والقيم الإنسانية العليا كالعدل والمساواة والكرامة. ومن الاسم تتضح رغبة الراوي في الربط الموضوعي بين القدوة والمثال الذي يستحق الاحتذاء وبين المرأة الثائرة.