
الوضع اللبناني في مواجهة العدوان الصهيوني والضغوط الأميركية
الدفاع عن لبنان هو واجب وطني لبناني، ولا بديل عن مقاومة شعبية وطنية تنتهج العمل المقاوم للدفاع عن أرضها وشعبها خارج الحسابات الطائفية والرهانات الخارجية
في خطوة وُصفت بأنها غير مسبوقة منذ اندلاع القتال بين الطرفين، وقّعت حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية وجماعة M23 المتمردة إعلان مبادئ في الدوحة بتاريخ 19 يوليو الجاري، برعاية قطرية، وبحضور ممثلين عن الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة. هذا الإعلان يُعد أول اعتراف متبادل بين الطرفين في إطار تفاوض مباشر، بعد أن فرضت M23 سيطرتها على مدينتي غوما وبوكافو ومحيطهما منذ مطلع هذا العام.
الإعلان، الذي وُصف بأنه تمهيد لسلام محتمل، ينص على وقف إطلاق نار شامل يُفترض أن يدخل حيّز التنفيذ قبل 29 يوليو الجاري، إلى جانب الالتزام بحظر الهجمات ضد المدنيين وخطابات الكراهية، ووضع آلية مراقبة مشتركة لضمان التنفيذ. كما يدعو إلى إطلاق سراح المعتقلين وتسهيل عودة النازحين واللاجئين، إلى جانب استعادة عمل مؤسسات الدولة في المناطق التي كانت خارجة عن سيطرتها.
ويُلزم الاتفاق الطرفين بالدخول في مفاوضات رسمية تنطلق قبل 8 أغسطس المقبل، بهدف التوصّل إلى اتفاق سلام نهائي بحلول 18 أغسطس المقبل، على أن يكون هذا الاتفاق متناسقاً مع التفاهمات التي أُبرمت في واشنطن بين حكومتي الكونغو ورواندا أواخر يونيو الماضي.
ورغم الترحيب الواسع بالاتفاق، بما في ذلك من الاتحاد الأفريقي الذي اعتبره “معلماً رئيسياً” نحو الاستقرار في منطقة البحيرات الكبرى، والاتحاد الأوروبي وفرنسا اللذين وصفاه بأنه فرصة لاستعادة الثقة، فإن الطريق إلى التنفيذ بدا محفوفاً بالعراقيل منذ اللحظة الأولى. فقد برز اختلاف في تأويل بنود الاتفاق: فالحكومة الكونغولية تطالب بانسحاب فوري وغير مشروط لـM23 من غوما والمدن التي تحتلها، في حين ترى الحركة أن الاتفاق لا ينص صراحة على الانسحاب الآن، بل يركّز على استعادة الدولة لمؤسساتها تدريجياً وإدماج مقاتلي الحركة ضمن ترتيبات لاحقة.
في الوقت نفسه، لم تهدأ جبهات القتال، بل شهدت الساعات التالية للتوقيع تقدماً جديداً لـM23 باتجاه مدينة أوفيرا، آخر معاقل الحكومة في جنوب كيفو، وسط اتهامات باستمرار الدعم العسكري الرواندي للجماعة، وهو دعم لم تنفه رواندا علناً، رغم وجود أكثر من 6.000 جندي رواندي في شرق الكونغو.
الاتفاق الموقّع في الدوحة لم يأت من فراغ، بل سبقه اتفاق آخر في واشنطن يوم 27 يونيو 2025، رعته الولايات المتحدة وقطر، وضم وزيري خارجية الكونغو ورواندا، ونصّ على انسحاب القوات الرواندية خلال 90 يوماً، إلى جانب تدشين آلية للتكامل الاقتصادي الإقليمي. وقد أُعلن عن هذا الاتفاق كمدخل سياسي طويل الأمد لحل الصراع، لكنه لم يتضمن ضمانات واضحة لحماية المدنيين أو التعويض عن الأضرار التي لحقت بهم خلال السنوات الماضية.
وبينما تأمل بعض الأطراف أن يُشكّل الاتفاق الجديد بداية مرحلة مختلفة، لا تزال الشكوك قائمة. فالاتفاق لا يتضمن أي التزام بإعادة إعمار المناطق المنكوبة أو تقديم تعويضات للضحايا، الذين يُقدّر عددهم بالملايين، بين قتلى ومهجّرين، خلال العام الماضي وحده. كما أن تجربة دمج المقاتلين المتمردين في الجيش الكونغولي تكرّرت في اتفاقات سابقة دون نتائج تُذكر، وغالباً ما كانت مقدّمة لجولات عنف جديدة.
