الحرب لن تنتشل الكيان من مآزقه!

الطغمة اليمينية العنصرية والفاشية الأشد تطرفاً في كيان الاحتلال والعدوان تدفع المنطقة بأسرها كي تنزلق لقعر الهاوية بعد أن وضعتها على حافتها طيلة الوقت وخصوصاً في العام الأخير. هستيريا توسيع نطاق العمليات الحربية تستحوذ على عقول المسؤولين الصهاينة الأمنيين والعسكريين والسياسيين وتتحكم في سلوكهم اليومي تحت تأثير أوهام أن فائض القوة العسكرية التي لدى كيانهم قادرة على إلحاق الهزيمة بالمعسكر العربي المعادي، وأن الدعم الغربي الإمبريالي، وخصوصاً الأميركي غير المسبوق قادر على محاصرة وإحباط أي تحرك دولي، رسمي أو شعبي، يهدف إلى لجم التوجهات العدوانية لتل أبيب، ومنعها من تفجير الأوضاع في المنطقة. 

لجوء الكيان الصهيوني لتعطيل الجهود المبذولة لوقف العدوان على الشعب الفلسطيني في غزة وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، وللتصعيد على الجبهة الشمالية مع لبنان والإطاحة بقواعد الاشتباك مع حركة المقاومة اللبنانية يأتي ضمن سياق السعي المحموم لجر المنطقة لأتون حرب شاملة. 

الحرب هذه تتموضع على رأس أولويات رئيس حكومة الحرب والعدوان الصهيونية وأطراف داخل الائتلاف الحكومي وخارجه لأنها، أي الحرب، وفق منظورهم تشكل ضمانة أساسية لبقاء الائتلاف ورئيسه في السلطة، ولأنها وسيلة تسهم في تجميد أو تبريد التناقضات والصراعات الداخلية المتفاقمة والمستفحلة، ولأنها قد تحرف الانتباه عن أن يبقى مسلطاً فقط على قطاع غزة والضفة الغربية وعلى ما تنفذه سلطات الاحتلال فيهما من مجازر، وحرب إبادة، وتطهير عرقي وتهجير جماعي. 

مهّدت حكومة اليمين العنصري والفاشي الصهيونية لعدوانها العسكري الواسع ضد لبنان بتفعيل قدراتها التكنولوجية المتقدمة لتفجير أجهزة البيجر والأجهزة اللاسلكية بهدف القتل الجماعي لآلاف المواطنين اللبنانيين دفعة واحدة خلال دقيقة أو دقيقتين. وبالتزامن مع ذلك شنت حملة اغتيالات طالت عدداً من أبرز قادة المقاومة العسكريين معولة على إحداث صدمة في صفوف البنية القيادية للمقاومة وإشاعة أجواء من الرعب والترويع على أوسع نطاق في أوساط البيئة الحاضنة للمقاومة. 

وعندما تبين أن المقاومة اللبنانية نجحت في استيعاب صدمة اغتيال عدد من أبرز قادتها العسكريين، وأن البيئة الحاضنة لها اتسعت لتستقطب طيفاً وطنياً واسعاً عابراً للمذاهب والطوائف، وسعّت آلة الحرب الصهيونية من النطاق الجغرافي لعملياتها العسكرية لتشمل جميع المناطق المؤيدة والمتعاطفة مع المقاومة، متسببة خلال ساعات في ارتقاء أكثر من 500 شهيد وجرح ثلاثة أضعافهم أغلبهم من المدنيين، وأيضاً بهدف إحداث الصدمة والترويع.

التصعيد العسكري الصهيوني ضد لبنان يأتي على خلفية الفشل الذريع الذي لحق بجيش الاحتلال في تحجيم قوة الردع التي تتوفر للمقاومة اللبنانية والتي واصلت على مدار عام كامل توجيه ضربات نوعية موجعة للبنية العسكرية والأمنية الصهيونية التي عجزت إمكاناتها الهائلة وقدراتها التقنية العالية عن الحد من هذه الضربات، وثني المقاومة الوطنية اللبنانية عن مواصلة دعم وإسناد جبهة المقاومة في غزة، ما لم تذعن حكومة الاحتلال لمطلب وقف العدوان على غزة.

