العدوان الصهيوني على لبنان: الأهداف والمواجهة
في هذه المعركة المفتوحة، والطويلة، وبغض النظر عن مساراتها، ومراحلها، تترابط مسائل التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي ومواجهة السيطرة الإمبريالية وربيبتها الصهيونية، فلنكن على مستوى التحدّي.
هنا غزة. هنا صامدون مقاومون في أرضنا، باقون، نموت لأجل حقوقنا، ونحيا لتحرير فلسطين. تلك هي مشهدية شعب غزة المتعملق بكفاحه وصموده وإحتضانه والتحامه مع المقاومة الباسلة في مواجهة أعتى عدوان صهيوني – إمبريالي أميركي همجي غير مسبوق لتنفيذ أهدافه في اقتلاع الشعب الفلسطيني وتهجيره وتصفية قضيته، لتهويد فلسطين، كتتمة لصفقة القرن. لكن صدمة الثنائي الإرهابي غير مسبوقة أيضاً، بفعل العملية النوعية للمقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضي، وتأثيراتها ونتائجها المحققة. وفي مقدمها المباغتة واقتحام خطوط المحتل الصهيوني وتحصيناته وتعطيل تقنياته واختيار التوقيت المناسب للعملية البطولية في يوم “عيد الغفران”.
إنها المرة الأولى التي تتمكن فيها قوى المقاومة الفلسطينية، كقوة بهذا العدد والتنسيق والدقة من اختراق دفاعات المحتل الصهيوني والسيطرة على قواعده ومعسكراته والثبات في مواقعها والاشتباك لمدة من الزمن والعودة بغنائم ثمينة من الأسرى، وهذا لم يحصل سابقاً بهذا التنظيم والنوعية والقدر.
إنها العملية النوعية الصادمة التي أفقدت العدو الصهيوني توازنه وصوابه وجعلته في حالة إرباك ورعب حقيقيين، وأحدثت اختلالاً كبيراً في بنيته وتركيبته على كافة المستويات السياسية والعسكرية والأمنية والاجتماعية والنفسية. وهذا سبب من أسباب ردود فعله الهستيرية التي عكست بمجازرها وجرائمها ضد الأطفال والنساء والشيوخ وحشية فاقت وحشية النازية. بحيث لم يستطع لحد الآن استيعاب، وهضم، ما حصل في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة التي يعتبرها المحتل أرض دولته المصطنعة التي أعطيت له بموجب قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة سنة 1947، واعتبار هذه الأرض تقع في المجال الجغرافي من خارج الصراع المتنازع عليه، كون محل النزاع متعلق فقط بأراضي عام 1967 في الضفة والقطاع والقدس، والجولان السوري المحتل ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا والغجر في لبنان. لذلك، فإن عملية “طوفان الأقصى” داخل غلاف غزة كسرت المعادلات والمفاهيم وأحدثت تحولات يمكن الـتأسيس عليها في مجرى النضال الوطني التحرري الفلسطيني. وعلى أساس ذلك، هبَّ الأميركي بقدة وقديدة لنجدة قاعدته العسكرية الصهيونية، ومدها ودعمها بكافة القدرات العسكرية والسياسية والأمنية والاستخباراتية والمالية.. وإصطفاف الجوقة الأوروبية الأطلسية خلفه، وممارسة كافة التهديدات والضغوطات لمنع توسع الحرب في المنطقة، وتعميم نظرية “حق المحتل في الدفاع عن النفس” وتزويد الكيان الصهيوني ببطاقة خضراء لتشديد الحصار، وشن حرب التطهير والإبادة الجماعية وتدمير الحجر وحرق الشجر في غزة. لكن اعتماد سياسة الأرض المحروقة أحدثت تعديلاً وإرتفاعاً في منسوب المواقف المعارضة لهمجية المحتل الصهيوني، ودفع “الرأي العام” لكشف وجهه الوحشي الحقيقي، والتضامن مع نضال الشعب الفلسطيني وقضيته، تجلى هذا في الاحتجاجات والتظاهرات المليونية العارمة في عواصم ومدن العالم من اقصاه إلى اقصاه. هذا الحراك الداعم والمستمر ساهم في تعديل موازين القوى إلى جانب صمود ومقاومة غزة لمصلحة القضية الفلسطينية.
لقد تكشفت خلال العدوان الوحشي على غزة هشاشة القوانين الدولية والقانون الإنساني الدولي، ووقاحة ازدواجية المعايير، وعفونة أنظمة الخيانة والتطبيع العربية، وبلاهة المراهنين على تكرار تمرير التسويات السياسية الجزئية الخبيثة والساقطة بما فيها أطروحات حل الدولتين على شاكلة “دولة فلسطينية منزوعة السلاح” أو غيرها من الأفكار التي تدور في فلك المشروع الأميركي – الصهيوني.
لكن الفرز الحاصل فُرض بفعل الصمود الملحمي والمقاومة النوعية في مواجهة العدوان على مدى 48 يوماً. فمن جهة، ثبات الموقف التاريخي للكيان الصهيوني التوسعي الاستيطاني والعنصري وأهدافه في تصفية القضية الفلسطينية وشطب كافة حقوق الشعب الفلسطيني . والموقف التاريخي الفلسطيني الشعبي الذي قدم على مدى 75 عاماً، وما يزال، الأثمان الغالية من دمائه وممتلكاته وأرزاقه، ومن تحمل أشكال القهر والاعتقال والتعذيب والطرد والإبعاد والنفي.. مع تقدم في نوعية مقاومته من أجل تحرير كامل ترابه الوطني من جهة ثانية.
من خلال ذلك، يمكن تلمس التحولات التي أحدثتها مواجهة العدوان على غزة:
– لم يعد جائزاً قبول الإمبريالية الأميركية راعية في حل القضية الفلسطينية، لاعتبارها شريكة في العدوان على غزة. وفي الوقت ذاته، اعتبارها مصدراً للحروب والإرهاب. وإن مقاومتها واجب للقضاء على مشروعها الاستعماري في فلسطين المحتلة والمنطقة العربية برمتها.
– تحول القضية الفلسطينية إلى قضية “رأي عام” أممية، مع تأكيد المتضامنين على إتهام الكيان الصهيوني، بالفصل العنصري، وقاتل للأطفال، وخارج عن القوانين والقواعد الدولية الإنسانية، والمطالبة بحرية فلسطين. هذا الأمر يعزز في دفع المسار النضالي للقضية الفلسطينية وتقدمها نحو تحقيق الأهداف المنشودة.
– الاختلال الكبير الحاصل في بنية الكيان الصهيوني بعد انكسار هيبته وهالته، وإنكشاف وجهه الفاشي البشع. وتعمق مأزقه السياسي والعسكري والأمني والاجتماعي والنفسي.
– إنتهاء صلاحية إتفاقيات الذل والعار لكامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، وعمليات التطبيع مع الكيان الصهيوني، وسقوطها بالضربة القاضية أمام خيار المقاومة والإنتصار التاريخي المحقق. ومعها، إنتهاء صلاحية جامعة الدول العربية ومقرراتها الخلبية التي ماتت عند باب قاعة مؤتمر الدول العربية والإسلامية الأخيرة.
– الحاجة الضرورية لتوحيد الصف النضالي الفلسطيني المقاوم، وتوحيد الرؤية السياسية الكفيلة بتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في العودة وإقامة دولته الوطنية المستقلة على كامل ترابه الوطني وعاصمتها القدس.
ماذا بعد ، وما العمل؟
صحيح أن التحولات الحاصلة وازنة، لكن درب النضال طويل، والمعركة لم تنته بعد، رغم إذعان الكيان الصهيوني للهدنة وتمديدها، كسر الحصار وتبادل الأسرى، وإدخال بعض المساعدات، ورغم البحث عن مخرج لمأزق المحتل وحفظ ماء وجهه. لكن احتمالات نقل العدوان إلى الضفة الغربية كما يحصل اليوم في حصار المحتل لجنين ومخيمها.. وغيرها، أو على الساحة اللبنانية، تبقى احتمالات قائمة رغم تراجع حدتها. أما العملية السياسية وإن إنطلقت بقوة بعد الهدنة، لكن من المبكر الحديث عن التوصل إلى تسوية سياسية قريبة قبل قراءة ودراسة مفاعيل موازين القوى الميدانية الفلسطينية والإقليمية والدولية لبلورة التسوية المرحلية وترتيبها وتظهيرها وإخراجها بعد تدوير زوايا طرحها، والأخذ بعين الاعتبار مقاربة تحولاتها ومتغيراتها والعوامل المؤثرة في:
1- تفاقم تداعيات عملية “طوفان الأقصى” وأبعادها، داخل الكيان الصهيوني وشريكه الأميركي والأطلسي، ثم فشل أهداف العدوان الوحشي بفعل الصمود والمقاومة والمساندة والدعم الشعبي العربي والإقليمي والأممي.
2- كسر نظرية “الجيش الذي لا يقهر” من حيث أنه يشكل قوة عسكرية متقدمة ورادعة للمشروع الاستعماري الإمبريالي الأميركي في المنطقة، وضمانة لأمن واستقرار الرجعية العربية وأنظمتها الخيانية والمطًبعة.
