إنّ أزمة الاقتصاد الريعي التابع ليست أزمة وقتية عابرة يمكن تجاوزها عبر الارتفاعات التي تطرأ على أسعار النفط، وإنما هي أزمة بنيوية عميقة وهي مرشحة للتفاقم أكثر فأكثر مع مرور السنوات، في ظل تحكّم المصالح الرأسمالية الطفيلية لأطراف الحلف الطبقي المسيطر وارتباطاته التبعية بالإمبريالية، ولن يتوقف الأمر عند التأثر بتذبذب أسعار النفط وانخفاضها، ولا عند حدود تآكل الاحتياطي المالي العام للدولة وعجز الميزانية، وإنما سيمتد إلى السحب من احتياطي الأجيال القادمة، ناهيك عن تحميل الدولة أعباء إضافية عبر القروض وفوائد خدمتها التي ستزيد الأمر سوءاً على سوء، والأهم من ذلك هو عجز هذا النمط من الاقتصاد الريعي التابع عن تحقيق التنمية، حيث لا مصلحة تربط القوى المسيطرة بتحقيق التنمية؛ ولا بالبناء الوطني؛ ولا بتحديث الدولة؛ ولا بالعمل المنتج؛ ولا بتصنيع النفط؛ ولا بإصلاح التعليم وتطوير الإدارة وزيادة الانتاجية، وذلك ما دامت هذه الأطراف قادرة على الاستيلاء على الجزء الأكبر من الثروة الوطنية عبر النشاطات الطفيلية والتنفيع والارتباط التبعي بالإمبريالية خصوصاً بالنسبة للطغمة المالية والوكلاء التجاريين “الكمبرادور”، حيث كرست القوى الطفيلية المتنفذة هيمنة القطاعات غير الإنتاجية كالعقار والمضاربة على النشاط الاقتصادي، كما أعاقت تطور القوى المنتجة المادية والبشرية، مع ملاحظة اتجاه الدولة للارتباط مباشرة بالشركات الكبرى في بلدان المركز الإمبريالي وإقامة فروع لها في البلاد وذلك بمعزل عن دور الكمبرادور كوسطاء، وهو اتجاه متناغم مع ما يحدث في المركز، وتحديداً في الولايات المتحدة الأميركية من تكريس لدور الدولة في إنقاذ النظام الرأسمالي.
معالم أزمة الاقتصاد الريعي التابع:
تبرز معالم أزمة الاقتصاد الريعي التابع على عدد من المستويات من بينها:
- الاعتماد على مورد وحيد متذبذب الأسعار، والفشل الذريع في الادعاءات الحكومية بشأن التنمية؛ وعدم الجدية في تنويع مصادر الدخل، وغض الطرف تماماً عما يفترض أن يتحمّله القطاع الخاص من مسؤوليات اجتماعية في تمويل الميزانية عبر الضرائب وتشغيل العمالة الوطنية.
- سوء الإدارة المالية للدولة، وهذا ما يتضح في مظاهر عديدة أبرزها التضخيم المبالغ فيه سنة بعد أخرى لمصروفات الدولة في بنود ليست أساسية ضمن الميزانيات المتعاقبة.
- النهج الحكومي في الهدر والتنفيع وعدم الجدية في مكافحة الفساد.
الحلول والمعالجات:
يدعو التقدميون الكويتيون إلى انتهاج توجه اقتصادي وطني بديل يستهدف بناء اقتصاد وطني منتج ومتطور ومستقل لمعالجة ما تعانيه البنية الاقتصادية الرأسمالية الريعية المشوهة والتابعة من اختلالات هيكلية، وذلك عبر تحديد أهداف وتبني سياسات واتخاذ قرارات واتباع إجراءات تحقق:
1- اعتماد نهج التخطيط العلمي الاستراتيجي للتنمية الشاملة والمستدامة التي يكون الإنسان محورها وهدفها الأول، والالتزام بتنفيذها، وتتضمن خططاً قصيرة وانجازية، بحيث تستهدف تعبئة طاقات البلاد ومواردها وتحقيق التناسب بين فروع الإنتاج والخدمات، وتوزيع الدخل توزيعاً سليماً بين التراكم والاستهلاك على أسس تراعي العدالة الاجتماعية.
2- تنويع مصادر الدخل والأنشطة الإنتاجية، والتوسع في الصناعات النفطية وخصوصاً التكرير والبتروكيماويات، والاهتمام باستغلال الثروة السمكية، وتطوير قطاع الملاحة والنقل البحري. والاهتمام بالزراعة وتوفير مصادر المياه واعتماد الأساليب التقنية الحديثة في الزراعة، وتوفير القروض الميسرة وتشجيع الجمعيات التعاونية الإنتاجية الزراعية.
