هذه تحيتي الثانية إليكِ..

رسالة لأهالي غزة من المفكر الشهيد حسين مروة، نُشرت في جريدة “الحياة” البيروتية، زاوية “مع القافلة”، تاريخ 10 آذار (مارس) 1957 بعنوان:

تحية إلى أهل غزة

خصصتها ابنته الأستاذة هناء مروة لـ «تقدُّم» وليعاد نشرها تحية لغزة المقاوِمة:

 كانت تحيتي الأولى في 16 كانون الثاني 1957 إلى أهل غزة وقد انتصروا على أنفسهم هذه المرة.. انتصروا على الألم والذعر والاستخذاء.. انتصروا على الموت وكانوا يرهبون الموت.. انتصروا على الحياة وكانوا يهربون من إرادة الحياة.. 

كانت التحية الأولى يوم أنتم في قبضةِ البرابرة.. يوم جيش اللصوص والقَتَلة والمتشرّدين يثخنُ في أرضكم، وينهشُ لحومكم، ويلُصُّ اللقمةَ من أفواهكم، وينهبُ الأملَ – حتى الأمل – من أعماقكم.. 

كانت تحيّتي لكِ يوم قبضةُ البرابرة تحاولُ – بضراوة – أن تقتلَ فيكم البأسَ الجديد والصبرَ العنيد.. ويوم سكّينُ الجزّارين تحاولُ – بشراسة – أن تنحرَ فيكم الثقة، كلَّ الثقةِ بإنسانيّتكم، بقوميّتكم، بشمائلِ العروبةِ في أعراقكم ويومَ أنتم تجبَهون البرابرةَ الجزّارين بأنّ بأسَكم وصبرَكم أشدُّ وأقوى من ضراوتِهم، وأنّ ثقتَكم بالإنسان في ضمائرِكم وبالعروبةِ في شمائلِكم أمضى وأصلبَ من شراستِهم.. 

لقد شلَلْتم قبضةَ البرابرةِ أن تنالَ من رجولاتِكم.. لقد فلَلْتم سيفَ الجزارين أنْ يظفَرَ بكبريائكم..  لقد منعتم أُفكَ الأفّاكين أن يُرغِمَ على الذلّةِ أُنوفَكم..  لقد قطعتم على “الدونكيشوتيّين” أن يَزعموا لأحدٍ في الناس أنهم أخذوا بناصيَتكم إلى خضوع ٍ لسلطانِهم أو تعاونَ معهم أو استخذاءً لبطشِهم وهمجيّاتهم.. 

أيها المجاهدون الأبطال!

أقولُها وأنا موقنٌ كلَّ اليقين بأنكم المجاهدون حقاً، وأنكم الأبطالُ حقاً.. فقد جاهدتُّم اليأسَ والخوفَ والاستسلام، وجاهدتُّم الضعفَ الإنساني أمام الهولِ والبربريةِ والضراوة، ثم خرجْتُم من حَوْمةِ الجهادِ هذا وأنتم صامدون له، غيرُ مخذولين، ولا مغلوبين على أمركم.. خرجتم من المحنةِ وأنتم أعظم من المحنةِ وأكبر.. ومن هنا كنتم الأبطال، أبطالَ الصبر والإيمان والإباء.. 

وتحيتي اليوم إليكم، أيها المجاهدون المنتصرون، هي تحيةُ الشكر على أنكم خرجتم من المعركة وعلى جباهكم من كبريائنا ازدهاء، وعلى أنوفكم من نخوةِ تاريخنا شموخٌ وشمم، وفي سواعدكم من صخرة إيماننا أفلاذُ عزم ٍ شديد.. 

ليت كلَّ عربِ فلسطين كانوا أهل غزة يومَ الكارثةِ الكبرى.. يوم انتصر الجزَعُ والهلعُ والضعفُ الإنسانيُّ أمام الحادثِ الجَلَل، ثم كان ما كان.. وأقفرتِ الأرضُ الحبيبةُ من أرضها، وأوحشتْ كلُّ دارٍ من حكايا تاريخِها وجاء الأرذلون الغاصبون إلى تلك الأرض يبدِّلون بأهلها دخلاءَ لا حرمةَ عندهم لوطن، وإلى هاتيكَ الديارِ يبدّلون بتاريخها الأنيس وحشةَ الغرباء لا حنانَ لها في صدورهم ولا ذكرى تعيش منها في قلوبهم.. وما وَجدتِ الأرضُ ولا وَجدت الديارُ من أولئك الأهل وذلك التاريخ مَن يقفُ للأرذلين الغاصبين في صباحٍ أو مساء، يُقلقُ عليهم أمرَهم، أو يتحدى مكانَهم أو يزعجُ استقرارَهم، حتى يصبحَ عيشُهم هناك نكَداً دائماً لا ينقطع! 

شكراً لكم وتحيةً يا أهلَ غزة.

10 آذار/ مارس 1957

Author

  • حسين مروة

    مقالات مختارة من أرشيف المفكر اليساري اللبناني الذي استشهد برصاصات غادرة من القوى الظلامية في 17 فبراير 1987

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

لينين وجانب من نتاجه الفلسفي

خاضَ لينين معركة فلسفية ضد المثالية ومحاولات استخدامها للاكتشافات العلميَّة، وفق تأويلها المثالي لها، لدحض الفلسفة الماركسية. في معركته الفلسفية أظهرَ لينين الارتباط المادي الديالكتيكي بين الفلسفة والسياسة، والخلفية السياسية للهجوم على الفلسفة الماركسية – اللينينية، والأبرز في ذلك يكمن في عمق اطلاعه على النتاج الفلسفي في تلك الحقبة التاريخية وردِّه الفلسفي العميق عليها.

انتخابات ٢٥ يناير ١٩٦٧ المزوّرة

عندما اتضح أنّ قائمة “نواب الشعب” ستحرز نجاحاً مرجحاً في المعركة الانتخابية، استعدت السلطة لتزوير الانتخابات، بهدف ضمان غالبية المجلس إلى جانبها…