ظهرت الفلسفة المفتوحة كاتجاه فلسفي في الابيستيمولوجيا يرفض الأخذ بنسق فلسفي معين ويقوم على نسبية المعرفة وقابلية المراجعة والتغيير، ويدعو إلى التخلي عن اليقينيات والدغمائيات، هذه الأسس العامة للفلسفة المفتوحة وضعها أقطابها في أعمالهم وهم فردينان كونزت Ferdinand Gonseth وغاستون باشلار Gaston Bachelard ، وجان بياجي Jean Piaget . نادت الفلسفة المفتوحة بالديالكتيك المفتوح الذي يأخذ بحلول عديدة، وهو ما يُطلق عليه تسميَّة المنهج التاريخي النقدي. نركز في إطار المقاربة النقدية على الأساس المنهجي لمفهوم باشلار للرفض والقطيعة المعرفية (الابيستيمولوجية) Epistemological rupture Cut والديالكتيك، لإظهار حركة الديالكتيك المثالي أس مفهومه للقطيعة الابيستيمولوجية، وهو مفهوم كان له تأثير على العديد من الفلاسفة، وتأثيره في فلسفة العلم، حوَّل به النظريات العلمية وتطورها إلى عمليات قطع ميكانيكي عن الواقع وتطوره.
باشلار وفلسفة الرفض (اللا)
حدَّدَ غاستون باشلار فلسفته، في كتابه “فلسفة الرفض”، بأنها “ليست مذهباً سلبياً من الوجهة النفسانية، وهي لا تؤدي في مواجهة الطبيعة إلى مذهب عدمي”،(1) مؤكداً أنها فلسفة بنَّاءة. وعمل على الربط بين العقل والتجربة، فهما في مفهومه للفكر العلمي غير منفصلَيْن، فالعلم يحتاج إلى “فلسفة مزدوجة القُطب، إنه يحتاج بشكل أدَّق إلى إنماء جدلي، لأن كل مفهوم يُضاء بطريقة تكامليَّة من زاويتين فلسفيتين مختلفتين”.(2) ويحذر باشلار من اعتبار ما يدعو إليه على أنه دعوة إلى الثنائية، لا بل على العكس من ذلك فإن القطبية الابيستيمولوجية، أي العقلانيَّة والتجريبيَّة، كلاهما، في مفهوم باشلار، يتمِّم الآخر. وأنه يجب “ان ننظر الى الفلسفة العلمية بذاتها، وان نحكم عليها بدون أفكار مبيتة” (3). وبالتالي فإن الفكر العلمي المعاصر يجمع، في منهجية باشلار ومفهومه له، بين التجريبيَّة والعقلانيَّة، وما يعطي الشرعية لأحكام العقل هو قابليتها للاختبار، وان “الشروط التجريبية هي شروط اجراء التجريب”. وحدَّد باشلار أنه “ينبغي على الابيستيمولوجي شرح تركيب العقل والتجربة تركيباً متحركاً الى حد ما، حتى عندما يبدو هذا التركيب من الناحية الفلسفية معضلة لا سبيل إلى حلها”(4). بتحديد باشلار أن ابيستيمولوجيته مزدوجة القطب يتضح أنها ابيستيمولوجية مبنية على ديالكتيك الفكر (ديالكتيك الذات)، ديالكتيك مثالي، من الناحيتَيْن التجريبية والعقلانيَّة، وفي مفهومه للعلاقة الديالكتيكية بين التجريبيَّة والعقلانيَّة حدَّد موقفه الفلسفي المثالي تغليب العقل على التجربة، أي أسبقية العقل (الفكر) على الواقع، بتأكيده بوضوح أنه “يغلب الاتجاه الذي ينطلق من العقلانية إلى الاختبار”(5). منهجية باشلار وأساسها الفلسفي المثالي تقوم على أنه يمكن الحكم على موضوعات النظريات العلمية قَبْليَّاً وليس بَعْديَّاً. فهناك بمفهوم باشلار “طفرات وتحولات داخل القيم المعلوميّة [الابيستيمولوجية] التي يجريها الفكر العلمي اجراء متواصلاً بين القَبْلي والبَعْدي بين القيم الإختباريَّة والقيم العقلانيَّة”(6)، وأن الظاهرة المنتظمة أغنى من الظاهرة الطبيعية. ممّا يعني، عملياً، أن باشلار يستبدل الظاهرة الطبيعية بالظاهرة المنتظمة. وفي مفهومه للفكر العلمي بأنه بناء عقلاني بمقدوره تنظيم التجربة أعطى باشلار مكانة رئيسة للرياضيات التي تنظم التجربة بطريقة رياضية حيث “غدا الجهد الرياضي هو الذي يؤلف محور الاكتشافات، وهو وحده يتيح لنا ان نفكر في الظاهرة”. (7)
وقد اختصر باشلار، في كتابه “فلسفة الرفض”، الفلسفة التي يدعو إليها بقوله إنها “ربما تكون فلسفة العلم الطبيعي هي الفلسفة الوحيدة التي تُطَّبقُ وهي تُعِّينُ تخطياً لأصولها”، مع تأكيده أنها لا تنكر أصولها بل تجادلها. ومن المبادئ الرئيسة في فلسفة باشلار، والفلسفة المفتوحة، نسبية المعرفة وأن لا وجود لمعرفة نهائية مطلقة، بحسب مفهومها المثالي لنسبية المعرفة.
