أيقونة المقاومة الفلسطينية ليلى خالد في حوار خاص مع «تقدُّم»: عملية 7 أكتوبر بداية معركة التحرير والمقاومة بوصلتنا

انقضى أكثر من عام على عملية طوفان الأقصى البطولية، فيما تستبسل المقاومة الفلسطينية في مواجهة العدوان الصهيوني المدعوم من قوى الغرب الإمبريالي وعلى رأسها الولايات المتحدة.

أكثر من عام، والشعب الفلسطيني الأعزل يواجه يومياً ترسانة الأسلحة الصهيونية الأكثر تطوراً والأكثر دموية، وتستهدفه حرب إبادة جماعية وسياسة أرض محروقة همجية على مرأى الأعين، وسط دعم أميركي لا محدود للعصابات الصهيونية، بغية تصفية القضية الفلسطينية، وليس المقاومة فحسب، واقتلاعهما من الوجدان العربي. 

وها نحن نشهد توسع عنجهية العدوان الصهيوني الهمجي لتشمل شعوبنا العربية وقوى المقاومة في لبنان واليمن وسوريا والعراق، مخلّفة آلاف الشهداء، وعشرات الآلاف من النازحين، ودماراً هائلاً لم تشهده الإنسانية من قبل.

وسط هذا المشهد، نلتقي ليلى خالد أيقونة النضال الفلسطيني لتقدم في هذا الحوار الذي أجريناه معها خلاصة خبرتها النضالية ورؤيتها الثورية المفعمة بروح المقاومة والثقة بتحقيق النصر وتحرير فلسطين كل فلسطين، ولتضع أمامنا قراءتها للمشهد المقاوم المستمر منذ أكثر من عام في مواجهة العدوان الصهيوني على قطاع غزة الصامد، أثر طوفان الأقصى، التي تمثّل نقلة نضالية نوعية وتراكمية تضاف لمسيرة النضال الفلسطيني المقاوم وللتضحيات البطولية المتواصلة، بالإضافة إلى حديثها عن الحاضنة الشعبية للمقاومة ودور جبهات الإسناد في دعمها.

حاورتها الزميلة هلا عبدالله 

ليلى خالد تتصفح أعداد مجلة «تقدُّم»

عام على عملية طوفان الأقصى، ما هي برأيك آفاق تطورات العملية؟ 

ليلى خالد: هذا السؤال بالذات لا يمكن الإجابة عليه بشكل مطلق لأن الآن هناك تطورات تحصل على مستوى هذا المنظور، فأنا أصف عملية طوفان الأقصى بأنها بداية معركة التحرير، لأننا نحن شعب تحت الاحتلال، والمعركة جاءت وهي تحمل معها كل نضالات الشعب الفلسطيني وآن الأوان لأن ندخل من باب التحرير، فهذه ليست عملية عسكرية عادية، إنها عملية من أجل طرد المحتل من أراضينا، ولذلك سُميت بطوفان الأقصى، ولها هذه الدلالة أيضاً، أي الربط الجغرافي لأرض فلسطين، بمعنى أنه في الحالة الفلسطينية هناك غزة لوحدها والضفة لوحدها، فأتت عملية طوفان الأقصى لتربط جغرافيا فلسطين فهي عملية تعبر عن وحدة شعبنا وهدفه ومصيره الذي هو النصر، فالشعب الفلسطيني لا توجد أمامه عدة خيارات، ما يوجد أمامه “الاستسلام” أو النصر، والشعب الفلسطيني سينتصر قطعاً. 

عملية طوفان الأقصى هي بداية معركة التحرير، لأننا نحن شعب تحت الاحتلال، والمعركة جاءت وهي تحمل معها كل نضالات الشعب الفلسطيني وآن الأوان لأن ندخل من باب التحرير، فهذه ليست عملية عسكرية عادية، إنها عملية من أجل طرد المحتل من أراضينا.

