في مثل هذا اليوم 13 يونيو 1962 صدرت صحيفة “الطليعة”، التي كانت لسان حال الحركة الوطنية والتقدمية، وكان صاحب الامتياز الأول عبد الرزاق الخالد، ثم سامي المنيس. وتناوب على رئاسة تحريرها: سامي المنيس، وأحمد النفيسي، وعبد الله النيباري.
لقد ارتبط تاريخ صحيفة “الطليعة” بالدفاع عن السيادة الوطنية على مختلف الصعد، ومقاومة المشاريع الامبريالية والصهيونية.
وحملت “الطليعة” قضية الدفاع عن الديمقراطية والحريات، ومحاربة الفساد، وقضايا الطبقة العاملة وحقوقها والدفاع عن الحركة النقابية.
“الطليعة” لم تكن مجرد صحيفة أسبوعية، وإنما هي جزء من تاريخ الكويت السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والإعلامي، وكانت صانعاً لجزء من تاريخ الكويت وعنصراً مؤثراً في تطوره… بقيت تناضل من أجل الاستمرار إلى أن توقفت عن الصدور في عام 2016
لإلقاء الضوء على تلك المسيرة تُعيد منصة “تقدُّم” نشر مقال للزميل أحمد الديين ومقال للزميل أسامة العبدالرحيم يبرزان موقع “الطليعة” الريادي في الصحافة، والدور الذي لعبته في الحياة السياسية الكويتية.
“الطليعة” ليست مجرد صحيفة…
إنها شاهد على تاريخ الكويت وأحد صنَّاع هذا التاريخ لأكثر من نصف قرن
بقلم: أحمد الديين– مستشار تحرير «تقدُّم»
بغض النظر عن تفاصيل تصفية شركة “الطليعة” للصحافة والطباعة والنشر وما أحاط بها من ملابسات بائسة ليس هذا مجال تناولها، فإنّ الإيقاف النهائي لإصدار صحيفة “الطليعة” الأسبوعية على النحو المؤسف الذي توقفت فيه عن الصدور يحمل في طياته دلالات كبيرة تتجاوز حدود إيقاف صحيفة أسبوعية عن الصدور، ذلك أن “الطليعة” لم تكن مجرد صحيفة أسبوعية، وإنما هي جزء من تاريخ الكويت السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والإعلامي، وأزيد من دون ادعاء أو مبالغة أنّ “الطليعة” لم تكن مجرد شاهد على هذا التاريخ يوثق أحداثه بل كانت في حقيقة الأمر صانعاً لجزء من تاريخ الكويت وعنصراً مؤثراً في تطوره.
كانت “الطليعة” لسان حال الحركة الوطنية والديمقراطية الكويتية، وعلى نحو أدق كانت “الطليعة” أحد أهم مراكز تجمعات هذه الحركة لعقود طويلة، خصوصاً في عقدي الستينيات والسبعينيات، شأنها في ذلك شأن نادي الاستقلال، الذي عطلته السلطة بعد انقلابها الأول على الدستور في أواسط سبعينيات القرن العشرين… وبالطبع لم تسلم “الطليعة” من التعطيل الإداري المتكرر، وأحياناً بأحكام قضائية، ولكنها استمرت وواصلت دورها لأكثر من نصف قرن من الزمان بكل تقلباته وتناقضاته وصراعاته.
كان لـ “الطليعة” دورها المشهود في قضية رفض اتفاقية تنفيق العائدات المجحفة مثلما حاولت شركات النفط الأجنبية فرضها على الكويت، ونجحت “الطليعة” في تعبئة الرأي العام ضدها عبر حملتها الإعلامية الشهيرة التي عنونتها بجزء من بيت الشعر العربي “يا أمة ضحكت” ما ساهم في تعزيز معارضة مجلس الأمة لتلك الاتفاقية وحصول الكويت، وبالتالي الدول المنتجة للنفط، على مزايا أفضل.
وكذلك فقد كان لـ “الطليعة” مساهمتها البارزة في معركة رفض اتفاقية المشاركة النفطية مع الشركات الأجنبية في النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين؛ وكان فارسها بل فارس الكويت في تلك المعركة الراحل الكبير الأستاذ عبدالله النيباري، وصولاً إلى تأميم شركات النفط الأجنبية والسيطرة الوطنية على القطاع النفطي وهو الانجاز الكبير الذي تحقق في العام 1975. كما ساهمت “الطليعة” في تسليط الضوء مبكراً على فضائح الفساد واستغلال النفوذ، بدءاً من قضايا الاستيلاء على أملاك الدولة، مروراً بالفساد الإداري والمالي، وصولاً إلى التصدي لقضايا الفساد الكبرى التي برزت في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات.