مفهوم باشلار للقطيعة الابيستيمولوجية وتاريخ العلم
رأي باشلار في تاريخ العلم والرفض (السلب) ومفهومه للديالكتيك يمثِّل أساس مفهومه للقطيعة الابيستيمولوجية التي يُعيد حدوثها إلى نشوء نظرية علميَّة جديدة غير مرتبطة بالنظرية التي قبلها (طفرات)، وأن النظريات العلميَّة الجديدة لا يمكن اعتبارها كاستمرار للنظريات القديمة لأن كلّ نظرية علميَّة مبنية على أسس مخالفة للنظريات التي سبقتها، فلا يمكن إرجاع فيزياء أينشتاين، مثلاً، إلى فيزياء نيوتن. أمَّا تاريخ العلوم فهو لدى باشلار تاريخ القطيعة الابيستيمولوجية ولكل علم سيرورته الخاصة. وربطَ باشلار العلم بتاريخ العلم، بحسب مفهومه المثالي له، فهما لا ينفصلان عن بعضهما البعض، لأن العلم، بمفهومه الباشلاري، محاولة دائمة للكشف عن الحقيقة وتاريخ العلم هو تاريخ أخطاء العلم.
وترفض “فلسفة الرفض” كل تصوّر علمي يدّعي الكمال والنهائية، فمسار تكوّن الفكر العلمي بمفهوم باشلار، كما حدَّده في كتابه “فلسفة الرفض”، أنه “لا يمكن للعقل العلمي أن يتكوّن إلّا وهو يُحطِّم العقل غير العلمي”.
ديالكتيك السلب المطلق بين القديم والجديد
بمقاربة مادية ديالكتيكية لديالكتيك باشلار يتضح أن مفهومه للديالكتيك يعني السلب المطلق لمراحل المعرفة العلميَّة، الذي يُشكّل أس القطيعة الابيستيمولوجية، من خلال حصره اكتساب المعرفة في عمليَّة سلب “ديالكتيكي” منظم يتصارع فيها القديم مع الجديد، ينتهي بسلب الجديد للقديم، أي إلغائه؛ ووفق تلك العمليَّة “الديالكتيكية” المثالية للعلاقة بين القديم والجديد، أو الانتقال من القديم إلى الجديد، يتضح أنها عمليَّة قطع ابيستيمولوجي ميكانيكي ميتافيزيقي مطلق، تُحدَّد على أساسها العلاقة في فلسفة العلم وفي المعرفة العلميَّة ومراحل تطوّرها على أنها علاقة انفصال، رفضَ فيها باشلار، سلبياً، الاتصال بين القديم والجديد، بين مراحل المعرفة العلميَّة، محوّلاً تقدمها إلى عمليَّة قطع محض مع الماضي، أي إلى عمليَّة سلب متكرر بين الجديد والقديم، ووفق منهجية باشلار ومفهومه للديالكتيك تحوَّلت المعرفة العلميَّة وتاريخ العلم إلى عمليَّة أخطاء مصححة بشكل دائم وهذا “ما يميز، في رأينا [رأي باشلار]، الفكر العلمي”. (8) أي أنَّ المعرفة العلميَّة وتاريخ العلم عبارة عن عمليَّة ذاتية لأفكار متعاقبة تصحح بعضها الآخر تسلب، ميكانيكياً، علاقة الفكر (الوعي) بالواقع وتغيّب أن المعرفة العلميَّة هي شكّل من أشكال تطوّر العلوم والمعارف في مرحلة تاريخية معينة مرتبطة بالواقع الاجتماعي وحاجياته. وبالتالي فإن منهجية باشلار حوَّلت الديالكتيك إلى سلب ميكانيكي للاتصال بين مراحل المعرفة العلميَّة.
يتضح في مفهوم باشلار للديالكتيك والقطيعة الابيستيمولجية أنه يُلغي النشاط الإنساني، البراكسيس، المعرفي في عملية تطوّر المعرفة والتقدم العلمي وارتباطهما بالواقع ومعرفته، إنها مشكلية القطيعة الابيستيمولوجية الباشلارية القائمة على السلب المطلق (الميتافيزيقي) لإمكان تغيير الواقع، لا يُظهر حركة التجاوز والإبقاء الديالكتيكية المادية في عمليَّة التطوّر العلمي وتقدمه وشروطها المادية التاريخية الملموسة.