لقد جاءت عملية طوفان الأقصى لتفجر في شعبنا، أيضاً، مكامن القوة التي يحملها وهي: وحدة الشعب ووحدة المصير ووحدة الهدف، ولا يمكن أن تنفصل عن بعضها، ولذلك فإن هذه العملية جاءت لتجسد وحدة الشعب الفلسطيني حتى وإن كان مشتتا جغرافياً، وبالتالي الجغرافيا لم تقف في وجهنا كعائق إلَّا في بعض الأحيان، لكن هذا التطور الذي يحدث الآن يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أكثر من عامل، العامل الأساسي هو بقاء المقاومة وصمود الشعب، هذا هو الأفق الذي نراه الآن. إن التدخلات الخارجية وتعقيدات المشهد الفلسطيني ووضع الحركة الوطنية الفلسطينية وما يحضر ضد شعبنا، وما نراه من إبادة جماعية وإجرام كل ذلك يواجهه الشعب الفلسطيني بالصمود وبقاء المقاومة وهو ما يجسد المؤشر الحقيقي لآفاق تطور عملية طوفان الأقصى فنحن نرى كيف التحم الشعب الفلسطيني في وحدة ميدانية، بخاصة داخل فلسطين، كما نرى أن آفاق هذا التطور تتمثل فيما يجري على أرض الضفة الغربية التي هي، أيضاً، جزء من طوفان الأقصى وما يحاك لمدينة القدس وللأقصى أيضاً. كل ذلك يعطينا الإمكانية لنرى بوادر النصر من خلال ليس فقط أن شعبنا يقاوم بمقاومة فعالة، ويخوض منذ عام ونيف، لأول مرة في تاريخه، مواجهات ضد عدونا على أرض فلسطين، بل إلى جانب ذلك هناك شيء آخر هو تحرك الجبهات العربية المساندة لقضيتنا، ممَّا يعطي المزيد من الدعم للمقاومة ولصمود الشعب الفلسطيني، لذلك أنا لا أرى غير نهاية واحدة في هذا النفق هي النصر، لا هو ليس نفقاً، فهذه العملية فتحت الباب أكبر، أوسع كي ننتزع حقوقنا بأيدينا كشعب وكمقاومة، ولذلك ما زلنا نأمل كثيراً أن نصل إلى هذا المستوى ونمنع أي تدخلات تعطي نتائج سلبية، أي ما نربحه في الميدان يجب أن لا نخسره في السياسة. 

كيف تقرأ ليلى خالد دور جبهات الإسناد في دعم المقاومة الفلسطينية ضد العدوان الصهيوني المستمر منذ عام على قطاع غزة؟ 

ليلى خالد: أظهرت جبهات الإسناد أن القضية الفلسطينية هي المحفز لقوى خارج فلسطين، مناهضة للعدو وتؤمن بالكفاح المسلح، مثلاً في لبنان بدأت المقاومة، في ثاني يوم من عملية طوفان الأقصى (8 أكتوبر)، تأخذ طريقها ضد هذا العدو، وأيضاً اليمن، لأول مرة في التاريخ يُغلق البحر الأحمر أمام السفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني، وهناك أيضاً المقاومة في العراق التي ترسل ما بين الفينة والأخرى بعض المسيرات وتطلق بعض الصواريخ خاصة إلى جنوب فلسطين في الفترة التي بدأت فيها عملية طوفان الأقصى، ولذلك فإن هذا الدعم يعطي مفعوله العميق والعالي في المواجهة خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن محور المقاومة لا يضم فقط المقاومة الفلسطينية ولكنه يضم أيضاً الجبهة اللبنانية واليمنية والعراقية وإيران، لذلك أقول إن هذه الجبهات أعطتنا قوة أكبر للاستمرار في هذه المعركة بالرغم من كل ما يحاك لنا، بهذا الوضع، من تآمر على قضيتنا وعلى شعبنا. ولجبهات الإسناد دورها الكبير أيضاً في استمرار المقاومة واستمرار الصمود الفلسطيني الذي وصل إلى حد الأسطورة. لم يشهد تاريخنا الفلسطيني هكذا وضع، لكنه جاء نتيجة، أيضاً، لكينونة الاستعمار الصهيوني على أرضنا، هذا يعطينا إمكانية أكبر أن نستمر ليس بعملية هنا وعملية هناك ولكن بملحمة، هذه ملحمة تاريخية تساوي في المنظار السياسي الانتفاضة، انتفاضة 87 التي لم يكن يتوقعها أي أحد ولذلك فإن هذه الانتفاضة هي، أيضاً، أحد أشكال الابداع الفلسطيني في المقاومة، وهنا أقول إنه عندما نجد من يسند ظهرنا ونشترك جميعاً في هذه المعركة تحت نفس العنوان “طوفان الأقصى” فإن ذلك يعطينا في الآخر إمكانية أن نرى نهاية النفق. 

