فنزويلا وكولومبيا تستحقان التضامن

-+=

شهدت الأسابيع الماضية تصعيداً إمبريالياً أميركياً خطيراً موجّهاً ضد جمهورية فنزويلا البوليفارية وضد الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، اللذين لم يكن صدفة أنهما من أبرز المتضامنين الأمميين مع القضية الفلسطينية… وتمثّل هذا التصعيد من جهة في إطلاق التهديدات العلنية بالتدخل العسكري المباشر في فنزويلا تحت ستار “مكافحة المخدرات”، وزيادة حجم الوجود العسكري الأميركي في الكاريبي عبر نشر قطع بحرية في المياه المحيطة بفنزويلا، وتكثيف طلعات المراقبة والعمليات الاستخبارية التي تستهدفها، وإقامة مناوراتٍ عسكرية مشتركة مع الحلفاء الإقليميين، واستهداف قوارب صيد مدنية… فيما اتخذ هذا التصعيد الإمبريالي ضد الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو شكل إصدار قرار جائر بفرض عقوبات عليه وعلى أسرته.

ولا شك في أنّ هذا التصعيد يشكّل مرحلة خطيرة من التدخل الإمبريالي، وهو لا يهدد فنزويلا وكولومبيا فحسب، وإنما يشكّل تهديداً صلفاً لحقّ الشعوب في تقرير مصيرها واستقلالها السياسي والاقتصادي.

فمنذ أن أطلق الزعيم الثوري الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز الثورة البوليفارية في مطلع الألفية اتخذت فنزويلا طريقاً تحررياً بعيداً عن الهيمنة الإمبريالية الأميركية وحاولت فكّ قيود التبعية وممارسة سيادتها الوطنية على أراضيها ومواردها النفطية، حيث تبلغ احتياطاتها النفطية 300 مليار برميل، وهي أكبر الاحتياطيات النفطية في العالم، وتوجهها نحو تمويل البرامج الاجتماعية لغالبية المواطنين، وليس كما كان لإثراء الشركات الأجنبية والطغم المحلية التابعة… وأصبحت فنزويلا منذ ذلك الحين شوكة في حلق الإمبريالية الأميركية، وهو الخط، الذي واصل السير عليه الرئيس الحالي نيكولاس مادورو، ما أثار غضب واشنطن، التي باشرت منذ ذلك الحين نهجها العدواني ضد فنزويلا بدءاً من فرض العقوبات الاقتصادية، التي أفقرت الشعب الفنزويلي، مروراً بتخريب البنية التحتية الحيوية، وصولاً إلى تمويل محاولات انقلابية وتنفيذ عمليات سرية وتشكيل مليشيات مرتزقة، ناهيك عن مصادرة الاستثمارات الفنزويلية في الخارج… ولكن هذا كله لم يُجدِ نفعاً، حيث صمدت فنزويلا في وجه المؤامرات الإمبريالية، ما دفع واشنطن إلى تصعيد أشكال تآمرها على النحو، الذي نشهده الآن.

وفي السياق العدواني التآمري الإمبريالي الأميركي ذاته لاستهداف الدول الحرّة المناهضة للهيمنة يجري التآمر على الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، خصوصاً بعد مواقفه الجريئة ضد الكيان الصهيوني في مواجهة حرب الإبادة على غزة، ودعوته غير المسبوقة لإنشاء جيش أممي لتحرير فلسطين.

والملاحظ في الحلقة الجديدة من مسلسل التآمر الإمبريالي الأميركي على فنزويلا وكولومبيا هو استخدام ورقة مكافحة تجارة المخدرات كذريعة للتدخل والعدوان… ولئن كانت كولومبيا تاريخياً تمثّل أحد مصادر إنتاج المخدرات، فإنّه من المعروف أنّ واشنطن لم تكن بريئة عن توظيف عصابات تهريب المخدرات والأسلحة فيها، ولم يتغيّر الموقف الأميركي إلا بعدما أصبح الرئيس الكولومبي أحد أبرز دعاة التحرر في أميركا اللاتينية… أما فنزويلا، فهي مثلما أوضح رئيسها مادورو “بلد خالٍ من إنتاج أوراق الكوكا والكوكايين”، وهي تسعى بجدّ للوصول إلى نسبة 100 في المئة من السيطرة على تهريب المخدرات عبر الحدود الكولومبية… وهذا ما يكشف تهافت الادعاءات والمزاعم الأميركية.

إننا من منطلق التضامن الأممي مع الشعوب والبلدان الساعية للتحرر من الهيمنة الإمبريالية، ومن باب التقدير العالي للمواقف المتقدمة لفنزويلا والرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، تجاه القضية الفلسطينية، معنيون بإعلان تضامننا الكامل مع الشعبين والبلدين الصديقين فنزويلا وكولومبيا وقيادتيهما التحرريتين في تصديهما للتآمر الإمبريالي الذي يستهدفهما… فمعارك النضال التحرري ضد الهيمنة الإمبريالية واحدة.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

لا للمزايدة على المقاومة

فيما تحلّ الذكرى السنوية الثانية لطوفان الأقصى، فإنّه رغم ضراوة حرب الإبادة الصهيونية وما صاحبها من تقتيل وتشريد وتجويع وتدمير وحشي غير مسبوق، ورغم الإسناد،

“إسرائيل الكبرى” .. تهديد وجودي

تصريح مجرم الحرب الصهيوني بنيامين نتنياهو عما أسماه رؤية “إسرائيل الكبرى” لم يكن زلّة لسان، وإنما هو إفصاح متعمّد في هذا التوقيت بالذات على لسان

الغزو بين التاريخ ودروس الحاضر

جاء الغزو العراقي الغاشم للكويت في الثاني من أغسطس/ آب من العام ١٩٩٠ ليشكّل زلزالاً قوياً وذلك ليس في الكويت فحسب، وإنما على مستوى المنطقة

تعليم أبناء الكويتيات.. الحق المهدور

جاء قرار مجلس الجامعات الحكومية بإقصاء أبناء الكويتيات من القبول الجامعي المباشر بشكل مفاجئ، قبل أيام قليلة فقط من فتح باب التسجيل، ومن دون أي تمهيد مسبق. ورغم تقديم تبرير رسمي يتعلق بضغط القبول، إلا أن هذا المبرر لا يبدو منطقيًا أو كافيًا لتبرير هذا النوع من الإقصاء