
واشنطن تنتزع نفوذاً جديداً: اتفاق المعادن يضع الكونغو في دائرة الشراكة الأميركية ويُقيّد التمدد الصيني
يكمن الهدف الأساسي للاتفاق في تأمين إمدادات أميركية مستقرة من المعادن الحيوية في ظل المنافسة الجيوسياسية مع الصين
تبدو الأرقام جامدة أحياناً، لكنها في غزة تحكي مأساة تتجاوز الوصف، 61 مليون طن من الركام تغطي مساحة القطاع، ويُعتقد أن تحتها ما بين 11 و14 ألف مفقود (الغارديان، 2025). هذه الأرقام ليست مجرد بيانات إحصائية، بل معطيات من لحم ودم لفقدان أليم، علّق حياة الفلسطيني المكلوم خارج الزمن الطبيعي للموت. المفقودون هنا ليسوا نتيجة مجردة لحادث طبيعي أو كارثة بيئية يمكن معالجتها بسهولة كما هو في الظروف الطبيعية، بل تمَّ استهداف غيابهم ضمن بنية ممنهجة نتجت عن سياسات الحرب الصهيونية والإبادة الجماعية والمحو للإنسان الفلسطيني، شملت القصف المكثف الدموي، نسف المنازل عن بكرة أبيها، الحصار والتجويع، وقيودًا مفروضة بالقوة العسكرية على المعدات الإنسانية المنقذة للحياة والموت، ما حوّل حياة السكان في قطاع غزة إلى حالة مستمرة ومستدامة من العجز والانتظار المميت. في مثل هذه الأوضاع الكارثية، يتحول الركام المادي إلى شاهد صامت وذاكرة باردة، متشنجة، تكرّس الغياب القسري للأحباب من الأطفال والنساء والرجال والشيوخ، لتصبح كل زاوية منه شاهدة على العنف الاستعماري البنيوي والاضطهاد اليومي الهادم للكرامة الإنسانية للجسد المفقود.
مع تراكم الدمار، يمتد الفقدان إلى ما هو أبعد من الموت البيولوجي تحت الركام؛ غالباً ما يكون المفقود معروف الموقع دون القدرة على الوصول إليه. العائلات تعرف مكان أحبائها تحت الركام، تتذكر أصواتهم الأخيرة، لكنها عاجزة عن انتشالهم أو دفنهم، وهو ما يولّد حالة من العجز النفسي والاجتماعي ويؤخر أي محاولة للحزن أو التعافي. في هذا السياق، يصبح كل شارع مدمّر وكل مبنى منهار رمزاً للصدمة المستمرة، حيث تتداخل المأساة الفردية مع انهيار النسيج الاجتماعي بسبب النزوح الإجباري وفقدان الطقوس الاجتماعية للمواساة والعزاء، ويتحول الفقد إلى تهديد للأمان الوجودي للمجتمع بأكمله.
مأساة الفقدان في خصوصية الحالة الغزية
لفهم هذه الظاهرة، يمكن العودة إلى مفهوم الفقدان الملتبس أو “الغامض” الذي صاغته بولين بوس، ويشير إلى حالة تقع بين الغياب والحضور، حيث لا يمكن للأهل والأقارب إغلاق دائرة الحزن أو إتمام طقوس الوداع بشكل طبيعي. في غزة، يتخذ الفقدان الملتبس أبعاداً أوسع: المفقود قد يكون تحت الركام أمام نظر ذويه، أو معتقلا ًفي مكان مجهول، مع معرفة جزئية بمكانه دون القدرة على الوصول إليه. هنا، لا يعني الغياب اختفاء الجسد فقط، بل فقدان القدرة على تثبيت الحقيقة بين الحياة والموت وفقدان السيطرة على مصير الأسرة والمجتمع. الفقدان إذن أصبح ظاهرة استعمارية متوحشة، تتحرك ضمن استراتيجية سياسية ممنهجة لإطالة زمن التعرض للصدمة وجعل الحدث النفسي مفتوحاً بلا نهاية، وإحداث فجوة في البنية المعرفية والنفسية للفاقدين.
تتضاعف مأساة الفقدان مع خصوصية الحالة الغزية، نتيجة التعرض المزمن للغموض، إذ يظل المفقود معروف الموقع، ما يحوّل الحدث إلى حالة من الإجهاد المزمن السام، الحداد الطبيعي متوقف، والزمن النفسي للتشافي مُجمد تحت الركام، مما يعكس تأثره المباشر وغير المباشر على الهوية النفسية الفردية والاجتماعية، مما قد يعزز اضطرابات الهوية والقلق والاكتئاب بين عائلات المفقودين.