أظهرت جبهات الإسناد أن القضية الفلسطينية هي المحفز لقوى خارج فلسطين، مناهضة للعدو وتؤمن بالكفاح المسلح.

يشن العدو الصهيوني غارات إجرامية متتالية على لبنان، وأقدم على اغتيال قادة من المقاومة اللبنانية والفلسطينية. كيف تقرأ ليلى خالد العدوان الصهيوني على لبنان، وما هي أهدافه؟ 

ليلى خالد: هذا العدوان لم يبدأ بهذا التاريخ، وإنما بدأ منذ زمن بعيد، منذ احتلال العصابات الصهيونية أرض فلسطين وإنشاء الحركة الصهيونية دولة سمتها “إسرائيل” على حساب شعبنا وعلى حساب أمتنا، هذا يعني، فيما يعنيه، من سوف يكون على جدار الحدود التي رُسمت لدولة “إسرائيل”. هناك من قال “لا” لهذا الكيان، وكان ذلك في لبنان وما زال حتى هذه اللحظة يقول “لا”، لنتذكر بأن لبنان قد تعرض لأكثر من حرب شنها جيش الاحتلال في 92 وفي 96 وأيضاً احتُل الجنوب اللبناني، لكن هذا الجنوب تم تحريره بفضل المقاومة.

الآن نشهد أيضاً هجوماً شرساً حادا وحشيا، جنود الجيش الإسرائيلي يقتلون البشر في غزة، وما زالوا حتى الآن يمارسون هذا القتل، يقتلون الحاضنة الشعبية وذلك أيضاً هو الحال بالنسبة للبنان مع اختلاف الوضع السياسي في الدولة اللبنانية، إلَّا أن “حزب الله” أثبت جدارته في مواجهة هذا العدو وآخره بعد التحرير في سنة 2000، وفي عام 2006 انتصر لبنان.

نقول هذا الكلام، كي نقرأ كيف أصبح العدو، يفكر الآن، ما زال يفكر بوجود “نصر” له، مثل ما قال نتنياهو أمام الأمم المتحدة “أنا أريد أن أغير خريطة الشرق الأوسط”، وكما يفعل في غزة، ولكن جيشه بدأ يتذمر، قيادة الجيش في “إسرائيل” تتذمر، لماذا؟ لأنهم لا يرون جيشاً أمامهم، يرون الناس يطلقون النار عليهم، كذلك الأمر في لبنان.

ولذلك يفكر العدو الآن بتطبيق فكرة ان المقاومة يجب أن تموت، كفكرة، وهذا يوحدنا في الرؤية ضد العدو. أي أن من يقاتل في جنوب لبنان، ومن يقاتل في الأرض الفلسطينية، عندهم نفس الشيء، الفكرة، بمعنى أن ندافع عن فكرة المقاومة. لقد أعلن العدو أكثر من مرة أنه “يريد أن يكوي وعي الفلسطيني”، هذه هي العبارات لقيادات العدو السياسية والعسكرية في فلسطين المحتلة، لكن في نفس الوقت، عندما لا  يتمكنون من إنهاء المقاومة سواء في فلسطين أو خارج فلسطين – والمقصود فيها حالياً لبنان كونه يتعرض لنفس العدوان – يكون إنهاء الفكرة يعتبر نصراً بالنسبة لهم، لكنهم خلال كل تاريخنا لم يتمكنوا من ذلك، حتى لو لجأوا لأسلوب الاغتيالات للقيادات، الآن نرى ذلك بشكل واضح في لبنان، فقد ظنوا أنهم يستطيعون إنهاء هذا الحزب المقاتل تاريخياً، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك، ولن يتمكنوا، فمن الممكن أن تكون المقاومة في مرحلة معينة قد وصلت لمرحلة الحاجة إلى “استراحة محارب”، لكن هنا في المنطقة، المحارب ما زال يحارب، البنيان لم يسقط، تاريخنا شهد اغتيال العديد من قياداتنا سواء الفلسطينية أو العربية ولكن مشهود له بأن المحارب بقي يحارب، من هذا المنطلق أقول إنهم حتى لو فعلوا ما فعلوه في لبنان باغتيال السيد حسن نصر الله كقائد للمقاومة، وهو رمز كبير، وهذا يحزننا لكن هذا الاغتيال لا يهز من عزائمنا، هذه هي الفكرة، وهكذا يجب أن نتصرف.

