
رفض لقرار مجلس الجامعات الحكومية التمييزي ضد المرأة وأبنائها ومطالبة بإلغائه
ضاعف القرار الصادر عن مجلس الجامعات الحكومية في ٢٩ يونيو الماضي، الذي يقصي أبناء الكويتيات من القبول الجامعي المباشر، من التمييز ضد المرأة وأبنائها، وهو
شهدت الساحة القانونية والمجتمعية في الكويت خلال الأشهر الأخيرة حالة واسعة من الجدل عقب طرح مسودة قانون الأحوال الشخصية الجديد من قبل لجنة مراجعة قوانين شؤون الأسرة والأحوال الشخصية في وزارة العدل، وهي مسودة قُدّمت تحت شعار “تحديث التشريع” و“إصلاح منظومة الأسرة”، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى محور نقاش محتدم بين مؤيّدين يرون فيها خطوة إصلاحية، ومعارضين يعتبرونها تراجعًا تشريعيًا يمسّ الحقوق المكتسبة للنساء ويعيد إنتاج أوجه التمييز داخل الأسرة.
تأتي أهمية هذا الجدل من طبيعة القانون ذاته؛ إذ يُعدّ قانون الأحوال الشخصية من أكثر القوانين تأثيرًا في حياة المواطنين اليومية، لارتباطه المباشر بالزواج، والطلاق، والحضانة، والنفقة، والميراث، وكل ما يخص العلاقات الأسرية. ومن ثمّ، فإن أي تعديل في بنيته لا يمكن النظر إليه بمعزل عن أثره الاجتماعي والاقتصادي والنفسي، ولا عن انعكاسه على مبدأ المساواة الذي نصّ عليه الدستور الكويتي في مادته التاسعة والعشرين.
منذ صدور المسودة، تعدّدت القراءات القانونية والحقوقية لها، غير أنّ القاسم المشترك بين أغلبها هو القلق من الاتجاه الذي تعكسه في إعادة ضبط التوازن داخل الأسرة على نحو قد يُضعف موقع المرأة ويقيّد صلاحياتها القانونية في حالات النزاع أو الانفصال. كما أُثيرت تساؤلات حول ما إذا كانت المسودة تنطلق فعلًا من مقاربة إصلاحية تراعي العدالة الاجتماعية، أم أنها جاءت استجابة لضغوط اجتماعية محافظة تميل إلى إعادة تأطير دور النساء في حدود تقليدية.
كذلك، فإن الطريقة التي طُرحت بها المسودة – من دون حوار علني كافٍ مع منظمات المجتمع المدني أو الجهات النسوية المتخصصة – عمّقت الإحساس بعدم الشفافية، وزادت من حدة الاعتراضات. فقد وجّهت منظمات حقوقية ومحامون وناشطات انتقادات حادة إلى بعض المواد التي تتناول الطلاق والخلع وترتيب الحضانة، مشيرين إلى أنها تُفرغ مبدأ “الطلاق للضرر” من مضمونه، وتحمل النساء كلفة مالية ومعنوية مضاعفة حتى في حالات التعرض للأذى أو العنف.
وفي المقابل، سُجّلت دعوات إلى ضرورة إتاحة مساحة أوسع للنقاش المجتمعي قبل اعتماد القانون، وإشراك المتخصصين في صياغة نصوص تراعي العدالة وتنسجم مع التزامات الكويت الدولية في مجال حقوق الإنسان، ولا سيما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. فالقوانين التي تنظم حياة الأسرة لا يمكن أن تُبنى بمعزل عن الواقع الاجتماعي المتحوّل، ولا أن تكرّس أنماطًا قديمة من الهيمنة الذكورية باسم “الحفاظ على القيم الأسرية”.

تقييم متوازن لمسودة قانون الأحوال الجديد
في مستهلّ حديثها، تناولت المحامية غزلان الضفيري مسودة قانون الأحوال الشخصية الجديد من زاوية شمولية، وقدّمت تقييمًا عامًا لمحتواها قائلةً:
“تضمّنت مسودة قانون الأحوال الشخصية الجديدة مجموعة من المواد التي تستحق الوقوف عندها، إذ احتوت على تعديلات يمكن أن تسهم في تعزيز استقرار الأسرة وضمان بعض الحقوق، وفي المقابل تضمّنت نصوصًا أخرى قد تترك آثارًا سلبية على التوازن الأسري وموقع المرأة القانوني داخل الأسرة.
لذلك، فإن قراءة هذه المسودة ينبغي أن تكون قراءة متوازنة تُبرز الجوانب الإصلاحية، من دون إغفال النصوص التي قد تترتب عليها تبعات غير عادلة أو تمسّ مبدأ المساواة أمام القانون”.
لا زواج دون رضا الفتاة، والنشوز يعيد إنتاج التمييز في العلاقة الزوجية
وتابعت المحامية غزلان الضفيري حديثها مشيرةً إلى أنّ المسودة الجديدة أدرجت مادة طال غيابها منذ تأسيس التشريع، تنصّ على منح الفتاة البالغة حق الإذن في زواجها، وعدم نفاذ العقد إلا بموافقتها الصريحة وإجازتها.
وتُضيف موضحةً: “وتبرز أهمية هذه المادة في ضوء ما كان يحدث خلف الستار في العديد من الزيجات، إذ اعتدنا على سماع قصص لنساء زُوّجن دون علمهن أو إرادتهن نتيجة إجبار الأهل، أو لجأن إلى رفع دعاوى يثبتن فيها أن زواجهن تمّ دون رضاهن من الأساس”.
واستطردت قائلةً: “في المقابل، لم تكن المحاكم في السابق تعتبر الإذن أو الموافقة شرطًا لعقد الزواج، وكانت ترفض دعاوى التفريق استنادًا إلى هذا السبب تحديدًا”.
وانتقلت الضفيري بعد ذلك إلى المواد المتعلقة بـ نشوز الزوجة، مشيرةً إلى أن “القانون قد منح الزوج سلطة واسعة في توجيه اتهام النشوز ضد زوجته ورفع دعوى بهذا الشأن، وهو ما يترتب عليه في حال ثبوت النشوز سقوط كامل لحقوقها الزوجية مثل السكن والنفقة”.
وتُكمل قائلةً: “المشكلة أن النص لم يحدد على نحو دقيق الأسباب التي يجوز بموجبها رفع دعوى النشوز، رغم صعوبة إثباتها عمليًا نظرًا لخصوصية العلاقة الزوجية وما يدور في نطاقها، كما أن الأسباب الواردة تفتح بابًا واسعًا لاستغلال النص القانوني ضد الزوجة بما يتنافى مع مبدأ العدالة والموازنة في العلاقة”.
وأشارت الضفيري إلى أن “هذه المادة لا تُسهم في صون مكانة المرأة داخل الأسرة، بل تجعل العلاقة الزوجية خاضعة لتقدير الزوج وإرادته، وهو ما يُعد تراجعًا واضحًا عن الجهود القانونية السابقة التي سعت إلى تحقيق التوازن بين الطرفين”
النفقة والحضانة في ميزان العدالة الأسرية
وفيما يتعلّق بأحكام النفقة، تُثار تساؤلات حول مدى حماية النصوص الجديدة لحقوق الزوجة المادية، خصوصًا في حالات النزاع أو إنكار الإنفاق. إذ تُعدّ النفقة من الركائز الأساسية لضمان العدالة داخل الأسرة، ومن أهم الالتزامات التي تترتب على عقد الزواج، وأي غموض في تنظيمها قد يفتح الباب أمام تفسيرات تضعف موقع المرأة القانوني.
بالنسبة لمسألة إنكار الزوجة لاستلام النفقة، فقد ذكرت الضفيري أن “النص المتعلق بإثبات النفقة قد يثير إشكالية جوهرية، إذ يربط تقدير نية الإنفاق بكلمة الزوج وحده، دون وجود ضوابط واضحة أو معايير موضوعية يمكن للقاضي الاستناد إليها”.
وتساءلت قائلةً: “فكيف يمكن التحقق من قيام النفقة فعليًا إذا كان الطرف المستفيد — أي الزوجة — لا يُمنح حق إثبات العكس أو الاعتراض؟”
وأضافت أن “مجرد إقامة الزوجة في منزل الزوجية لا يُعد دليلًا كافيًا على تحقق النفقة، إذ تُظهر التجارب الواقعية أن السكن لا يعني بالضرورة وجود إنفاق فعلي يغطي احتياجاتها اليومية. وبذلك، يبقى هذا النص عرضة لسوء التطبيق، ويضعف من ضمانات العدالة التي يفترض أن تكفل للزوجة حقها المادي المشروع”.
وفي محور آخر، فقد بيّنت المحامية غزلان الضفيري أن “من أبرز التعديلات المستحدثة في المسودة الجديدة المادة التي وحدت سن الحضانة بين البنات والبنين، بعد أن كانت القوانين السابقة تفرّق بينهما في المدة والسن، فقد كانت البنت تبقى في حضانة أمها حتى الزواج، بينما تنتهي حضانة الذكور عند البلوغ أو في سن الخامسة عشرة، ليجدوا أنفسهم بعدها بلا حاضن أو حاضنة، ويُعرّضهم ذلك لصعوبات حياتية وإدارية كبيرة”.
