مظفر النواب المتمرّد سليط اللسان

مظفر النواب شاعر التمرُّد والثورة على الظلم والاستغلال ومقاومة الاحتلال الصهيوني، شاعر “القصيدة المهربة” المتمرّدة سليطة اللسان، عاش حياته متنقلاً بين المنافي بسبب مواقفه السياسية الوطنية الثورية، حمل في شعره قضية الشعوب العربية وحقوقها في الحرية والديمقراطية، لم يهادن أي نظام سياسي… كان شعره لسان حال الثورة والثوار من أجل “وطن حر وشعب سعيد”.

ولِّد مظفر النواب في العاصمة العراقية بغداد عام ١٩٣٤لعائلة ثرية عرفت باهتمامها بالفنون والآداب والشعر والموسيقى، وكان قصرها يطلّ على نهر دجلة عرف أنه كان مقصد العديد من الشعراء والسياسيين والمثقفين. تعرض والد مظفر النواب إلى خسارة مالية كبيرة أفقدته ثروته والقصر، وعاش مظفر النواب تحت ضائقة مالية، ولكنه على الرغم من ذلك تمكن من متابعة دراسته.

في عام ١٩٥٣ تخرج مظفر النواب من جامعة بغداد وحصل على إجازة في اللغة العربية. 

في منتصف خمسينيات القرن الماضي انتسب مظفر النواب إلى الحزب الشيوعي العراقي وناضل في صفوفه، وعرف بتضحياته الكبيرة في سبيل الحزب ومبادئه الثورية ومشروعه السياسي الوطني التحرري المقاوم.

في عام ١٩٥٨ أطاحت الثورة بالحكم الملكي العراقي واستلم الحكم عبد الكريم قاسم، وفي تلك الفترة عُين النواب مفتشاً في وزارة التربية العراقية وعمل في سلك التعليم.

اعتقال… وتعذيب… نفق… وهروب

في شهر شباط/ فبراير العام ١٩٦٣ حصل الانقلاب على حكم عبد الكريم قاسم وأطاح به. شهدت تلك الحقبة حملات اعتقال وتعذيب ضد الشيوعيين وتنكيل كبيرة بحقهم وتصفية لقياداتهم، فاضطر مظفر النواب لمغادرة العراق والهروب إلى منطقة الأهواز في إيران كي يذهب منها إلى الاتحاد السوفياتي، وفي طريقه نحو وجهته ألقت المخابرات الإيرانية “السافاك” القبض على مظفر النواب وعذبته بشدة، وقام جهاز “السافاك” بدوره الموكل إليه قمع الثوار وأحباء الحرية والكلمة الوطنية في الداخل، وملاحقة الثوار، وسلمه، قسراً إلى العراق.

في عام ١٩٦٤ حُكم على مظفر النواب مع غيره من المناضلين السياسيين اليساريين بالإعدام، وخفف الحكم لاحقاً إلى السجن المؤبد. 

اعتقل مظفر النواب في أواخر العام ١٩٦٣وسجن في السجن الصحراوي المعروف باسم “نقرة السلمان” في محافظة المثنى حيث أمضى فيه عدة سنوات من الاعتقال وهو سجن مخصص، في تلك الفترة، للمعتقلين السياسيين، وبعدها نُقل إلى سجن “الحلّة”. في المعتقل / السجن كتَب مظفر النواب قصيدة “البراءة” المؤلفة من قسمَيْن الأول على لسان أمه والثاني على لسان أخته. قصيدة كتبها باللهجة العراقية العامية.

مظفر النواب لم يستسلم للاعتقال وللسجان وللقضبان وللابتزاز فقام مع عدد من المعتقلين بحفر نفق تحت السجن وصل إلى خارج أسوار السجن / المعتقل “الحلّة” وتمكن من الهروب منه في عام ١٩٦٧. عملية الهروب أحدثت ضجة كبيرة في العراق والدول المجاورة له. بعد هروبه عاش مظفر النواب حياة التخفي والتنقل بين المدن العراقية بعد ذلك ذهب إلى منطقة الأهوار في جنوب العراق. 

في العام ١٩٦٨ وبعد عمليات ملاحقة ومراقبة وتضييق غادر مظفر النواب العراق. وفي عام ١٩٦٩صدر بيان عفو عنه وعن السياسيين المعارضين وإثر ذلك عاد مظفر النواب إلى وظيفته كمدرس.

حياة التنقل والمنافي 

لم يبقَ مظفر النواب في العراق فقد غادره واختار حياة التنقل بين عواصم المنافي. مواقفه السياسية الوطنية التي كتبها شعراً جعلته منفياً، عاش أغلب عقود حياته طريداً فقد أمضى نصف قرن، تقريباً، وهو يتنقل بين العواصم العربية والأوروبية… ينشد شعر البسطاء الفقراء … شعر معاناة الشعوب العربية… شعر الانتصار لفلسطين… وانتفاضتها ومقاومتها للاحتلال الصهيوني. 

في عام ١٩٨١ تعرض مظفر النواب لمحاولة اغتيال في العاصمة اليونانية أثينا.

من اليسار  مظفر النواب وقوفاً في سجن “نقرة السلمان”، عام ١٩٦٣ مع مجموعة من الأدباء العراقيين المعتقلين

سحر الأسلوب 

تميز مظفر النواب بأسلوب ساحر فقد كتب الشعر باللغة العربية الفصحى وباللهجة العراقية العامية… وأسلوبه الساحر ينسحب على طريقة إلقائه للشعر… وفي السحرَيْن خرج مظفر على السائد وقوالبه… حاملاً روح التمرد… روح الموقف والانتماء إلى الناس وقضاياهم… روح الثورة والمقاومة… وعدم السكوت على الظلم… يمكن القول إنَّ مظفر النواب مؤسس مدرسة الشعر الشعبي الحديثة… هو الشعر الشعبي المنتمي إلى الأرض… إلى الإنسان… إلى الوطن.

وفي شعره أسهم مظفر النواب في صوغ التوعية على قضية فلسطين وحق الشعب الفلسطيني بمقاومة المحتل الصهيوني وتحرير أرضه من رجس الاحتلال.

مظفر النواب قصائده ما تزال ساحرة وملهمة للثورة تحمل روح الانتصار للقضية الوطنية التحررية وفي القلب منها فلسطين… 

في العام ٢٠١١ عاد مظفر النواب، بعد عقود من حياة المنافي، إلى العراق… ومن ثم غادره إلى عواصمه التي اختار التنقل بينها … وتوفي في ٢٠ أيَّار/ مايو العام ٢٠٢٢ بإمارة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة… وأُعيدَ جثمانه إلى مسقط رأسه بغداد ليدفن فيها.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

على هامش الوطن: من يكتب لا يموت

 قبل ستة أعوام وفي يومٍ مماثل لليوم 20 مارس، دخلتُ خيمة عزاء غريبة، في منطقة العيون بالجهراء. لم أكن أعرف أحداً فيها سوى الغائب الوحيد