الصهيونية فكرة عنصرية في جوهرها، قام بصياغتها والترويج لها ثيودور هرتزل، في مؤتمر بفيينا بالنمسا في أواخر القرن التاسع عشر (1897)، لتكون إطاراً مرجعياً لحركة سياسية تستهدف إقامة “دولة يهودية” في قلب فلسطين. واستندت الحركة الصهيونية إلى هذه الفكرة العنصرية، وبدأت في تجميع اليهود من دول العالم للذهاب إلى “أرض الميعاد”، ولتحقيق الهدف المنشود بدأت العصابات الصهيونية في ارتكاب جرائم وحشية وإرهابية، لطرد الشعب الفلسطيني من أرضه التاريخية، وتسليمها إلى جماعات يهودية بشرية، تم دفعها للهجرة إلى فلسطين من مختلف بلدان العالم.
واستطاعت الحركة الصهيونية تحقيق أهدافها بدعم ومساندة القوى الاستعمارية الغربية صاحبة المصلحة في زرع عضو غريب (نبت شيطاني في غير أرضه)، في جسد الأمة العربية، لأداء دور وظيفي في خدمة المصالح الاستعمارية، التي تقوم على الهيمنة على الدول ونهب ثرواتها.
وعلى مدى أكثر من 100 عام وأصحاب الأرض الفلسطينيين يقاومون هذا الكيان الغاصب المحتل، ومنذ نكبة 1948 بقيام “دولة إسرائيل” على مساحة 56% من أرض فلسطين التاريخية، والمقاومة مستمرة من أجل التحرير، وعودة اللاجئين وتعويضهم، وسقط الآلاف من الشهداء في سبيل الدفاع عن الأرض والعزة والكرامة، والدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية، والدفاع عن الأمن القومي المصري والعربي.
استمر الكيان الصهيوني منذ وعد بلفور (1917)، في بسط يده على الأراضي الفلسطينية بشتى الطرق من العدوان، والاحتلال، وارتكاب المذابح والمجازر بحق الفلسطينيين، وقتل النساء والأطفال واعتقال عشرات الآلاف من المقاومة الفلسطينية، وتعذيبهم في سجون الاحتلال، وسن كافة القوانين الجائرة لتمكينهم من هدم بيوت الفلسطينيين أصحاب الأرض وطردهم، واستمرت الدول الاستعمارية الكبرى بريطانيا وفرنسا وألمانيا في دعم ومساعدة العدو الصهيوني بالمال والعتاد.
وبعد الحرب العالمية الثانية بدأت الإمبريالية الأميركية في دعم هذا الكيان العنصري، من أجل تثبيت هيمنتها كقطب وحيد في العالم للسيطرة على مقدرات الدول النامية، وفى القلب منها الوطن العربي والتقت المصالح والخطط الرامية إلى إضعاف المنطقة العربية بمزيد من تفكيكها وتقسيمها وتفتيتها على أساس طائفي ومذهبي وعرقي من أجل السيطرة عليها.
واختمرت الخطط الاستعمارية، وبدأت الولايات المتحدة الأميركية مع الكيان الصهيوني، في خلق ما يسمى “الشرق الأوسط الجديد”، وذلك باتخاذ خطوات عملية منذ بدايات القرن الواحد والعشرين، والتقت المصالح الأميركية مع مصالح الرجعية العربية، وتشابكت المصالح معاً، مما ساعد العدو الصهيوني على البلطجة والعربدة، وارتكاب مزيد من المجازر الوحشية للقضاء على المقاومة الفلسطينية، والمقاومة اللبنانية، واستهداف كل الدول المعادية للإمبريالية الأميركية وللفاشية الصهيونية سواء في الوطن العربي أو في دول العالم في قارة إفريقيا وقارة آسيا وقارة أميركا اللاتينية.
طوفان الأقصى
واستمرت المقاومة الفلسطينية في نضالها بمساندة الشعب الفلسطيني البطل، وفى نفس الوقت بدأت بعض الدول العربية انتهاج خطوات عملية للتطبيع مع الكيان الصهيوني الاستيطاني المحتل دون أي مقابل، بزعم إحلال السلام وقيام الدولة الفلسطينية، إلى أن قامت المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023 بعملية طوفان الأقصى، التي زلزلت كيان العدو، وفضحت أكاذيبه حول أن دولته هي واحة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأنه الجيش الأقوى في المنطقة، ورد العدو بالعدوان الوحشي على قطاع غزة، بمباركة ومساعدة أميركا باستخباراتها وجنودها وسلاحها وأموالها، ولم يحقق أي هدف من أهداف عدوانه التي أعلنها، وهي استرداد كل الأسرى لدى حماس من الجنود والمدنيين الصهاينة، والقضاء على المقاومة الفلسطينية ونزع سلاح حماس وطردها خارج فلسطين، وحكم غزة من خلال مجموعة إدارية دولية ليس فيها حماس أو السلطة الفلسطينية.