وعليه، تبرز في منهجية باشلار تحديده بشكل مطلق أن ما يميز (معيار) المعرفة العلميَّة هو التصحيح الدائم للأفكار وما عدا ذلك ليس معياراً وهو موقف مثالي وضعي يضع معايير محدَّدة لتمييز المعرفة العلميَّة يلغي، إرادوياً، وجود، أو حتى إمكانية وجود أو اكتشاف أي معايير أخرى غير معياره، وهنا يكمن التعسف في فرض المعايير الذي يدل على خلفية أيديولوجية قمعية تستخدم “العلم” خدمة لمصالح الطبقة البرجوازية المسيطرة ضد فهم العالَم من أجل تغييره.
بين مفهومَيْن نقيضَيْن للديالكتيك والقطيعة الابيستيمولوجية
على الطرف النقيض للمفهوم المثالي للديالكتيك يتحدَّد، نفييَّاً، المفهوم المادي العلمي، الماركسي- اللينيني، لديالكتيك باشلار، والقطيعة الابيستيمولوجية الباشلارية، وبالطبع للفلسفة المثالية بمختلف مذاهبها واتجاهاتها، بأنه نفي إيجابي، إبقاء وتجاوزSublation/ aufheben (Gr) وهو من المصطلحات الرئيسة لفهم عملية التقدم الديالكتيكي، يُظهر في حركته كيف تمارس كل مرحلة تأثيرها الفعَّال على المرحلة التي تليها، ويُظهر العلاقة المادية الديالكتيكية بين القديم والجديد في وحدتهما، وارتباطهما بالواقع المادي، وموقع البراكسيس في إنتاج المعرفة العلميَّة.
إنَّ عمليَّة الانتقال من القديم إلى الجديد لا تتم بعملية تصحيح محض ذاتي للأفكار بالانفصال عن الواقع، أو بحسب تعبير لينين “لا تتم بعصا سحرية” فالجديد بشق طريقه في قلب القديم عليه تأكيد سيطرته ولكن في حقل التناقضات الحقيقية، أي الواقعيَّة، التي تُظهر علاقة القديم والجديد بالواقع وأن التأثير المتبادل بين القديم والجديد يتضمن تناقضات جديدة. إنه منطق الحل المادي الديالكتيكي للنفي المبني على أن نفي الجديد للقديم ليس سلباً له أو قطعاً ميكانيكياً معه، بل هو إظهار لِما يتضمنه القديم من عناصر إيجابية قابلة للحياة، فنفي النفي Negation of Negation ليس هدفاً بذاته وليس إلغاءً بقدر ما هو تطوير، إنه فعل إيجابي يُظهر التحولات الكيفية في عمليَّة التطوّر وشروطها المادية الملموسة، بهذا الحل المادي الديالكتيكي تتضح العلاقة بين القديم والجديد، بين المفاهيم والواقع، بأنها علاقة اتصال- انفصال في وحدتهما المادية الديالكتيكية.
في ضوءِ المفهوم المادي للديالكتيك ومنهجيته، النقيض لديالكتيك باشلار ومنهجيته فإن القطيعة الابيستيمولوجية ليست محض تاريخ أفكار، بل هي علاقة اتصال- انفصال مادي ديالكتيكي، أي وحدة أضداد، تُظهِر أن تاريخ العلم هو حركة اتصال- انفصال ديالكتيكية بين الصواب والخطأ، أي تضاد ديالكتيكي بينهما يلقي الضوء على دور الأخطاء في تطوّر المعرفة والعلم، ففي الحركة المادية التاريخية لتطوّر العلوم ومفهومها المادي العلمي، كما يحدِّدها بوغدان سوشودولكسي، “العلم ليس تاريخاً للحقيقة، إذ لا وجود لتاريخ الحقيقة. فالحقيقة لا تاريخ لها، نعم يمكن أن يوجد تاريخ ما هو خطأ، ولكن ذلك ليس تاريخاً للعلم. وإذا كانت الأخطاء ذات أهمية كبرى في تطور العلم، فذلك، لا لأنها ليست الحقيقة، بل لأنها القوة المحركة للحقيقة. ومن هنا كان من الضروري أن يهتم تاريخ العلم بالتعايش (الالتقاء والاتصال) الديالكتيكي للصواب والخطأ، أي لا بد من الاهتمام بمسلسل التطور والنمو الذي تنشأ فيه الحقائق انطلاقاً من الأخطاء، تلك الحقائق التي تصبح بدورها أخطاء تدفع إلى صياغة حقائق جديدة”(9). بهذا التحديد المادي الديالكتيكي لمفهوم تاريخ العلم والقطيعة الابيستيمولوجية يتحدَّد مفهوم تاريخ العلم وتطوّره بأنه تاريخ الصواب والخطأ معاً، منهجية مادية ديالكتيكية تنفي ثنائية صواب/ خطأ، انفصال/ اتصال، الميكانيكية الميتافيزيقية. وفي ضوئها يتم تحديد مفهوم تطور العلم وتاريخه، ودور البراكسيس في تاريخ العلم، والعلاقة المادية الديالكتيكية بين الذات والموضوع في معرفة الواقع وهو بتحديد سوشودولسكي المادي العلمي أنه “ممكن إذا سلمنا بأن تاريخ العلم ليس هو تاريخ الآراء والنظريات العلمية، ولكن تاريخ النشاط العلمي الذي يمارسه الناس، وتاريخ وعيهم المرتبط بهذا النشاط. إن تاريخ العلم، بوصفه تاريخ الآراء والنظريات، سيكون مضطراً إلى توجيه أبحاثه دوماً، نحو الآراء والنظريات العلمية الصائبة، أي أنه سيقلص مجال النمو التاريخي للمعرفة بإقصائه من هذا المجال، وبكيفية تزداد صرامة، ”الحقائق“ التي اتضح اليوم أنها ”خاطئة“. ولذلك كان لا بد من صياغة مفهوم آخر لتاريخ العلم، مفهوماً يعتبر تاريخ العلم تاريخاً للنشاط العلمي للإنسان، وفي الوقت ذاته تاريخاً لوعيه الذي يتشكل بواسطة هذا النشاط“.(10) أي أنَّ تاريخ العلم يضم النشاط العلمي للإنسان، وسيرورة تطوّر المعرفة ونموها المرتبطة بالواقع من أجل تغييره.