ورغم انقضاء عام كامل على الحرب الدموية التي أعقبت “طوفان الأقصى”، اتضح خلاله أن القصف الهمجي، والقتل الجماعي، والحصار القاسي، وحرمان الناس من أبسط مقومات الحياة، لم يمكّن آلة الحرب الدموية الصهيونية من تفكيك البنية التنظيمية والعسكرية للمقاومة في غزة وفي الضفة الغربية، وكسر شوكة تصديها لجحافل الغزاة، ومن إطلاق سراح الأسرى الصهاينة لدى فصائل المقاومة دون تفاوض، ومن فرض التهجير القسري على المواطنين الفلسطينيين في غزة باتجاه سيناء، توطئة لفرض التهجير على مواطني الضفة الغربية باتجاه الأردن، إلاّ أن المسؤولين الصهاينة لا زالوا تحت وهم أنهم بالقوة العسكرية الغاشمة وبالدعم الأميركي والغربي غير المسبوق، وبالتواطؤ الرسمي العربي سواء المباشر أو بالصمت، قادرون على سحق ظاهرة المقاومة في العالم العربي، وإملاء شروطهم، كما كان الحال في السابق، وتمرير مخططاتهم لتصفية القضية الفلسطينية باعتبارها قضية تحرر وطني لشعب (فلسطيني) يرزح تحت نير الاحتلال يتوق لإنهائه وممارسة حقوقه الوطنية العادلة كاملة غير منقوصة، وفي مقدمتها العودة وممارسة حق تقرير المصير على كامل ترابه الوطني، ولتحويل العالم العربي نهائياً وحصرياً إلى منطقة نفوذ وهيمنة ونهب إمبريالي صهيوني، تُجرَد أنظمة الحكم فيها من أي طابع وطني، وتغدو مجرد أدوات لإنفاذ التطبيع مع الكيان الصهيوني وخدمة المصالح والأطماع الإمبريالية الصهيونية. 

غير أن الزمان الذي كانت فيه الإمبريالية العالمية، وخصوصاً الأميركية، بالاعتماد على الكيان الصهيوني وعلى تعظيم قدراته، وشحن أطماعه في الاحتلال والتوسع وتغذية أوهامه التوراتية، وعلى تواطؤ الأنظمة التابعة لها في المنطقة، قادرة على تحقيق كامل أهدافها قد ولىّ إلى غير رجعة.

فالشعب الفلسطيني رغم الضربات الموجعة التي يتلقاها، والخسائر الفادحة التي يتعرض لها، يرفض بعناد الاستسلام لمشيئة أعدائه والخضوع لإرادتهم، ولا زال يبدي مقاومة تستحوذ على اعجاب العالم بأسره، وتستثير تعاطف وتضامن ملايين البشر في شتى أرجاء المعمورة.

كما أن الشعب اللبناني، بجميع مذاهبه وطوائفه يلتف وطنياً حول مقاومة آلة الحرب العدوانية الصهيونية، ولا ينثني أمام مجازرها المتنقلة، ويتحمل التكاليف الإنسانية والمادية الناجمة عنها بصبر ورباطة جأش، ويساند المقاومة في موقفها برفض الاستجابة للمطلب “الإسرائيلي” بالتخلي عن مساندة المقاومة الفلسطينية، نجاح المقاومة اللبنانية في الرد على استهداف النازية الصهيونية الجديدة للمناطق السكنية وتوجيه مختلف أنواع الأسلحة الفتاكة ضد المدنيين اللبنانيين باستهداف منشآت وقواعد ومؤسسات عسكرية ـ أمنية صهيونية حصراً، وتجنب استهداف المدنيين، يؤكد الفارق الشاسع بين أخلاقيات المقاومين وأخلاقيات كيان صهيوني همجي رفع الإرهاب إلى مصاف السياسة الرسمية، واعتمد  القتل الجماعي والترويع والتدمير الشامل سلوكاً يومياً على غرار عصابات القتل المنظمة.

كما لا يجوز الاستهانة بأي شكل من الأشكال بجبهات الإسناد العربية الأخرى المفتوحة في اليمن والعراق ولا بالدور الذي تضطلع به في لجم التوجهات العدوانية لحكام تل أبيب، وتملي عليهم التمعن في تداعيات أي مواجهة شاملة على كيان الاحتلال ومجتمعه. 

