المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال

لا شك أن الظروف الصعبة غير الإنسانية للحروب والصراعات المتمثلة في القتل والدمار والتهجير، وانهيار المنظومات الصحية والتعليمية، وتدمير البنى التحتية للمدن وتشريد سكانها، ناهيك عن التنكيل وانعدام الأمن والاستقرار وشح الحاجات الأساسية لها أثر كبير على الجميع، لكن لطالما كانت الجماعات والأفراد من الطبقات الاقتصادية والاجتماعية المتدنية والفئات الاجتماعية المهمشة هي التي تدفع الأثمان أضعافاً مضاعفة بسبب وجودها في أسفل الهرم الطبقي إذ أنها، في أفضل الأحوال، تفتقر لأبسط مقومات الحياة وتعيش في حالة حرب وصراع دائم مع الرأسمالية الجائرة. وكون النساء من الفئات التي تعاني من التهميش في أغلب المجتمعات البشرية وتعامل في الكثير من الأحيان كجنس بشري أدنى مكانة من الرجل فإن صراعها في مثل هذه الظروف يكون متعدد الأوجه وعلى مختلف الأصعدة، الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية. كذلك هو حال النساء في فلسطين الواقعة تحت الاحتلال الذي يسيطر أمنياً على حياة الفلسطينيين والفلسطينيات اليومية بواسطة وسائل المراقبة والتتبع والتدقيق في النقاط الأمنية، ناهيك عن أولئك المحاصرين في قطاع غزة. لا يكتفي الاحتلال في مراقبة وتقييد حرية الفلسطينيين والفلسطينيات بل ويمارس الإرهاب، بشكل مستمر وممنهج، من خلال حملات الاعتقال العشوائية والواسعة النطاق التي تسفر عن اعتقال آلاف الفلسطينيين والفلسطينيات في مدة قصيرة، بالإضافة لانتهاك حقوقهم وكرامتهم داخل سجون الاحتلال حيث يبقى العديد منهم رهن الاعتقال إلى أجل غير مسمى وبدون محاكمة، أو الحكم عليهم على أساس تهم واهية والتنكيل بهم بداخل السجون وتعذيبهم.

لا شك أن كل شعبنا الفلسطيني من رجال ونساء وأطفال، بل وحتى النظام البيئي في فلسطين، يعانون من همجية الكيان المستعمر الذي انتهك كل القوانين الدولية، والأعراف الإنسانية على مدار عقود من الزمن، لكن تبقى معاناة النساء الفلسطينيات هي الجزء الأكثر تهميشاً في السردية التاريخية لهذا الصراع. 

عانت النساء على مر التاريخ من قوى الاستعمار الرجعية في استخدامهن كأدوات للحرب، وأجسادهن ساحات للمعركة، وذلك كأحدى الوسائل لبسط هيمنتها على الشعوب المستعمرة، وتعاني النساء في فلسطين بشكل عام، والسجينات بشكل خاص، من تمييز قائم على أساس جندري لكونهن نساء، يتمثل في الاعتداءات الجنسية والجسدية وخضوعهن للتفتيش وهن عاريات، وتهديد ذويهن باغتصابهن، من قبل هذا الكيان المستعمر.

إن نصف سكان غزة المحاصرة والواقعة تحت القصف الهمجي والبالغ عددهم مليوني نسمة هم من النساء، يعانون من كونهن جزءاً من شعب محتل يعاني الفقر وشح الموارد والحاجات الأساسية ويقصف ويشرد بشكل يومي، يخوضون معركتهم الخاصة ضد الطبيعة الفيسيولوجية لأجسادهن، ويضعن أنفسهن في وضع صحي خطير نتيجة الظروف غير الإنسانية التي فرضها عليهن الاحتلال، فقد شاع بين نساء غزة تناول الأدوية التي تؤخر الدورة الشهرية نتيجة لشح مستلزمات الدورة والتي قد تكون من أبسط حقوق النساء في أي مكان في العالم، هناك ما يقارب 50000 ألف امرأة حامل في غزة تعيش في ظروف غير آمنة تفتقر فيها لأبسط احتياجات الحمل السليم، ناهيك عن من تعاني من حمل غير مستقر وتحتاج لعناية خاصة، تضعن نساء غزة أطفالهن في ظروف صحية غير آمنة للولادة على مستوى التعقيم وجهوزية مكان الولادة معرضة حياتها وحياة جنينها للخطر، إن سعيدة الحظ في غزة هي من تكون ولادتها طبيعية وإن كانت كل الظروف غير صحية لولادة الطفل، لأن كل ذلك هين مقابل خضوعهن لعملية قيصرية من غير تخدير، ودائماً ما يتم رمسنة عملية الولادة ووصفها بـ “المعجزة”،  لكن هل يستطيع العالم المتحضر تقديم وصف لائق لما تعانيه النساء في غرف الولادة في غزة؟. العالم الذي تبنى الرواية الكاذبة الصهيونية التي تدعي بأن حماس اغتصبت واعتدت جنسياً على النساء الإسرائيليات وبرر مجازر الكيان الصهيوني في غزة متخذاً النساء وحقوقهن وحمايتهن من العنف واجهة له ووسيلة للدفاع عن ما يقترفه هذا الاحتلال الحقير بحق شعبنا في غزة، أم أن هذا العالم النتن قد أشاح بوجهه عن ما يعانينه نساء غزة في ظل الاحتلال لأننا نساء وشعوب أدنى مكانة من شعوب العالم الأبيض المتحضر؟.

“إن الاحتلال أشد أنواع العنف الذي تفرضه القوى الاستعمارية على الأمم، ولا سبيل إلى مقاومة العنف إلّا بعنف أشد منه”، وشتان الفرق ما بين مقاومة الشعوب المستعمرة وحقها في الدفاع عن أرضها وبين العنف الاستعماري والقتل الممنهج والإبادة العرقية للقوى الاستعمارية الرجعية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال مساواة النساء الفلسطينيات المناضلات المقاومات بالمستعمرات الإسرائيليات تحت ذريعة العنف الجندري.

لا تصالح على حق من حُملت أشلاؤهم بأكياس.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

في الكيان الصهيوني.. الأندية الرياضية معامل لتفريخ الفاشية والعنصرية

لمن يمتلك معرفة، ولو محدودة، لواقع أندية كرة القدم ومشجعيهم الصهاينة، لكان لن يُفاجأ بما فعله مشجعو (مكابي تل أبيب) في أمستردام، بالعكس، لفوجئ كيف يمكن للسلطات الهولندية أن تسمح للآلاف من هؤلاء بالدخول لهولندا، وهم المعروفون بسلوكهم الغوغائي والعنصري والهمجي.

نظام الانتخابات الرئاسية الأميركية: هيمنة رؤوس الأموال وضرب لمفهوم التعددية الحزبية والديمقراطية الحقيقية وحقوق الطبقة العاملة

تتغنى الولايات المتحدة الأميركية بنظامها “الديمقراطي” وحرية الانتخابات فيها، والحريات والدفاع عن حقوق الإنسان فأين تلك الادعاءات والولايات المتحدة الأميركية حامية للاحتلال الصهيوني ومشاركة في حربه العدوانية على قطاع غزة ولبنان.

تصويت تاريخي: 187 دولة في الأمم المتحدة تطالب بإنهاء الحصار الأميركي الجائر على كوبا

صوتت الأمم المتحدة يوم الأربعاء 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على مشروع القرار المعنون ”ضرورة إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه حكومة الولايات المتحدة ضد كوبا“، حيث صوتت 187 دولة لصالح إلغاء هذه السياسة الأميركية المعادية .

احتدام حرب الجنرالات في السودان

تجددت الاشتباكات بين جنرالات الحرب في السودان الجنرال “حميدتي” قائد ميليشيا الدعم السريع، والجنرال البرهان قائد الجيش المختطف من الحركة الإسلامية، بشكل أكثر شراسة خلال شهر أكتوبر المنصرم على جميع محاور القتال، بخاصة في محوري الخرطوم وولاية الجزيرة.

[zeno_font_resizer]