والآن، استشهد الأخ الكبير المقاوم يحيى السنوار وهو يقاتل إنه أول قيادي عربي وفلسطيني يستشهد في أرض الميدان وهو القائد الأول لتنظيمه، المقاومة لن تتوقف باستشهاده لأنه لا يمكن لشعبنا أن يتوقف عن الولادة، فلسطين “مش عاقر”، المقاومة “مش عاقر”، المقاومة محمية بالحاضنة الشعبية، لم نر أحداً يرفع الراية البيضاء، لن يتمكن نتنياهو أو غيره من تحقيق ما كانوا يريدونه سواء أكان “النصر المطلق” أو “تغيير خارطة الشرق الأوسط”.. يريد ويريد ويريد، وينكل بشعبنا ويقتل شعبنا، ولكن من المستحيل أن يحقق ما يريده، وستبقى المقاومة قادرة على المواجهة، والعدو سيتعب، وجزء منهم بدأ فعلاً بالهجرة من الأراضي المحتلة، لأنه في النهاية هذه ليست أرضهم، هذه الأرض لنا ونحن ندافع عنها بكل ما أوتينا من قوة.

الكوفية رمز الكفاح المسلح الفلسطيني ورمز شعار فلسطين من النهر للبحر، اليوم نرى الكوفية يرفعها طلاب أهم الجامعات في أميركا ويرددون الشعار، في حراكهم وهو مشهد نراه أيضاً في العديد من الدول الأوروبية ضد موقف أنظمتهم السياسية الداعم للكيان الصهيوني. إلى ماذا يؤشر حراك الطلاب في أميركا وأوروبا، ولا ننسى أيضاً موقف العديد من النقابات العمالية والعمال ورفضهم لتحميل السفن التي تنقل أسلحة القتل إلى العدو الصهيوني؟ 

ليلى خالد: أعتقد أن معركة طوفان الأقصى أظهرت للعالم أجمع حقائق هذا الصراع وتم التعبير عن ذلك في العديد من الدول. العالم كان يؤيدنا كمقاومة ويؤيد المقاومة اللبنانية ويؤيد أي مقاومة لأي شعب، لكن طوفان الأقصى جعل الآلاف المؤلفة من البشر تخرج إلى الشوارع، بما فيها انتفاضة الطلاب في أهم جامعات الولايات المتحدة الأميركية، أي في موقع مصدر الخطر، أميركا لأنها هي من تشعل الحروب على الشعوب، فالطلاب لهم وسيلتهم في دعم القضية من خلال حمل الأعلام الفلسطينية وارتداء الكوفية ليؤكدوا موقفهم الداعم لنضال الشعب الفلسطيني. وفي نفس الوقت كشف طوفان الأقصى الوجوه والأقنعة كلها، بعض الأنظمة العربية متخاذلة بل ومتواطئة مع أعدائنا. كشف بشاعة هذا العدو الذي لا أجد الكلمات التي تعبر عن وصف أعدائنا وحجم الإجرام الذي وصلوا إليه. أعداؤنا الآن “رافعين العصاية عشان يرغموننا على الاستسلام”، العصاية هنا مثال رمزي طبعاً. لن نستسلم.

غزة مساحتها حوالي 365 كم2 وفيها 2 مليون و500 ألف إنسان، لكنها أصبحت مساحة العالم، ليس جميع الناس يعرفون غزة، الذين في اليابان أو الجالسين في فانكوفر، مثلاً، لا يعرفون غزة، ولكنهم الآن عرفوا الحقائق. وهذه أهمية طوفان الأقصى في أحد جوانبه.

ويرافق هذا العمل المقاطعة، التي أصبحت سلاحاً آخر للشعوب لتحمل الفكرة ولتؤيد الفكرة وتدعم الفكرة بمعنى أن لنا الحق في أن نستعيد أرضنا بالكفاح المسلح، وعندما يخرجون فهم يرفعون شعار “الكفاح المسلح هو الطريق إلى تحرير فلسطين”، وهذا ما رأيناه في العديد من المظاهرات الطلابية. لكن للأسف، لم تعبر شعوب الأمة العربية بما تستحقه القضية الفلسطينية وبحجم ما يجري على أرض فلسطين من إبادة جماعية.

“إسرائيل” تعتبر نفسها دائماً فوق القانون الدولي، والكل عندما يخاطب العالم يقال له إن “إسرائيل” فوق القانون الدولي أو لا تستمع للقانون الدولي.

إذن، من يستمع للقانون الدولي وكيف يُستمع للقانون الدولي عندما تكون الدماء شلالات على أرضنا؟

لذلك أقول لكل المنظومة السياسية والإطار السياسي العام لتركيبة هذا العالم آن الأوان لأن تتوقف الولايات المتحدة الأميركية عن أن تكون سيدة على هذه المنطقة…

وأقول لشعوبنا العربية، عليكم أن تنتبهوا وتعرفوا الدرس جيداً، لأننا نخشى ما نخشاه أن يقال فيما بعد “أُكِلْتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض”.

معركة طوفان الأقصى أظهرت للعالم أجمع حقائق هذا الصراع وتم التعبير عن ذلك في العديد من الدول. العالم كان يؤيدنا كمقاومة ويؤيد المقاومة اللبنانية ويؤيد أي مقاومة لأي شعب، لكن طوفان الأقصى جعل الآلاف المؤلفة من البشر تخرج إلى الشوارع، بما فيها انتفاضة الطلاب في أهم جامعات الولايات المتحدة الأميركية، أي في موقع مصدر الخطر، أميركا لأنها هي من تشعل الحروب على الشعوب.

تكلمنا عن المقاومة وملاحمها ضد العدوانية الصهيونية، ماذا تقول ليلى خالد عن الحاضنة الشعبية للمقاومة، الشعب الفلسطيني؟ 

ليلى خالد: في تاريخنا النضالي كشعب، كانت للمقاومة دائماً حاضنة شعبية، وتختلف من مرحلة إلى مرحلة، أي أنها لا تبقى بنفس المواصفات ففي فترة من الفترات نراها تحمل المقاومة وتحميها، مثلما نراه على أرض غزة وفي الضفة وفي الجنوب اللبناني.

نعم، في هكذا ملاحم وبدون الحاضنة الشعبية وبقوة شعبها، لا يمكن للمقاومة أن تستمر بهذا المستوى، هناك ناس يشاركوننا المقاومة، لكن إجمالاً الشعب الفلسطيني هو الحاضنة الشعبية، وأيضاً له الحاضنة العربية الممثلة في الشعوب العربية، هذه الشعوب الواقعة تحت استبداد لا مثيل له. 

الحاضنة الشعبية مهمة، وهي تتعرض طبعاً للإغراءات وللأوهام، فهناك ناس يتحدثون عما سوف يحصل ولكن طالما هناك مقاتل ما زال يحمل السلاح ويحمي الأرض والشعب فإن هذه الحاضنة الشعبية لن ترفع الراية البيضاء.

عمليات فدائية ضد جيش الاحتلال، عمليات خطف طائرات للتعريف بالقضية الفلسطينية وتحرير الأسرى من سجون العدو الصهيوني، 1987 انتفاضة الحجارة، كلها أشكال من مقاومة العدو، المناضلة ليلى خالد ما الجديد الذي أحدثته عملية طوفان الأقصى في مسار المقاومة الفلسطينية وأشكالها؟ 

ليلى خالد: ممَّا لا شك فيه أنه عندما نتكلم عن المقاومة الفلسطينية، فإننا نتكلم عنها كوسيلة وكشكل من أشكال نضالات الشعوب التي سبقتنا، إنها حرب التحرير الشعبية التي هي بمثابة السلاح الأمضى في مواجهة عدو أكثر قوة منا سواء من الناحية العسكرية أو التكنولوجية … إلخ  

نعم نحن بدأنا القيام بعمليات فدائية وانتشرت الفكرة وتم الاعتراف بها من قبل شعوب الأرض ومن قبل شعبنا وأهلنا الموجودين داخل فلسطين المحتلة، الذين استمروا بحملها وتحمل تبعاتها التي وصلت اليوم إلى مستوى لم نشهد له مثيلاً، فما يحدث اليوم هو حرب إبادة جماعية. 