نقد ديالكتيك فصل تاريخ المعرفة العلميَّة عن الواقع والنشاط الإنساني وسلب إمكان معرفة العالَم
نخرج من خلال العرض النقدي لأهم أسس فلسفة الرفض (السلب) إلى أن مفهوم القطيعة الباشلاري وديالكتيكه يعني نسبيَّة معرفة دائمة، وهي أسس عامَّة تأخذ بها الفلسفة المفتوحة، بمختلف ممثليها، ولكنها بمفهومها هذا سلبت إمكان معرفة العالَم؛ أمَّا باشلار فقد “خطا بهذه ”الفلسفة المفتوحة“ خطوة إلى الأمام، حيث اهتم بتطور المعرفة العلمية – وخاصة في ميدان الفيزياء- رابطاً بين العلم وتاريخ العلم (…). ولكن عيبه الأساسي هو أنه نظر هو الآخر إلى تاريخ العلم نظرة مثالية، نظرة تفصل الفكر العلمي عن النشاط المعرفي للإنسان”.(11) ممَّا لا شك فيه أن لغاستون باشلار دوره المعروف في الفلسفة المفتوحة، وتأثيره في الفكر الفلسفي بعامة، ولكن مفهوم باشلار لتاريخ العلم، وطروحاته الفلسفية، يتجاوز مسألة “أن عيبه الأساسي” نظرته إلى تاريخ العلم نظرة مثالية، بل هي مسألة تعكس موقعه الطبقي الذي يمثل، بفلسفته المثالية، أيديولوجية الطبقة البرجوازية المسيطرة، التي تفصل، بقرار منهجي، ربط الفكر العلمي، والنتاج الفكري الإنساني بمختلف فروعه، بالواقع ودوره في إنتاجه، بذلك تفصل، منهجياً، أي نتاج معرفي إنساني، عن النشاط المعرفي بهدف تغييب معرفة الواقع وتحديد تناقضاته من أجل تغييره باتجاه تحقيق دور الفلسفة والنتاج المعرفي الإنساني كأداة من أدوات فهم الواقع لإلغاء علاقات الاستغلال الطبقي، علاقات الإنتاج الرأسمالي.
لقد تحوَّل الديالكتيك في منهجية باشلار – والفلسفة المفتوحة- إلى ديالكتيك مثالي أحادي الجانب، أو إذا جاز التعبير تحوَّل إلى ديالكتيك ميكانيكي ميتافيزيقي يلغي، سلبياً وليس نفيياً، حركة صراع الأضداد ووحدتها، وارتباط حركتها بالواقع وطبيعته التي تختلف، كيفياً، بين مجال وآخر، وحقل معرفي وآخر، في منهجية أعادَتْ إنتاج الوضعية التي تشكل أحد أبرز تيارات الفلسفة المثالية في حقل فلسفة العلم والهجوم على النظرية الماركسية – اللينينية في سعي منها، بالوهم، لسلب صفة العلم عنها خدمة لأيديولوجية الطبقة البرجوازية المسيطرة. منهجية لم يهتم باشلار فيها بالموضوع المبحوث، محوِّلا الديالكتيك إلى عمليَّة محض ذهنية تُسقَط على الواقع، وإلى علاقات محض منطقية فُرِضَت بموجبها رؤية وحيدة له، لذلك فإن تركيز باشلار على الذات الباحثة والأدوات والنظريات المحضة التي تستخدمها “لا بدّ لهذا الميل من أن يفضي إلى المثالية الابستيمولوجية، أو ما هو أسوأ منها حيث تغدو النظرية العلمية تعبيراً عن الذات الباحثة وإنشاءاتها الذهنية وأدواتها العلمية إلخ أكثر ممّا هي تعبير عن معرفة جدّية بالموضوع المبحوث”(12). خلق الواقع بدلاً من دراسته واكتشاف قوانينه وطبيعتها المتعلقة بالواقع الموجودة فيه الذي ينتجها، وشكل صراع الأضداد، أي عدم تطبيق متكوِّن على متميز. انها منهجية تمييز كونية القوانين الماركسية، النقيضة لمنهجية تغييب الفهم الموضوعي للواقع وتناقضاته. حتى جان بياجي بقيَّ في أس منهجيته مثالياً حيث تحوَّلت “العمليات والميكانيزمات التي يكتسب بها وعبرها الطفل وعيه بالواقع إلى عمليات وميكانيزمات لصنع ذلك الواقع وبنائه”. (13)