3- الاستخدام العقلاني الرشيد وطويل الأمد للثروة النفطية وإبقائها بيد الدولة ورفض خصخصتها وسد الأبواب أمام سعي شركات النفط العالمية الكبرى لإعادة هيمنتها عليها تحت غطاء اتفاقيات المشاركة في الإنتاج، وربط سياسة إنتاج النفط وتصديره بمتطلبات تطوير اقتصادنا الوطني واحتياجاته الفعلية؛ وكذلك ربطها بحجم الاحتياطيات النفطية الحقيقية القابلة للاستخراج، وتخفيض تكاليف إنتاج النفط عبر قيام شركات النفط التابعة لمؤسسة البترول الكويتية بعمليات الإنتاج بدلاً من شركات المقاولات والمقاولين من الباطن، التي أدت إلى رفع تكاليف الإنتاج، واستعمال مصادر الطاقة البديلة النظيفة الأخرى لتوليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والأمواج.
4- تطوير القطاع المشترك، واستثمار المال الاحتياطي العام للدولة في مشاريع منتجة من أجل رفع وتائر النمو الاقتصادي، ورفض التصفية النهائية لقطاع الدولة (القطاع العام) ومحاولات تقليص الدور الاقتصادي للدولة عبر الخصخصة، وبالأساس في مجالات إنتاج النفط والغاز والمصافي وتقديم خدمات التعليم والصحة والنشاطات الاقتصادية المنتجة والناجحة في القطاع العام. مع التأكيد على أهمية الدور الريادي للدولة في الاقتصاد كضمانة ليس لتعظيم الإنتاج فقط، بل لتوفير فرص العمل للمواطنين وعدالة التوزيع وحماية النشاطات الخدمية الحيوية.
5-وقف الهدر والتنفيع ومكافحة الفساد في قطاعات الدولة ووضع ضوابط تحد من المبالغة في تسعير المناقصات والمشتريات الحكومية، وضبط الأوامر التغييرية.
6- الاهتمام بقطاع الدولة (القطاع العام) في الاقتصاد وتوسيعه، وتحسين إدارته وإعادة تنظيم مؤسساته وتنشيط فعاليتها وفقاً لأصول الإدارة الحديثة، ومراقبة أدائها، وذلك عبر إحداث إصلاح إداري شامل بحيث يتم تطوير الإدارة الحكومية لتكون في خدمة المواطنين والمجتمع، وتوجيه نشاط جهاز الدولة ككل بشكل أكثر انتظاماً وانسجاماً، ومعالجة مشاكل التضخم الوظيفي وانخفاض الإنتاجية والفساد الإداري، ووضع أسس موضوعية عادلة وشفافة للترقية والتقدم الوظيفي، والتخفيف من الشكليات الإدارية والبيروقراطية والروتين، والاستفادة من التقنية الحديثة للمعلومات والاتصالات في تطوير الخدمات الإدارية.
7- تصحيح الاختلالات الطفيلية التي يعاني منها القطاع الخاص عبر تشديد اجراءات الرقابة والتفتيش على نشاطاته وتحميله مسؤولياته الاجتماعية في تشغيل الشباب الكويتي وتمكينهم من الوظائف القيادية، وفرض نسب متصاعدة للإحلال الوظيفي للعمالة الوطنية في القطاع الخاص، والمساهمة في تمويل الميزانية العامة للدولة عبر دفع ضريبة على أرباح الشركات وضريبة تصاعدية على الدخول الكبيرة، مع ضرورة تحمّل هذا القطاع تبعات اختياراته الاقتصادية، وتشجيع النشاطات الإنتاجية في القطاع الخاص، وتقديم التسهيلات والحوافز اللازمة ليسهم في إعادة البناء الاقتصادي وتوازنه، بدلاً من اختلاله الناجم عن غلبة الاستثمارات في قطاعات الاقتصاد الساخنة كالمال والعقار.
8- وضع سياسة عقلانية للاستيراد، ودعم الجمعيات التعاونية عن طريق إعادة تنظيم القطاع التعاوني وتطويره وتعزيز دوره في فروع الاقتصاد الوطني الإنتاجية والخدمية، ليشمل إلى جانب تجارة التجزئة كلاً من الإنتاج الصناعي الصغير والزراعة وتربية الدواجن وخدمات الإسكان، مع تأكيد مبادئ الحركة التعاونية في العضوية المفتوحة والمشاركة والإدارة الديمقراطية والعمل على تخليص القطاع التعاوني من الفساد، وإخضاعه للرقابة والشفافية من جانب المساهمين وتحريره من الوصاية الحكومية المفروضة عليه، ورفض خصخصته، وتوفير التسهيلات والحماية لصغار ومتوسطي التجار.
9- تغيير نظام تأجير أملاك الدولة في القسائم الصناعية والخدمية التي جرى تقسيمها وإعادة تأجيرها بحيث تكون القيمة الايجارية المدفوعة للدولة مرتبطة بنسبة جدية من القيمة الايجارية، وزيادة ايجارات الشاليهات بما يتناسب مع قيمتها السوقية والايجارية.