لكن ماذا كان جواب المقاومة على حرب الإبادة الجماعية؟ وماذا كان جوابها لبعض الدول العربية التي تفاوضها وللولايات المتحدة؟ قالت إن عليهم مفاوضة شعبنا ليس من خلال أوسلو، قالت إن عليهم مفاوضة المقاومة التي اتخذت قراراً موحداً هو حمل السلاح، اتخذت قراراً موحداً هو وقف إطلاق النار، وانسحاب جيش الاحتلال من داخل قطاع غزة، وتبادل الأسرى، وإعادة إعمار غزة، هذه المطالب في طوفان الأقصى لم يتغير فيها ولا حرف واحد، وقد قدم للمقاومة العديد من المقترحات ولكن كان فيها العديد من الألغام السياسية ولذلك كانت ترفض، وعندما يقال “حماس” فإن معها المقاومة الفلسطينية، ونحن كفصائل مقاومة فلسطينية مسلحة نلتقي على هذه المطالب ولا نغير فيها، فبعد كل هذا الدم لا يجرؤ أي مقاتل أو قيادي على تقديم تنازل، لأنه بذلك لا يتنازل عن الأرض وحسب بل عن الدم أيضاً، وبالتالي فإن الطرح يكون من أن لدى الشعب الفلسطيني ابداعات، انتفاضة العام 1987 التي وقف لها العالم وقفة تحية كبيرة، ونحن نتذكر كيف خرج الآلاف إلى الشوارع تأييداً للانتفاضة، حتى ان كلمة الانتفاضة دخلت إلى لغات العالم. هذه الانتفاضة كانت في مرحلة سابقة، واليوم تتوج كل هذه النضالات في عملية طوفان الأقصى لأنه كما ذكرت عملية طوفان الأقصى ليست عملية عسكرية عادية بل معها فكرة الوصول إلى تحقيق هزيمة هذا العدو وإخراجه من أرضنا، وعلى الرغم من كل المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال ومعه كل أسلحة أميركا والغرب المنافق، فإننا لن نتوقف عن مقاومة جيش الاحتلال. وهنا أود طرح سؤال على الأنظمة العربية ما سوف تفعلون إذا قصفت “إسرائيل” الأقصى؟، والسؤال نفسه أطرحه على الدول الإسلامية. نحن، طالما هناك مقاومة،  لن نسمح “لإسرائيل” بذلك، فهذه الحكومة الصهيونية المجرمة الإرهابية القبيحة صفاتها لا تقتصر فقط على قيادتها بل أيضاً جمهورها مثلها هو موافق على الدم ويؤيد استمرار الحرب ضد فلسطين وضد لبنان في آن واحد، في المقابل نقول نحن اخترنا مسار المقاومة ولسنا أول من اخترع مسار المقاومة المسلحة كطريق للتحرير بل الشعوب سارت على هذا الدرب في أكثر من بلد، وعليه أرى أنه علينا الدخول، بالوقت نفسه، في معركة الوعي، التي لا تنفصل عن المعركة على أرض الميدان، فالمعركة على الأرض لها طابعها العسكري ونحن في الخارج علينا رؤية أن دورنا هو الوقوف مع الشعوب التي ساندتنا ونقول لها شكراً ونطالبها بالمزيد لأننا لا نريد أن تنتهي الأمور وكأن الصراع هو فقط بيننا وبين هذا الاحتلال، لأن المحتل الصهيوني هو ضد كل شعوب العالم ولذلك عليها الانتباه إلى حقيقة المحتل الصهيوني، فنحن نخوض معركة الوعي التي بدأت بشائرها تظهر علانية  منذ طوفان الأقصى وذلك عندما يصف المتظاهرون دولة الاحتلال بالنازية الجديدة أو الفاشية.  

في النهاية نحن سوف ننتصر وأقول ذلك وأنا على قناعة تامة منه نحن من سوف يصنع التاريخ ونحن أهل لذلك وسوف نقوم به.     