باشلار وتغليب النظري على الواقع وتغييب دور العلم في التغيير
تركيز باشلار على البعد النظري بفصله، ميكانيكياً، عن الواقع، يُمثِّل منهجية تُغلِّب النظري على الواقع، أراد من خلاله أن “يطرح مفهوماً جدلياً لهذا الأخير ويعالجه في أفق تاريخي عندما يعتبر الواقع لم ينجز بعد وأنه آخذ في الانكشاف وأنه تاريخ انطلاء الصيغة الموضوعية عليه، إلا انه مع ذلك لا يركز سوى على جانب وحيد في جدلية الواقع عندما يلح على تحوله إلى واقع معرفة ولا يدرك أن التحويل الذي يقوم به العلم للواقع يفرز تصورات قادرة بدورها على أن تغير الواقع نفسه وتحوله، أي قادرة على أن تؤدي إلى إحداث تغييرات عملية على الواقع نفسه. وتلك هي اللحظة الثانية من لحظات جدل الواقع والمعرفة العلمية”. (14) إذنْ، هي منهجية مثالية تستبعد ربط معرفة العالَم بتغييره، قائمة على موقف أيديولوجي لا يخرج على موقف الفلسفة المثالية بجميع تياراتها واتجاهاتها، بل يُعيد تأبيدها وإنتاجها بأشكال مختلفة.
انطلاقاً من الأسس النقدية لمنهجية باشلار، وللفلسفة المثالية، التي تُبرز خلفيتها الأيديولوجية يتضح أنَّ تغيير العالَم لا يتحقق بالفكر والعلم فقط، على أهميتهما، بل بالارتباط بالممارسة الثورية الجماهيرية المرتبطة، ديالكتيكياً، بمعرفة الواقع المادي وتناقضاته، وأن التغيير ليس فعلاً ذاتياً يتحقق بفهم الذات للعالَم وحسب، بل يتحقق بالصراع الطبقي المحرِّك للتاريخ، كما أنَّ تطوّر المعرفة وتاريخيتها يرتبط بمرحلة تطوّر البنيَّة الاجتماعية، ومستواها الاقتصادي، وما يفرضه من حاجيات جديدة، وتناقضات وصراعات، على هذا الأساس من التحديد لا يمكن إقامة مماثلة بين محاولات فلسفات، موقعها الطبقي هو هو موقع الطبقة البرجوازية الحاكمة، الإفادة من العلم لتأبيد القائم وأيديولوجيته، وأخرى، موقعها الطبقي هو موقع الطبقة البروليتارية النقيض لموقع الطبقة البرجوازية، تفيد من العلم والتطور من أجل تغيير العالَم. فالصراع بين القديم والجديد “يتم داخل تشكيلة اجتماعية واحدة بين قوى اجتماعية مختلفة تحمل أشكالاً مختلفة من الوعي الاجتماعي التاريخي. وينتج الجديد في الثقافة وينمو ويتطور في صراع القوى الاجتماعية الصاعدة التي تحمله مع القوى السائدة وفي تفاعلها مع القوى المحلية والأخرى العالمية. هكذا تبلور هذه القوى جديدها وتستوعب جديد غيرها” (15)، وبالتالي فإن التقدم المعرفي في المفهوم المادي العلمي ومنهجيته الديالكتيكية لا يقوم على القطيعة الميكانيكية بين الجديد والقديم.
