حركات الإسلام السياسي من منظور التقدميين الكويتيين

-+=

عندما نتناول موضوع حركات الإسلام السياسي علينا أنّ نبتعد عن أي نظرة غير علمية وغير تاريخية أو بالانطلاق من الأحكام المسبقة والتعميمات غير الواقعية التي ترى في هذه الحركات كتلة صماء واحدة متجانسة غير قابلة للتمايز داخلها أو للتحوّل أو التغيّر، إذ أنّه في واقع الحال هناك تفاوت في أوضاع هذه الحركات وفي ظروف نشأتها وفي العوامل المؤثرة في حركتها، وهناك اختلافات في أدوارها وتباينات جدية في مواقفها.

كما يجب أن ننظر إلى حركات الإسلام السياسي شأنها في ذلك شأن أي قوى سياسية من أي تيار آخر من خلال الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي نشأت ضمنه وتعمل في إطاره؛ واستناداً إلى طبيعة القوى والمصالح الطبقية التي تمثلها؛ والتوجهات السياسية التي تتبناها، وما شهده مسارها من تبدلات وانتقالات وانقسامات، وما حدث داخل صفوفها من تباينات وتمايزات وتلاوين واختلافات وتناقضات وصراعات، وما تعرضت له عبر تاريخها من تأثيرات وتحولات فكرية وسياسية.

فعلى سبيل المثال لا يمكن وضع حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين وأنصار الله في اليمن كأطراف مقاومة  للاحتلال الصهيوني في كفّة واحدة مثلاً مع الإخوان المسلمين الذين حكموا السودان أو مصر أو الجماعات التي قبضت على الحكم في سورية كأطراف تمثل الثورة المضادة لحركة التحرر العربية.

وإلى جانب ذلك، فمن المهم كشف الجوهر الرجعي لفكر حركات الإسلام السياسي وعداء معظم أطرافها للديمقراطية وللتقدم، ومحاولتها فرض مشروعها لإقامة الدولة الدينية ووصايتها على الحريات الشخصية، وما تحمله من منظور متخلف للثقافة والفن والمرأة، وكذلك لابد من كشف المحتوى الطبقي الرأسمالي الطفيلي للقوى المتنفذة داخلها والنهج الاقتصادي الذي تتبناه، والدور الوظيفي الذي لعبته أو تلعبه مثل هذه الحركات.

وغير ذلك من المهم التوقف أمام النزعة الطائفية لحركات الإسلام السياسي، خصوصاً في مجتمعات متعددة الطوائف أو ثنائية الطائفة مثلما هي الحال في سورية والكويت والبحرين والعراق ولبنان على خلاف مجتمع أحادي الطائفة تقريباً مثل تونس، ذلك أنّ حركات الإسلام السياسي في مثل هذه المجتمعات المتعددة طائفياً أو ثنائية الطائفية تمثّل في حد ذاتها عاملاً لتعميق الانقسام الطائفي وتسييسه.

ولكن هذا كله شيء، ووصف حركات الإسلام السياسي بالفاشية الإسلامية شيء آخر مختلف، لأنه يقع ضمن مصطلحات لغة الهجاء السياسي، حيث يجب الانتباه إلى عدم ابتذال استخدام المصطلحات عندما لا تتوافر شروطها، وضمن ذلك مصطلح “الفاشية”، التي لم تتوفر في البلدان العربية والإسلامية شروط تشكلها، لأن الفاشية تعني تحديداً “عناصر رأس المال المالي الأشد رجعية وشوفينية وإمبريالية”، فالرأسمالية في بلداننا تابعة كمبرادورية والحركات الإسلامية في معظمها رجعية ومعادية للديمقراطية وتحمل مشروعاً متخلفاً لإقامة دولة دينية، ولكنها ليست فاشية بالمعنى العلمي.

أما استشراف الآفاق المستقبلية لحركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية عموماً فإنّه لا يمكن أن ينفصل عن ماضي هذه الحركات ومسيرتها التاريخية وواقعها الراهن وطبيعة المصالح والقوى الاجتماعية التي تمثلها، وفكر هذه الحركات، وتأثير ذلك على مواقفها واصطفافاتها والخلافات والتمايزات والفرز الذي يمكن أن يحدث داخلها… ولكن العنصر الأهم لاستشراف الآفاق المستقبلية لحركات الإسلام يتمثّل في مواقف وأدوار هذه الحركات في الصراع الدائر بالمنطقة، وتحديداً في التصدي للهيمنة الإمبريالية، وفي مقاومة الصهيونية، وفي الانحيازات والاصطفافات والتحالفات المتصلة بالقضايا والتناقضات الوطنية والسياسية والاجتماعية الكبرى… وهذا ما سيحدد طبيعة تناقضنا مع هذه الحركات وما إذا كان تناقضاً تناحرياً؟ أم غير ذلك؟

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة