الانتخابات النيابية الأخيرة، التي شهدتها الكويت في الرابع من أبريل الجاري هي الانتخابات النيابية العامة الحادية والعشرون لمجلس الأمة في العهد الدستوري منذ العام ١٩٦٣، ولكنها في الوقت ذاته هي الانتخابات السادسة والعشرون خلال ما يزيد عن القرن بقليل لانتخاب مجالس استشارية وتأسيسية ونيابية منذ العام ١٩٢١، عندما تمّ اختيار وليس انتخاب أعضاء أول مجلس شورى برئاسة حمد الصقر.
وعرفت الكويت خلال تاريخها الانتخابي العديد من الأنظمة الانتخابية، إذ تم انتخاب مجلسي الأمة التشريعيين الأول والثاني في يونيو ثم في ديسمبر من العام ١٩٣٨ وفق نظام الدائرة الانتخابية الواحدة لمدينة الكويت داخل سورها الثالث المشيّد في العام ١٩٢٠، قبل أن يتم حلهما ويعتقل أقطابهما ويعدم بعض أنصار المجلس في مارس ١٩٣٩.
نظام الدوائر العشر
أما انتخابات المجلس التأسيسي المختص بوضع دستور للبلاد بعد الاستقلال، التي جرت في ١٩٦٢ فقد تمت على أساس تقسيم الكويت إلى عشر دوائر انتخابية تنتخب كل منها عضوين للمجلس التأسيسي، الذي وضع دستور البلاد الحالي في نوفمبر ١٩٦٢، وكان برئاسة عبد اللطيف الثنيان أحد معتقلي حركة المجلس في ١٩٣٩.
وكذلك جرت وفق نظام الدوائر العشر، ولكن باختلاف أنّ كل دائرة تنتخب خمسة نواب، انتخابات مجلس الأمة الأول في ١٩٦٣، الذي ترأسه عبد العزيز الصقر وبعد استقالته تولى رئاسته سعود العبد الرزاق، وانتخابات مجلس الأمة الثاني في ١٩٦٧، الذي شهدت انتخاباته عمليات تزوير فجّة برئاسة خالد الغنيم، وانتخابات مجلسي الأمة الثالث في ١٩٧١ والرابع في ١٩٧٥.
مناورات تعطيل الدستور والحياة الانتخابية
وتعرّض النظام الانتخابي للتغيير في أعقاب الانقلاب الأول على الدستور في ١٩٧٦ عندما قامت الحكومة منفردة عام ١٩٨٠ في غياب مجلس الأمة بتغيير النظام الانتخابي، بحيث تم تفتيت الدوائر الانتخابية العشر الكبيرة نسبياً إلى خمس وعشرين دائرة صغيرة تنتخب كل منها نائبين فقط بدلاً من خمسة، وأفسح ذلك النظام الانتخابي المجال أمام تنامي ظواهر سلبية كان أبرزها تنظيم الانتخابات الفرعية الطائفية والقبلية السابقة للانتخابات النيابية، وجرت وفق ذلك النظام انتخابات مجلس الأمة الخامس في العام ١٩٨١ بعد عودة الحياة الدستورية والنيابية، وقد ترأس ذلك المجلس محمد العدساني، الذي غابت عنه غالبية نواب المعارضة الوطنية بزعامة د. أحمد الخطيب، وكذلك جرت وفق ذلك النظام انتخابات مجلس الأمة السادس في العام ١٩٨٥، الذي ترأسه أحمد السعدون، قبل تعطيل ذلك المجلس عبر الانقلاب مرة أخرى على الدستور في العام ١٩٨٦، إلى أن برزت في العامين ١٩٨٩ و١٩٩٠ حركة جماهيرية واسعة للمطالبة بعودة الدستور والحياة النيابية اشتهرت باسم “دواوين الاثنين”، فقامت السلطة بإجراء حوار شكلي واستحدثت في صيف العام ١٩٩٠ مجلساً استشارياً خارج الأطر الدستورية اسمته “المجلس الوطني”، وشهدت انتخابات ذلك المجلس حملة مقاطعة واسعة، وذلك قبيل غزو النظام العراقي السابق للكويت واحتلالها في ٢ أغسطس ١٩٩٠.
وبعد اندحار قوات الاحتلال العراقي من الكويت حاولت السلطة المناورة لاستمرار تعطيل العمل بالدستور والحياة النيابية، ولكنها رضخت بعد ذلك للمطلب الشعبي وجرت انتخابات مجلس الأمة السابع في ١٩٩٢ وفق نظام الدوائر الخمس والعشرين والصوتين، وعاد أحمد السعدون لرئاسة المجلس، وكذلك كانت الحال في مجلس الأمة الثامن في ١٩٩٦، الذي تعرّض للحلّ الدستوري في العام ١٩٩٩ في أعقاب أحد الاستجوابات النيابية لأحد الوزراء.