وقادت “الطليعة” معركة الدفاع عن الديمقراطية بدءاً من تصديها لترسانة القوانين المقيدة للحريات التي فرضتها السلطة بالتعاون مع الغالبية النيابية الموالية لها في مجلس الأمة الأول، وأدت إلى استقالة نواب المعارضة الثمانية، مروراً بالتصدي لتزوير انتخابات مجلس الأمة الثاني في 25 يناير من العام 1967، وصولاً إلى دور “الطليعة” في التصدي للانقلاب الأول على الدستور في العام 1976 حيث دفعت الثمن غالياً بتعطيلها إدارياً أكثر من مرة عبر سلاح المادة 35 مكرر من قانون المطبوعات والنشر، ثم رفضها الانقلاب الثاني على الدستور في العام 1986 ومحاولتها التعبير عن ذلك الموقف بهذا الشكل أو ذاك على الرغم من الرقابة الحكومية المسبقة على الصحف.
وكانت “الطليعة” اللسان المعبّر عن هموم الطبقة العاملة والفئات الشعبية والداعم الأول للحركة النقابية العمالية الكويتية عند انطلاقتها في أواسط ستينيات القرن العشرين عبر صفحتها العمالية، كما كان لـ “الطليعة” دورها في إبراز الحركة الطلابية الكويتية ممثلة في الاتحاد الوطني لطلبة الكويت وكذلك الاتحاد المحلي لطلبة الكويت في المرحلة الثانوية، اللذان أنشأهما طلبة الحركة الوطنية الكويتية. وفي العام 1970 قامت “الطليعة” بتصحيح موقفها القومي المتعصب تجاه قضية الكويتيين من أصول فارسية، وفتحت باب المناقشة على صفحاتها حول هذه القضية، حيث دارت حوارات غنية ساهم فيها عدد من الكتّاب الكويتيين والخليجيين من اتجاهات مختلفة.
وحملت “الطليعة” لواء القضية القومية سواء قضية فلسطين ومقاومة الاحتلال الصهيوني أو قضية الوحدة العربية، ودعمت حركات التحرر الثورية في جنوبي اليمن وفي ظفار وكذلك في إرتيريا، بل لعل ما نشرته “الطليعة” عن هذه القضايا والحركات التحررية يمثّل أهم المراجع لأي دارس أو باحث لها.
وتصدت “الطليعة” بقوة لما كانت تخطط له الدوائر الإمبريالية والصهيونية والرجعية في صراعها مع القوى التقدمية والتحررية في العالم وفي منطقتنا العربية، وكانت “الطليعة” في صدارة القوى الرافضة للاستسلام ومهادنة العدو الصهيوني ومخططات التطبيع.
وفي مرحلة ما بعد التحرير كانت “الطليعة” منبراً وطنياً ديمقراطياً من أجل محاسبة المسؤولين المقصرين والمتهاونين عن دورهم في كارثة الغزو والاحتلال، وكذلك من أجل الإصلاح السياسي الديمقراطي المتصلة بفصل ولاية العهد عن رئاسة مجلس الوزراء، وإصلاح النظام الانتخابي، والإقرار بالحقوق السياسية للمرأة.
وتصدت “الطليعة” عبر تاريخها الممتد لأكثر من نصف قرن بوضوح للقوى الرجعية المتسترة وراء الدين وكشفت الارتباطات المشبوهة لبعض هذه القوى بالدوائر الإمبريالية والأنظمة الحاكمة في المنطقة. لقد كانت “الطليعة” عبر تاريخها صوت الشعب الكويتي وصوت التقدم والديمقراطية… وبالطبع فقد كان للطليعة نواقصها وأخطاؤها، ولكن هذه النواقص والأخطاء، كانت الاستثناء العابر، بينما كان تمسكها بخطها الوطني والديمقراطي هو الأساس الثابت والسمة الغالبة لمسيرتها. وبالتأكيد فإنّ توقف “الطليعة” عن الصدور نهائياً سيترك فراغاً كبيراً يتجاوز حدود غيابها كصحيفة.