المقاومة اتخذت قراراً موحداً هو وقف إطلاق النار، وانسحاب جيش الاحتلال من داخل قطاع غزة، وتبادل الأسرى، وإعادة إعمار غزة، هذه المطالب في طوفان الأقصى لم يتغير فيها ولا حرف واحد.

ما هي الرسالة التي توجهها ليلى خالد للشعبين الفلسطيني واللبناني، وللمقاومة ضد العدو الصهيوني؟ 

ليلى خالد: أنا كجزء من هذا الشعب وبدأت العمل الوطني مبكراً، وبحكم تجربتي أرى، الآن، وبالذات في هذه المرحلة، أن كل الدوائر الامبريالية ومعها أتباع عرب يرسمون الخطط لإنهاء الحرب لتكون “إسرائيل” هي المنتصرة، حتى لو لم يقولوا ذلك، نحن نعرف ذلك، فأميركا ماذا تفعل؟، إنها حتى في التفاوض تعمل مشروعها المبني بأساسه على المشروع الصهيوني، السيطرة على العالم، وإلا من كان سوف يقوم بهذه الحروب، يكفي انه حصل الآن فرز المواقف، وهو الفرز الذي فعله طوفان الأقصى. هناك خندقان: خندق المقاومة وخندق العدو لا توجد مساحة رمادية بينهما، هذا الفرز يعطينا الامكانية لكي نحدد من هو معنا ومن هو ضدنا، ونحن نرى بأن العالم يرفع رايات التأييد لنا.

هناك خندقان: خندق المقاومة وخندق العدو لا توجد مساحة رمادية بينهما، هذا الفرز يعطينا الامكانية لكي نحدد من هو معنا ومن هو ضدنا، ونحن نرى بأن العالم يرفع رايات التأييد لنا.

يجب على الشعب الفلسطيني واللبناني وكل العرب أن يعرفوا حقائق هذا الصراع، وبطبيعة الحال انفرزت هذه المسألة، لكن هذا يجب أن يبنى على إنجازات مثلما بُني وطُبق القانون الطبيعي، فالتغيير يحصل عندما يكون هناك تراكم حيث أن التراكم من الإنجازات هو الذي يؤدي إلى التغيير النوعي وليس إلى التغيير الكمي.

التغيير الكمي رأيناه بأعيننا، الآن هذا التغيير يحتاج إلى وقت من أجل أن نصل إلى التغيير النوعي ولا يجب أن نيأس.

أقول هذا الكلام وكل يوم قلبي يبكي كلما أرى أطفالاً يقتلون، ونزعل على الشهداء لكن نحن نسير في طريقهم، ونريد أن نحمي الأجيال القادمة من هذا المعسكر المعادي للشعوب، المعسكر الأميركي – الصهيوني، علينا أن نعد العدة وكل جيل يسلم الراية للجيل الثاني.

عندما أرى أطفالاً يرفعون علم فلسطين ويهتفون لفلسطين أقول وصلت الرسالة، والشباب الآن يلعبون دوراً جيداً في إيصال رسالة دعم فلسطين. 

لقد اعتاد الأميركيون والإسرائيليون على تسوية تحصل معهم و”يمشي الحال”، ولكن هذا الحال الذي اعتادوا عليه لن يحصل وحتى لو حصل فإن المقاومة سوف تعود لتصحيح المسار وهذا ما يجب أن يكون، على هذا الأساس أخاطب شعبنا وأقول له إن ما رأيناه في هذه المرحلة غير الذي كنا فيه في مرحلة سابقة، فنحن لم نشهد التضامن العالمي مثلما يحصل اليوم. لقد آن الأوان كي نستعيد حقوقنا ننتزعها ولا نطلبها من أحد، والأمر نفسه بالنسبة للبنانيين، فالشعب اللبناني اختلط دمه مع دم الشعب الفلسطيني والتحم معه على أرض فلسطين، وكان يوجد العديد من المعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية اطلق سراحهم فيما بعد، لذلك نحن نقول، دائماً، إنه طالما يختلط الدم العربي من شارع إلى شارع ومن مدينة إلى مدينة، فإننا بخير وسنحرز النصر لأننا نستحقه، نحن كأمة نستحق الحياة بكرامة، وطوفان الأقصى ولّدَ صاعق هذه الحركة الحق في الحياة بكرامة، وسنرى مع مرور الوقت ماذا جنينا وماذا جنت المقاومة سواء في فلسطين أو لبنان أو اليمن أو العراق أو أي بلد آخر، الواضح تماماً اننا نمشي على الخط الصحيح: مقاومة، توعية، تنظيم. سنصل إلى هدفنا وستصبح العوائق أقل كلفة علينا.   