حركة “نبيها خمس” لإصلاح النظام الانتخابي
واستمر النظام الانتخابي على ما كان عليه في انتخابات مجلس الأمة التاسع في ١٩٩٩، الذي ترأسه جاسم الخرافي المقرّب من السلطة، وكذلك انتخابات مجلس الأمة العاشر في ٢٠٠٣، إلى أن تنامت في العام ٢٠٠٦ حركة جماهيرية لإصلاح النظام الانتخابي وإلغاء نظام الدوائر الخمس والعشرين الصغيرة والمطالبة باستحداث نظام الدوائر الخمس، وعرفت تلك الحركة بشعارها الأثير “نبيها خمس”، ما أدى إلى نشوب أزمة سياسية على خلفية معارضة الحكومة لمطلب تقليص الدوائر انتهت بحلّ مجلس ٢٠٠٣ وانتخاب مجلس جديد في ٢٠٠٦ هو المجلس الحادي عشر فازت فيه غالبية نيابية مؤيدة لمطلب الدوائر الخمس، حيث تم تقسيم الكويت إلى خمس دوائر انتخابية كبيرة، عبر تجميع كل خمس دوائر انتخابية صغيرة متجاورة في نظام الدوائر الخمس والعشرين لتصبح دائرة انتخابية تنتخب عشرة نواب، مع قصر حقّ الناخب على انتخاب أربعة فقط منهم، بحيث لا تسيطر كتلة قبلية أو طائفية واحدة على المخرجات الانتخابية للدائرة.
حيث جرت وفق ذلك النظام المستحدث للدوائر الخمس بأربعة أصوات انتخابات ٢٠٠٨ لمجلس الأمة الثاني عشر بعد حل مجلس ٢٠٠٦ بالإضافة إلى تمكين المرأة من ممارسة حقوقها الانتخابية لأول مرة، ووفق ذلك النظام تمت كذلك انتخابات مجلس ٢٠٠٩ الثالث عشر بعد حل مجلس ٢٠٠٨، وانتخابات فبراير ٢٠١٢ لمجلس الأمة الرابع عشر، التي جرت تحت ضغط الحركة الجماهيرية الواسعة المطالبة برحيل حكومة ناصر المحمد وبحلّ مجلس ٢٠٠٩ برئاسة جاسم الخرافي، على خلفية اتهامات بالفساد، بحيث تشكّل لأول مرة مجلس أمة ذي غالبية غير موالية للحكومة وعاد أحمد السعدون رئيساً للمجلس.
مظاهرات “كرامة وطن” ضد نظام الصوت الواحد المجزوء وسلسلة أحكام إبطال الانتخابات
وهنا أبطلت المحكمة الدستورية انتخابات فبراير ٢٠١٢ وقامت الحكومة منفردة بتغيير النظام الانتخابي عبر إصدار مرسوم بقانون لاستحداث نظام الصوت الواحد المجزوء بهدف التحكّم في مخرجات العملية الانتخابية، بحيث يقتصر حق الناخب على انتخاب نائب واحد فقط من بين النواب العشرة لكل دائرة انتخابية، وهذا ما جوبه شعبياً بحركة احتجاجية جماهيرية واسعة عبر ما عُرف بمظاهرات “كرامة وطن” في خريف ٢٠١٢، بالإضافة إلى تنظيم حملة شعبية ضاغطة لمقاطعة انتخابات ديسمبر ٢٠١٢.
وسرعان ما تمّ كذلك إبطال تلك الانتخابات ومجلسها، الذي ترأسه علي الراشد، وجرت انتخابات جديدة وفق نظام الصوت الواحد المجزوء في العام ٢٠١٣ بعد تحصين المحكمة الدستورية لمرسوم قانون الصوت الواحد المجزوء، وتولى مرزوق الغانم رئاسة ذلك المجلس، وتم في ٢٠١٦ حلّ ذلك المجلس قبيل انتهاء فترته، وجرت انتخابات أخرى، وهنا تراجعت أقسام من المعارضة عن مقاطعة الانتخابات وشاركت فيها ضمن محاولتها للحدّ من انفراد السلطة ودفعها للتراجع عن قرارات سحب الجنسية عن عدد من المعارضين، وتعزز موقع مرزوق الغانم في رئاسة المجلس والتنسيق مع السلطة، وأكمل ذلك المجلس مدته على الرغم من تنامي حركة شعبية تطالب برحيل رئيسي المجلس والحكومة في أعقاب اتهام رئيس الحكومة حينذاك جابر المبارك بالفساد في قضية صندوق الجيش، ما أدى إلى تغيير رئيس الحكومة.
