رفح العصية على الاجتياح الصهيوني الذي تم في السادس من مايو 2024، تدق مسماراً كبيراً في نعش الكيان المحتل، وسيكون طوفان الأقصى بداية زوال هذا الكيان “النبت الشيطاني” في غير أرضه، بل وسيُغرِق الطوفان في الغد القريب الأنظمة المتواطئة مع الكيان في جرائمه وعلى رأسها الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني وتدمير كل مقومات الحياة في قطاع غزة، من أجل تنفيذ خطة التهجير القسري لسكان غزة. ووفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في 15 مايو 2024، المباني المتضررة كلياً وجزئياً منذ السابع من أكتوبر، تدمير 380 ألف وحدة سكنية، و57 مستشفى، و181 مقراً حكومياً، و567 مسجداً وكنيسة.
ولن يتسبب الطوفان في التغيير في منطقتنا فقط ولكن ستكون من نتائجه بداية زلزال يهز عرش الولايات المتحدة الأميركية، القطب الواحد الذي يهيمن على دول العالم وينهب ثرواتها ويقف بكل قوة مالية وعسكرية بجانب الكيان الصهيوني، لمنعه من السقوط أمام المقاومة الفلسطينية، التي تصاعدت في السابع من أكتوبر 2023 وحتى الآن، في أكبر ضربة للعدو وهي عملية طوفان الأقصى. كما سيتسبب الطوفان، في تغيير العالم وسيمتد إلى الدول الأوروبية (حلفاء أميركا) المساندة للكيان المجرم، إن خريطة العالم بعد السابع من أكتوبر لن تكون كما قبله.
التحضير الصهيوني لعملية عسكرية على طول الحدود مع مصر
كشفت مصادر سياسية وإعلامية “إسرائيلية”، السبت 27 يناير 2024، أن “إسرائيل” أبلغت مصر أنها تنوي دخول منطقة رفح ومحور صلاح الدين “فيلادلفيا” جنوبي غزة، لكنها لن تبقى في المنطقة بشكل دائم. ولقد أثار الأمر غضب الجانب المصري الذي واجه الطلب بمعارضة شديدة، لتبدأ محادثات بين الطرفين حاول خلالها الجانب “الإسرائيلي” تهدئة مصر، وتعهد ألا يقوم على الإطلاق بتهجير الفلسطينيين تجاه الأراضي المصرية، وشدد الجانب “الإسرائيلي” على أن القوات لن تبقى في المنطقة لوقت طويل. وقد تم الاتفاق على لقاءات بين الطرفين للحديث عن الموضوع.
واستمر الكيان الاستيطاني المحتل في التحضير لعملية عسكرية داخل غزة على طول الحدود مع مصر، وتردد أن هذه العملية تشمل إبعاد الفلسطينيين وتمركز قوات “إسرائيلية” على امتداد الزاوية الجنوبية الشرقية لغزة المتاخمة لكل من الكيان ومصر باتجاه البحر المتوسط على بعد 12 كيلو متر إلى الشمال الغربي.
وبالرغم من الرفض الرسمي والشعبي المصري، لم يتورع الكيان عن بداية الاجتياح وسط أصوات معظم دول العالم الرافضة لاجتياح منطقة رفح، التي تعج بوجود مليون وأربعمائة ألف فلسطيني وفلسطينية، نزحوا من شمال غزة إلى جنوبها، إثر الضربات المتوحشة التي قتلت وأصابت عشرات الآلاف من الشعب الفلسطيني، ودمرت البنية التحتية للقطاع وقامت بمحاصرته ومنع وصول الغذاء والدواء والوقود إليه في أكبر جريمة إبادة جماعية وتهجير في تاريخنا المعاصر.
بالرغم من كل الجرائم التي ارتكبها العدو الصهيوني، في حربه على الشعب الفلسطيني منذ ثمانية أشهر، لم يحقق أي انتصار، بل فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافه، التي أعلنها في بداية الاجتياح البري لغزة بعد طوفان الأقصى، وهي اجتثاث “حركة حماس” وباقي الفصائل المسلحة، واستعادة الأسرى الإسرائيليين (مدنيين وعسكريين)، وتنصيب حكومة موالية للاحتلال، أو تولي الصهاينة حكم غزة.
ويعلن نتنياهو رئيس حكومة العدو الصهيوني، بأنه بتكثيف العملية العسكرية في رفح، سيتمكن من حسم المعركة، وتدمير بقية الأنفاق والقضاء على الكتائب المسلحة للمقاومة الفلسطينية.