وأضافت في الختام، أن “التعديل الجديد مدّد سن الحضانة لكلا الجنسين حتى بلوغ سن الرشد القانوني — أي الثامنة عشرة — بما يضمن استقرارًا نفسيًا واجتماعيًا للمحضونين، ويُيسّر عليهم شؤون حياتهم اليومية، كما يمنح الأم دورًا أطول وأكثر استقرارًا في رعاية أبنائها”.

الحضانة كأداة ضغط على النساء
وفي الإطار نفسه، تحدّثت هاجر المطيري، عضو الكتلة النسائية الديمقراطية الكويتية “كِندة”، عن رؤيتها لمسودة القانون وما تحمله من مخاوف على واقع النساء في الكويت، موضحةً أن “مسودة التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية تُثير قلقًا عميقًا من جهة الاتجاه العام الذي تسلكه، فبدلًا من معالجة الثغرات التي طالما واجهتها النساء في قضايا الحضانة والطلاق والنفقة، يبدو أنّ التعديلات تميل إلى تعزيز السلطة الأبوية وتقييد حرية النساء في تقرير مصيرهنّ الأسري”.
وأضافت المطيري:
“إنّ أبرز ما يُثير القلق في مسودة تعديل قانون الأحوال الشخصية هو الاتجاه لتغيير ترتيب حضانة الأبناء بعد الطلاق، بحيث يُصبح الأب ثانيًا بعد الأم مباشرة، بدلًا من النظام الحالي الذي يمنح الأولوية للأم، ثم لأقاربها من النساء، ثم لأقارب الأب من النساء، وأخيرًا للأب.
هذا التغيير يتجاهل أن السنوات الأولى من حياة الطفل تقوم على الرعاية اليومية والارتباط العاطفي، وهي أدوار تضطلع بها الأم بحكم القرب الجسدي والنفسي، ولذلك تعتمد أغلب التشريعات مبدأ “الأم أولًا” باعتبار أن مصلحة الطفل الفضلى هي الأهم.
ولا يمكن النظر إلى هذا التعديل بمعزل عن أثره الاجتماعي والنفسي، إذ يُستخدم عمليًا كأداة ضغط على النساء ويجعل كثيرات يترددن في الزواج مرة أخرى خوفًا من فقدان حضانة أبنائهنّ، أو يمتنعن عن الطلاق رغم الضرر خشية حرمانهنّ من أطفالهنّ”.
وأشارت المطيري إلى أن “هذه التعديلات ضد مصلحة الأبناء، بل وتُقيّد حرية المرأة في حياتها الشخصية بعد الطلاق، وتجعل الزواج أو الطلاق قرارًا محفوفًا بالتهديد بفقدان الأم لأبنائها. وبدلًا من أن يُوفّر القانون حماية للأسرة، يصبح وسيلة لتقييد النساء وإخضاعهنّ لبنية اجتماعية تُكرّس سلطة الأب والرجل”.
الخلع في القانون الجديد… عبءٌ على المتضرّرة
يٌعدّ الطلاق للضرر من أكثر القضايا التي تمسّ واقع النساء، إذ يهدف في جوهره إلى حماية المرأة من الأذى الجسدي أو النفسي داخل العلاقة الزوجية، ويمنحها حقّ الانفصال مع الاحتفاظ بكامل حقوقها المالية في حال ثبوت الضرر. إلا أنّ التعديلات الأخيرة على قانون الأحوال الشخصية أعادت فتح هذا الملفّ وأثارت جدلاً واسعًا حول مدى إنصافها للنساء المتضرّرات.
وعن هذا الموضوع، قالت المطيري: “وبموازاة ذلك، تكشف التعديلات الخاصة بالطلاق والخلع عن توجّهٍ آخر يُكرّس الفكرة ذاتها: تحميل النساء تبعات الانفصال وإضعاف مركزهنّ القانوني حتى عند ثبوت الضرر.
فبينما كان النظام السابق يتيح للمرأة طلب الطلاق للضرر مع احتفاظها بكامل حقوقها المالية عند إثبات الأذى، تُحوِّل التعديلات الجديدة هذا النوع من الطلاق إلى خلعٍ أو فسخٍ للعقد، بما يفرض على المرأة إعادة المهر أو جزءًا منه للزوج، حتى في الحالات التي يثبت فيها الضرر.