وجرت انتخابات ٢٠٢٠ في موعدها الدستوري المقرر ولكن في أعقاب انتقال مسند الإمارة من المغفور له الشيخ صباح الأحمد بعد وفاته إلى المغفور له الشيخ نواف الأحمد، حيث فازت المعارضة بغالبية مؤثرة واصطف معها شكلياً بعض النواب المحسوبين على الرئيس الغانم، الذي تمكّن رغم المعارضة الشعبية والمواقف النيابية من الفوز مجدداً برئاسة المجلس الجديد، ما أوجد حالة من الانقسام النيابي وتنامي حركة المطالبة برحيل الرئيسين، التي توّجت في يونيو ٢٠٢٠ باعتصام مجموعة من النواب في مقر مجلس الأمة بالتزامن مع اعتصامات جماهيرية في ديوانيات النواب المعتصمين في المجلس، إلى أن استجاب الأمير لمطلب رحيل الرئيسين عبر حل المجلس وقبول استقالة رئيس الحكومة صباح الخالد وتكليف أحمد النواف برئاسة الحكومة الجديدة.
حيث جرت انتخابات مجلس ٢٠٢٢ في مناخ سياسي مختلف يتجه نحو الانفراج، وفازت غالبية نيابية جديدة وعاد أحمد السعدون إلى رئاسة المجلس، ولكن سرعان ما تم إبطال الانتخابات مرة ثالثة عبر حكم صادر عن المحكمة الدستورية تحت ذريعة وجود أخطاء إجرائية، وجرت انتخابات جديدة في ٢٠٢٣ وعادت الغالبية النيابية ذاتها إلى مقاعدها وكذلك الرئيس السعدون ورئيس الحكومة أحمد النواف في ظل جو من التوافق النيابي الحكومي تمثّل فيما أسمي بالخارطة التشريعية… ولكن في أعقاب تولي سمو الأمير الجديد مقاليد الحكم وتوجيهه انتقادات للمجلس والحكومة في أعقاب خطاب القسم قدمت الحكومة استقالتها وتم تكليف د. محمد صباح السالم برئاسة الحكومة، وبعده تم حلّ مجلس الأمة في أعقاب رفضه شطب كلمة النائب د. عبد الكريم الكندري، الذي تضمّنت رداً على النطق السامي لولي العهد السابق الأمير الحالي عند افتتاح دور الانعقاد الأخير للمجلس، وتحدد يوم الرابع من أبريل الجاري لانتخاب المجلس الجديد.
وليس واضحاً ما إذا كان المجلس الجديد سيكمل مدته الدستورية أم لا.
كان صدى الثورة الجزائرية في الفاتح من نوفمبر عام 1954 يدوي في كل مكان من هذا العالم ضد الظلم والاستبداد الاستعماري، لاسيما أن هناك العديد من الشعوب ما زالت تحت نير الاستعمار الغربي، الذي كان يعم مناطق كثيرة في العالم، خاصة المستعمرات الفرنسية على وجه التحديد في إفريقيا، حيث أن الثورة الجزائرية أشعلت لهيب العنف الثوري ضد المستعمر كخيار مبدئي واستراتيجي للحصول على الاستقلال الكامل والحرية
جاءت سنوات الخمسينات والستينات حاملة معها انتصارات مدوية لحركات التحرر الوطني العربية والعالمية، لتخلق واقعاً جديداً داعماً للنضال الوطني الفلسطيني، الذي ظل يواصل التصاعد.
بحلول شهر نوفمبر 2024، وفي خضم الحرب الدائرة منذ أكتوبر 2023 في غزة والضفة والجنوب اللبناني بين قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية من جهة وقوات الاحتلال الصهيوني بمشاركة أميركا من جهة أخرى، يكون قد مضى 89 عاماً على المواجهات المسلحة الأولى للشعب الفلسطيني ضد التشكيلات الصهيونية المسلحة القادمة من مختلف بلدان العالم لاحتلال فلسطين وإقامة دولة دينية لليهود طبقاً للمشروع الاستعماري بقيادة بريطانيا، أقوى دولة استعمارية في تلك الفترة.
إن دراسة التاريخ بتناقضاته وتطوراته تساهم في تجنب الأخطاء وتطوير ما كان صحيحاً. فالأحداث التاريخية تبقى في ذاكرة المجتمعات. هذه الأحداث قد لا يُرى تأثيرها وقت حدوثها، لكن تضاف إلى جينات هذه المجتمعات ومفعولها يورَّث جيلاً بعد جيل. إذاً، من المهم أن يتم تدوين واستذكار التجارب، الإيجابية منها والسلبية، بين فترة وأخرى حتى تدُرس كيلا تنسى وتندثر وتفقد الأجيال القادمة الإحساس بمدى أهميتها وتأثيرها على حياتهم.