نجد أسس المفهوم المثالي نفسه للقطيعة الابيستيمولوجية لدى أحد أبرز المنظرين له في عالمنا العربي، بحسب اطلاعنا، محمد عابد الجابري، وذلك في بحثه لإشكالية الفكر العربي وهو مفهوم انتُقد بتحديد أن مفهوم القطيعة الابيستيمولوجية “إنما يتمثل في نشوء قوى اجتماعية جديدة تملك وعياً قادراً على تحقيق قطع معرفي مع الفكر الطبقي المسيطر، أي على القفز من إشكالية الفكر العربي الحديث المسيطر إلى إشكالية علمية ثورية قادرة على استيعاب الواقع وإمكاناته، أي على الخروج من القيود الآيديولوجية للطبقة المسيطرة”.(16)
في الموقع النقيض للفلسفة المثالية ومنهجيتها، الذي يُعري اتهام الماركسية انها تفرض قوانينها ومفاهيمها، فإن منهجية الفلسفة المادية العلميَّة تُحَدَّد انطلاقاً من أنّ “علميَّة الفكر في ماديته، وماديته في أن ينفذ إلى ما يحرّك الظاهر من الواقع – أي إلى ضرورته-، ففي هذه الضرورة التي هي من الواقع منطقه الفعلي، يكمن مبدأ العقلانية التي لا تكون علميَّة إلا بمقدار ما يكون لها شكل ضرورة الواقع. في ضوء هذا المنطق من الفكر المادي، يستحيل ان تتخذ عقلنة الواقع شكل النمذجة، لأن النمذجة ليست للواقع عقلنة إلا على أساس من حصر الواقع في ظاهره بشكل تنتفي فيه ضرورته- وهنا تكمن التجريبية-، فيحل محلّ ضرورته، في عملية عقلنته، حرية الفكر في تنظيم ظاهراته، أي في نمذجتها- وهنا تكمن المثالية”. (17) تحديد نقدي يحثُّ على اكتشاف القوانين وضرورتها بمفاهيم ليست مجرد معطيات عقلية جاهزة وفق “نموذج” ينمذج تنظيم ظاهراته، بل في عمليَّة اكتشاف وإنتاج للمعرفة العلميَّة. هنا يكمن مفهوم العلم في ضوءِ المنهجية المادية الديالكتيكية، على هذا الأساس المنهجي “أمكن القول إن لضرورة الواقع الشكل الذي يحدّده لها أدوات العقل التي بها تُستخرج. من هنا أتت هذه العلاقة التناقضية التي أوضحها لينين بين مادية المعرفة وتاريخيتها”.(18)
ومن خصائص النظرية العلمية في ضوء المنهجية المادية العلمية، أنها غير مغلقة، أو بحسب ماركس غير مكتملة، على نقيض مفهومها المثالي الذي هو أساس “المشكلات المستعصية التي تعاني منها فلسفة العلم الحديثة، سواء أكنا نتكلم عن ثورات توماس كوهن الاعتباطية، أم قطوع باشلار وألتوسير المعرفية. فهو يقود هذه الفلسفة إلى نفي موضوعية المعرفة العلمية بنفي العلاقة الجدلية القائمة بين النظريات العلمية ومن ثم العلاقة القائمة بين البنى النظرية والبنى الداخلية لموضوع المعرفة. إذ تعمد هذه الفلسفة إلى اعتبار النظرية مونادا Monad من طينة مونادات لايبنتز. أعني جواهر روحية معزولة كلياً عن بعضها. فلئن كانت معزولة عن بعضها، فهي بالضرورة معزولة أيضاً عن موضوع المعرفة (العالم) (…). إن النظرية العلمية في فلسفة العلم الحديثة ليست أكثر من لعبة اجتماعية مفيدة (كوهن) أو غير مفيدة (فايرآبند). وفي أحسن الأحوال فهي فريدة كالعمل الفني (باشلار) أو نظام فكري تكمن حقيقته في بنائه المنطقي الداخلي (ألتوسير)” (19) (*)
وعليه، فإن تحديد النظرية الماركسية – اللينينية لتطوّر العلوم والفكر والفلسفة نقطة انطلاقه هي المفهوم المادي العلمي، وبالتحديد لمسألة الارتباط بالوقع وظروفه وطبيعته المادية الكيفية، وما يجري فيه من تطوّر ونمو وما يخلقه من حاجات مرتبطة بالإنتاج، على هذا الأساس المادي العلمي يتجلى المبدأ الماركسي الذي يحدِّد أس مفهوم القطيعة الابيستيمولوجية النقيض لمفهومها المثالي، ظهرَ ذلك في تحديد انجلز لقطيعة ماركس مع هيغل “حدثت القطيعة مع فلسفة هيغل عن طريق العودة الى وجهة النظر المادية. وهذا يعني ان انصار هذا الاتجاه قد قرروا ان يدركوا العالم الحقيقي – الطبيعة والتاريخ – كما يبدو لكل من ينظر اليه بدون أوهام مثالية مسبقة؛ وقد عزموا على التضحية بلا رحمة بكل وهم مثالي لا يتفق مع الوقائع المأخوذة في علاقتها الخاصة بها(…). ولم يطرح هيغل جانباً ببساطة، بل على العكس، فقد أخذ الجانب الثوري من فلسفته (…) أي الطريقة الديالكتيكية نقطة انطلاق“. (20) بعد أن أوقفها على قدميها. يوضح نص انجلز المفهوم المادي الديالكتيكي للقطيعة الابيستيمولوجية، أي أنها ليست قطيعة سلبية مطلقة ميكانيكية بل هي قطيعة مادية ديالكتيكية تبقي ما هو قابل للحياة والتطور والنمو بالارتباط مع الواقع الموضوعي وممارسة الإنسان.
