القضايا القومية من منظور التقدميين الكويتيين

-+=

أحمد الديين: الوحدة العربية من منظور التقدميين الكويتيين

بدءاً لابد من الإشارة إلى أنّ العوامل والظروف التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، التي أحاطت بتشكّل العرب كجماعة قومية ونشوء الأمة وتطورها وتجزأتها، تختلف تماماً عن تلك العوامل والظروف، التي أحاطت بتشكّل القوميات ونشوء الأمم الأوروبية، فهي ليست نموذجاً معيارياً وحيداً لتشكل القوميات ونشوء الأمم وتطورها في العديد من المجتمعات خصوصاً الشرقية منها، فعلى سبيل المثال فإنّ القوميات والأمم، التي تشكّلت في ظل “نمط الإنتاج الآسيوي” حيث هناك دولة مركزية قوية تنظم الري كما في الصين والعراق ومصر، وكذلك في ظل نمط الإنتاج الخراجي المكتمل (الذي أشار إليه د. سمير أمين) في البلدان العربية ما قبل الرأسمالية، تختلف عن حالها في أوروبا، بل لقد تحقق شرطا الاقتصاد المشترك ودولة الأمة فيها بمعزل عن الرأسمالية، التي نشأت فيها الأمم الأوروبية على قاعدتي الاقتصاد المشترك ودولة الأمة.

إنّ الروابط القومية التي كانت تجمع العرب متمثلة في الأرض واللغة والثقافة تعود إلى قرون وعهود سابقة قديمة تشكّلت خلالها الخصائص القومية المشتركة للعرب، وفي السياق ذاته فقد عزز الإسلام والحضارة العربية الإسلامية اندماج العرب ووحدتهم عبر دولة واحدة، ولكنها تعرضت، بعد ضعف الدولة العباسية ثم سقوطها، لمستويات من التجزئة السياسية عبر أنظمة حكم متصارعة ومتعاقبة تشكلت في أقاليم عربية، وصولاً إلى خضوع البلاد العربية بأسرها للسلطنة العثمانية رسمياً وفعلياً أو اسمياً.

ثم أدى ضعف السلطنة العثمانية في القرن التاسع عشر إلى درجات متفاوتة من انفصال بعض الأقاليم العربية عنها، حيث سعى بعضها لتوحيد بعض المناطق مثلما فعل محمد علي في مصر والدولة السعودية الأولى في الجزيرة العربية، وبرزت في السياق ذاته بدايات اليقظة القومية العربية ودعوات الوحدة، وبينها ما سمي بالثورة العربية في الحجاز، التي ارتبطت والمخططات الإمبريالية البريطانية…وبعدها في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط السلطنة العثمانية نشأت كيانات سياسية محلية في عدد من الأقطار العربية سرعان ما خضعت جميعاً للسيطرة الإمبريالية الغربية، التي كرست تفتيتها وفق اتفاقية سايكس بيكو من جهة ووعد بلفور لزرع الكيان الصهيوني على الأرض العربية من جهة أخرى، وغيرها من مؤامرات ومخططات التجزئة والسيطرة الإمبريالية، ما أدى إلى تجزئة شعوب وبلدان الأمة العربية وقطع الطريق على إمكانية قيام الدولة العربية الواحدة، حيث جرى تثبيت وجود كيانات سياسية مجزأة.. وبالتالي، فإنّ الأمة العربية ليست كما يدعي البعض “أمة في طور التكوين”، أو “أمة لما تستكمل مقوماتها بعد بسبب غياب عنصر الاقتصاد المشترك”، وإنما هي أمة تعرّضت للتجزئة والتفتيت خصوصاً على أيدي القوى الإمبريالية الغربية، وعليه فإنّ طريق شعوب الأمة العربية نحو التقارب والاتحاد مرتبط بالضرورة بالتحرر الوطني والقومي، فالوحدة العربية ليست مجرد حلم قومي مأمول، وإنما هي خطوة مستحقة على طريق استكمال التحرر الوطني والقومي، بما في ذلك إزالة التجزئة.