3- قدرة ترتيب وتنظيم البيت الفلسطيني الداخلي، وتوحيد ومشاركة كافة فصائل المقاومة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية نضالية تمثل الشعب الفلسطيني. وهذه بدورها تشكل عاملاً مقاوماً في إحباط المناورات الرامية للهروب من الإعتراف بالحقوق الوطنية بحجة غياب المرجعية الوطنية الموحدة، وتقدم نفسها كإطار وطني فاعل على الساحة الفلسطينية والعربية والدولية، لتحقيق الأهداف ونصرة القضية.
هذه العوامل، إضافة إلى إنتظام صفوف قوى المقاومة ضمن “جبهة مقاومة وطنية عربية” بأفق مشروع ثوري لحركة التحرر الوطني العربية، من شأنها أن تثمر وتجذر الإنتصار التاريخي للمقاومة الفلسطينية في غزة، وأن تدفع بالمواجهة ضد المشروع الإستعماري الإمبريالي – الصهيوني – الرجعي العربي قدماً نحو التحرر الوطني، وفي المقدمة تحرير فلسطين وحق العودة وإقامة الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس. وعبر تلازم النضال الوطني والطبقي للتحرر من كل أشكال الاستعمار والاحتلال والتخلص من التبعية للإمبريالية وكل أنواع القهر
والظلم والاستغلال الطبقي المفروضة على شعوبنا العربية.
لأن القضية الفلسطينية، تحررية، مركزية، فإن العدوان الوحشي على غزة يستهدف تصفية الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه، فإنه أيضاً يستهدف المقاومة في المنطقة برمتها، ومن مقدمها لبنان ودوره وموقعه ومقاومته، لهذا فإن الشعب اللبناني بقواه السياسية الوطنية وبكل أشكال مقاومته يعتبر القضية الفلسطينية قضيته المركزية، وقد تعمد هذا الإرتباط بالدم والكفاح والمقاومة منذ النكبة مروراً بتشكيل “قوات الأنصار” في الجنوب، وعمليات “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية” والإسلامية حتى انجاز التحرير دون قيد أو شرط عام 2000، باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والغجر. وآخرها إرتقاء شهداء لبنان إلى جانب شهداء غزة في معركة التصدي والمقاومة للعدوان الصهيوني – الأميركي على غزة والضفة ولبنان. وعليه، فإن الساحة الوطنية اللبنانية هي جزء لا يتجزأ في المعركة التحررية، وفي النضال والتصدي والمقاومة الوطنية دفاعاً عن الوطن والشعب وتحرير ما تبقى من أراض تحت الإحتلال الصهيوني، ودعماً لصمود ومقاومة غزة، وللقضية الفلسطينية حتى التحرير. فالمعركة واحدة، والعدو واحد. والقضية هي قضية التحرر الوطني الجذري الشامل.
وبناء على ذلك، فإن مسؤولية القوى اليسارية العربية تاريخية في هذه المرحلة المفصلية، باتجاه تعزيز حضورها وموقعها للعب دورها الثوري الطليعي في استكمال معركة التحرر الوطني على امتداد الساحة العربية إلى جانب كافة القوى العربية والإقليمية والأممية المتضامنة والداعمة للقضية الفلسطينية ولحقوق الشعب الفلسطيني. ولحقوق شعوبنا العربية المتطلعة إلى التحرير والتغيير الديمقراطي. ونداء الحزب الشيوعي اللبناني الأخير حول تفعيل دور جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية يشكل الترجمة العملية للمهمة الثورية.
هذه هي الصفقة التحررية الوحيدة التي تليق بشهداء وصمود ومقاومة غزة.
في هذه المعركة المفتوحة، والطويلة، وبغض النظر عن مساراتها، ومراحلها، تترابط مسائل التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي ومواجهة السيطرة الإمبريالية وربيبتها الصهيونية، فلنكن على مستوى التحدّي.
دفاعاً عن حرية الصحافة وما تعرضت له الزميلة الصحافية هبة أبو طه في الأردن، من تضييق وتعسف، أصدرت ٢٤ منصة إعلامية حول العالم بياناً تضامنياً
منذ عام ونيف والعدو الصهيوني يشن حربه العدوانية، بدعم أميركي، على قطاع غزة ويمعن بالاستهداف المباشر للصحافيين وتعمد قتلهم أثناء قيامهم بواجبهم، ويستهدف، بشكل مباشر، مقرات المؤسسات الإعلامية، بهدف ترهيب الكلمة التي تكشف الإجرام الصهيوني
يستمر العدو الصهيوني في تعمده استهداف الصحافيين ومكاتب الإعلام وذلك لإرهاب الكلمة التي تنقل حقيقة مجازره وإجرامه ضد المدنيين في قطاع غزة المقاوم وفي لبنان.