طالما يختلط الدم العربي من شارع إلى شارع ومن مدينة إلى مدينة، فإننا بخير وسنحرز النصر لأننا نستحقه، نحن كأمة نستحق الحياة بكرامة، وطوفان الأقصى ولّدَ صاعق هذه الحركة الحق في الحياة بكرامة.

ختاماً، كلمة توجهينها لمنصة «تقدُّم» ؟

ليلى خالد: أولاً أقول أهلاً وسهلاً بمجلة «تقدُّم» التي تعبر عن موقف جريء وواع من شباب وصبايا الكويت، الكويت مختلفة عن بقية دول الخليج، فأنا عشت فيها حوالي 6 سنوات، وكنت دائماً أجد أن هناك من يؤيد الشعب الفلسطيني من تلميذاتي اللاتي درستهم، وكانت هناك حركة وطنية فاعلة نشطة في الكويت منذ أيام حركة القوميين العرب وما بعد ذلك، والكويت تستطيع أن تُخرِج أيضاً رفيقات ورفاق يحملون راية التقدم، فالتقدم يشمل فيما يشمله كمعنى مواجهة كل التحديات وتقديم الشيء الجديد. 

أنتم الآن تفعلون هذا الشيء الجديد في «تقدُّم»، ويعطيكم ألف عافية وستظلون شوكة من الأشواك التي نواجه فيها الأعداء لأنه يجب ان يعرف الأعداء أن الإنسان قضية، والقضية هي الإنسان هذه هي مقولة غسان كنفاني. ولذلك فإن الإنسان في الكويت يتفاعل مع محيطه ويقيم الحد على من لا يرضى به.

أقول لهيئة التحرير أتمنى عليكم أن تستمروا في هذا الإنتاج، فنحن لدينا معركة الوعي وما تصدرونه في الكويت هو أحد الدلائل على السير في هذه المعركة. 

اضغط هنا للاستماع لرسالة المناضلة ليلى خالد للكويت و «تقدُّم»

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

في الكيان الصهيوني.. الأندية الرياضية معامل لتفريخ الفاشية والعنصرية

لمن يمتلك معرفة، ولو محدودة، لواقع أندية كرة القدم ومشجعيهم الصهاينة، لكان لن يُفاجأ بما فعله مشجعو (مكابي تل أبيب) في أمستردام، بالعكس، لفوجئ كيف يمكن للسلطات الهولندية أن تسمح للآلاف من هؤلاء بالدخول لهولندا، وهم المعروفون بسلوكهم الغوغائي والعنصري والهمجي.

نظام الانتخابات الرئاسية الأميركية: هيمنة رؤوس الأموال وضرب لمفهوم التعددية الحزبية والديمقراطية الحقيقية وحقوق الطبقة العاملة

تتغنى الولايات المتحدة الأميركية بنظامها “الديمقراطي” وحرية الانتخابات فيها، والحريات والدفاع عن حقوق الإنسان فأين تلك الادعاءات والولايات المتحدة الأميركية حامية للاحتلال الصهيوني ومشاركة في حربه العدوانية على قطاع غزة ولبنان.

تصويت تاريخي: 187 دولة في الأمم المتحدة تطالب بإنهاء الحصار الأميركي الجائر على كوبا

صوتت الأمم المتحدة يوم الأربعاء 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على مشروع القرار المعنون ”ضرورة إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه حكومة الولايات المتحدة ضد كوبا“، حيث صوتت 187 دولة لصالح إلغاء هذه السياسة الأميركية المعادية .

احتدام حرب الجنرالات في السودان

تجددت الاشتباكات بين جنرالات الحرب في السودان الجنرال “حميدتي” قائد ميليشيا الدعم السريع، والجنرال البرهان قائد الجيش المختطف من الحركة الإسلامية، بشكل أكثر شراسة خلال شهر أكتوبر المنصرم على جميع محاور القتال، بخاصة في محوري الخرطوم وولاية الجزيرة.

[zeno_font_resizer]