تأسيس وانطلاق الكتلة النسائية الديمقراطية الكويتية «كندة»
تواصلت «تقدُّم» مع القائمات على «كندة» لمعرفة المزيد عن تأسيس الكتلة
من بين قضايا عديدة تناضل من أجلها النساء في الوطن العربي وتتطلب بحث وفهم الواقع الموضوعي، ومقاومتها لأشكال الاضطهاد على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تكاد تكون الانتهاكات الجسدية من أبرزها؛ نظراً لكونها محصنة سياسياً واجتماعياً. فلطالما كان جسد المرأة مساحةً لفرض القيود والهيمنة الذكورية عبر التاريخ. لعل أشدها وطأة ورجعية ارتباط المفاهيم المجتمعية المتمثلة بالعادات والتقاليد بمفاهيم مثل عيب وعار، التي تخص أمراض النساء وجسد المرأة، عموماً، بالمنظومة الصحية ويتم دعمها مؤسساتياً. على سبيل المثال لا الحصر، في منطقتنا العربية ارتبط مفهوم العفة بـ “غشاء البكارة” وكان سبباً أساسياً لكثير من الجرائم بحق النساء من تعنيف نفسي وجسدي وسلب لأرواحهن، لاعتبار انه حق وملكية خاصة لأهلها ومن ثم تنتقل هذه الملكية إلى زوجها بدعم من المجتمع والدولة. فجرائم الشرف لا تزال، إلى يومنا هذا، مستمرة بكل وحشية في المجتمعات العربية دون عزم حقيقي وسعي جاد وجذري لحلحلة مشاكل العنف والاضطهاد الجندري.
تعارض الدراسات العلمية مع التابوهات المجتمعية
تنهال المغالطات الطبية المتداولة إلى يومنا هذا في الأوساط المجتمعية والأكاديمية بالرغم من انه تم دحضها بدراسات علمية. ومنها أحد أساطير العفة الزائفة ما يسمى “غشاء البكارة” الذي ليس مقياساً للعذرية لأنه عبارة عن طبقة من أنسجة مخاطية وغشائية رقيقة ومرنة تحيط بفتحة المهبل بشكل جزئي، وفي الأصل يحتوي على عدة ثقوب للسماح بدم الحيض للنزول، لأنه ممكن أن “يُفض” بشكل طبيعي بدون الممارسة، وكذلك تركيبه يختلف بين امرأة وأخرى، وفي بعض الأحيان بعض النساء تولد بدونه. إن تطبيع مصطلح غشاء البكارة ساهم في ترسيخ مفاهيم مغلوطة عنيفة أدت إلى فقدان أرواح الكثير من النساء في الوطن العربي، لذلك نأمل استبدال هذا المصطلح المؤذي بما هو أفضل كمسمى “اكليل المهبل” كونه لا يربط الغشاء بالعذرية، وليس له دلالة على جنسانية المرأة ليتم من خلاله تعنيفها وامتهان كرامتها.