يتضح في المفهوم الماركسي للقطيعة أنه نقيض لمقولة الانفصال بين المفاهيم، المعروف في فلسفة العلم بـ “القطيعة الابيستيمولوجية”، والانفصال عن الواقع المعيش انطلاقاً من أن الربط بين الفكر والواقع “لا يتم بين كيانين متشكلين قبل الربط، وإنما يدخل في تشكيل الطرفين بصورة جوهرية. فليس هناك منهجية ايبستيمولوجية متشكلة في ذاتها وبمعزل عن الواقع الاجتماعي. فمسألة الربط تدخل في صميم المنهجية الايبستيمولوجية التي تستوعب في بنيتها الداخلية أن الفكر (ومن ضمنه هي نفسها) مادي في جوهره وأنه جزء لا يتجزأ من الواقع الاجتماعي. وأنه لا يتشكل إلا في داخل هذا الواقع وبعلاقته معه، هي غير المنهجية الايبستيمولوجية التي لا تستوعب ذلك، فالمسألة إذاً تخص طبيعة الفكر والايبستيمولوجيا، لا مجرد الربط عرضياً بينهما”.(21)
وفي ضوء المنهج المادي الديالكتيكي يتحدد مفهوم نسبيَّة المعرفة النقيض لمفهومها لدى باشلار، والفلسفة المفتوحة، النقيض لمفهومها في الفلسفة المثالية بعامة، هنا لينين فقد أضاءَ على الجانب المتمم للعلاقة الديالكتيكية بين المطلق والنسبي، على الصعيدَيْن الفلسفي والسياسي، بتحديده أن أية معرفة نسبيَّة تتضمن الحقيقة المطلقة “ان مدى اقتراب معارفنا من الحقيقة الموضوعية، المطلقة، هي شرطية تاريخياً من وجهة نظر المادية المعاصرة، اي من وجهة نظر الماركسية، ولكن وجود هذه الحقيقة امر لا ريب فيه، كما انه لا ريب في اننا نقترب منها”. (22) يكمل لينين توضيحه لعلاقة المطلق بالنسبي بقوله: “ان الديالكتيك- كما سبق واوضح هيغل،- ينطوي على عنصر النسبية والانكار والريبية، ولكنه لا ينحصر في النسبية. ان الديالكتيك المادي لماركس وانجلس ينطوي بلا ريب على النسبية، ولكنه لا ينحصر فيها اي انه يعترف بنسبية جميع معارفنا، لا بمعنى انكار الحقيقة الموضوعية، بل بمعنى الشرطية التاريخية لمدى اقتراب معارفنا من هذه الحقيقة”.(23) فلا يوجد في المادية الديالكتيكية “حد يستحيل تجاوزه بين الحقيقة النسبية والحقيقة المطلقة”.(24)
أكدَّ لينين في المعنى المادي الديالكتيكي الذي قدمه أن التفكير يستطيع “ان يعطينا وهو يعطينا الحقيقة المطلقة التي تتكون من مجمل الحقائق النسبية. وكل درجة في تطور العلم تضيف ذرات جديدة الى مجمل الحقيقة المطلقة هذه، ولكن حدود حقيقة كل موضوعة علمية هي حدود نسبية لانها تتسع تارة وتضيق طوراً جراء نمو المعرفة اللاحق”.(25) انها أسس المفهوم المادي العلمي النقيض للعلاقة بين القديم والجديد، والقطيعة الابيستيمولوجية المثالية بمختلف تياراتها ومذاهبها المثالية التي توقع في ثنائية القطع الميكانيكية الميتافيزيقية، مدخل نقدها ونقضها المنهجي، أن المنطق الديالكتيكي، بمفهومه المادي العلمي، هو منطق الوحدة المادية الديالكتيكية لا ينفي التناقض بل يؤكده بحله ديالكتيكياً في الواقع المعيش وشروطه المادية، علاقة تظهر سيرورة العلم، والارتباط المادي الديالكتيكي بين الواقع والفكر، على قاعدة أسبقية الواقع على الفكر بمفهومها المادي العلمي، الجديد والقديم، ممَّا ينفي الدغمائية والانفصال الميكانيكي، والبراغماتية، على هذه الأسس يحدَّد المفهوم المادي الديالكتيكي لفلسفة العلم ولمفهوم القطيعة الابيستيمولوجية النقيض للمفهوم السائد عنهما، والنقيض لمفهومها الباشلاري، ولمفهوم الفلسفة المفتوحة لنسبية المعرفة.
مصادر ومراجع:
(1) – باشلار غاستون، فلسفة الرفض مبحث فلسفي في العقل العلمي الجديد، ترجمة: خليل أحمد خليل، لا. ط، دار الحداثة، بيروت، لا. ت، ص.5.
(2) – المصدر نفسه، ص. 8.
(3) – باشلار غاستون، الفكر العلمي الجديد، ترجمة: عادل العوا، ط 5، دار مجد، بيروت، 2002، ص. 6.
(4) – المصدر نفسه، ص. 19.
(5) – باشلار غاستون، فلسفة الرفض، مصدر سابق، ص. 9. والموقف نفسه نجده في كتابه الفكر العلمي الجديد، مصدر سابق، حيث اعتبر أن منحى الاتجاه الابيستيمولوجي “يتجه، بالتأكيد، من العقلي إلى الواقعي، ولا يمضي البتة، على العكس، من الواقع إلى العام” ص. 7، وفي الكتاب نفسه قال إن “الفكر العلمي في جوهره يعني انشاء الموضوعية”، ص. 55.