وهنا ينبغي أن نذكر ما تم عام 2005، عندما قررت حكومة أرييل شارون، الانسحاب من غزة إثر ضربات المقاومة المسلحة، والتي كانت تمتلك في هذا الوقت أسلحة خفيفة وبدائية ومعدودة، من القنابل يدوية الصنع، وصواريخ لا يتعدى مداها مئات الأمتار، أما الآن فقد امتلكت المقاومة، صواريخ بعيدة المدى تتخطى تل أبيب، وشبكة كبيرة ومعقدة من الأنفاق، وحاضنة شعبية داخلية وإقليمية من المقاومة التي تعادي “إسرائيل”، وفي مقدمتها لبنان والعراق واليمن، التي تكبد العدو خسائر جمة في العتاد والأرواح على كل الجبهات.
لقد استباح العدو كل الخطوط الحمراء، واخترق كل المعاهدات المبرمة بينه وبين مصر، ومنها معاهدة كامب ديفيد ومعاهدة محور صلاح الدين، (محور فيلادلفيا بالعبري). ووفقاً لأحكام معاهدة “السلام المصرية -الإسرائيلية” (كامب ديفيد) عام 1979، اشترطت “إسرائيل” للانسحاب من شبه جزيرة سيناء أن تكون الحدود كما كانت أيام الانتداب البريطاني على فلسطين، ويكون منفذ الحدود في مدينة رفح، وتكون المنطقة القريبة من الحدود (ج) منطقة منزوعة السلاح، فيها فقط أسلحة خفيفة مع قوات من الشرطة. وكان الغرض من المحور، هو منع التهريب للمواد غير المشروعة (الأسلحة والذخائر والمخدرات)، ومنع الهجرة غير الشرعية، عن طريق منع التسلل عبر الحدود.
بعد اتفاقية أوسلو (2) عام 1995 وافقت “إسرائيل” على الإبقاء على المحور بطول الحدود، كشريط آمن لمنع التهريب.
وبعد انسحاب قوات الاحتلال من غزة تم نقل سلطة محور صلاح الدين إلى السلطة الفلسطينية، وتم فتح معبر رفح في نوفمبر 2005، ووضعه تحت السلطة الفلسطينية ومصر ومراقبين من الاتحاد الأوروبي.
بعدما سيطرت “حركة حماس” على السلطة في غزة 2007، سيطرت بالكامل على محور صلاح الدين، ومنذ ذلك الحين يفكر الكيان الصهيوني في استعادة السيطرة على المحور من أجل منع “حماس” من إعادة التسليح.
إن ما قامت به “إسرائيل” في الأسابيع الأخيرة من اجتياح رفح الفلسطينية، وارتكاب أفظع جرائم القتل والتدمير والتهجير، ثم الدخول إلى محور صلاح الدين والتمركز فيه، بل ورفع العلم الصهيوني على معبر رفح من الجهة الفلسطينية، ومنع دخول المساعدات الإنسانية، يعتبر خرقاً لكل الاتفاقيات التي أُبرِمت بين مصر والكيان الصهيوني، واعتداءً على السيادة المصرية، ويهدد الأمن القومي المصري، ويحق للدولة المصرية إلغاء اتفاقية كامب ديفيد، واتفاقية محور صلاح الدين، ويحق لها الرد بكل الوسائل للحفاظ على أمنها.
طوفان الأقصى سيكون بداية نهاية الكيان الصهيوني
ومنذ اجتياح رفح، تحقق فصائل المقاومة الفلسطينية انتصارات كبيرة على جيش الاحتلال، وتكبده كل يوم، بل وكل ساعة خسائر كبيرة في العتاد والأرواح في كل القطاع الشمال والوسط والجنوب رغم ادعاء الحكومة اليمينية المتطرفة أنها قضت على المقاومة في الشمال والوسط، وأنها ستقضي على البقية الباقية في الجنوب، وفي نفس الوقت يعجز جيش الاحتلال، عن مواجهة صواريخ المقاومة من كل حدب وصوب، المقاومة اللبنانية على شمال الكيان، وضربات المقاومة العراقية واليمنية، إن بداية زوال الاحتلال بدأت مع بداية العام السابع والسبعين لنكبة 1948، وسيكون طوفان الأقصى بداية النهاية، وسيصبح اجتياح رفح، جحيماً يحترق بداخله جنود وضباط جيش الاحتلال، وستتحول غزة إلى مقبرة للغزاة.