تكسرت أحلام العدو على صخرة صمود المقاومة الفلسطينية، وصمود الشعب الفلسطيني البطل وأيضاً المقاومة اللبنانية، رغم اغتيال قادة المقاومة في فلسطين ولبنان، وشاركت المقاومة اليمنية دفاعاً عن فلسطين باستهداف على السفن الذاهبة إلى العدو الصهيوني والمحملة بالأسلحة والذخائر، لتكبد العدو خسائر اقتصادية كبيرة في منطقة البحر الأحمر.
واجهت المقاومة الفلسطينية واللبنانية جيش العدو النظامي المدجج بالمال وأساطيل السلاح الأميركي والجنود الأمريكان والاستخبارات والسلاح الألماني والفرنسي والبريطاني، ولم تنهزم ولم ولن تركع، رغم ما تنتهجه الحكومة اليمينية المتطرفة الصهيونية، من إبادة جماعية وتجويع للشعب الفلسطيني وتهجيره وقتله بالرصاص أو بسلاح التجويع المحرم دو لياً وفق مواد اتفاقيات جنيف الرابعة، ورغم أن هناك 10% من الشعب الفلسطيني(أكثر من 200 ألف) في قطاع غزة بين شهيد وجريح ومفقود، ورغم الخراب والدمار الذي طال كل مقدرات الحياة في قطاع غزة، من أجل إجباره على التهجير إلى سيناء المصرية، ورغم الاعتداءات المستمرة على فلسطينيي الضفة الغربية لتهجيرهم إلى الأردن.
بالرغم من كل ذلك المقاومة مستمرة بكل بسالة، والشعب الفلسطيني شعب الجبارين صامد في وجه العدو وتسانده كافة شعوب العالم الحرة التي انكشفت لها حقيقة هذا الكيان المجرم العنصري المحتل، وانكشفت لها حقيقة أنظمتها العدوانية التي تزعم أنها تدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.
خلال مقابلة مع قناة “i24” العبرية والتي تم نشر تفاصيلها يوم 13 أغسطس 2025، أعلن مجرم الحرب بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني، عن اعتقاده أنه في مهمة تاريخية وروحية، لافتاً إلى أنه يؤيد رؤية “اسرائيل الكبرى” التي تضم جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة وجزءاً من الأردن ولبنان وسوريا ومصر.
وأعلنت الحكومة الصهيونية اليمينية المتطرفة عن بدء خطة احتلال قطاع غزة وذلك تم أولاً بتهجير 2 مليون فلسطيني يعيشون في القطاع إلى جنوب القطاع في مساحة 90 كلم2 وهي تبلغ ربع مساحة غزة، ثم ثانياً السيطرة على مدينة غزة، وذلك بتهجير سكانها الذين يبلغون 800 ألف فلسطيني إلى جنوب محور موراج بالقرب من الحدود المصرية، في مساحة 42 كلم2!! وثالثاً يتم تهجير الفلسطينيين “طوعياً” إلى دول (أرض الصومال، وجنوب السودان، وأوغندا، وليبيا، وإندونيسيا).
مخطط تفتيت الضفة الغربية
صرح وزير مالية الكيان الصهيوني العنصري المتشدد بتسلئيل سموتريتش في مؤتمر صحفي 14 أغسطس 2025، بأن الحكومة الإسرائيلية ستواصل بناء 3412 وحدة استيطانية غرب مستوطنة معاليه أدوميم، مما يجعلها تتصل بالقدس غرباً، ويشكِّل خطاً يفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، مع إنشاء شبكة طرق تصل المستوطنات وسكان القدس اليهود الذين يصل عددهم إلى 900 ألف يهودي، مما يساهم في تفتيت الضفة العربية إلى كانتونات منفصلة ويقضى تماماً على حلم الدولة الفلسطينية، وأضاف سموتريتش بالحرف الواحد رداً على من يطالبون بدولة فلسطينية “سنواصل البناء لندفن فكرة الدولة الفلسطينية”.
إن تصريحات وزير مالية الكيان الصهيوني، تعني ضم الضفة الغربية وتهويد القدس وعزلها عن محيطها الفلسطيني والعربي، وطمس هويتها الحضارية وتوسيع الاستيطان ومصادرة الأراضي وتحويل ما تبقى من الأرض إلى مناطق معزولة محاصرة.
تزامن ذلك مع المضي في تنفيذ مخطط تصفية القضية الفلسطينية، مخطط آخر، وهو القضاء على المقاومة بنزع سلاح الفصائل الفلسطينية وفي القلب منها نزع سلاح حماس بجانب تصفية المقاومة اللبنانية الوطنية جميعها وفى القلب منها نزع سلاح “حزب الله”. وقد جاء إلى لبنان في أوائل أغسطس الماضي، توماس بارّاك مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخطة توحيد السلاح بيد الدولة اللبنانية، ونزع سلاح كل الفصائل بما فيها “حزب الله”، وذلك من خلال جدول زمني ينتهي مع نهاية هذا العام، وذلك بالرغم من استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على دولة لبنان واحتلال خمس نقاط في الجنوب اللبناني، كما تسعى اسرائيل على السيطرة على جنوبي نهر الليطاني.
قررت الحكومة اللبنانية إعداد خطة لحصر السلاح في يد الدولة قبل نهاية العام، وبالرغم من حق أي دولة في احتكار حمل السلاح، إلا أن ذلك يتطلب بناء جيش قادر على حماية الدولة، وتمكينها من الدفاع عن أرضها وشعبها، قبل التفكير في نزع سلاح المقاومة المشروعة ضد المحتل وفقاً للاتفاقيات الدولية، فما زال الكيان الصهيوني يحتل قرى في جنوب لبنان.
ولا بد من الإشارة إلى أن المقاومة اللبنانية الوطنية والإسلامية هي التي أجبرت الكيان الصهيوني على الخروج من لبنان في 25 مايو 2000. هذا بالإضافة إلى أن القرار الذي اتخذته الحكومة اللبنانية، قرار له تداعيات خطيرة على الاستقرار فهناك من يقبل القرار وهناك من يرفضه.
وزد على ذلك الاعتداءات على سوريا وإعلان الكيان الصهيوني باحتلال أجزاء من الأراضي السورية بجانب الجولان المحتلة منذ 1967، وذلك للحفاظ على أمنه، ومن هذه الأراضي التي يريد الاحتفاظ بها جبل الشيخ والقنيطرة وأجزاء من السويداء، ويساعد على ذلك وجود نظام في سوريا مهادن للكيان الصهيوني، ولا يمانع من التطبيع مع الكيان والعيش معه في سلام!، هذا بجانب العدوان المجرم على دولة إيران وانتهاك سيادتها.
يمضي الاستعمار الأميركي الصهيوني قدماً بمشاركة بعض البلدان العربية في تنفيذ مخطط القضاء على المقاومة، وتصفية القضية الفلسطينية، والتطبيع مع العدو الصهيوني وخلق الشرق الأوسط الجديد الذي تقوده “دولة إسرائيل الكبرى” وتسيطر عليه وتنهب ثرواته الدول الاستعمارية الغربية والولايات المتحدة الأميركية.
إننا أمام صراع وجود فإما أن تستيقظ الأمة العربية للوقوف ضد محو هويتها وتفتيتها وإضعافها والسيطرة عليها، وللدفاع عن وجودها، وإما خروج تلك الأمة من التاريخ والجغرافيا.
إن الاكتفاء بالصمت إزاء ما يحدث، أو الاكتفاء بالإدانة والشجب (ذراً للرماد في العيون)، يعني التواطؤ الذي يشجع على تنفيذ المخطط.
إن الأمل في انتفاضة الشعوب العربية وشعوب العالم الحرة الأبية للضغط على حكوماتها من أجل:
أولاً – وقف العدوان الصهيوني فوراً وإدخال المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني.
ثانياً – فرض عقوبات على الكيان الصهيوني ووقف تصدير السلاح له وقطع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية معه.
ثالثاً – استمرار الشعوب في المقاطعة الاقتصادية للكيان الصهيوني والدول التي تساعده وتسانده.
رابعاً – تفعيل آليات محاكمة مجرمي الحرب من الصهاينة، ومن يشاركونهم، أمام المحكمة الجنائية الدولية، على ما ارتكبوه من جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني.
إننا كشعوب نرفض نزع سلاح المقاومة ما بقي شبر واحد من أراضينا العربية محتلاً ونؤكد على رفضنا للتطبيع مع العدو الصهيوني ونطالب بقطع جميع العلاقات مع هذا العدو، كما نطالب بإقامة الدولة الفلسطينية على كامل أراضيها التاريخية من النهر إلى البحر، وعودة اللاجئين إلى ديارهم.
كما نطالب بإلغاء الاتفاقيات التي تم إبرامها مع العدو الصهيوني (كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو)، تلك الاتفاقيات التي نقضها العدو أكثر من مرة ولم ينفذ حرفاً واحداً منها.
إن المقاومة بجميع أشكالها المسلحة والسياسية هي طريقنا للدفاع عن أرضنا ومقدساتنا.
المجد والخلود للشهداء والشفاء للجرحى والحرية للأسرى، والنصر للمقاومة والبقاء للشعوب والزوال للاحتلال، والخزي والعار للمتواطئين والمشاركين في إبادة الشعب الفلسطيني والعار للمطبعين مع العدو الصهيوني.