(6) – المصدر نفسه، ص. ص 7-8.
(7) – باشلار غاستون، الفكر العلمي الجديد، مصدر سابق، ص. 56.
(8) – باشلار غاستون، تكوين العقل العلمي مساهمة في التحليل النفساني للمعرفة الموضوعية، ترجمة: خليل أحمد خليل، ط 2، دار مجد، بيروت، 1982، ص. 11.
(9)- Bogdan Suchodolski, Les Facteurs du dѐvelopment de l’histoire des sciences.
نقلاً عن: الجابري محمد عابد، مدخل إلى فلسفة العلوم العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي، ط 3، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1994، ص. 43. حيث لخص آراء بوغدان سوشودولسكي في الموضوع.
(10) – بوغدان سوشودولسكي نقلاً عن الجابري محمد عابد، مدخل إلى فلسفة العلوم…، المرجع نفسه، والصفحة نفسها.
(11) – الجابري محمد عابد، مدخل إلى فلسفة العلوم…، المرجع نفسه، ص. 40.
(12) – العظم صادق جلال، ثلاث محاورات فلسفية دفاعاً عن المادية والتاريخ، ط 1، دار الفكر الجديد، بيروت، 1990، ص. 83.
(13) – المرجع نفسه، والصفحة نفسها.
(14) – يفوت سالم، فلسفة العلم المعاصرة ومفهومها للواقع، ط1، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 1986، ص. 32.
(15) – غصيب هشام، الأعمال الفكرية، 5 مجلدات، دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع، ط1، 2007، مج3، ص. ص 198 -199
(16) – المرجع نفسه ص. 215. ومن الأعمال الفلسفية الرائدة في مجال نقد الفكر المثالي والأيديولوجية الطبقية المسيطرة في العالَم العربي التي تحاول تعميم مفهومها للتراث وفرضه خدمة لمواقعها الطبقية، كتاب الشهيد مهدي عامل “أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازيات العربية”. وكتاب الشهيد حسين مروّه “النزعات المادية في الفلسفة العربية – الاسلامية”.
(17) – عامل مهدي، في تمرحل التاريخ، ط 1، دار الفارابي، بيروت، 2001، ص. ص. 35-36.
(18) – المرجع نفسه، ص. 36.
(19) – غصيب هشام، الأعمال الكاملة، مرجع سابق، مج 5، ص. ص 90-91.
(*) – من الدراسات النقدية في ضوء المنهجية المادية لمفهوم القطيعة الابيستيمولوجية لدى لويس ألتوسير Louis Althusser (1990- 1918)، وقراءَته لنتاج ماركس الشاب وماركس الناضج على أساس القطع بينهما، بحسب اطلاعنا، دراسة هشام غصيب، التي أضاءَ فيها على الثغر التي وقع فيها ألتوسير، مبرزاً مفهوم الإشكالية (المشكلية) لدى ألتوسير التي على أساسها طرح مفهومه للقطيعة الابيستيمولوجية. وهي أسس نقدية لمفهوم القطيعة الابيستيمولوجية المثالي. للمزيد من التفصيل حول نقد هشام غصيب لألتوسير مراجعة: الأعمال الفكرية، 5 مجلدات، المجلد 5 والمجلد 3، مرجع سابق. وبحثه بعنوان: عن الإشكالية النظرية في العلوم الفيزيائية العربية أو لماذا عجزت العلوم العربية عن تحقيق الثورة، ترجمة مالك عساف، مجلة الثقافة العالمية، السنة الرابعة والثلاثون، مارس – أبريل 2018. القطيعة الابيستيمولوجية بمفهومها لدى باشلار، وعلاقتها بتطوّر الواقع الموجود فيه توقف عندها بقراءَة مادية، مختصرة، مهدي عامل في كتابه “مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني”، كما توقف مهدي عامل عند مفهوم ألتوسير للقطيعة وقراءَته لرأس المال، في الكتاب نفسه. وانتقدَ مفهوم ألتوسير للحزب وللفلسفة، بشكل أوسع في كتابه، “في تمرحل التاريخ”، وانتقدَ رأي ألتوسير بأن الاقتصادي هو المحدِّد الأخير، وإرجاعه التاريخ إلى سيرورة طبيعية إنسانية لا هدف لها.
وانتقد صادق جلال العظم، في كتابه “دفاعاً عن المادية والتاريخ”، مرجع سابق، ألتوسير والبنيوية وما بعدها.
(20) – انجلس فريدريك، لودفيغ فورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الالمانية، دار التقدم، موسكو، لا. ت. ص. ص. 42-43. التعليم بالخط العريض من عندياتي.
(21) – غصيب هشام، الأعمال الكاملة، مرجع سابق، مج 3، ص. 238.
(22) – لينين، فلاديمير، المختارات، 10مج، ترجمة الياس شاهين، دار التقدم، موسكو، .1978. مج 4، ص. 170.
(23) – المصدر نفسه، ص. 171.
(24) – المصدر نفسه، ص. 169.
(25) – المصدر نفسه، ص. ص 168-169.