تبقى الأسابيع القادمة حاسمة في اختبار صدقية هذا الاتفاق، ومدى التزام الأطراف به، لا سيما في ظل واقع ميداني متقلب، وتحالفات إقليمية معقّدة، ومجتمع دولي يبدو متلهفاً لإعلان النجاح أكثر من التورط في ضماناته.
الكونغو والنزاع الدَّولي على ثرواتها
في يناير 2025، اندلعت جولة جديدة من الحرب في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية بعد أن شنت جماعة ” M23″ المسلحة، المدعومة من رواندا، هجوماً واسعاً أسفر عن مقتل أكثر من 7.000 شخص ونزوح مئات الآلاف. توالت الانهيارات سريعاً، فسقطت مدينة مينوفا، ثم غوما، وبعدها بوكافو، وصولاً إلى والي كالي. هذه التطورات لم تكن مجرد معارك محلية، بل جاءت في سياق أوسع من إعادة تقسيم عنيف للكونغو، تتحرك فيه القوى الإقليمية والدولية سعياً للهيمنة على موارد البلاد.
جمهورية الكونغو الديمقراطية، قلب القارة الإفريقية، تختزن ثروات تُقدّر بأكثر من 24 تريليون دولار من النحاس والكوبالت والكولتان والذهب، وغيرها من المعادن النادرة المستخدمة في الصناعات التكنولوجية والعسكرية. هذه الثروات جعلت البلاد هدفاً دائماً لتدخلات خارجية لا تنتهي. رواندا، التي سبق أن غزت الكونغو مرات عدة منذ منتصف التسعينيات، تعود مجدداً عبر دعمها المباشر لـ M23 وتُبرر تدخلها بحماية التوتسي الكونغوليين وملاحقة ميليشيا “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا” (FDLR) المتهمة بارتكاب جرائم إبادة جماعية خلال التسعينيات. لكن الوقائع تشير إلى أهداف أوسع فـ M23 لا تقاتل فقط، بل تبني إدارة بديلة على الأرض، تعيّن مسؤولين محليين، وتفرض ضرائب، وتسيطر على مواقع التعدين وتصدرها عبر رواندا. وقد بلغت صادرات المعادن الرواندية في 2023 أكثر من مليار دولار، وهو رقم يفوق ما تنتجه أراضيها فعلياً.
أوغندا أيضاً موجودة، بتنسيق رسمي مع الجيش الكونغولي، بدعوى ملاحقة متمردين أوغنديين. لكن دورها في تهريب المعادن وتقديم دعم غير مباشر لـ M23 يثير الشبهات، خاصة أن أوغندا كانت شريكة لرواندا في غزوات 1996 و1998، وتستفيد هي الأخرى من استمرار الفوضى، إذ بلغت قيمة صادراتها من الذهب نحو 2.3 مليار جنيه إسترليني في عام 2023/2024.
مع انسحاب كل من جنوب أفريقيا وبوروندي من التحالف المؤيد للحكومة الكونغولية، باتت كينشاسا في عزلة متزايدة، تعتمد على ميليشيات محلية ومرتزقة أجانب، بل وحتى على ميليشيا FDLR التي تسببت في الأزمة أصلاً، للدفاع عن نفسها. أمام هذا الواقع، وجّه الرئيس فيليكس تشيسيكيدي في 8 فبراير 2025 رسالة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يعرض فيها صفقة تسمح للولايات المتحدة بالوصول إلى معادن الكونغو مقابل ضمانات أمنية ودعم عسكري. هذه الخطوة جاءت في سياق محاولة للحد من النفوذ الصيني، الذي بات يسيطر على أكثر من 70% من إنتاج الكوبالت الكونغولي، بعد تراجع الحضور الأميركي منذ 2020.
لكن العرض الكونغولي واجه معضلة هيكلية: رواندا نفسها حليف استراتيجي للغرب. تحظى بدعم مالي وعسكري واسع، وتشكل شريكاً أمنياً في أماكن أخرى مثل موزمبيق، وتحافظ على علاقات قوية مع بريطانيا وفرنسا. وقد وقعت معها الحكومة البريطانية في عام 2022 اتفاقاً لترحيل طالبي اللجوء. لذلك، لم يكن من السهل على واشنطن أو العواصم الأوروبية أن تغيّر مواقفها بشكل جذري، رغم تصاعد الأدلة على دعم كيغالي لـM23.