الراحل الكبير جاسم القطامي في 22 فبراير 1959 يلقي خطابه الشهير في ثانوية الشويخ بمناسبة الذكرى الأولى لاعلان الوحدة بين مصر وسورية

وقد كشفت المسيرة التاريخية للتحرر الوطني والقومي في مختلف أرجاء الوطن العربي والمحاولات التي جرت لتحقيق الوحدة أنّ التآمر الإمبريالي مثّل العائق الأهم أمامها، وأنه طبقات الإقطاع والبرجوازية الكمبرادورية التابعة ومصالحهما الطبقية الضيقة تمثّل عائقاً آخر أمام الوحدة ناهيك عن كونها تمثل ركيزة للهيمنة الإمبريالية والتجزئة القومية، وأنها في الحالات التي اندفعت فيها لتحقيق بعض الخطوات الوحدوية فقد استندت هذه الطبقات إلى دعوات الضم والإلحاق والتوسع بمعزل عن الإرادة الشعبية، وكانت متوافقة مع سياقات الهيمنة الإمبريالية، مثلما حدث في تجربة “الاتحاد العربي” في العام ١٩٥٨، الذي رعته بريطانيا وضم مملكتي الأردن والعراق الهاشميتين وكان مقرراً ضم الكويت إليه… فيما فشلت الأنظمة العربية الوطنية البرجوازية الصغيرة في محاولاتها لإقامة دولة الوحدة عندما اندفعت وراء المصالح الخاصة بها وتجاهلت المتطلبات الديمقراطية والتفاوت بين الأقطار العربية، مثلما حدث في تجربة الوحدة المصرية – السورية بين ١٩٥٨ و١٩٦١.

ونحن كتقدميين نرى أنّ الطبقة العاملة والفلاحين والفئات الشعبية هي القوى الاجتماعية، التي تنسجم مصالحها تماماً مع استكمال مهام التحرر الوطني والقومي وتحقيق التقارب والاتحاد بين شعوبنا وبلداننا العربية على أسس تحررية ديمقراطية ضمن مشروع تحرري قومي نحو الاشتراكية.

كما أنّ التقدميين الكويتيين، وإنْ كانوا يؤيدون أي خطوات باتجاه التكامل الاقتصادي العربي في اتجاهات تنموية وطنية رافضة للتبعية، إلا أنهم يدركون أنّ الطريق نحو الوحدة العربية لن يتحقق عبر مثل هذا التكامل الاقتصادي الموعود، مالم يرتبط بالأساس بنضال سياسي شعبي عربي تحرري يدفع باتجاه تحقيق درجات من التقارب والاتحاد الذي يسعى للخلاص من التبعية للإمبريالية، ويراعي مستويات التطور المتفاوتة بين البلاد والمجتمعات العربية، ويقوم على أسس ديمقراطية بعيداً عن محاولات الضم والإلحاق، وصولاً إلى إنجاز مهمة الوحدة العربية، التي هي أحد أهداف المشروع التحرري الوطني والقومي العربي نحو الاشتراكية.

مشعان البراق: القضية الفلسطينية من منظور التقدميين الكويتيين

إنّ القضية الفلسطينية ليست صراعاً على الحدود، ولا هي مجرد قضية إنسانية حقوقية، وإنما هي بالأساس قضية تحرر وطني في مواجهة كيان صهيوني غاصب زرعته الإمبريالية في قلب وطننا العربي الكبير لخدمة المصالح والمشروعات الإمبريالية الغربية وتثبيت هيمنتها على منطقتنا وبلداننا وشعوبنا، وذلك بالارتباط مع المشروعات التآمرية الإمبريالية منذ بدايات القرن العشرين ممثلة في وعد بلفور واتفاقية سايكس – بيكو، التي استهدفت استعمار وطننا العربي، وتمزيق وحدته، وتفريق شعوبنا، ونهب ثرواتنا، وعرقلة تحررنا الوطني والاجتماعي…وبالتالي فإنّ الموقف الماركسي تجاه الصهيونية يجب ألا ينفصل عن الموقف تجاه الإمبريالية.

كما أنّ هذا الكيان ليس مجرد دولة احتلال، بل هو أداة استعمارية عنصرية قامت على أرض شعبٍ قُتّل وشُرّد، وبدعمٍ لا محدود من الإمبريالية.

