المسألة النفطية من منظور التقدميين الكويتيين

-+=

النفط والغاز في بلداننا العربية، وضمنها الكويت هي موارد وثروات طبيعية يجب النضال لتحريرها من هيمنة الغرب الإمبريالي واحتكاراته وشروطه المجحفة كواحد من أبرز مهمات مشروع التحرر الوطني من الهيمنة الإمبريالية.

ومن جانب آخر، فإنّ النفط والغاز مصدرا طاقة معرضان للنضوب، إما بفعل الاستنزاف أو بفعل “النضوب التقني” في حال إنتاج طاقة بديلة بكلفة مناسبة… وهذا يمثّل تحدياً وجودياً للدول المعتمدة على تصدير النفط والغاز، خصوصاً ذات الاقتصاد الأحادي كالكويت ومعظم بلدان الخليج العربي.

ومثلما هو معروف فإنّ النفط والغاز في بلداننا هو الأساس الذي ارتكز عليه التطور الرأسمالي المشوّه والتابع لبلادنا منذ نهاية أربعينيات القرن العشرين، وكذلك في بلدان الخليج العربي الأخرى خلال عقود متقاربة ما أوجد بنية اقتصادية ريعية ذات مورد أحادي مرتبطة تبعياً بالنظام الرأسمالي العالمي حيث تؤدي وظيفة متخلفة في إطار التقسيم الدولي للعمل تتمثل في تصدير النفط الخام والغاز.

ولنتوقف هنا قليلاً أمام الاقتصاد الريعي والدولة الريعية المرتبطين بالاعتماد على النفط في بلداننا الخليجية، وكذلك هي الحال في العراق، ولننظر إليهما نظرة جدلية، ذلك أنهما ينطويان على اتجاهات متناقضة، بعضها سلبي، ولكن بعضها الآخر ليس سلبياً تماماً… السلبي في الاقتصاد الريعي والدولة الريعية هو استقلالية الدولة، وهي هنا الدولة الرأسمالية التابعة، استقلالها نسبياً عن المجتمع عبر هيمنتها على الريع وبالتالي يكون المجتمع ضعيفاً أمام مثل هذه الدولة، فالناس ما داموا خارج دائرة الفعل الاقتصادي فهم في الغالب خارج دائرة الفعل السياسي، وهذا ما يغذي الاتجاهات الاستبدادية لدى السلطات الحاكمة في الدول النفطية… والسلبي أيضاً هو انخراط المجتمع في استهلاك الريع وتوزيعه وليس إنتاجه، ما يؤدي إلى إهمال القطاعات الإنتاجية والتركيز على الاستيراد وتعزيز قيم المجتمع الاستهلاكي والموقف السلبي تجاه العمل المنتج… ولكن في المقابل فإنّ توفر موارد يمكن أن تدفع باتجاه تطوير الدولة والخدمات العامة وتحسين مستوى معيشة المواطنين… وكذلك قد تكون من النتائج المترتبة على الريع النفطي دوره بالتعجيل في بناء قطاع رأسمالية الدولة…. وبالطبع فإنّ هذه الاتجاهات المتناقضة تتحدد وفق الطبيعة الطبقية للسلطة والقوى الاجتماعية الممسكة بزمامها في هذه البلدان ومدى تبعيتها للإمبريالية أو تحررها من التبعية.

وفي الكويت وبلدان الخليج نلحظ اختلال توازن البنية الاقتصادية لصالح القطاعات غير المنتجة، والتطور الأحادي الجانب للاقتصاد، وإعاقة نمو وتطور القوى المنتجة المادية والبشرية وتكريس تخلفها، وهناك تضخم لافت في الإنفاق الحكومي مرتبط بسياسة غير عادلة لتوزيع الدخل والتصرف بالثروة الوطنية. وهذا ما أدى إلى إهدار جانب كبير من هذه الثروة وتنامي فئات طفيلية لا تقوم بأية وظيفة اجتماعية مفيدة، ونمو رأس المال المالي والربوي واتساع عمليات المضاربة والسمسرة، وضعف ارتباط القطاع المصرفي بالاستثمار الإنتاجي، وهيمنة القطاعات غير الإنتاجية كالخدمات والتجارة.