إن العنف الأسري أحد أبرز أسباب طلب الطلاق للضرر، لا سيّما في ظلّ ارتفاع معدلات العنف داخل إطار الزواج واستمرار معاناة النساء من الانتهاكات الجسدية والنفسية على يد أزواجهنّ. ومع ذلك، ألغت التعديلات الجديدة هذا الحق، وهو ما يُفرغ القانون من إحدى أهم أدوات الحماية للنساء المتضررات. وبدلًا من أن يُتيح لهنّ الخروج الآمن من علاقة مؤذية، تجد المرأة نفسها اليوم أمام خيارٍ قاسٍ: إمّا أن تتحمّل العنف والظلم داخل الزواج، أو أن تدفع جزءًا من مهرها أو مهرها كاملًا لمعنفها كي تُنقذ جسدها وتفلت من العلاقة.
إنَّ هذا التغيير ينقل عبءَ الانفصال من الطرف المسيء إلى المرأة نفسها، ويفرض عليها كلفةً ماليةً ومعنويةً إضافية، ما يحدّ من قدرتها على اتخاذ قرار الانفصال حتى عند التعرّض للأذى. وهكذا يُعاد تعريف الطلاق من وسيلةٍ لإنصاف المتضرّر إلى معاملةٍ تُشترى فيها الحرية، وهكذا تتحوّل العدالة إلى معاملةٍ تُشترى فيها الحرية بثمن، وتُصبح القدرة على الانفصال امتيازًا لمن تستطيع تحمّل تكلفته، بدل أن تكون حقًا مكفولًا لكل امرأة متضرّرة.
مثل هذا التوجّه لا يمكن اعتباره إصلاحًا قانونيًا، بل هو تراجعٌ عن مفهوم العدالة الأسرية، وتكريسٌ لفكرةٍ مفادها أن خروج المرأة من الزواج امتيازٌ يتطلّب منها دفع ثمنه”.
وأضافت هاجر المطيري في ختام حديثها:
“وفي المحصّلة، فإنّ هذه التعديلات – سواء في ترتيب الحضانة أو في أحكام الطلاق والخلع – لا يمكن اعتبارها إصلاحًا حقيقيًا ما دامت تُعيد إنتاج النهج ذاته القائم على التمييز ضد النساء وإضعاف موقعهنّ داخل الأسرة.
إنّ خفض معدّلات الطلاق لا يتحقّق بتقييد حرية النساء، بل بتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية بعد الطلاق، وبضمان وجود شبكة دعم حقيقية للنساء والأطفال.
إنّ أي إصلاح قانوني لا ينطلق من مبدأ المساواة والعدالة، سيبقى خطوة إلى الوراء مهما بدا إصلاحيًا”.
خاتمة
في ضوء ما طُرح من قراءات قانونية وحقوقية، يتّضح أن مسودة قانون الأحوال الشخصية الجديدة لا يمكن فصلها عن السياقين الاجتماعي والسياسي اللذين تُطرح ضمنهما. فالقانون، في جوهره، ليس مجرد نصوص جامدة، بل انعكاسٌ للقيم والمفاهيم الاجتماعية التي تحدّد موقع المرأة داخل الأسرة والمجتمع.
ومن الجدير بالذكر أن القانون المعمول به اليوم يعود إلى عام 1984، ما يجعل تحديثه ضرورةً ملحّة تواكب التحولات التي شهدها المجتمع الكويتي خلال العقود الماضية. غير أن هذه الفرصة التشريعية ينبغي أن تُستثمر في تعزيز مكانة المرأة وضمان المساواة داخل الأسرة، لا في تكريس القيود أو إعادة إنتاج أنماط التمييز القديمة.
إنّ أي إصلاح حقيقي في قوانين الأحوال الشخصية لا يتحقق إلا من خلال مقاربةٍ عادلةٍ تنطلق من مبدأ المساواة والكرامة الإنسانية، وتضع مصلحة الأسرة والمجتمع في إطارٍ يضمن حقوق جميع أفراده دون تمييز.

ضاعف القرار الصادر عن مجلس الجامعات الحكومية في ٢٩ يونيو الماضي، الذي يقصي أبناء الكويتيات من القبول الجامعي المباشر، من التمييز ضد المرأة وأبنائها، وهو

لا تعني الحاجة إلى نقابات تعبر عن النساء بناء كيانات خاصة بهن، بل تعني إعادة صياغة البيت النقابي من الداخل، ليكون أكثر ديمقراطية، وتمثيلاً، وعدالة، فلا عدالة نقابية دون تمثيل فعلي للنساء العاملات.

هناك مفارقة لافتة للانتباه وتدعو إلى الاستغراب والتساؤل، ففي الوقت، الذي تضررت فيه عشرات آلاف النساء في الكويت من زوجات الكويتيين الحاصلات على الجنسية الكويتية

تقديم الصورة الأكثر نمطية للمقاومة التي تركز على الأبطال الذكور. لكن التاريخ الشفوي الفلسطيني يتيح فرصاً لتسليط الضوء على الأدوار الريادية التي لعبتها النساء في المقاومة.



