
هل دخل لبنان مجدداً إلى مسرح ترسيم الحدود البحرية؟
الثروة البحرية اللبنانية ليست ورقة تفاوض أو مساومة سياسية بل هي حق ثابت وملك للأجيال القادمة والدفاع عنها واجب مقدس
بعد إعلان وقف إطلاق النار واستئناف عملية تبادل الأسرى الذي جرى بموجب اتفاقية بين قوى المقاومة والاحتلال والتي تم رعايتها واحتضانها برافعة دولية وإقليمية تكون قد انطوت صفحة الحرب في غزة بالمعنى العسكري ولكنها فتحت باب السياسة على مصراعيه. وكما هو معلوم فإن الفعل العسكري إذا لم يضمن تغييراً سياسياً فهو فعل عبثي.
المقاومة الفلسطينية وتحقيقها للانجازات في مواجهة حرب الإبادة الصهيونية
لقد روّج الكثيرون بأن هذا الاتفاق بمثابة هزيمة للمقاومة وانتصار لكيان الاحتلال واستحضروا في طريقهم شواهد كثيرة منها خطة الانسحاب في هذه المرحلة والتي ستبقي على نحو 42% من الأرض تحت سيطرة الاحتلال بما يسمى الانسحاب حتى الخط الأصفر، وترحيل القضايا المعقدة المتعلقة بالسلاح والإدارة والقوات إلى وقت لاحق في مسعى واضح الأهداف من هؤلاء المروجين وهو التحريض والتخلص من المقاومة ليس كفكرة عسكرية بل كفكرة متجذرة لدى الشعوب الحرة. وفي سياق عملية التشويه المتعمد انبرى البعض لبناء تصورات مستقبلية عن المنطقة وجميعها تصب في خانة حضور (إسرائيل) كفاعل أساسي في قرار وبنيان هذه المنطقة. صحيح أن هذا الاتفاق جاء في سياق حرب الإبادة البشرية ضد غزة التي استمرت لسنتين واستخدمت فيها كل الوسائل غير الإنسانية وغير المشروعة واللاقانونية وبدعم كامل من القوى الاستعمارية الدولية وتواطؤ بعض النظم الرسمية العربية معها، إلا أنه لا بد من التذكير بأن الفعل المقاوم حقق إنجازات كونية على صعيد شعوب الأرض قاطبة ودخلت فلسطين كل بيت في العالم وأصبحت رمزاً للعدالة الإنسانية. لهذا لا بد من القول إن هذه الحرب التي كان ميدانها قطاع غزة قد امتدت إلى كل العواصم في العالم وطرحت أسئلة كبرى على المستوى الفردي والجماعي وجسدت مقولة الشهيد غسان كنفاني بأن “الاحتلال امتحان يومي للضمير العالمي”. وبتنا أمام خيارين متصارعين، الأول يمثله الحضور الإنساني الفاعل الذي تجلى في قلب العواصم عبر المد الشعبي وخاصة في مدن الغرب وأصبحت له عوامل موضوعية في الجامعات والنقابات وقوى سياسية مختلفة ومتنوعة منها وأنتجت ” جيل Z ” وجميعها انضم تحت عنوان ” Free Palestine “، وفي الخيار الثاني الذي لا يملك سوى القوة العسكرية المفرطة التي تريد أن تتجبر في الأرض وتهلك النسل والحرث.