البيانات الميدانية توضح حجم الكارثة على الأرض: العائلات تبحث بأدوات بدائية مثل المجارف والمعاول وأيديهم أحياناً لتعويض غياب المعدات الثقيلة الممنوعة من الدخول. خلال أول 16 يوماً من الهدنة، استُخرجت 472 جثة شهيد بشكل بدائي، بينما أُعيدت 195 جثة شهيد فلسطينية من الأسرى المفقودين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، مقابل رفات رهائن وأسرى إسرائيليين كانوا مفقودين في غزة. هذه المعطيات لا تعكس فقط حجم الجريمة، بل توضح كيف تصبح عودة المفقود جزءاً من درب مليئة بالألم والانتظار لمن لم يحالفهم الحظ باسترجاع من فقدوهم.
إن سهولة استعادة جثث الجنود الإسرائيليين مقابل العجز الكامل للفلسطينيين عن استخراج جثامينهم تعكس احتكار الموت كوسيلة للسيطرة، وتفعل عدم التكافؤ في القيمة الإنسانية. ويُفهم منه كيف يُدار الزمن النفسي للعائلات وفقاً للتوازنات السياسية بدلاً من الواقع الإنساني، ويصبح حظر المعدات الثقيلة ومنع دخول أدوات تحليل الحمض النووي جزءاً من هذه السيطرة، فيما يؤدي انهيار المنازل والشوارع والمرافق العامة إلى تفكيك وتشظي معنى الحياة، ويُطيل زمن عدم اليقين، فيصبح الفقدان بنيوياً ومنهجياً جزءاً من الحرب نفسها مع سبق الإصرار والترصد.
نتيجة هذا الواقع هي تراكم الصدمات المتعددة: فقدان البيت والمكان يعني فقدان الهوية الرمزية والروابط الاجتماعية، وفقدان القدرة على حماية الأسرة يعزز شعور العجز واليأس. الحرمان من المعلومات الدقيقة حول المفقودين ومن وسائل الإنقاذ يُعمّق حالة اللايقين، بينما يشكّل الركام المستمر مصدر صدمة جماعية تمتد إلى المجتمع بأسره. كل ركام وكل شارع مدمر يصبح رمزاً للغياب المؤجل ولصدمة مستمرة، وكل حادثة وفاة محتملة وكل مكان مدمر يعيد إنتاج المأساة يومياً.
إن مطالبة الفلسطينيين بانتشال أحبائهم وحقهم في الحداد عليهم ودفنهم بكرامة واحترام ليست مجرد مطالب إنسانية، بل مقاومة إنسانية مشروعة كما هي حق سياسي وقانوني يسمح للفاقدين التحكم في زمنهم النفسي ومحاولة بالغة الأهمية في استعادة وكالتهم الذاتية على رواية الموت والحياة كأحد متطلبات العدالة الإنسانية والمسار نحو الشفاء والتعافي..
في هذا الإطار، تتضح الحاجة الملحّة لتوفير آليات علمية للتعرف على المفقودين، وإدخال معدات تحليل الحمض النووي وأدوات الإنقاذ الثقيلة لتسريع انتشال الجثث وتمكين العائلات من ممارسة حقها في الحداد، مع دعم نفسي واجتماعي مستدام عبر برامج إرشاد جماعية وفردية، إضافة إلى توثيق شامل للمفقودين والمتضررين لضمان حقوق العائلات أمام القانون الدولي، وإعادة بناء البنية التحتية الرمزية والاجتماعية لدعم جهود إعادة إعمار المساكن والمرافق العامة والمستشفيات، مع تعزيز الضغط الدولي لضمان الحق في المساواة في الوصول إلى الجثث كما باقي شعوب العالم.
تنفيذ هذه الإجراءات لن يعيد المفقودين فحسب، بل يتيح للفلسطينيين استعادة جزء من السيطرة على حياتهم النفسية والاجتماعية، وتمكين المجتمع من بدء رحلة الشفاء بعد سنوات من الفقد العميق والصدمات الممنهجة، وتحويل الغياب القسري إلى إدراك إنساني يسمح لهم بمواجهة الموت والفقد بطريقة إنسانية تقود نحو التشافي والتعافي المستقبلي.

يكمن الهدف الأساسي للاتفاق في تأمين إمدادات أميركية مستقرة من المعادن الحيوية في ظل المنافسة الجيوسياسية مع الصين

بلا شك، الخاسر الأكبر في 7 نوفمبر بنين. ففي بلد تتطلب فيه التهديدات الأمنية جيشًا موحدًا، بات الجيش أكثر انقسامًا من أي وقت مضى بين موالين ومتمرّدين. ومن الواضح أن الجيوش الأجنبية باستثناء حماية رئيس دولة لم يعد يثق بقواته لن تحل شيئًا. الرد لا يمكن أن يكون أمنيًا، فالحل الحقيقي سياسي.

أحدثت عملية طوفان الأقصى البطولية نقلة في مسار مقاومة العدو الصهيوني وما زال تأثيرها مستمراً، بما شكلته من تأكيد ضرورة مقاومة الاحتلال لتحرير الأرض وكشفت

المقاومة هي عامل قوة للبنان وهي متلازمة مع وجود الاحتلال، لذلك تبرز وبصورة ملحّة وعاجلة ضرورة التعبئة الوطنية للدفاع عن البلد ومصيره، ولا خيار إلّا المواجهة.