وإنْ كانت نكبة ١٩٤٨ فصلاً محورياً في معاناة الشعب الفلسطيني، فإنّ المذابح والمجازر الإرهابية التي ارتكبتها الصهيونية سابقةٌ على ذلك التاريخ؛ ففي عام ١٩٣٨ وقعت مجزرة طبريّا، وفي ١٩٤٧ ارتكب الصهاينة في حيفا مجزرة بلد الشيخ، وفي ١٩٤٨ وقعت مجزرة دير ياسين، لتكون إيذاناً بالتصعيد الشامل لعمليات التهجير والتطهير العرقي بحق شعبنا، واستمرت سلسلة المجازر الصهيونية.. ففي العام ١٩٤٨ وقبيل إعلان كيانهم ارتكبت العصابات الصهيونية مجزرة قرية أبو شوشة شرقي مدينة الرملة، ومجزرة قبية في ١٩٥٣ ومجزرة خان يونس عام ١٩٥٦ وفي العام نفسه مجزرة كفر قاسم، وتوسعت رقعة جرائمهم حتى خارج حدود فلسطين، حيث استهدفوا بعد احتلالهم لبنان في ١٩٨٢ مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وارتكبوا مجزرة صبرا وشتيلا، وبعدها مجزرة الحرم الإبراهيمي في ١٩٩٤، وفي ٢٠٠٢ نتذكر مجزرة جنين، وصولاً إلى إعلان الكيان الغاصب في ٢٠٢٤ حربه الإبادية  ضد الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة.

 

إنّ الموقف تجاه الكيان الصهيوني يجب أن يرتكز على التصدي لدور هذا الكيان في محاربة حركة التحرر الوطني العربي واستهدافها وإضعافها عبر العدوان الثلاثي على مصر في ١٩٥٦، وعدوان ١٩٦٧، واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء، ثم احتلال لبنان في ١٩٨٢، وفرض اتفاقيات الاستسلام ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، وتمرير مشروعات تسيّد الكيان الصهيوني على المنطقة وتثبيت التبعية للإمبريالية تحت أسماء متعددة لما يسمى مشاريع الشرق الأوسط و”صفقة القرن”.

واليوم، على الرغم من مرور سبعة وسبعين عاماً على زرع الكيان الصهيوني، إلا أنّ قضية فلسطين لا تزال حيّة حيث لم تتمكن الإمبريالية والصهيونية وأنظمة التبعية العربية من تصفيتها، وذلك بفضل صمود الشعب العربي الفلسطيني ودور المقاومة… وأصبح الكيان الصهيوني يواجه اليوم أزمة داخلية وجودية متفاقمة، وهي أزمة مرتبطة من جهة بأزمة الإمبريالية الأميركية المتقهقرة وبالتبدلات السياسية الدولية لعالم ما بعد القطب الواحد، الذي كان العدو الصهيوني يتمدد في ظله ممثلاً لمصالحه، كما ترتبط الأزمة من جهة أخرى بالسمعة السيئة التي اكتسبها الكيان الصهيوني لدى الرأي العام الشعبي العالمي، حتى في بلدان الغرب.

إنّ مواجهة الإمبريالية والصهيونية تتطلب بالضرورة دعم صمود الشعب الفلسطيني، وإسناد مقاومته، والعمل على فضح جرائم الكيان الصهيوني، ومقاطعته وفرض طوق من العزلة عليه، وتحويل التضامن إلى إسناد ملموس مادي وسياسي وعسكري ومعنوي.

ومن مهماتنا كتقدميين رفض أي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، ودعم نضالات شعوب الدول المطبعة لإلغاء اتفاقيات الاستسلام والتطبيع، وتحقيق درجة أعلى من التنسيق بين جميع القوى الفاعلية في المنطقة لمواجهة حملات التطبيع، ونشر ثقافة مقاومة مضادة للصهيونية، ورد الاعتبار إلى الموقف الماركسي اللينيني الثوري تجاه الصهيونية كمشروع إمبريالي للهيمنة.

ونحن كتقدميين كويتيين نقف بوضوح مع المقاومة، وضد اتفاقيات أوسلو واتفاقاتها وتنسيقها الأمني مع الكيان الصهيوني، وبصورة أكثر تحديداً فنحن لسنا مع ما يسمى “حل الدولتين”، ليس من باب الرفض المطلق لإقامة سلطة وطنية على أي أرض يتم تحريرها، ولا من باب تخوين مَنْ يطرح الدولتين كهدف مرحلي… ذلك أن هناك فرقاً كبيراً بين مثل هذه الحالة وبين إقامة “دولة” منزوعة السلاح عبر الاعتراف بشرعية وجود الكيان الصهيوني الاستيطاني التوسعي العدواني ذي الدور الوظيفي لحماية المصالح الإمبريالية وإحكام هيمنتها على المنطقة، والإقرار بحدود الرابع من يونيو/ حزيران ١٩٦٧ كحدود نهائية للدولة الفلسطينية المفترضة رغم أنّ الكيان الصهيوني نفسه يرفض الاعتراف بأي حدود له، بالإضافة إلى ما نشره الكيان من “مستوطنات” أو بالأحرى مغتصبات لسلب مساحات واسعة من الضفة الغربية المحتلة.