“الطليعة”.. الفكرة التي لا تغيب
بقلم: أسامة العبدالرحيم– رئيس تحرير «تقدُّم»
في عام 2012 كانت زيارتي الأولى إلى مبنى جريدة الطليعة لحضور اعتصام سلمي دعت له القوى الوطنية في شارع الصحافة، ومنذ تلك اللحظة حرصت على ألا أكتفي بقراءة هذه الصحيفة العريقة بل الكتابة في صفحاتها أيضاً، وتحديداً قبل أكثر من عقد. في أول أربعاء من شهر أبريل/ نيسان كتبت أول مقالة لي في صحيفتي المفضلة ومدرستي الأولى جريدة “الطليعة” التي احتضنت كتاباتي وصقلتها وأعطتني مساحة أعبر فيها عن رأيي وأفكاري بكل حرية نعم بكل “حرية”.
وفي الوقت الذي كان يحاول فيه البعض، وبكل أسف، بالنيّل من الطليعة إلا أنها استمرت آنذاك بشغف متابعيها وبعزم محلليها ومحرريها وروح شبابها الذي آمن بأفكارها الجامعة وصان إرثها الوطني الديمقراطي.
“الطليعة” لسان حال الحركة الوطنية والتقدمية ساهمت في إثراء الحياة الديمقراطية الكويتية بعد الاستقلال ودفعت ثمن مواقفها المشرفة على مدى التاريخ فهددوها وعطلوها تارة وتآمروا عليها تارة أخرى، هذه التحديات والعراقيل التي مرت بها الطليعة لأكثر من نصف قرن لم تثني القائمين عليها من الاستمرار في نشر رسالتها القومية والوطنية العابرة للطوائف والقبائل والعوائل، وهي التي ارتبط اسمها بقامات وطنية تعلمنا منها المبدأ والشرف والشجاعة في الميدان السياسي كالراحلين سامي المنيس والدكتور أحمد الخطيب وعبدالله النيباري، والأساتذة الأعزاء أحمد الديين وأحمد النفيسي وغيرهم الكثير مِن مَن ساهم في رفع لواء التيار الوطني الديمقراطي في الكويت.
نعم أحزننا جداً خبر تصفية “الطليعة” لكن إن كان يعتقد من يحاول طمس هذا التاريخ أنه قد قضى على الصوت التقدمي فهو واهم، فرسالة “الطليعة” خالدة يحملها على عاتقه جيل شبابي وطني آمن بأن الفكرة يحملها الإنسان ويتوارثها البشر وليس مبنى أو حجر.
بحلول شهر نوفمبر 2024، وفي خضم الحرب الدائرة منذ أكتوبر 2023 في غزة والضفة والجنوب اللبناني بين قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية من جهة وقوات الاحتلال الصهيوني بمشاركة أميركا من جهة أخرى، يكون قد مضى 89 عاماً على المواجهات المسلحة الأولى للشعب الفلسطيني ضد التشكيلات الصهيونية المسلحة القادمة من مختلف بلدان العالم لاحتلال فلسطين وإقامة دولة دينية لليهود طبقاً للمشروع الاستعماري بقيادة بريطانيا، أقوى دولة استعمارية في تلك الفترة.
إن دراسة التاريخ بتناقضاته وتطوراته تساهم في تجنب الأخطاء وتطوير ما كان صحيحاً. فالأحداث التاريخية تبقى في ذاكرة المجتمعات. هذه الأحداث قد لا يُرى تأثيرها وقت حدوثها، لكن تضاف إلى جينات هذه المجتمعات ومفعولها يورَّث جيلاً بعد جيل. إذاً، من المهم أن يتم تدوين واستذكار التجارب، الإيجابية منها والسلبية، بين فترة وأخرى حتى تدُرس كيلا تنسى وتندثر وتفقد الأجيال القادمة الإحساس بمدى أهميتها وتأثيرها على حياتهم.
محاولة لتسليط بعض الضوء على جوانب مهمة من مسيرة الحزب تتعلق بما تميّز به نضال هذا الحزب الطليعي ودوره وخبراته وتجاربه المتنوعة، التي تشكّل له رصيداً نضالياً تاريخياً غنياً ويفترض أن تكون مصدر إلهام للمناضلين العرب.
ضمن حالة النهوض العامة، التي شهدتها الحركة الوطنية الديمقراطية الكويتية في النصف الأول من ستينات القرن العشرين، وامتداداً للمسار التاريخي الممتد منذ الخمسينات لنضال الحركة الطلابية الكويتية، تأسست في ديسمبر من العام 1964 المنظمتان الطلابيتان الديمقراطيتان: الاتحاد الوطني لطلبة الكويت والاتحاد المحلي لطلبة الكويت “الثانويين”.