وعلينا أن ننتبه إلى أنّ أزمة الاقتصاد الريعي التابع ليست أزمة وقتية عابرة يمكن تجاوزها عبر الارتفاعات التي تطرأ على أسعار النفط، وإنما هي أزمة بنيوية عميقة وهي مرشحة للتفاقم أكثر فأكثر مع مرور السنوات، في ظل تحكّم المصالح الرأسمالية الطفيلية لأطراف الحلف الطبقي المسيطر وارتباطاته التبعية بالإمبريالية، والأهم من ذلك هو عجز هذا النمط من الاقتصاد الريعي التابع عن تحقيق التنمية، حيث لا مصلحة تربط القوى المسيطرة بتحقيق التنمية ما دامت هذه القوى قادرة على الاستيلاء على الجزء الأكبر من الثروة الوطنية عبر النشاطات الطفيلية والتنفيع والارتباط التبعي بالإمبريالية، ولهذا أصبح واضحاً ذلك الفشل الذريع في الادعاءات الحكومية بشأن التنمية؛ وعدم الجدية في تنويع مصادر الدخل.

وفي مواجهة هذا الواقع فإنّ مهمة تحرير المورد النفطي ترتبط بمهمة انتهاج توجه اقتصادي وطني بديل يستهدف بناء اقتصاد وطني منتج ومتطور ومستقل لمعالجة ما تعانيه البنية الاقتصادية الرأسمالية الريعية المشوهة والتابعة من اختلالات هيكلية عبر المطالبة بتنويع مصادر الدخل والأنشطة الإنتاجية، والمطالبة بالتوسع في الصناعات النفطية وخصوصاً التكرير والبتروكيماويات، بحيث يتحوّل القطاع النفطي، وتحديداً استخراج النفط الخام وتصديره، من قطاع مهيمن ومصدر للعوائد المالية إلى قطاع منتج للثروات تتمحور حوله مجموعة صناعات.

وفي السياق ذاته، ضرورة اعتماد الاستخدام العقلاني الرشيد وطويل الأمد للنفط وإبقائه بيد الدولة بوصفه قطاعاً استراتيجياً ورفض خصخصته، وسد الأبواب أمام سعي شركات النفط العالمية الكبرى لإعادة هيمنتها عليها أو بالأحرى تكريس هيمنتها أكثر تحت غطاء اتفاقيات المشاركة في الإنتاج، ولا بد من ربط سياسة إنتاج النفط وتصديره بمتطلبات تطوير اقتصادنا الوطني واحتياجاته الفعلية؛ وكذلك ربطها بحجم الاحتياطيات النفطية الحقيقية القابلة للاستخراج، واستعمال مصادر الطاقة البديلة النظيفة الأخرى لتوليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والأمواج.

أما إذا انتقلنا إلى البعد الدولي العام للنفط والغاز كمصدر للطاقة وما يسمى بأزمة الطاقة، فعلينا أن ننظر إليها بالارتباط بالنظام الرأسمالي وتناقضاته وأزمته، حيث فاقم الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة من معاناة غالبية الشعوب، ما يتطلب منع إخضاع أسعار الطاقة للمضاربات، التي تسهم في رفع أسعارها بشكل غير مبرر.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

لا لمحو الذاكرة الوطنية

تمثّل الذاكرة الوطنية أهم العناصر المكوّنة لوحدة المجتمع والمشكّلة لوعي أفراده بهويتهم الوطنية، حيث تشمل الذاكرة الوطنية الأحداث والوقائع والوثائق والفعاليات والصراعات التاريخية الكبرى، التي