عندما تعرضت الكويت إلى الغزو الغاشم من النظام العراقي البائد واحتلاله البغيض، فقد بادر التقدميون واليساريون الكويتيون من أعضاء حزب اتحاد الشعب في الكويت إلى المشاركة في حركة المقاومة الشعبية بشقيّها الرئيسيين: المقاومة المسلحة والعصيان المدني الشعبي.
وقد أصدر حزب اتحاد الشعب العديد من البيانات باسم “الحركة الوطنية الكويتية” دعا فيها إلى مقاومة الاحتلال والصمود على أرض الوطن والتمسك بالسيادة الوطنية والمطالبة بعودة الشرعية الدستورية، كما أصدر بعض أعضاء حزب اتحاد الشعب نشرات وبيانات من بينها نشرة “الوطنيون الأحرار”، حيث ساهمت تلك البيانات مع غيرها من البيانات والنشرات الصادرة عن العديد من أطراف المقاومة الشعبية في تعزيز صمود الشعب الكويتي.
وفي هذا الصدد يشير مؤرخ الحركات السياسية الكويتية الدكتور فلاح عبدالله المديرس في كتابه “ملامح أولية حول نشأة التجمعات والتنظيمات السياسية في الكويت (١٩٣٨-١٩٧٥) في الصفحة ٨١ من الطبعة الثانية من كتابه إلى أنه (أثناء فترة الاحتلال العراقي للكويت ساهم “حزب اتحاد الشعب” في مقاومة الاحتلال عن طريق إصدار المنشورات التي تحث الشعب على المقاومة والبقاء في الكويت، ويُعَد “حزب اتحاد الشعب” التنظيم السياسي الوحيد في الداخل الذي عبّر عن رفضه لهذه الاحتلال عن طريق إصدار بيانات موقعة باسم “الحركة الوطنية الكويتية” كما ساهم الحزب في المقاومة المدنية للاحتلال).
ومن أبرز القيادات والعناصر التقدمية، التي شاركت في المقاومة المسلحة الأستاذ وليد الرجيب والأستاذ على اليوحة والمرحوم الأستاذ إسماعيل فهد إسماعيل، فيما تولى عدد من أعضاء حزب اتحاد الشعب ومن العناصر التقدمية مهمة تعزيز الصمود الشعبي وتقديم الخدمات عبر الجمعيات التعاونية، وكان أبرزهم جلال السهلي في جمعية هدية التعاونية، ونافع الحصبان في جمعية الأندلس التعاونية.
وساهمت القيادات النقابية العمالية التقدمية من أعضاء حزب اتحاد الشعب وأصدقائه في الخارج بالتحرك من أجل تحشيد الدعم العالمي لقضيتنا الوطنية، ومن بين تلك الجهود المشهودة المركزان النقابيان للاتحاد العام لعمال الكويت في دمشق والقاهرة بقيادة عبدالله البكر وهايف عصام العجمي وناصر ثلاب الهاجري.
ومن جانب آخر تحرك حزب اتحاد الشعب للحصول على تأييد الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية للقضية الكويتية وفي مقدمتها المواقف المشهودة لكل من الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي، والحزب الشيوعي العراقي، والحزب الشيوعي السوري، والحزب الشيوعي اللبناني، والحزب الاشتراكي اليمني، والحزب الشيوعي المصري، والحزب الشيوعي السوداني، والحزب الشيوعي الأردني.
بيان الأحزاب الشيوعية والعمالية في البلدان العربيةحول الغزو العراقي الغاشم للكويت
في العام 1990 قام النظام العراقي البائد بغزو الكويت واحتلالها. ورفضاً لهذا الغزو الغاشم تداعت أحزاب شيوعية وعمالية عربية إلى عقد اجتماع طارئ لها أكدت فيه، انطلاقاً من موقفها الوطني والقومي، رفضها للوصاية على الشعوب واللجوء إلى القوة العسكرية وكل التدخلات الإمبريالية، مؤكدة على حق الشعوب بتقرير مصيرها، وطالبت بالانسحاب الكامل والفوري للقوات العراقية من الكويت. وقد نشرت مجلة “النهج” في عددها رقم 32، العام 1990، البيان الصادر عن الاجتماع والأحزاب الموقعة عليه، وممَّا جاء فيه:
(…) عقدت الأحزاب الشيوعية والعمالية في البلدان العربية اجتماعاً طارئاً تدارست فيه الوضع الخطير في منطقة الخليج، الذي نشأ في أعقاب اجتياح القوات العراقية لدولة الكويت والحاقها بالقوة ضد إرادة شعبها.