لا شك بأن غزة اليوم مهدومة البنيان جريحة ومدماة لكنها فعلت مالم تفعله شعوباً وجماعات، درّسونا في كتب التاريخ أن عكا هزمت نابليون، لكن هذه الكتب قفزت عن حقيقة أن غزة هي التي اصطدمت مع نابليون وقاومته حتى النهاية وعندما اقترب من عكا كان جيشه منهكاً ومتعباً وانتهت أحلام الفرنسيين على أسوارها.
غزة الضاربة جذورها في التاريخ قادرة اليوم على ابتلاع أوهام الرئيس الأميركي ترامب وأعمدة إدارته، كوشنير وويتكوف وجي دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو وجميع أفراد فريق الإدارة الأميركية. فهو يدرك جيداً مدى الاختلال البنيوي الذي حدث لـ (إسرائيل)، وأيضاً يدرك أن ميزان القوى يميل لمصلحة القضية الفلسطينية وأنصارها أكثر من أن يميل إلى مصلحة نتنياهو حيث أصبح يعاني من عزلة دولية وتآكل من الداخل، وأصبح الرأي العام الدولي يعتبر إسرائيل ضالعة في حرب الإبادة الجماعية، وتالياً هي مهزومة سياسياً وأخلاقياً على مستوى عالمي، ومدانة ومتهمة وهنالك رأي عام يقول بضرورة أن يذهب نتنياهو وفريقه إلى المحاكم الدولية لمحاسبتهم. واعترف ترامب في حوار مع مجلة تايم (23/10/2025)، بأن “إسرائيل تفقد شعبيتها بشكل كبير” وأكد أنه لن يسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية، محذراً من أن تل أبيب ستخسر دعم الولايات المتحدة حال حدوث ذلك، في إشارة إلى مصادقة الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون يهدف إلى فرض السيادة على أجزاء من الضفة الغربية المحتلة.
ولذلك قدَّم ترامب نفسه بأنه الحريص على مصلحة دولة الاحتلال أكثر من نفسها، فالصراخ الذي يحضر الآن في أروقة صنّاع القرار لدى الكيان الصهيوني يشير إلى أن الرعاية الأميركية دليل عجز حكومة نتنياهو وليس قوتها. لذلك يرى البعض أن الزيارات المكوكية ومشاركة المسؤولين الأميركيين للكيان الصهيوني على أنها تأتي في سياق تعزيز ودعم حكومة نتنياهو بينما يرى آخرون إنها محاولات لتثبيت وإنجاح المرحلة الأولى من الاتفاق بعد المخاوف من انهياره جراء الخروقات الإسرائيلية العدوانية المتكررة على القطاع وإقناع نتنياهو بإنجاز هذه المرحلة من أجل الذهاب إلى المرحلة الثانية، سيما أن ترامب يريد الاحتفاء بنفسه كقائد تاريخي استطاع أن يطلق خطة تفضي إلى وقف إطلاق النار وأنه أنشأ ” مجلس السلام” المزعوم الذي سيترأسه وأنه بصدد زيارة غزة، وبالتالي ثمة مخاوف أميركية من عودة حكومة نتنياهو إلى الحرب بما يفشل خطته وكل مكاسبه الشخصية. إلا أن واقع الأمر يقفز عن ذلك ويرجح أن هدف الزيارات المتتالية هو تثبيت الدولة وليس الحكم. علماً أن تلك الزيارات ترافقت بتهديدات ترامب تجاه حركة “حماس” بالقضاء عليها إذا لم تلتزم باتفاق وقف إطلاق النار مع أنه كان معجباً ببيان “حماس” ووضعه على صفحته في منصة Truth social معلنا: “أعتقد أنهم مستعدون لسلام دائم. يجب على (إسرائيل) أن توقف قصف غزة فوراً”، وبناء على ذلك فإن قرار وقف إطلاق النار أو استئناف الحرب أصبح في يد الإدارة الأميركية، التي تريد إقناع الجميع أنها وحدها القادرة على ضبط دقات عقارب ساعة المنطقة وفقاً لتوقيت واشنطن!
فهل تنجح تلك المساعي أو تفشل؟ هذا مرهون بقوة وصلابة المقاومين في غزة وما حولها. ومرهون أيضاً بصياغة استراتيجية وطنية شاملة وإعادة بناء المؤسسات الوطنية على أسس الشراكة في مسار سياسي وطني موحد يرفض أي وصاية أجنبية في إدارة قطاع غزة، فهو شأن فلسطيني داخلي يحدده مكونات الشعب الفلسطيني الوطنية بالتعاون مع استعدادات عربية ودولية تشارك في مجالات الإعمار والتعافي والتنمية، لكن الأكيد أن الإدارة الأميركية المنشغلة في الشأن الداخلي الإسرائيلي تريد ترتيب الأولويات، لهذا يطرح ترامب فكرة العفو عن نتنياهو مقابل خروجه من المشهد السياسي، صحيح أنه لم يذكر تتمة المقطع الثاني إلا أن صدور أي عفو مشروط بالإقرار بالذنب وهذا يأتي ضمن تصريحات سابقة لترامب وجهها لنتنياهو مؤخراً “لا يمكنك محاربة العالم لأنه كله ضدك، وإسرائيل مكان صغير جداً مقارنة بالعالم”، وفي هذه الأجواء لم يغب عن بال الإدارة الأميركية تغيير القيادة الرسمية الفلسطينية أثناء ترتيبها للأولويات، لأن حديث ترامب كان واضحاً وصريحاً بأن الشعب الفلسطيني لا يملك قيادة سياسية وأن قرار إطلاق سراح الأسير القائد مروان البرغوثي بيده، وهذا مؤشر آخر على أن إدارة البيت الأبيض في واشنطن تمتلك زمام الأمور بشكل كامل ولم يعد لحكومة الاحتلال أي قدرة على المناورة أو الرفض باستثناء بعض الاعتبارات الأمنية من قبيل رفض الوجود العسكري التركي في غزة.
وضمن السياق، هل تنجح إدارة ترامب في مساعيها رغم الخفايا الكثيرة التي تكتنف الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر 2025، لعل وعسى بأن الأيام والأشهر المقبلة هي الكفيلة بمحاكمة هذا الاتفاق وتفرعاته.
وفي ظل غياب موازين القوى الفعلية لهذا الصراع من الجائز أن تذهب المقاومة إلى ربط النزاع والمراهنة على الوقت من أجل استعادة العافية والنهوض من جديد فهذا المسرح وعبر التاريخ يعلمنا أن كل الغزوات التي اجتاحت بلادنا تحطمت وانهزمت بفضل صمود ومقاومة الشعوب. وتأتي الذكرى الثانية لمعركة طوفان الأقصى لتؤكد المقاومة الفلسطينية على أنها أفشلت أهداف العدو، ولم تتنازل في المفاوضات عن أي من ثوابتها والتي تكمن في وقف العدوان والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من قطاع غزة، وصفقة تبادل عادلة للأسرى وفتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار للقطاع. ولتؤكد أيضاً أن الشعب الفلسطيني متجذر في أرضه باق عليها وملتف حول مقاومته ومتشبث بحقوقه المشروعة ضد مخططات التصفية والإبادة والتهجير القسري.

الثروة البحرية اللبنانية ليست ورقة تفاوض أو مساومة سياسية بل هي حق ثابت وملك للأجيال القادمة والدفاع عنها واجب مقدس

إنّ أزمة الاقتصاد الريعي التابع ليست أزمة وقتية عابرة يمكن تجاوزها عبر الارتفاعات التي تطرأ على أسعار النفط، وإنما هي أزمة بنيوية عميقة وهي مرشحة

إنّ مواجهة سياسة الضمّ تتطلّب استنهاضَ دور حركة التحرّر العربيّ، وإقامةَ جبهةٍ تقدّميّةٍ عربيّةٍ لإحياء المشروع الوطنيّ التحرّريّ الشامل ضدّ المشروع الإمبرياليّ– الصهيونيّ التوسّعيّ، وضدّ التبعيّة والاستبداد

منذ عامين والعدو الصهيوني يمعن في جرائمه النازية في قطاع غزة ويحاصره، ويمنع وصول المساعدات الإنسانية إليه، ويمارس قرصنة في المياه الدولية لمنع وصول سفن