وكذلك لا يستطيع الغرب الإمبريالي بشقيه الأميركي والأوروبي أن يتجاهل إلى ما لا نهاية مواقف حركات التضامن في بلدانه التي يتعاظم تفهمها لعدالة القضية الفلسطينية، وتتسع نشاطاتها المعادية لحرب الإبادة الجماعية المفتوحة ضد الشعب الفلسطيني، والتي باتت تحمّل بصراحة أكثر من أي وقت مضى حكومة “إسرائيل” العنصرية الفاشية كامل المسؤولية عن الكوارث والمآسي الإنسانية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني وسائر الشعوب العربية. 

وهناك أيضاً التبدلات الجارية ولو ببطء على الصعيد العالمي، والتي تنزع من الغرب الأميركي والأوروبي المكانة التي تفرد بها طيلة عقدين من الزمان أعقبا تفكك الاتحاد السوفياتي وانهيار المنظومة الاشتراكية. فالعالم يسير حثيثاً نحو نظام متعدد الأقطاب، ستلعب فيه دول ترنو لإنهاء الهيمنة الأميركية على العالم، ولفرض قوانينها وأنظمتها عليه بديلاً للشرعية الدولية ولميثاق الأمم المتحدة. 

وستجد الأنظمة العربية نفسها أمام خيارين: أما البقاء في دائرة الخضوع لنظام الهيمنة الأميركي القديم، الذي يتآكل نفوذه، وتتراجع مكانته، وستتعرض حينها لنفس المصير، أو أن تعدل من توجهاتها وتنحاز للنظام الجديد بكل ما يقتضيه ذلك من تبديل في النهج والسياسات على مختلف الصعد. 

الحرب لن تنتشل الكيان الصهيوني من مآزقه، ولن تُخمد تناقضاته المحتدمة، ولن تعيد مستوطنيه إلى مساكنهم في الشمال أو في الجنوب، أو تطلق سراح أسراه لدى المقاومة الفلسطينية. وثبت أن فائض القوة التي يمتلكها تبقى عاجزة عن تحقيق أهدافه الاستراتيجية، حتى لو تمكن من تحقيق أهداف ذات طابع تكتيكي أو مرحلي، وسيبقى كياناً غريباً، منبوذاً ومحاصراً من شعوبنا العربية كافة دون استثناء.

Author

  • نضال مضيه

    نائب الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني، عضو هيئة تحرير جريدة الجماهير الأردنية

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

في الكيان الصهيوني.. الأندية الرياضية معامل لتفريخ الفاشية والعنصرية

لمن يمتلك معرفة، ولو محدودة، لواقع أندية كرة القدم ومشجعيهم الصهاينة، لكان لن يُفاجأ بما فعله مشجعو (مكابي تل أبيب) في أمستردام، بالعكس، لفوجئ كيف يمكن للسلطات الهولندية أن تسمح للآلاف من هؤلاء بالدخول لهولندا، وهم المعروفون بسلوكهم الغوغائي والعنصري والهمجي.

نظام الانتخابات الرئاسية الأميركية: هيمنة رؤوس الأموال وضرب لمفهوم التعددية الحزبية والديمقراطية الحقيقية وحقوق الطبقة العاملة

تتغنى الولايات المتحدة الأميركية بنظامها “الديمقراطي” وحرية الانتخابات فيها، والحريات والدفاع عن حقوق الإنسان فأين تلك الادعاءات والولايات المتحدة الأميركية حامية للاحتلال الصهيوني ومشاركة في حربه العدوانية على قطاع غزة ولبنان.

تصويت تاريخي: 187 دولة في الأمم المتحدة تطالب بإنهاء الحصار الأميركي الجائر على كوبا

صوتت الأمم المتحدة يوم الأربعاء 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على مشروع القرار المعنون ”ضرورة إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه حكومة الولايات المتحدة ضد كوبا“، حيث صوتت 187 دولة لصالح إلغاء هذه السياسة الأميركية المعادية .

احتدام حرب الجنرالات في السودان

تجددت الاشتباكات بين جنرالات الحرب في السودان الجنرال “حميدتي” قائد ميليشيا الدعم السريع، والجنرال البرهان قائد الجيش المختطف من الحركة الإسلامية، بشكل أكثر شراسة خلال شهر أكتوبر المنصرم على جميع محاور القتال، بخاصة في محوري الخرطوم وولاية الجزيرة.

[zeno_font_resizer]