إن أحزابنا الشيوعية والعمالية تعبر عن رفضها الحازم للجوء إلى القوة العسكرية واستخدام الوصاية على الشعوب وتطالب بالانسحاب الكامل والفوري للقوات العراقية من الكويت واحترام إرادة شعبه وحقه في تقرير مصيره، وحل الأزمة بين البلدين بالطرق السلمية وبالتفاوض والحوار في الإطار العربي واستبعاد كل التدخلات الإمبريالية.
إن غياب الديمقراطية وعدم احترام الإرادة الشعبية في العديد من البلدان العربية من الأسباب الأساسية التي أدت إلى هذا الوضع المتردي. وتعتبر أحزابنا إشاعة الديمقراطية والتعددية السياسية في الوطن العربي، واطلاق الحريات العامة والفردية واحترام حقوق الإنسان العربي، من شأنه أن يعزز الجبهات الداخلية ويستنهض طاقات الجماهير الشعبية ويخلق ظروفاً أفضل لوضع حد للتدهور الحالي والتصدي للتدخلات الإمبريالية، وحماية الاستقلال الوطني.
وأمام هذا الوضع الخطير وشعوراً منها بمسؤوليتها الوطنية والقومية، فإن أحزابنا الشيوعية والعمالية تتوجه بنداء إلى كافة القوى التقدمية والديمقراطية في الوطن العربي لتعمل جنباً إلى جنب مع كل من يؤمن بقضايا العدل والحرية والاستقلال الوطني والأنظمة المعادية للإمبريالية للتنسيق فيما بيننا من أجل التصدي للتدخلات الإمبريالية وتعزيز التضامن بين الشعوب العربية ومعالجة الأسباب العميقة التي قادت إلى هذا الوضع.
كان صدى الثورة الجزائرية في الفاتح من نوفمبر عام 1954 يدوي في كل مكان من هذا العالم ضد الظلم والاستبداد الاستعماري، لاسيما أن هناك العديد من الشعوب ما زالت تحت نير الاستعمار الغربي، الذي كان يعم مناطق كثيرة في العالم، خاصة المستعمرات الفرنسية على وجه التحديد في إفريقيا، حيث أن الثورة الجزائرية أشعلت لهيب العنف الثوري ضد المستعمر كخيار مبدئي واستراتيجي للحصول على الاستقلال الكامل والحرية
جاءت سنوات الخمسينات والستينات حاملة معها انتصارات مدوية لحركات التحرر الوطني العربية والعالمية، لتخلق واقعاً جديداً داعماً للنضال الوطني الفلسطيني، الذي ظل يواصل التصاعد.
بحلول شهر نوفمبر 2024، وفي خضم الحرب الدائرة منذ أكتوبر 2023 في غزة والضفة والجنوب اللبناني بين قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية من جهة وقوات الاحتلال الصهيوني بمشاركة أميركا من جهة أخرى، يكون قد مضى 89 عاماً على المواجهات المسلحة الأولى للشعب الفلسطيني ضد التشكيلات الصهيونية المسلحة القادمة من مختلف بلدان العالم لاحتلال فلسطين وإقامة دولة دينية لليهود طبقاً للمشروع الاستعماري بقيادة بريطانيا، أقوى دولة استعمارية في تلك الفترة.
إن دراسة التاريخ بتناقضاته وتطوراته تساهم في تجنب الأخطاء وتطوير ما كان صحيحاً. فالأحداث التاريخية تبقى في ذاكرة المجتمعات. هذه الأحداث قد لا يُرى تأثيرها وقت حدوثها، لكن تضاف إلى جينات هذه المجتمعات ومفعولها يورَّث جيلاً بعد جيل. إذاً، من المهم أن يتم تدوين واستذكار التجارب، الإيجابية منها والسلبية، بين فترة وأخرى حتى تدُرس كيلا تنسى وتندثر وتفقد الأجيال القادمة الإحساس بمدى أهميتها وتأثيرها على حياتهم.