أخلاقيات الطب
لماذا تعتبر الأخلاقيات الطبية ضرورية كأساس منهجي واضح تركز عليه المؤسسة الطبية وممثلوها؟ كثيراً ما يجد الأطباء أنفسهم في مواجهة أسئلة ومعضلات أخلاقية في مجال عملهم، لذلك فإن المبادئ الأخلاقية الطبية التي تم الاتفاق عليها عالمياً، ويجب أن يتصرف بموجبها الطبيب، توفر إطاراً تنظيمياً لمساعدة الأطباء على معرفة الحقوق والواجبات المتوقعة، وكذلك رسم طبيعة العلاقة التي تربط الطبيب بالمريض، والزميل، بل حتى التي تربطه مع مهنته. تعتمد قواعد أخلاقيات الطب على أربعة مبادئ أساسية هي:
١ – الاحسان: يتمثل ذلك في التزام الطبيب بالعمل لصالح المريض ويدعم عدداً من القواعد الأخلاقية لحماية حقوق الآخرين والدفاع عنها، ومنع الأذى وإزالة الظروف التي من شأنها أن تسبب الضرر، وإنقاذ الأشخاص المعرضين للخطر ٢- عدم الايذاء: يتمثل ذلك بإلزام الطبيب بعدم الإضرار بالمريض بحيث يدعم هذا المبدأ العديد من القواعد الأخلاقية مثل عدم التسبب بالقتل أو الألم أو المعاناة أو الإساءة، ولا تحرم الآخرين من خيارات الحياة. ٣- مبدأ الحرية/الاستقلالية: يتمثل في منح المريض حرية الاختيار حيثما كان ذلك ممكناً – أي يشترط أن يكون عاقلاً وبالغاً ٤- العدل: يتمثل في ضمان الإنصاف عند توزيع الموارد الصحية وعدم حرمان أي إنسان من الحصول على الرعاية الصحية أو التمييز بين مرضاهم سواء بالجنس أو العرق أو الدين أو الطبقة، أو أي انتماءات أخرى يمايز بها.
تمثل هذه المبادئ الأربعة إطاراً لبناء أكفأ إجراء من الممكن اتخاذه في حالة مرضية معينة. انطلاقاً من هذه الركائز الأساسية، يجب أن يتسق الاجراء الطبي الصادر من الطبيب ويتوافق معها ضماناً لفعالية الرعاية الصحية.
جور وتعسف نظام الرعاية الصحية والضرب بأخلاقيات الطب عرض الحائط
التطبيق العملي لمبدأ عدم الإضرار/الإيذاء يتضمن بأن الطبيب يوازن بين فوائد أي اجراء طبي مقابل أعباء التدخلات والعلاجات، وأيضاً تجنب تلك الاجراءات التي تشكل عبئاً على المريض، وعليه اختيار أفضل مسار لرعاية المريض. لذلك فإن عدم اعطاء المرضى فحوصات ضرورية من شأنها حماية المريض كأولوية دون مسوغ قانوني وأخلاقي يعد انتهاكاً لمبادئ أخلاقيات الطب. في الكويت، لا يتم فحص المرأة العزباء ولا يتم أخذ مسحات Pap Smears منها في حال أنها تعرضت لإلتهابات مهبلية قد تؤدي لمشاكل أكبر مثل سرطانات الرحم التي يمكن أن تمنعها من الإنجاب مستقبلاً، ولا توفر الدولة لها اللقاحات إلا في القطاع الخاص، وزيادة يتم تخمين علاجها بأسس بدائية، وليست طبية، يتم بها تقصي أنواع الالتهاب ومن ثم الطلب منها ان تراجعهم إذا تزوجت. بحسب المحاميات الحقوقيات شيخة سالمين وإسراء العميري، لا يوجد قانون ينص على إلزام وجود عقد الزواج للمرأة المتزوجة، أو قانون مكتوب يمنع المرأة غير المتزوجة من الخضوع لفحوصات طبية، ولكن بحسب لوائح وتشريعات عرفية، في الوسط الطبي، فإنها تجعل من رجل وصي لديه سلطة على جسدي أكثر مني كامرأة بالغة، وتمنح السلطة للطاقم الطبي تحديد الخدمات التي يقدمها للنساء غير المتزوجات.
ما هي الحكمة والغاية وراء احضار المرأة عقد الزواج للعلاج في المستشفيات الحكومية؟ ماذا لو كانت المريضة تريد الحفاظ على خصوصية حالتها الصحية؟ أليس هذا عبارة عن انتهاك صارخ لمبادئ وأخلاقيات الطب التي تم تدريسها لكم قبل ممارسة المهنة؟ ألا يعني ذلك دفع المرأة للبحث عن طرق أخرى، “شعبية”، خطيرة ومضرة لعلاج نفسها، وربما تكون النتيجة ظهور أمراض ومشاكل صحية أخرى تتحملون وزرها.
كل هذه الأسئلة توصلنا الى استنتاج حتمي بأن هناك عملية تجاهل منهجي متعمدة من قبل قطاع الصحة الإنجابية والجنسية في الكويت. ان تحديد الخدمات التي يمكن للأطباء تقديمها على حسب الحالة الاجتماعية (متزوجة وغير متزوجة) هو تعسف تشريعي ومؤسسي ضد صحة المرأة التي كفلها الدستور بموجب قانون دستور الكويت مادة (15) الذي ينص على “ان الدولة تعنى بالصحة العامة وبوسائل الوقاية والعلاج من الأمراض والأوبئة”. وكذلك مادة (29) التي تنص على أن “الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين”. وكذلك المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي طالما سارعت الكويت بالتوقيع عليها من مبدأ حفظ حقوق الإنسان ومكافحة جميع أشكال التمييز، لكن كل المعاهدات الموقعة مجرد حبر على ورق مفرّغة من محتواها دون تفعيل حقيقي وسعي جاد لحل أزمات التمييز الواقعة بين المواطن والمواطنة، على كل الأصعدة السياسية والاجتماعية – الاقتصادية، التي من مآلها حفظ كرامات النساء خصوصاً.
نؤكد، كنساء إن امتناع مزاولي المهنة الطبية في أقسام أمراض النساء في المستشفيات عن تقديم الخدمات الصحية المتعلقة بالفحص الداخلي للرحم أو المهبل خوفاً من الوقوع في المشاكل مع أطراف العائلة ليس عذراً لأن صمتكم كلّف الكثير من الأضرار على الأصعدة الاجتماعية والنفسية والجسدية، فأسطورة غشاء البكارة التي تكرسونها، بشكل غير مباشر عن طريق توظيف المؤسسات الطبية لزيادة العبء الاجتماعي، ذهبت الكثير من النساء ضحايا بسببه، وأدى، كذلك، إلى تعريضهم للخطر، خصوصاً، مع تزايد الأمراض الهرمونية ومشاكل الرحم عند النساء في العالم لعدة عوامل متداخلة.
الأبعاد الاقتصادية والسياسية المرتبطة بالصحة الانجابية والجنسية
يعكس قطاع الصحة الإنجابي مرارة الواقع المليء بقصص النساء اللاتي تعرضن للتمييز والعنف الذي أثر على ممارستهن لحياتهن الطبيعية ابتداءً من سن البلوغ تحديداً. هذا التمييز الجنسي، من ناحية التعامل مع الأمراض المتعلقة بجنسانية الرجل/المرأة واعتماد اجراءات على أساسها، يفتح الباب لإعادة النظر في الهياكل المتداخلة التي تعزز وتستفيد، بالضرورة، من ابقاء هذا التمايز الفج في المعاملة. الكثير من النساء لا يحظين برعاية وخدمات صحية بسهولة لأسباب مرتبطة، بشكل وثيق، بالهياكل السياسية والاقتصادية القائمة التي تفاقم من مشاكل التمييز على أساس الجنس والعرق والموقع الطبقي وصولاً إلى المواطنة. على سبيل المثال، الكويتيات البدون غير قادرات على الحصول على الرعاية الصحية دون ثبوتات أو بطاقات مدنية يتم فيها مساومة، على الأغلب، للتوقيع على جنسيات مزعومة وملفقة، وفي حال الرفض تتم عرقلة أي إجراء في القطاعات الحكومية، مما يصعب على المستوصفات قبول طلبات التحويل إلى العيادات الخارجية في القطاع الخاص، بحجة انتهاء البطاقة. لا نغفل أيضاً ان الوضع المادي لأغلبية البدون سيء، وتعيش الأسر البدونية تحت خط الفقر غير قادرة على اللحاق بتأمين ضروريات حياتهم من سداد بدل ايجار السكن وتوفير الأكل، وتحمل عبء سياسات الإفقار، بالإضافة إلى التضييق الممنهج المتمثل بالجهاز المركزي التمييزي الذي يشمل: استغلال قوة عمل البدون وجهدهم كعمالة رخيصة/ زهيدة الأجر، ابتزاز نفسي للتنازل عن حقوقهم كعمال ومواطنين، وكذلك منع اجازات الوضع والأمومة والحج والطوارئ للمعلمات البدون العاملات في بعض الوزارات، منها وزارة التربية، وكذلك تكاليف الفحوصات، من سونار وأشعة، في العيادات النسائية الخاصة التي تثقل كاهل جميع النساء، وبالأخص الطبقات الأفقر. ولا ننسى العاملات المنزليات حيث يتعرضن لأمرّ الانتهاكات تحت وطأة نظام الكفالة الذي يستغلهن ويقتات على الجهل القسري الممنهج لحقوقهن الإنسانية.
ختاماً
إن كل توجه لمؤسسات الدولة متمثلة بموظفيها هو، بالضرورة، قالب ومؤطر لتفكير الفرد في المجتمع وتشكيل وعيه. لذلك، فإن كل التابوهات المتعلقة بصحة النساء الجنسية والإنجابية وتكريس منهجية تبعية المرأة للرجل والزامها بوصي على حياتها لا بد أن تنتهي لما تحمله من أضرار نفسية وجسدية خطيرة محتملة. لا بد من وقفة جادة من قبل النواب وجمعيات الحقوق المدنية تجاه هذه القوانين المجحفة بحق النساء، وعلى الجهات المعنية، بدءاً من المؤسسات التعليمية، إدراج مادة دراسية تتناول مختلف المواضيع المتعلقة بالصحة الجنسية، للمرأة وكذلك للرجل، بطريقة علمية وتوعوية لتهيئة أجيال قادرة على احترام بعضها البعض بعيدة من المفاهيم الخاطئة لأجسادهم، وأيضاً لحمايتهم من أي ممارسات خاطئة وغير صحية. وعلى مؤسسات الصحة أن تقوم بواجبها في نشر ثقافة الصحة الإنجابية والجنسية وتساهم بحملات توعوية وبرامج تثقيفية لهدم التابوهات المتعلقة بالعذرية والدورة الشهرية لازالة وصمة العار المجتمعية عن جسد المرأة. نحن كنساء رازحات تحت الأنظمة التي تضطهدنا، يميناً وشمالاً بشكل يومي، لا نريد أن يقتصر دورنا فقط على التثقيف الطبي النسوي دون الإشارة إلى الأسباب الفعلية التي تمنع النساء من الاهتمام بصحتهن الجسدية كما تفعل بعض الجمعيات الثقافية على تويتر وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، بل نطمح أن نحدث تغييراً مرجواً على أرض الواقع ينشلنا كنساء إلى واقع أفضل.
طالبة طب، نسوية ماركسية مهتمة في دراسة هياكل الاضطهاد الامبريالية الاستعمارية
تواصلت «تقدُّم» مع القائمات على «كندة» لمعرفة المزيد عن تأسيس الكتلة
يتعرض المدافعون عن مدنية الدولة والدفاع عن الحقوق المكتسبة للشعب العراقي، لحملات تخوين وتكفير وهجوم جائر وتحديداً النساء منهم اللواتي يتعرضن لحملات تشويه
دعماً لمقاومة الشعب الفلسطيني الباسل ضد العدوان الصهيوني على قطاع غزة المستمر منذ السابع من أكتوبر الماضي، ورفضاً للإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو الصهيوني ضد أهل غزة ورفح التي ذهب ضحيتها عشرات آلاف الشهداء، معظمهم من النساء والأطفال، أصدرت مؤسسات المجتمع المدني الكويتية
“جوزي مباما” من الأسماء المغمورة التي كرست حياتها في بناء وتنظيم القواعد الشعبية لمواجهة نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا، لكن للأسف تم التغاضي عن مساهماتها السياسية واستبعدت إلى حد كبير من السجل التاريخي الذي لم ينصف المئات بسبب أن هنالك تراتبية في تناول تاريخ المقهورين.