ردود الفعل الغربية ظلت مترددة ومتناقضة. خفّضت بريطانيا مساعداتها لرواندا، وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على شخصيات من M23 الحكومة الرواندية، بينما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على كيانات مرتبطة بتهريب الذهب والمعادن. في المقابل، عارضت دول أوروبية أخرى، مثل فرنسا وإيطاليا، اتخاذ إجراءات صارمة ضد كيغالي، بسبب ارتباطاتها الاقتصادية معها في مناطق مثل موزمبيق.
في 27 يونيو الماضي، تم التوقيع على اتفاق سلام بين الكونغو ورواندا في البيت الأبيض، برعاية إدارة ترامب. إلا أن الاتفاق لم يشمل M23 القوة الفعلية على الأرض، والتي رفضت الاعتراف به، مؤكدة أنها في مفاوضات موازية تستضيفها قطر. وترافق ذلك مع تصريح لوزير الخارجية الرواندي أكد فيه أن بلاده لن تسحب قواتها إلا بعد “تحييد” FDLR ما يعني فعلياً استمرار الوجود العسكري إلى أجل غير مسمى.
وبينما كانت واشنطن تحتفي بالاتفاق، كانت قوات M23 تواصل زحفها باتجاه مدينة أوفيرا، آخر المدن الكبرى في جنوب كيفو التي لا تزال تحت سيطرة الحكومة. ووفقاً لتقديرات صدرت في 4 يوليو عن مجموعة الأزمات الدولية، بلغ عدد الجنود الروانديين داخل الكونغو حوالي 6.000 عنصر، مزودين بأسلحة متقدمة أسهمت في حسم المعارك الأخيرة لصالح المتمردين. وقد رأت المجموعة أن الاتفاق رُسم بما يرضي كيغالي أكثر من كينشاسا، خاصة أنه لم يُلزم رواندا بسحب فوري أو واضح لقواتها، ولم يعالج جوهر المشكلة، وهي السيطرة على الثروات المعدنية.
حركة M23 التي ظهرت أول مرة عام 2012 وسيطرت حينها على مدينة غوما لفترة قصيرة، عادت منذ أواخر 2021 بقوة أكبر، وبدعم مباشر من الجيش الرواندي. أهدافها المُعلنة لم تقتصر على القتال، بل امتدت إلى إعلان نية إسقاط حكومة كينشاسا، وهو ما فتح الباب أمام تصعيد غير مسبوق بداية عام 2025. ومع توسعها، باتت تسيطر على مناطق تعدين أساسية وتصدّر إنتاجها عبر رواندا.
ورغم الانخفاض النسبي في حدة المعارك مقارنة بالأشهر الأولى من 2025، فإن أياً من القضايا الأساسية لم يُحل: لا انسحاب واضح للقوات الرواندية، لا تفكيك لـ FDLR، ولا اتفاق شامل يشمل جميع الأطراف. ومع استمرار الشكاوى من الطرف الرواندي وM23 من “عدم التزام” الحكومة الكونغولية، يبدو أن الجولة الحالية من الحرب لم تُختَم بعد، بل ربما تكون مجرد محطة في صراع طويل حول من يملك الأرض… ومن ينهبها.
أما بالنسبة لترامب، فيبدو أن الاتفاق ليس أكثر من صفقة تجارية تخدم جزءاً من الصراع العالمي مع الصين. فقد علّقت صحيفة فايننشال تايمز بالقول إن هذه الخطوة قد “تخدم المصالح الأميركية في انتزاع بعض السيطرة على المعادن الحيوية في أفريقيا الوسطى من قبضة الصين”، خاصة وأن الشركات الصينية تهيمن حالياً على معظم عمليات التعدين في الكونغو. وتابعت الصحيفة: “الفكرة هي ضمان السلام من خلال إعطاء الشركات الأميركية حصة تجارية في الأمن”، إذ ستحصل على حقوق استخراج معادن استراتيجية مثل الكولتان والليثيوم، الضرورية لصناعة الإلكترونيات. على سبيل المثال، يقود جينتري بيتش، صديق نجل ترامب، ورئيس شركة America First Global ائتلافاً يتفاوض على حقوق منجم روبايا للكولتان، الذي تسيطر عليه حالياً قوات M23 المدعومة من رواندا.
أما رواندا، فربما تستفيد من الاتفاق بالحصول على دور رسمي في معالجة المعادن، بعد أن كانت تُنكر سابقاً أن صادراتها من أصل كونغولي. لكن الدور الأهم سيبقى بيد الحكومة الأميركية والمستثمرين الأميركيين. وفي الحالتين، يستمر النهب الإمبريالي التاريخي للكونغو، لكن بواجهة جديدة.
هذا الاتفاق لم يكن نتيجة خيار شعبي أو قرار ديمقراطي من عمّال وفقراء الكونغو والمنطقة، بل جاء استجابة من حكومة ضعيفة عسكرياً مقابل وعود أميركية بممارسة الضغط على نظام كاغامي الاستبدادي، في مقابل تقاسم الغنائم.
صحيح أن وقف إطلاق النار موضع ترحيب، لكنه لن يحقق السلام. ملايين المشردين، المحرومين من المساعدات الغذائية والطبية، لم يحصلوا على أي شيء من هذا الاتفاق. والحروب بالوكالة ستستمر. فجميع الأطراف المسلحة – من M23 ورواندا إلى الجيش الكونغولي وميليشيات وازاليندو – ارتكبت فظائع جماعية، من مذابح واغتصاب وتدمير قرى بأكملها. ولا أحد من الجناة سيُحاسب، فالاتفاق لا يأتي بأي عدالة.
سلام مزعوم وهدنة هشة
ما دفع رواندا للموافقة هو الضغط الدولي، وليس الرغبة في السلام. وبعد جولات مفاوضات في قطر، اتفق الرئيس تشيسيكيدي والرئيس كاغامي في مارس 2025 على وقف لإطلاق النار. لكن السلام المزعوم الناتج عن هذه المفاوضات لن يكون أكثر من هدنة هشة، لا تمس جوهر الأزمة. فنتيجتها لن تكون سوى إعادة تقسيم للنفوذ: رواندا وأوغندا ستواصلان دعم وكلائهما، لضمان حصتهما من شرق الكونغو، بينما يستمر رأس المال الأجنبي في استغلال الموارد بلا هوادة. وفي ظل هذه الشروط، سيظل الشعب الكونغولي يدفع الثمن وحده.
المحلل الكونغولي كامبال موسافولي وصف هذه الترتيبات بـ “مؤتمر برلين 2.0″، في إشارة إلى المؤتمر الذي قسّمت فيه القوى الأوروبية أفريقيا في القرن التاسع عشر، وقال لراديو “أفريكا ناو” إن تخصيص معادن تُقدَّر بمليارات الدولارات للولايات المتحدة، دون مساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان، يكرّس ذات السياسات الإمبريالية القديمة.
وفي السياق ذاته، قال الطبيب الكونغولي الحائز على نوبل، دينيس موكويغي، إن الاتفاق يمثّل “تنازلاً فاضحاً عن السيادة”، يمنح الشرعية للاحتلال والاستغلال والإفلات المزمن من العقاب.
هذا التشابك بين شعار “السلام” والمصالح المعدنية يعيدنا إلى سلسلة طويلة من النهب المنظم في تاريخ الكونغو. من الجرائم الوحشية في عهد الملك ليوبولد الثاني، حيث قُتل ملايين الكونغوليين بسبب العمل القسري في استخراج المطاط والعاج، إلى استنزاف الكوبالت والنحاس واليورانيوم خلال الحكم البلجيكي الاستعماري – لم يكن شعب الكونغو في يومٍ ما هو المستفيد من ثروات بلاده. حتى بعد الاستقلال، جاء موبوتو ليكرّس نظاماً كليبتوقراطيًا جعل من المعادن وسيلة لتثبيت حكمه وإثراء النخب. أما الحروب الكونغولية – التي تُوصف أحياناً بـ”الحرب العالمية الأفريقية” – فقد كانت في جوهرها صراعاً على ثروات الأرض، بين أطراف دولية وإقليمية، وعلى حساب ملايين الضحايا.
الدفاع عن لبنان هو واجب وطني لبناني، ولا بديل عن مقاومة شعبية وطنية تنتهج العمل المقاوم للدفاع عن أرضها وشعبها خارج الحسابات الطائفية والرهانات الخارجية
في سياق العدوان الخطير على قطاع غزة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، تتكشف أبعاد جديدة وخطيرة لحرب الإبادة والمحو الممنهجة التي تقودها قوى الاستعمار الإمبريالي العالمي،
كسر المناضل اليساري جورج إبراهيم عبدالله قضبان السجن وانتصر على السجّان، فبعد ٤١ عاماً من الاعتقال في السجون الفرنسية ومنع الإفراج عنه المستحق منذ أكثر
أصدرت وزارة العدل الفرنسية، اليوم الخميس 17 يوليو الجاري، قرار الإفراج عن المناضل والمقاوم اليساري ضد العدو الصهيوني، جورج إبراهيم عبدالله المسجون تعسفاً في فرنسا