إنّ الأساس في القضية الفلسطينية هو اختلاق الكيان الصهيوني نفسه، وليس مجرد الاحتلال الصهيوني اللاحق للأراضي الفلسطينية في ٥ يونيو/ حزيران ١٩٦٧ وأنّ النضال ضد الصهيونية لا ينحصر في قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة بعد ذلك التاريخ فقط في إطار ما يسمى “حلّ الدولتين”، إذ أنّ ما يسمّى “حلّ الدولتين” ما هو إلا وهمٌ أسقطه الواقع والتاريخ، وليس تسويةً عادلة كما يروّج البعض، لأنّه ببساطة يتجاهل جذور الصراع الحقيقي، أي قيام كيانٍ استيطانيٍّ عنصريٍّ أُسِّسَ على إنكار وجود شعبٍ بأكمله، وقام على التقتيل والتهجير والتطهير العرقي، فلا يمكن أن يكون هناك عدلٌ أو سلام بوجوده الذي لا يكون أبداً بوجودنا.

ونؤكد كتقدميين كويتيين على التزامنا بالتضامن الكفاحي الشعبي بكل أشكاله مع الشعب العربي الفلسطيني في نضاله من أجل تحرير أراضيه المحتلة، وضمان حق العودة للاجئين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الموحدة على كامل التراب الوطني الفلسطيني.

إنّ مقاومة المشروع الصهيوني مرتبطة بالنسبة للشعوب العربية وحركاتها التحررية بمقاومة الهيمنة الإمبريالية، وإنّ تحرير فلسطين مرتبط بتحرير شعوبنا وتحرر بلداننا وتضامنها ووحدتها.

وغير هذا، فنحن كتقدميين كويتيين في الوقت الذي نتضامن فيه مع الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ونقدّر ونجلّ تضحياته ونؤكد على حقّه الكامل في تقرير مصيره، إلا أننا في الوقت نفسه نرى أن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية وطنية فلسطينية، وإنما هي قضية تحررية عربية مركزية تعني شعوبنا العربية وحركاتها التحررية.

وفيما يتصل بالمقاومة فهي وإن كانت بالأساس مقاومة ضد العدوان والغزو والاحتلال، إلا أنّ مفهوم المقاومة توسع تاريخياً وأصبح يشمل إلي جانب مقاومة العدوان والغزو والاحتلال، مقاومة الهيمنة الإمبريالية، ومقاومة العدو الصهيوني، والتصدي للركائز المحلية التابعة للإمبريالية.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

مآلات العدوان الصهيوني الأميركي على إيران

التحدي الذي يواجه طهران اليوم يتمحور في كيفية التعاطي مع التطورات التي سبقت وأعقبت العدوان، وأهمها الاختراقات الأمنية التي كادت أن تحدث فرقاً كبيراً، وفي التعاطي مع الداخل الإيراني الذي أكد مجدداً الانتماء لبلده

شبح الإستعمار الترامبي ودفتر الشروط والشيكات 

مسار الصراع الوطني والطبقي في المنطقة عسير وخطير، وأمام اليسار وقوى التحرر والديمقراطية امتحان فكري وسياسي وتنظيمي، ومراجعة للتخلص من الفئوية والرمادية والتشرذم، وبناء أواصر الثقة مع الفئات الكادحة، وإطلاق ورشة عمل لتوحيد الصفوف وتنظيمها

لا مجد في الحرب

تُستقى حكمة المعركة الحقيقية من فنادق الخمس نجوم حيث تُعقَد صفقات السلاح، ومن الغرف المغلقة حيث تتفاوض النخب عبر الحدود لتسوية الأمور لمصلحتها.

عربدة العدو الصهيوني في المياه العربية

في هذا الوضع الخطير الذي يهدد الأمن المائي والقومي العربي لا بد من طرح استراتيجية مائية عربية واضحة تضع كافة الشعوب العربية والقوى الوطنية والتقدمية والقوى الحيَّة في العالم أمام مسؤولياتها للدفاع عن الموارد المائية العربية وتقف صفاً واحداً بوجه هذه العربدة الصهيونية.