رؤية الحزب الشيوعي المصري للإنقاذ الاقتصادي والتنمية: ضرورات التحول من التبعية إلى الاستقلال

منذ خمسين عاماً تغيرت السياسة الاقتصادية المصرية، باتجاه التبعية للاقتصاد الرأسمالي العالمي، ضمن استراتيجية شاملة في ذات الاتجاه، وقد تسارع تطبيق هذه السياسة خلال السنوات الثماني الأخيرة، مواصلة تصفية القطاع العام، وإفساح المجال كاملاً للاستثمار الخاص المحلي والأجنبي، بلا ضوابط أو تحديد أولويات، وانسحاب الدولة من المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وهيمنة النشاط الريعي والخدمي والمضاربات في الأراضي والعقارات والمال وتضخم الاستيراد وتقليص النشاط الإنتاجي، مما أدى إلى فوضى في النشاط الاقتصادي والسوق معاً، ونمو الممارسات الاحتكارية والفساد، وتزايد البطالة والتضخم، وتضاعف الديون المحلية والخارجية، واستنزاف الموارد الدولارية في عمليات الاستيراد غير الرشيد، وفي سداد أقساط وفوائد الديون، وظهرت بوضوح هشاشة الاقتصاد المصري في فترات الأزمات الإقليمية والعالمية الطارئة، حيث بدا عاجزاً عن تحمل تلك الصدمات.  

وفي مواجهة ذلك كان الحزب الشيوعي المصري يطرح رؤية بديلة للسياسة الاقتصادية الكلية، تنقذ الاقتصاد من أزمته الخانقة، وتسير به في طريق التنمية الشاملة المستدامة، كمقدمة ضرورية لتحوله من التبعية إلى الاستقلال..

وتتمركز رؤية الحزب الشيوعي المصري بشأن الإنقاذ الاقتصادي والتنمية حول محورين مترابطين ومتوازيين، الأول هو محور السياسات المالية والنقدية، والذي يعزز إصلاحه توفير الموارد اللازمة للسير في تنفيذ المحور الثاني، وهو الاستثمارات العامة والخاصة والتعاونيات ودور الدولة، كما يعزز إمكانيات السير في طريق العدالة الاجتماعية، والتي بدورها تحفز الاستثمار الإنتاجي. وفي ما يلي عرض الخطوط العامة العاجلة لتلك الرؤية في كلا المحورين:

أولاً- محور السياسات المالية والنقدية:

  1. ضم كل الهيئات الاقتصادية وما تملكه من أصول إلى الموازنة العامة للدولة، وضم صناديقها الخاصة إلى الموازنة بشكل كامل كحساب خاص، لترشيد قرارها وإنفاقها وإحكام الرقابة عليها من خلال وحدة الموازنة.
  2. التوقف عن الاقتراض بشروط صندوق النقد الدولي، التي ثبت أن نتائجها كارثية اقتصادياً واجتماعياً، ويساعد على تنفيذ ذلك وجود أقطاب عالمية متعددة اقتصادياً يمكن التعامل معها وفق مبدأ التعاون غير المشروط سياسياً و”المنفعة المتبادلة”.
  3. إيقاف وتأجيل المشروعات التي ليس لها أولوية اقتصادية واجتماعية وتنفيذ المشروعات القادرة على توليد الدخل مباشرة وتقديم قيمة مضافة للإنتاج السلعي والخدمات الأساسية.
  4. وضع سقف محدد للاقتراض المحلي والخارجي، وسقف آخر لخدمة الدين، يتوافق مع تطورات الناتج القومي الإجمالي وضرورات الإنفاق العام التنموي، واستخدام التمويل الأجنبي في المشروعات الاستثمارية التكنولوجية والبنية الأساسية الضرورية والمتطورة، وفق ضوابط تحترم قواعد المنافسة، وتمنع الاحتكار.
  5. خطة تقشف حكومي تتضمن وقف كل أوجه الإسراف، وذلك بدمج وزارات لتقليل عددها الذي يبلغ 34 وزارة، وهو ضعف العدد في كل من أميركا وفرنسا واليابان، ووقف الإنفاق على القصور والمؤتمرات، وتقليص وظائف الإدارة العليا، وإلغاء معظم وظائف المستشارين، وتجميد شراء السيارات الحكومية، وتجميد إعادة تأسيس مكاتب الإدارة العليا، وغيرها من أشكال الترف الحكومي.
  6. وقف استيراد السلع غير الضرورية كالسيارات الفارهة وغيرها من سلع الرفاهية الاستهلاكية.
  7. فرض حد أقصى للأجور بكل مشتملاتها في الجهات الحكومية والقطاع العام، لا يتجاوز 15 مثل الحد الأدنى للأجر.
  8. التعامل الحذر مع رفع سعر الفائدة، تلافياً لتحميل الموازنة العامة بمزيد من الأعباء، ولتشجيع المستثمرين الجادين، وعدم دفع الاقتصاد إلى المزيد من الركود.
  9. فرض ضريبة تصاعدية على الثروات تصل إلى 50%، وعدم إعفاء أي قطاعات منها واعتبار التهرب منها جريمة عظمى (تلك الضريبة الآن 25% كحد أقصى، رغم أنها تتراوح في الدول الرأسمالية الكبرى بين 45% و65% بما في ذلك أميركا واليابان ودول الاتحاد الأوروبي).

ثانياً- محور الاستثمار العام والخاص:

  1. تركيز دور الدولة على التخطيط لتحويل نمط الاقتصاد من ريعي استهلاكي إلى إنتاجي تنموي، تشارك فيه الدولة والقطاع العام مع القطاع الخاص والتعاونيات، وعدم الاعتماد على الخارج إلّا في ما تقتضيه الاحتياجات الوطنية الضرورية، لضمان تنمية معتمدة على الذات، وأيضاً قيام الدولة بالتنظيم والرقابة، والاستثمار في القطاعات الاستراتيجية والاستثمارات التنموية الضخمة، كالصناعات الثقيلة والحديد والصلب وغيرها، ومراقبة وضبط الأسواق والأسعار، ووضع القوانين الحاسمة والتدخل الفوري لمحاربة الاحتكار، والمواجهة الحازمة للفساد في جميع المؤسسات، وعدم السماح للقطاع الخاص بالدخول في مشروعات استراتيجية أو لها علاقة بالأمن القومي.
  2. وقف سياسة التصفية والخصخصة لما تبقى من شركات القطاع العام، وضخ استثمارات لتطويرها، والتوسع في الاستثمارات العامة في المشروعات الاستراتيجية والتنموية الضخمة، خاصة في الصناعة والزراعة والطاقة والتكنولوجيا المتقدمة، الأمر الذي يساعد على فرض الحياد التنافسي بشكل عكسي على القطاع الخاص، أي مواجهة أي تجمع احتكاري لتجار في قطاع معين يستهدف زيادة الأسعار، كما يسهم بقوة في مكافحة البطالة.
  3. وقف تصدير المواد الخام، والعمل على إدخالها في عمليات تحويلية تحقق قيمة مضافة.
  4. تحفيز الفلاحين على زراعة المحاصيل التقليدية المهمة للتصنيع والاستهلاك الغذائي الضروري، كالقمح والذرة والقطن وقصب السكر والأرز، وذلك بتوفير مستلزمات الإنتاج لهم عبر قروض بفوائد ميسرة، وتفعيل دور مركز البحوث الزراعية لاستنباط سلالات عالية الإنتاجية، وتحديد أسعار توريد مجزية لمنتجات الفلاحين، وتشجيع قيام تعاونيات زراعية لتسهيل استخدام وسائل الإنتاج الحديثة، وترشيد استخدام مياه الري باتباع نظام الري بالتنقيط أو بالرش بدلاً من الغمر، وحظر البناء على الأراضي الزراعية القديمة في الدلتا والوادي، واستزراع أراضي السواحل والصحراء بالمحاصيل المناسبة للتربة والمناخ وقليلة استهلاك المياه.
  5. تشجيع قيام تعاونيات الصناعات الصغيرة والحرف بالتمويل ميسر الفائدة والتسويق المجزي، والرقابة الحازمة لمنع تسرب الفساد فيها.   
  6. الاستفادة من الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي، في إطار الخطط التي تضعها الدولة وفق الأولويات الاقتصادية والاجتماعية، وربط ما يقدم له من مزايا وتسهيلات بما يقدمه من فرص توظيف وتكنولوجيا متقدمة والتزام بحقوق العمال، وفي إطار ضوابط وقوانين تضمن القضاء على الاحتكار والفساد.
  7. حظر بيع الأراضي للأجانب، والاستثمار بواسطة الدولة فقط، في المناطق المرتبطة بالأمن القومي، مثل سيناء ومحور قناة السويس ومحطة الضبعة النووية والسد العالي، واستثمار تلك المناطق في مشروعات صناعية وزراعية وتعدينية ولوجستية وفق طبيعة كل منها.
  8. الاحتفاظ بالأصول المملوكة للدولة “والتي أقيمت واتسعت بجهد وعرق الشعب عبر سنوات طويلة” والعمل على تطويرها واستثمارها بالشكل الأمثل.
  9. الاهتمام بالبحث العلمي، والتعليم الفني ومراكز تدريب وتأهيل العمالة في شركات القطاع العام.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

الاقتصاد السوري بين مطرقة العقوبات وسندان الليبرالية؛ موازنة 2025

الأغلبية الساحقة من السوريين تعيش بين مطرقة العقوبات الغربية وسندان السياسات الليبرالية التي تتبعها الحكومات السورية المتعاقبة، وذلك بالرغم من أن العقوبات نفسها ينبغي أن تتحول من كارثة إلى فرصة نحو تغيير جذري في طبيعة الاقتصاد السوري وتوجهاته.

كوبا الاشتراكية تواجه الحصار الأميركي الإمبريالي

كوبا الاشتراكية تحتاج اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى تضامن كل الشعوب الحرة معها، كوبا التي وضعت بصمتها في معظم دول العالم بناءً على المبدأ التضامني الأممي القوة تواجه الوحش الامبريالي وحدها.

اللجنة الكويتية للسلم والتضامن: نرفض السياسات الإمبريالية ونحمّل الولايات المتحدة والناتو المسؤولية الكاملة عن التهديد المباشر للأمن والسلام العالميين

طالبت اللجنة شعوب العالم بالتصدي لهذه السياسات التوسعية والمدمرة، والضغط على حكوماتهم للعودة إلى طاولة الحوار. كما دعت المجتمع الدولي إلى تحكيم العقل والعمل على إيجاد حلول سلمية تضمن الأمن والاستقرار، وتجنب البشرية كوارث مدمرة تهدد مستقبل الأجيال القادمة

[zeno_font_resizer]