صعود الصين والجنوب العالمي جزء من عملية طويلة لمدة قرن

ترجمة: محمد السادات

المصدر: Peoples Dispatch

يناقش معهد القارات الثلاث في أحد ملفاته جذور حركة العالم الجنوبي من أجل نظام عالمي عادل، ومحاولة العالم الشمالي لإخضاع الأطراف التي تحدت بنية هيمنته.

أطلق معهد القارات الثلاث للبحوث الاجتماعية مؤخراً الملف رقم 81 بعنوان “القرن العشرين، العالم الجنوبي، والوضع التاريخي للصين”. كُتِبَ النص بواسطة الباحث الصيني وانغ هوي وهو أستاذ اللغة والأدب الصيني في جامعة تسينغهوا.

يسعى هذا الملف لملء ثغرة فكرية محددة فيما يتعلق بالتاريخ الصيني في القرن العشرين وتقديم رؤى لدور البلد في حراك العالم الجنوبي ضد هيمنة العالم الشمالي.

يكشف الملف عن تطورات القرن العشرين في الصين معتبراً أن التغيرات المنسوبة إلى تلك الحقبة لم تبدأ في فترة محددة من التاريخ وإنما كانت استمراراً لعملية تاريخية من القرن الماضي. تلك العمليات التاريخية هي التي شكلت الصين والدول الأخرى واستمرت في تشكيل سياسات العالم اليوم.

يناقش هواي في هذا النص مسألة صعود الصين والعالم الجنوبي اليوم على أنها نتيجة لتقلبات القرن الماضي والتي خلقت موضوعاً سياسياً جديداً غير قادر على تحقيق السلام مع هيمنة العالم الشمالي. هذا الموضوع السياسي الجديد والذي ظهر في بلاد مختلفة ومنها الصين، سوف يستمر في الكفاح من أجل العدالة، والسلام، ونظام عالمي صديق للبيئة.

الصين الثورية وموضعها في التاريخ العالمي

ولدت الصين الثورية وسط عدة ثورات وحروب في القرن العشرين. فتشكلت مجالاتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية خلال الثورات والنضال القومي في البلد وعبر العالم على مدار القرن.

وممّا يحاجج فيه وانغ هواي هو أن تاريخ الصين في القرن العشرين هو تاريخ التعلم من الآخرين ودليل على استقامة التطور الإنساني.

بداية من الثورة الروسية في 1905 وحتى حرب التحرير الصينية في 1946 وحتى 1949، شكلت العديد من الأحداث تاريخ العالم وتاريخ الصين، إلَّا أنه يرفض بعض السرديات المهيمنة، إذ يكتب أنه لا ثورة أو حركة من تلك الثورات والحركات قد انفصلت تماماً عن الماضي واستمرت في وضع الدروس المنتجة وغير المنتجة النابعة من تلك الثورات.

في تأسيسها عام 1949، اعترفت الجمهورية الشعبية الصينية بمساهمة الأحداث، والتي تشمل الحروب الامبريالية والثورات في القرن العشرين، بتأثيرها ليس فقط على تأسيس الجمهورية الشعبية الصينية نفسها بل وأيضاً على كل التغيرات التالية التي سببتها بعدما خلقت الثورة صين جديدة نابعة من القديمة.

في إشارة إلى المساهمات التي قدمها علماء صينيون ما قبل الثورة من كانغ يوي إلى ليو شيبي الذي ناقش فكرة الزمن، مشيراً إلى التقلبات حول “توحيد التاريخ والجدول الزمني التاريخي”، يجادل هوي بأن هذا يدل على التدخلات الفكرية النابضة بالحياة حول مستقبل البلد.

على سبيل المثال، نشرت “أغنية المحيط الهادئ في القرن العشرين” في 30 ديسمبر 1900 والتي جمعت سوية مفهومين مهمين عن الزمن “القرن العشرين” والمكان “المحيط الهادئ” لتقدم تصوراً مكاني-زماني يستكشف موضع الصين التاريخي في القرن العشرين.

من بين عدة أشياء، فإن مصير الصين في القرن العشرين كان قد تشكَّل في البداية مع ظهور الولايات المتحدة واليابان على أنهما مراكز رأسمالية عالمية. تلك الإمبريالية التي هيمنت وتوغلت في كل مجالات الحياة عبر العالم وبالأخص الكولونيالية منها والتي شملت الصين؛ خلقت عناصر ثورية بالتدرج البطيء في تلك الأطراف مانحة إياها ميلاد المقاومة وحركات الاستقلال القومية. بعبارة أخرى، تشكلت الثورات في الأطراف بواسطة التدخلات الإمبريالية.

خلقت الإمبريالية أيضاً اقتصادا وتطورات سياسية غير متكافئة بين البلدان المختلفة وحتى داخل بلاد محددة. خلق ذلك التطور غير المتكافئ ما يدعوه هوي “الروابط الضعيفة”. فقد ولدت التطورات غير المتكافئة المقاومة الصينية وزودتها بشروط بقائها ونموها في مناطق الأطراف.

إن الثورة الصينية لم تكن كأي ثورة أخرى لأنها لم تكن متجذرة في قومية واحدة مبنية على العديد من الأعراق. وعلى النقيض من أغلب الإمبراطوريات الأوروبية والآسيوية التي تفككت بسبب الحركات الوطنية التي نشأت بعد عام 1914، فقد نجحت الثورة الصينية في الحفاظ على دولة متعددة الأعراق.