ومن العجب أنه في الوقت الذي تُحقِق فيه المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها، انتصارات متتالية على العدو “الذي لا يُقهر”، وأيضاً ما تحققه المقاومة العربية في لبنان والعراق واليمن من ضربات قاتلة للعدو، وأيضاً في الوقت الذي يغرق فيه العدو في أزمات داخلية بسبب فشله في تحقيق أي هدف من أهداف الحرب، نجد القمة العربية الدورية رقم 33، والتي شارك في جلستها الافتتاحية، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وفيليب لازريني مفوض عام الأونروا، نجد أن القمة لم تتمخض عن موقف عربي على مستوى القضية الفلسطينية، كقضية أمن قومي عربي، ولم ترق لمستوى الحدث التاريخي، أو حتى لموقف يعبر عن غضب الشعوب العربية.
ونجد أن المصلحة العليا لبعض الأنظمة العربية التابعة للرجل الجالس في البيت الأبيض، ولأوامره الخاصة بـ “حماية أمن إسرائيل، وحقها في الدفاع عن نفسها” لم تستخدم أي ورقة من أوراق الضغط التي في أيديها، للضغط على الكيان الصهيوني، مثل وقف التطبيع، وقطع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية معه، أو رفع قضايا ضده في المحاكم الدولية، لارتكابه جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني العربي.
ومما زاد الطين بلة أنه في الوقت الذي تسيل فيه دماء الفلسطينيين، دفاعاً عن الأرض والكرامة والشرف والعزة، والمقدسات الإسلامية والمسيحية، على يد الكيان الصهيوني العنصري المجرم 36 ألف شهيد معظمهم من النساء والأطفال وما يقرب من 80 ألف مصاب، – أثناء كتابة المقال – إذا برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن يتحدث في القمة العربية ويقول “ما قامت به حماس “عملية طوفان الأقصى” بقرار منفرد، وفرت لإسرائيل المزيد من الذرائع والمبررات، لمهاجمة قطاع غزة”، ولم يكتف بهذا الموقف بل وحمَّل “حماس” وحدها مسؤولية عدم إنهاء الانقسام الفلسطيني!!.
إننا نرفض الاعتداء على السيادة المصرية ونؤكد على حق مصر في استخدام كل أدوات ومصادر القوة لرد العدوان. ونرفض ما تقوم به الحكومة الصهيونية اليمينية المتطرفة من إبادة جماعية ومن تهجير قسري للشعب الفلسطيني من شمال غزة إلى جنوبها وحصارهم وتجويعهم لدفعهم للتوطين في سيناء، وأيضاً التهجير القسري لأهالي الضفة الغربية إلى الأردن، لأن ذلك معناه تصفية القضية الفلسطينية وإقامة “الدولة اليهودية”.
ونضم صوتنا، إلى أصوات الشعوب العربية، وشعوب العالم الحرة الأبية، التي خرجت في كل أنحاء العالم بالآلاف والملايين من أجل دعم الشعب الفلسطيني ومساندته، والمطالبة بالوقف الفوري للعدوان الصهيوني، ووقف الإبادة الجماعية، ومحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة على جرائمهم العنصرية، وجرائم الحرب ضد الإنسانية، التي يرتكبونها يومياً، في حق الشعب الفلسطيني أمام المحافل الدولية.
كما إننا نطالب بـ:
أولاً، اعتبار اتفاقية كامب ديفيد وما ترتب عليها لاغية بعد أن انتهكت “إسرائيل” بنودها واسقطتها عملياً من جانب واحد.
ثانياً، طرد البعثة الدبلوماسية الصهيونية من مصر، وقطع كافة العلاقات مع الكيان الصهيوني.
ثالثاً، استمرار المقاطعة الاقتصادية للعدو الصهيوني وكل الدول التي تدعمه وتشاركه في الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا.
رابعاً، رفع كل القيود عن التعبير الحر عن الغضب الشعبي ضد توحش العصابات الصهيونية، وإطلاق سراح كل المعتقلين على خلفية التظاهر دعماً لفلسطين، وكل سجناء الرأي الذين استخدموا حقهم الدستوري في التعبير عن رأيهم سلمياً، وتأكيداً للحق في التنوع ووحدة الشعب في مواجهة العدوان.
المجد والخلود للشهداء والشفاء للجرحى والمصابين والحرية للأسرى والنصر للمقاومة والبقاء للشعوب والزوال للاحتلال، والخزي والعار للمتواطئين والمشاركين في الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني.