“وعد بلفور” … الحلقة الأولى من مسلسل التآمر الإمبريالي الصهيوني على العرب

لئن كان التوصيف الحقوقي المعبّر عن وعد بلفور، الذي تحلّ ذكراه المشؤومة في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني، يراه وعداً أعطى فيه مَنْ لا يملك لمَنْ لا يستحق، فإنّ التوصيف التاريخي لوعد بلفور يبرز لنا أنّ ذلك الوعد إنما هو مجرد حلقة أولى من مسلسل طويل من تآمر إمبريالي غربي ممتد منذ العقد الثاني من القرن العشرين ارتبطت فيه مؤامرة تفتيت بلادنا العربية وتجزئتها عبر سايكس – بيكو مع مؤامرة غرس النبتة الصهيونية الشيطانية على أرض فلسطين وإقامة الكيان الصهيوني الاستيطاني التوسعي ليتولى تأدية دوره الوظيفي في خدمة الإمبريالية الغربية كمخفر أمامي لها يحمي مصالحها في منطقتنا؛ وتُحكم من خلاله سطوة هيمنتها علينا؛ وتستند إليه في تأمين نهبها لمقدراتنا الاقتصادية، وليكون قوتها الضاربة لإخضاع شعوبنا ومحاربة حركة التحرر الوطني العربية وأداتها المنفذة لمخططاتها في منطقتنا.

وبعدها جاءت الحلقة الثانية من ذلك المسلسل التآمري عبر احتلال بريطانيا لفلسطين في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني ١٩١٧ ذاته، وفرض الانتداب البريطاني عليها بغطاء من النظام الدولي الإمبريالي، الذي تشكّل بعد الحرب العالمية الأولى تحت مسمى “عصبة الأمم”، حيث جرى تضمين وعد بلفور في صك الانتداب ليتم تنفيذه بشكل ملموس على الأرض بالتعاون مع الحركة الصهيونية، التي نظمت عمليات استيطان اليهود من مختلف أصقاع الأرض في فلسطين، فيما جرى تمكين الصهاينة من الاستيلاء على مساحات من الأرض الفلسطينية وتشكيل العصابات المسلحة، التي مثّلت النواة الصلبة لكيانهم الغاصب، وصولاً إلى قرار التقسيم الجائر الصادر تحت غطاء النظام الدولي الجديد الناشئ بعد الحرب العالمية الثانية تحت مسمى “هيئة الأمم المتحدة”، ومع الأسف فقد شارك الاتحاد السوفياتي في ذلك القرار متجاهلاً الموقف الماركسي المبدئي تجاه الصهيونية بوصفها حركة رجعية عنصرية تابعة للإمبريالية، ليتبع ذلك اعترافه بالكيان الصهيوني بعد الانسحاب البريطاني من فلسطين في مايو/ أيار ١٩٤٨.

ثم جاء الاختبار العملي الأول للدور الوظيفي للكيان الصهيوني كمخفر أمامي للإمبريالية عبر دوره الغادر في شنّ العدوان الثلاثي على مصر بالتعاون مع الإمبرياليتين البريطانية والفرنسية رداً على القرار التحرري الوطني المصري بتأميم شركة قناة السويس… ولاحقاً في العام ١٩٦٧ لجأت الإمبريالية الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية إلى مخفرها الأمامي في المنطقة العربية لقطع الطريق أمام التطور التقدمي الصاعد لحركة التحرر الوطني العربية عبر توجيه ضربة قاسية للنظامين التحرريين التقدميين في مصر عبدالناصر وفي سوريا في عدوان ٥ يونيو/ حزيران، فيما كانت الجائزة الكبرى للصهاينة من ذلك العدوان الإمبريالي هي احتلال كامل الأرض الفلسطينية بالإضافة إلى سيناء والجولان المحتل.

من هذا كله علينا أن ندرك مجموعة من الحقائق… أولها الطبيعة العدوانية التوسعية للكيان الصهيوني الغاصب ودوره الوظيفي في خدمة الإمبريالية ومصالحها ونفوذها ومخططاتها… وثانيها أنّ الصراع مع الكيان الصهيوني ليس صراعاً مع الفلسطينيين وحدهم بوصفهم الضحية الأولى للاحتلال، وإنما هو صراع وجودي مع شعوب الأمة العربية وقواها التحررية كافة وفي مقدمتها الشعب العربي الفلسطيني وقوى المقاومة، فالمشروع الصهيوني يستهدفنا جميعاً، إذ لا يمكن الفكاك من الهيمنة الإمبريالية واستكمال التحرر الوطني في بلداننا العربية بمعزل عن محاربة مخفرها الأمامي، ولا يمكن تحقيق هدف الوحدة العربية للخلاص من تفتيت سايكس – بيكو في ظل استمرار الهيمنة الإمبريالية واشتداد السطوة الصهيونية عبر كيانها المزروع على أرضنا العربية، ولا يمكن السير على طريق التنمية الوطنية المستقلة في ظل تجاهل الضغوط والمؤامرات الإمبريالية والصهيونية… وهذا ما يقودنا إلى تأكيد الحقيقة الثالثة وهي أنّ القضية الفلسطينية هي القضية المركزية بحقّ لشعوبنا العربية وقواها التحررية.

ولعله من دون إدراك واعٍ لحقائق الصراع وفهم متكامل لتاريخه فإننا لن نستطيع أن نوقف حلقات مسلسل التآمر الإمبريالي الصهيوني علينا.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

سنة على طوفان الأقصى: وحدة المصير… مقاومة على درب التحرير

طوفان الأقصى أعاد الاعتبار إلى المقاومة بوصفها الخيار الأساسي الأول أمام شعبنا العربي الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، وأبرز مآثر الصمود الشعبي الفلسطيني الأسطوري في وجه آلة القتل والدمار الوحشية الصهيونية، وقطع الطريق على محاولات التآمر الصهيوني- الإمبريالي المحمومة لتصفية القضية الفلسطينية، وطوى صفحة العار المتمثلة في اتفاقات أوسلو الخيانية.

ليست مجرد مهزلة رياضية!

لابد من محاسبة المسؤولين عن هذه المهزلة ووضع حد لها، وبالتأكيد فإن الحلول الإدارية متوفرة وهناك طاقات بشرية متخصصة مهم الاستعانة بها والاستفادة منها لخدمة البلد.

نهج حكومي غير مقبول

مضت ثلاثة أشهر ونصف الشهر على تشكيل الحكومة الحالية بعد تعطيل الحياة النيابية وتعليق عدد من مواد الدستور، وخلال هذه المدة وعلى الرغم من الوعود المتكررة لم تعلن هذه الحكومة برنامج عملها، فيما تجاهلت تماماً إصدار قرارات مستحقة بشأن تحسين مستوى المعيشة بما يخفف من وطأة التضخم والغلاء.

[zeno_font_resizer]