ويزعم هوي أن طول فترة تطور الثورة الصينية كان أحد الأسباب الرئيسية لبقائها في القرن العشرين عندما فشلت أغلب الثورات المعاصرة الأخرى، ويزعم أن الثورة الصينية كانت مزيجاً من التحول والاستمرارية يجمع بين عملية بناء الدولة وميلاد كيان سياسي جديد و”قدرته المتزايدة على التكامل السياسي”.

بعبارة أخرى، على النقيض من الثورتين الفرنسية والروسية، لم تكن الثورة الصينية نتاجاً لحدث واحد. بل كانت نتيجة لعملية طويلة من التعبئة وتحويل المجتمع في كافة المجالات، وخلق كيان سياسي جديد جاهز لعالم مختلف.

إن التاريخ الصيني لن يكون له أي معنى إذا استخدمنا المفاهيم مثل الطبقة والدولة والأمة والسيادة وما إلى ذلك والتي تم تطويرها في أوروبا في القرن التاسع عشر دون اقتلاعها من جذورها. ويتحدث هوي عن إعادة تجذير هذه المفاهيم بعناية للحصول على “المنظور الداخلي” للثورة الصينية.

الجنوب العالمي والصين

يعتبر هوي بأن “الجانب الجيوسياسي في القرن العشرين لم يكن فقط حقبة ما بعد الاستعمار وإنما حقبة ما بعد الميتروبوليتانية أيضاً”. حيث يرى بأن الثورات والإصلاحات المختلفة في المناطق الأطراف غيرت كلا من مناطقها وطبيعة العلاقات بين المركز والأطراف، وهو ما أثر، تحديداً، على المناطق المركزية. ولقد لعبت الصين وما زالت تعلب، وسط هذه التقلبات، دوراً حاسماً. فظهور الاقتصاد الحالي للعالم الجنوبي هو جزء من تلك العملية الطويلة.

“الصين والجنوب العالمي لم يعودا بعد الآن مجرد مناطق طرفية مهيمن عليها، تماماً، من الاستعمار الميتروبوليتاني من حقبة الاستعمار؛ بل أن تلك القوى العصرية هي ما دفعت إلى التحول من الحقبة الميتروبوليتانية إلى حقبة ما بعد الميتروبوليتانية”.

مثلت سلسلة الثورات في القرن العشرين ميلاد موضوع سياسي جديد يسمى الجنوب العالمي. فعملية العولمة النيوليبرالية التي تأسست على الاحتكار الرأسمالي في القرن العشرين؛ غير متكافئة بطبيعتها وتفشل بشكل متزايد لتلبية الحاجة للنمو في الجنوب العالمي.

فكما ردت حركة عدم الانحياز في العالم الثالث على الإمبريالية والهيمنة السياسية، كان على العالم الجنوبي أن يتناول سلسلة الأزمات التي جلبتها العولمة النيوليبرالية والعمل من أجل نظام عالمي جديد يستوعب المناطق الطرفية.

كما كان الحال في الماضي، تتفاعل القوى الإمبريالية بعنف لإخضاع صعود المناطق الطرفية. لقد أصبحوا أكثر عدوانية مع الاحتواء والحفاظ على احتكاراتهم. يهدد ذلك السلام العالمي بحرب إقليمية لديها القابلية أن تتحول إلى صراع عالمي.

ومع ذلك، وعلى النقيض من حقبة باندونغ (1955)، فإن وجود دول مثل الصين التي غيرت بالفعل جزئياً النظام المهيمن وتحدته، يمنح العالم الجنوبي موطئ قدم أقوى في مواجهة العالم الشمالي أكثر من أي وقت مضى.

إن الاستخدام المتكرر للعقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هو علامة على أزمة تقلص احتكاراتهم. إن سيطرتهم الاحتكارية على التمويل العالمي والابتكارات التكنولوجية والموارد الطبيعية وأسلحة الدمار الشامل والاتصالات تواجه تحديات متزايدة. وهذا يضرب في صميم هيمنتهم.

إن تحدي العالم الشمالي سوف يستمر في الزيادة مع كل يوم يمر وهي مسألة وقت قبل أن نرى نظاماً عالمياً أكثر عدلاً ومساواة. لا يسعى العالم الجنوبي للحرب ولكن لتطوير نظام عالمي عادل ومسالم وصديق للبيئة والذي لا يمكن بناؤه بدون اسقاط الاحتكارات المالية والتكنولوجية والمصادر الطبيعية وأسلحة الدمار الشامل. في ذلك السياق، يقول هوي أن العالم الجنوبي هو حركة السعي من أجل “عالمية جديدة تسعى لنجاة ونماء الحضارة الإنسانية”.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

هل يقود “فلول الإخوان” السودان إلى الحرب الأهلية

برزت قبل وأثناء الحرب العديد من الميليشيات المسلحة المنسوبة للجيش المختطف من فلول “الإخوان المسلمين”. اندلعت الحرب في الخامس عشر من نيسان/ إبريل من العام 2023 بين الجيش المختطف وميليشيا الدعم السريع، بهدف قطع الطريق على ثورة ديسمبر المجيدة حتى لا تحقق أهدافها في بناء سلطة مدنية كاملة وتصفية الثورة.

ترامب ومخاطر استراتيجية تجاه القضية الفلسطينية العربية

تستند العلاقات الأميركية – “الإسرائيلية” على قاعدة ذهبية هي أن الولايات المتحدة الأميركية أهم حليف وداعم للكيان الصهيوني منذ قيامه في 1948 وأنها تصوغ وتفرض سياستها في منطقة الوطن العربي والشرق الأوسط، بل والعالم لضمان تفوق “إسرائيل” عسكرياً وانتصاراتها في حروبها المتتالية وقضمها لفلسطين.

[zeno_font_resizer]