42 عاماً على انطلاقة النجمة الحمراء جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية “جمّول” الرَّد الثوري على الاحتلال الصهيوني ومجازره.
في 16 أيلول / سبتمبر، وفي كل أيلول من كل عام، تحية من “تقدُّم” إلى جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية… وأبطالها الذين هزموا الجيش الذي قيل أنه “لا يهزم”… تحية إلى المقاومين والأسرى والجرحى والشهداء ضد الاحتلال الصهيوني وحروبه العدوانية الإجرامية… تحية إلى أبطال عملية “طوفان الأقصى” أبطال المقاومة الفلسطينية الصامدة منذ السابع من أكتوبر 2023 ضد العدوان الصهيوني على غزة… أبطال يسطرون كل يوم ملاحم بطولية في مقاومة العدو… تحية إلى كل مقاوم ومقاوِمة للعدو الصهيوني في جميع جهات وطننا العربي.
في ذكرى انطلاقة “جمول”، 16 أيلول/ سبتمبر 1982، التي جذورها مغروسة عميقاً عميقاً في أرض الوطن، كل الوطن، من أجل تحرير الأرض والتحرر الوطني وحق الشعوب بتقرير مصيرها ومواجهة المشاريع الإمبريالية الاستعمارية، نسلط الضوء على بداية الاجتياح الصهيوني للبنان في حزيران/ يونيو العام 1982، والصمود في مواجهة الحصار الصهيوني لبيروت، وارتكابه مع عملائه لمجزرتي صبرا وشاتيلا، وتحرير بيروت من رجس الاحتلال بفعل عمليات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية.
بداية الاجتياح الصهيوني للبنان
في الرابع من حزيران/ يونيو العام 1982 شن سلاح الجو الصهيوني غارات وحشية على الجنوب وبيروت والضاحية الجنوبية، أكبرها قوة كانت الغارة على المدينة الرياضية في بيروت. سقط ضحية الغارات الجوية الصهيونية 60 شهيداً وحوالي 270 جريحاً، غارات مهد من خلالها العدو لاجتياحه للبنان.
في السادس من الشهر نفسه اتخذ مجلس وزراء الكيان الصهيوني قرار اجتياح لبنان وبدأ عمليته التي ظن أنها سوف تكون نزهة في ربوع لبنان وأراضيه، فكان الجحيم الذي ينتظره… حيث خاضت القوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية معارك بطولية ضد جيش العدو وبقيت مستمرة في صد محاولات تقدمه باتجاه بيروت، معارك تكبد خلالها جيش العدو خسائر فادحة في العديد والعتاد، إلى أن حاصر بيروت المقاوِمة، استمر الحصار لمدة ثلاثة أشهر متتالية وسط قصف من الجو والبر والبحر ومنع دخول المياه والأدوية والأغذية… إنه إجرام العدو الصهيوني وقتله للأبرياء والأطفال…. وهو الإجرام نفسه الذي يرتكبه ضد غزة العزة الصامدة المقاومة.
غزو العدو الصهيوني في 6 حزيران/ يونيو للبنان كان على خمسة محاور هي:
محور الرشيدية- صور من رأس البياضة.
محور الغندورية – صريفا- دير قانون النهر- العباسية- المعشوق.
محور الغندورية- القعقعية حيث تفرع إلى فكي كماشة لتطويق النبطية.
محور جسر الخردلي- الجرمق.
محور شبعا برغز.
8 حزيران/ يونيو: بدأ اجتياح منطقة الشوف في جبل لبنان، في وقت كانت فيه القوات الإسرائيلية تحاصر مدينة صيدا وتقصف مواقع تواجد القوات السورية في الباروك ومرج بعقلين.
في الوقت نفسه استطاعت القوات المشتركة اللبنانية – الفلسطينية والقوات السورية إحباط ثلاث عمليات إنزال في خلدة القريبة من بيروت.
9 حزيران/ يونيو: العدو قصف مرابض صواريخ “سام6” في البقاع. في هذا الوقت كانت معارك عنيفة تدور في الدامور وعلى مشارف خلدة؛ وقد استطاع المقاومون أن يأسروا دبابة للعدو في خلدة بعد إنزال فاشل جديد.
10 حزيران/ يونيو: المعارك تتركز في البقاع الغربي وعلى مثلث خلدة الذي صمد طويلاً بوجه هجمات العدو الكثيفة واستحق لقب “مثلث الصمود”. في هذا الوقت كانت بيروت الغربية وضاحيتها الجنوبية تتعرضان لقصف عنيف.
11 حزيران/ يونيو: إعلان وقف اطلاق النار ابتداءً من الساعة 12.00 ظهراً التزمت به كل من سوريا ومنظمة التحرير… و”إسرائيل” التي عادت فخرقته بعد مرور ساعتين.
13 حزيران/ يونيو: دخلت القوات الإسرائيلية الغازية بلدة بعبدا الواقعة جنوبي- شرقي بيروت وتمركزت في مواقع محيطة بالقصر الجمهوري اللبناني… في وقت حضر وزير حرب العدو ارييل شارون إلى داخل القصر وإلى مكتب رئيس الجمهورية بالذات.
في هذه الأثناء، كان القتال العنيف مستمراً في مناطق الشويفات وخلدة والأوزاعي وكان المدافعون عن بيروت، من مقاتلي الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية والقوات السورية، يصدون الهجمات الإسرائيلية الواحدة تلو الأخرى.
14 حزيران/ يونيو: انتشرت قوات العدو، وبالاتفاق مع بشير الجميل، في مواقع تواجد “القوات اللبنانية” شرقي وشمالي بيروت، في المنصورية- عين سعادة- المكلس- جسر الباشا- الحازمية- الفياضية- الجمهور.
24 حزيران/ يونيو: سقطت مدينة عاليه في يد القوات الإسرائيلية التي تقدمت إلى بحمدون… فيما يستمر القصف البري والبحري والجوي العنيف على مدينة بيروت الذي استخدمت فيه إسرائيل القنابل الفوسفورية والإنشطارية وغيرها.
26 حزيران/ يونيو: سقوط سوق الغرب والقماطية وإحكام الطوق على بيروت من كل الجهات براً وبحراً.
4 تموز/ يوليو: إقفال جميع بوابات العبور مع بيروت الغربية وضاحيتها الجنوبية. كما قطعت المياه والكهرباء وخطوط التموين… (الاحتلال والمقاومة دراسات ووقائع. أنصار جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية).
وبدأ الحصار…. ثلاثة أشهر من حصار بيروت… وبقيت بيروت الوطنية المقاوِمة صامدة رافعة رايات الشموخ والصمود في وجه القصف الهمجي الصهيوني.
11 تموز / يوليو: 16 ساعة من القصف المتواصل من البر والبحر والجو على بيروت الغربية وضاحيتها الجنوبية.
29 تموز / يوليو: 13 ساعة من القصف العنيف.
أول آب/ أغسطس: 15 ساعة من القصف البري والبحري والجوي، قدرت خلالها القذائف المتساقطة بـ 185 ألف قذيفة (أكثر من 3 قذائف في الثانية)، وحصلت خلالها 210 غارات جوية (حوالي الثلاث غارات في الدقيقة الواحدة). (الاحتلال والمقاومة. دراسات ووقائع).
4 آب/ أغسطس: العدو حاول في هذا اليوم اقتحام بيروت فشن هجوماً على ستة محاور هي:
محاور الأوزاعي، المطار، حي السلم – الليلكي، من الجنوب والجنوب الغربي.
محور غاليري سمعان من الشرق.
محور المتحف ومحور المرفأ من الشمال – الشرقي والشمال. (الاحتلال والمقاومة. دراسات ووقائع).
خديعة اتفاقية “فيليب حبيب”
تمَّ التوصل إلى اتفاقية، عرابها المبعوث الأميركي إلى لبنان، فيليب حبيب تنص الاتفاقية على انسحاب المقاتلين الفلسطينيين من بيروت نهائياً، ومن ضمن بنودها الرئيسية اشراف قوات متعددة الجنسيات، أميركية، وفرنسية، وإيطالية على انسحاب المقاتلين الفلسطينيين والقوات السورية، وتعهد بحماية اللاجئين الفلسطينيين المدنيين في المخيمات الفلسطينية في بيروت.
من 21 آب/ أغسطس وحتى الأول من أيلول / سبتمبر 1982 بدأ مقاتلو المقاومة الفلسطينية الأبطال بالانسحاب من بيروت على دفعات، وذلك بعد التوقيع على اتفاقية انسحابهم… وفي الأول من أيلول / سبتمبر غادر المقاتلون الفلسطينيون بيروت براً وبحراً… ودعتهم بيروت الصمود والمقاومة بالورود والزغاريد… انسحبوا وهم يحملون أسلحتهم ويرفعون شارات النصر التي سطرت طيلة فترة محاصرة العدو لبيروت من جميع الجهات وقصفها بجميع أنواع أسلحة القتل والدمار، ملاحم بطولية ضد العدو الصهيوني.
وبعد انتهاء انسحاب قوات المقاومة الفلسطينية من بيروت والالتزام ببنود اتفاقية الانسحاب، برعاية المبعوث الأميركي فيليب حبيب، التي أطلق عليها تسمية “اتفاقية فيليب حبيب”، وما تضمنته من تعهد بضمان حماية اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، بدأت فصول خديعة اتفاقية “فيليب حبيب”، حيث سرعان ما بدأت “القوات المتعددة الجنسيات” التي أشرفت على انسحاب المقاتلين الفلسطينيين من بيروت، بالاستعداد للانسحاب منها، وفي 10 أيلول/ سبتمبر “غادرت القوات المتعددة الجنسيات لبنان قبل انتهاء موعد رحيلها الرسمي. وقد صرح مسؤول أميركي يومها قائلاً ”إننا عائدون قريباً؟!“” (الاحتلال والمقاومة دراسات ووقائع)، وأول قوات انسحبت من بيروت قبل الموعد الرسمي المتفق عليه هي القوات الأميركية تبعتها القوات الفرنسية والإيطالية، وهي قوات كما تمت الإشارة إليه، وبخاصة القوات الأميركية، كان من ضمن مسؤولياتها ضمان حماية اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، وهو نص موثق في الاتفاقية التي ورد فيها “إن حكومتي لبنان والولايات المتحدة ستوفران الضمانات المناسبة… من أجل حماية الفلسطينيين غير المقاتلين الذين يبقون في بيروت ملتزمين القوانين. وتشمل هذه الحماية عائلات الذين غادروا منهم.. إن الولايات المتحدة ستعطي ضماناتها على أساس تأكيدات تتلقاها من الحكومة الإسرائيلية ومن قادة جماعات لبنانية معينة كانت على اتصال بها”. (بيان نويهض الحوت، صبرا وشاتيلا أيلول 1982، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية. ص. 569). انسحبت “القوات المتعددة الجنسيات” ولم تلتزم بوعدها وبالاتفاقية – الخديعة ممّا ترك الأبرياء العزَّل في مخيمي صبرا وشاتيلا فريسة للحقد الصهيوني النازي ولعملائه السفاحين، فارتكبت مجزرة العصر، صبرا وشاتيلا.
حصيلة الاجتياح الصهيوني
أدّى الاجتياح الصهيوني للبنان إلى سقوط عشرات آلاف الضحايا والجرحى المدنيين، فقد كانت حصيلته بحسب إحصاءات اليونيسف:
26 ألفاً و506، منهم 11 ألفاً و840 طفلاً، و868 امرأة.
2994 أصيبوا بحروق خطيرة بسبب استخدام العدو الصهيوني القنابل الفوسفورية والأسلحة المحرمة دولياً.
ووصل حقد العدو الصهيوني الإجرامي إلى رمي ألعاب أطفال مفخخة.
وتوثق دراسة “الاحتلال والمقاومة دراسات ووقائع” إصابة 30302 بجروح مختلفة، حولت العديد منهم إلى ذوي عاهات دائمة. وقد استخدم العدو الصهيوني في قصفه لبيروت أيضاً القنابل العنقودية والنابالم.
أما الاصابات في صفوف القوات المعتدية، فلا نملك سوى ما أذاعه الناطق العسكري الإسرائيلي في 11 تشرين الأول [أكتوبر] من العام 1982:
مقتل 368 جندياً إسرائيلياً.
جرح 2383 جندياً؛ و23% من مجموع الجرحى أصيبوا باضطرابات “عصبية” (الاحتلال والمقاومة. وقائع ودراسات).
الهجوم الصهيوني على بيروت
في 15 أيلول/ سبتمبر بدأ الهجوم الصهيوني على بيروت، تصدت له القوى الوطنية ببطولة، وارتكب العدو مع عملائه القتلة مجزرتي مخيمي صبرا وشاتيلا الإجرامية بعد محاصرته لهما وقصفه للمخيمين، ومنع خروج اللاجئين الفلسطينيين منهما.
مستديرة السفارة الكويتية- المدينة الرياضية- الكولا- الفاكهاني.
المتحف – البربير.
المرفأ- ميناء الخشب- مقهى الحاج داوود. (الاحتلال والمقاومة. دراسات ووقائع).
بالمرصاد مقاومون على المحاور وفي شوارع بيروت الوطنية يتصدون لمحاولات اقتحام العدو الصهيوني لأم العواصم
مجزرة صبرا وشاتيلا: القتلة السفاحون 43 ساعة من القتل والذبح للمدنيين
من 16 إلى 18 أيلول / سبتمبر1982، بدأ العدو الصهيوني، مع عملائه، بارتكاب مجزرتي صبرا وشاتيلا، 43 ساعة متواصلة من القتل والذبح للمدنيين العزَّل. مجزرة مهد لها جيش العدو الصهيوني، الذي حاصر مخيمي صبرا وشاتيلا، منذ صباح يوم الخميس 16 أيلول/ سبتمبر، بقصف مدفعي للمنطقة، ومنع خروج اللاجئين الفلسطينيين من المخيمين، ممّا دفع السكان للنزول إلى الملاجئ والذهاب إلى المستشفيات والمساجد للاحتماء من نيران الحقد الصهيوني النازي… وهي أماكن لم تحمهمْ من المجزرة على يد القتلة الذين دخلوا إلى مخيمي صبرا وشاتيلا وإلى الملاجئ والمستشفيات والمساجد وقاموا بارتكاب مجزرتي صبرا وشاتيلا، بكل أدوات القتل الاجرامية، الرمي بالرصاص، الذبح بالسكاكين والبلطات، بقر البطون دفن الأحياء في حفر جماعية… وفوقهم قذائف الإنارة التي أطلقها جيش العدو فوق المخيمَيْن لتسهيل تنفيذ المجزرة، وبمسؤولية مباشرة ومشاركة وتخطيط من المجرم وزير حرب العدو الصهيوني ارييل شارون، ورئيس هيئة الأركان العامة في جيش العدو الجنرال رفائيل إيتان الملقب بـ “رفول”.
وبعد أيام على ارتكاب الصهاينة وعملائهم البرابرة لمجزرتي صبرا وشاتيلا حيث أغلقوا المنطقة ومنعوا الدخول والخروج منها كي يرتكبوا جريمتهم وإخفاء الأدلة، تمكنت وسائل الإعلام من الدخول إلى منطقة مجزرة العصر وكان هول المشهد.
المذبحة حصلت في عام 1982!
“جثة امرأة مرمية على بعد أمتار من باب بيتها، وبين الجثة والباب ارتمت جثة طفل صغير.. إنها جثة الطفل الذي ركض خوفاً نحو الأم حين كانت رصاصات البرابرة تحصدها.
ذلك حصل في مخيم شاتيلا
… أمهات وأخوات وزوجات نجون من المجزرة يلطمن الخدود والصدور ويولولن أمام جثث الأهل، بينما بعضهن كان يحاول انتشال الجثث من تحت الركام.
كان المراسلون الأجانب متسمرين أمام المشاهد التي خلفتها البربرية الإسرائيلية في المخيم، بعضهم لم يتمالك نفسه من الغثيان وبعضهم الآخر اصفر وجهه من غضب مكتوم. أحد المراسلين، من وكالة الأنباء الفرنسية، كتب التقرير التالي:
بيت تهدم، أمامه موقد نار كانت ربة البيت تطبخ عليه. النار انطفأت لكن قدر الطعام ما زال على الموقد، وإلى جانب الموقد ارتمت جثة امرأة، مشوهة، وحول البيت جثة طفل ورجل وفتاة.
على بعد أمتار من البيت هناك شاحنة، خلف الشاحنة وتحتها توجد خمس عشرة جثة لفتيان لم يتجاوز أكبرهم- كما يبدو- السابعة عشرة من عمره.
… في طريق المخيم، وفي كل زقاق، جثث جثث: الأطفال، النساء، الشيوخ، ومن بينهم يمر من بقي حياً من الفلسطينيين سكان المخيم حاملاً معه بعض المتاع، ليهرب بجلده.
المجزرة حسب من بقي على قيد الحياة بدأت في الساعة الخامسة من عصر يوم الخميس. معظم الشهود أفادوا ان القتلة، الذين كانوا يرتدون اللباس الأخضر الغامق، هم من ميليشيا سعد حداد، غزو المخيم مع غروب الشمس، بعد أن قام الجيش الإسرائيلي بقصف مدفعي مكثف باتجاهها… ودخل القتلة واستمروا في التقتيل والتنكيل وكانت المجزرة الرهيبة التي عرضت تلفزة العالم بأجمعها مقتطفات ضئيلة منها. ولكنها كانت رهيبة مخيفة… إنها العنف الوحشي الذي لم يعرف له العالم مثيلاً. في أيلول 1982 على أعتاب نهاية القرن العشرين.
سكان المخيم الذين نجوا، الفلسطينيات البسيطات، الأطفال الأبرياء هكذا نقلوا ما رأوا. لكن قوات الاحتلال قد نقلت، بالطبع، صورة مخالفة، وهي تحاول تبرئة طرف واتهام آخر.
في حمى المجزرة قال ضابط إسرائيلي لامرأة مستنجدة إن ”الجيش الإسرائيلي لا يتدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية“ (!) … أما بعدها فإن سلطات إسرائيل تتحدث عن خطأ، في تبريرها لما حدث. فموظف إسرائيلي كبير أعلن ان الجيش الإسرائيلي ”ترك بعض العناصر المسلحة تدخل لإيقاف بعض الارهابيين“. ولكن القوات الإسرائيلية ”لم تعرف – حسب المصدر نفسه- أن الأمر سيسفر عن مجزرة“ (؟). وأضاف أن القوات الإسرائيلية ”تدخلت“ لكن متى وكيف… لا أحد يعلم” (صحيفة النداء، 20 أيلول/ سبتمبر 1982).
مشاهدات عن المجزرة البربرية
الضابط الإسرائيلي للقتلة: لا تتركوا طفلاً ينجو
“رائحة الموت النفاذة لا يشمها الأنف فقط. إنها تتحول وتتجول في المشهد والرؤيا إلى حالة تشارك الحواس جميعها في عيشها.
… من لم يزرْ مخيمي صبرا وشاتيلا بعد المجزرة لا يعيش هذه الحالة.
-1-
بعد خمسة أيام من المجزرة لا تزال آثار البربرية في المخيمين تنطق بكل هول المجزرة. سيدة تسكن على أطراف مخيم شاتيلا قالت لي بأسى “كل يوم قبل الفجر، استيقظ من نومي لأبكي” لماذا؟ – فتجيب “يوم الجريمة سمعت الرصاص ورأيت أجساداً تتهاوى. لم أميز الوجوه، فقط الأحجام. كان جسد الطفل الصغير وهو يسقط أمس نقطة دم سوداء تسد شرايين قلبي. كان الرصاص يملأ روحي… لا أني أكذب عليك! ما كنت أرى شيئاً. فقط كنت أحس نفسي ترتطم بألف جدار، وكنت أتخيل أجساد الأطفال الصغار تسقط كما العصافير وأجساد النساء تهوي إلى الأرض بشدة والرجال الشيوخ يتمايلون قبل السقوط قتلى… هذا الاحساس لم يكن واضحاً لدي ساعة الجريمة، لكني اليوم أميزه”.
السيدة التي تكلمت معها هي بمثابة أم ثانية لي، فتعود على تداعي أفكارها وطريقة تعبيرها لذلك سمحت لنفسي أن أنقل حديثها باللغة التي نقلت.
-2-
في المكان الذي سقط فيه 46 شهيداً من عائلة المقداد، تقف امرأة بيدها قطعة قماش سوداء، إنما هي لا ترتدي الأسود بالكامل، الامرأة فقدت في هذا المكان زوجاً وخمسة أولاد. إنها لا تقول شيئاً. جف الدمع في مآقيها وغابت الكلمات عن حنجرتها ولسانها. فقط تلوح بالمنديل الأسود، بصمت قاطع!
-3-
امرأة من الذين نجوا تروي تفاصيل ما حدث لجمهرة من الناس تجمعت حولها، تقول “كان صوت يأمر القتلة: لا تتركوا حتى الطفل الرضيع. الطفل الفلسطيني حتى لو كان عمره شهر واحد، اقتلوه!”. النساء حول السيدة التي تروي حكايتها يبكين. الرجال المسنون تنتفض وجوههم بالدمع.
-4-
في داخل المخيم، ثمة بيت تهدمت جدرانه إلا واحد. على الجدار السليم ترى رسماً لزهرة كبيرة ولطابة لم يحسن راسمها اتقان استدارتها… ولطاولة طعام ملطخة بالدم… الدمم قطع حبل الحلم، لطخة، لكن الرصاصة لا تقتل المستقبل، الحقد لا يقتل الزهرة ولا البربرية تنهي براءة الطفولة.
-5-
تتساءل وأنت تدخل المخيم ألم يكن من سلاح يواجه به السكان القتلة. فتفاجئك جثة لامرأة مطمور معظمها، ومن بين الركام لا تزال يدها ممدودة وهي تحمل تذكرتها… اللبنانية.
تدخل المخيم وتزكمك رائحة الجثث المتعفنة، تصدمك مناظرها، منتفخة او مشوهة، أو بعضها ما يزال مطموراً. ونتساءل: لماذا لا يرحمون القتلى ولم يدفنوا الجثث بعد؟… لكن متطوعاً في الدفاع المدني يقول “لا نريد أن ننقل الجثث أشلاء. نريد نقلها كاملة. يحق لها أن تدفن كاملة”.
-6-
جاء الطبيب الأجنبي، الذي كان يعمل في مستشفى عكا، ليأخذ ما تبقى له من أغراض قيمة سلمت من يد البربرية. العجوز التي كانت تجلس أمام باب المستشفى كل يوم تعرف الطبيب جيداً، وهو يعرفها، روت له بالإشارات وبالعربية التي لا يفهمها أنباء عن زملائه والممرضين الذي كان يسأل عنهم. أجهش الطبيب بالبكاء، وصعد الدرج وثباً.
-7-
أمس كان عدد كبير من الناس يرتاد والمخيمين للمشاهدة. صوت ارتطام المعاول بالأحجار وهدير سيارات الاسعاف والجرافات، هي الأصوات الوحيدة التي يمكن تمييزها لكن صوتاً صارخاً، يضج في الأذن والحواس جميعها، هو صوت الموت الذي ينطق بالإدانة. كان يضج بالنفوس جميعاً وما كان بالإمكان تمييزه بنفس الدقة… فهو يتحدث للمستقبل عن فاجعة تتحول غضباً وتعيش إرادة وفعل مقاومة للمحتل بكافة الأشكال والأساليب”. (صحيفة “النداء” 22 أيلول / سبتمبر 1982).
3500 الحد الأدنى لشهداء مجزرتي صبرا وشاتيلا
لا توجد إحصائيات دقيقة لعدد شهداء مجزرتي صبرا وشاتيلا، ويعود ذلك، إلى ثلاثة عوامل أساسية هي: أن هناك العديد من الضحايا أقدم القتلة على دفنهم في مقابر جماعية لإخفاء جريمتهم؛ دفن العديد من الضحايا من قبل الأهالي أو من قبل الصليب الأحمر؛ قام القتلة باختطاف العديد من الأبرياء وقادوهم إلى أماكن مجهولة ولم يعودوا أو يعرف مصيرهم. وحول قضية الاختلاف في تحديد أعداد شهداء مجزرتي صبرا وشاتيلا أظهرت بيان نويهض الحوت في دراستها التوثيقية الشاملة: “صبرا وشاتيلا. أيلول 1982” أنه إضافة إلى العوامل سابقة الذكر التي توقفت عندها في دراستها، لا توجد جهة مرجعية واحدة مسؤولة عن نشر أعداد الضحايا وأسمائهم، لا على الصعيد اللبناني، ولا على الصعيد الفلسطيني. وخلصت بيان نويهض في دراستها إلى أنه “من أجل التوصل إلى ”الأعداد التقديرية“ كان هناك منهجان مختلفان: فقد تم تقدير أعداد الضحايا من خلال دراسة لوائح الأسماء، أولاً، ومن خلال تقدير عام لأعداد الضحايا الذين دفنوا في المدافن وفي القبور الجماعية وفي حفر الموت وتحت الأنقاض ثانياً. ومن خلال كل من المنهجين تم الوصل إلى أن الحد الأدنى للضحايا هو 3500 ضحية” (بيان نويهض الحوت، صبرا وشاتيلا أيلول 1982. ص. 558). وبذلك تدحض دراسة بيان نويهض الحوت، بالوثائق والتقارير الموضوعية، الأرقام التضليلية لتقرير لجنة كاهان التي شكلها الكيان الصهيوني لتزوير الحقائق وادعاء عدم تحمله مسؤولية مجزرتي صبرا وشاتيلا وتحميلها إلى غيره، صدر تقرير لجنة كاهان في 7 شباط / فبراير 1983، مدعياً أن عدد الضحايا في مجزرتي صبرا وشاتيلا هو 700-800 ضحية. ويتضمن كتاب بيان نويهض الحوت سابق الذكر، شهادات حيّة من ناجين من المجزرة توثق مسؤولية العدو الصهيوني عنها ومشاركته فيها وتنفيذ “القوات اللبنانية” وجيش العميل سعد حداد (جيش لبنان الجنوبي) للمجزرة. وهناك، أيضاً، العديد من الدراسات والتقارير، والشهادات، التي تثبت ذلك.
16 أيلول/ سبتمبر 1982
“إلى السلاح تنظيماً للمقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال وتحريراً لأرض لبنان من رجسه”
في السادس عشر من أيلول كان إعلان الرد الثوري على احتلال جيش العدو بيروت قرار اتخذته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني وهو إعلان انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية “جمول” الذي أعلنه الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني الشهيد جورج حاوي والأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي الراحل محسن إبراهيم.
من قلب بيروت المحتلة أتى إعلان انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية بتوقيع الحزب الشيوعي اللبناني، ومنظمة العمل الشيوعي، وحزب العمل الاشتراكي.
بيان إعلان انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية الرَّد الثوري على الاحتلال الصهيوني:
” يا أبناء بيروت البطلة،
يا أبناء شعبنا اللبناني العظيم في الجنوب والجبل والبقاع والشمال، أيها المقاتلون الوطنيون الشجعان.
إن العدو الإسرائيلي المستمر في حربه الوحشية ضد لبنان منذ أكثر من مائة وأربعة أيام يبدأ اليوم تدنيس أرض بيروت الوطنية الطاهرة التي قاومت ببطولة طوال هذه المدة ولقنته في خلدة والمتحف وفي ضواحيها الجنوبية وكل مداخلها دروساً في البطولة لن ينساها.
إن العدو المجرم يتنكر لكل الاتفاقات التي أجبر على إبرامها بفضل المقاومة البطلة للشعبين اللبناني والفلسطيني بقيادة القوات المشتركة، وهو يستهدف اقتحام بيروت الوطنية التي استعصت عليه عندما كانت في حال الاستنفار والتعبئة، وقبل تثبيت الخطة الأمنية التي قضت بتسليم أمن بيروت للسلطة الشرعية.
إن العدو الإسرائيلي يستأنف جريمته النكراء وسط الرعاية الأميركية نفسها التي تميزت بالخداع المكشوف والرخيص، والتي أظهرت خلالها الولايات المتحدة الأميركية انها القائدة الفعلية للعدوان عسكرياً وسياسياً ضد لبنان وشعبه…
(…) يا رجال ونساء لبنان من كل الطوائف والاتجاهات.
أيها اللبنانيون الحريصون على لبنان بلداً عربياً سيداً حراً مستقلاً.
إلى السلاح استمراراً للصمود البطولي دفاعاً عن بيروت والجبل، عن الجنوب والبقاع والشمال.
إلى السلاح تنظيماً للمقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال وتحريراً لأرض لبنان من رجسه على امتداد هذه الأرض من أقصى الوطن إلى أقصاه.
أيها اللبنانيون،
إن واجب الدفاع عن الوطن هو أقدس واجب. إن شرف القتال ضد المحتلّ هو الشرف الحقيقي الذي ينبغي لكل وطني أن يفاخر به.
فلتنتظم صفوف الوطنيين اللبنانيين كافة، وبغضّ النظر عن انتماءاتهم السابقة وعن الاختلافات الإيديولوجية والطائفية والطبقية، في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي، كسراً للقيد الذي تحاول أن تفرضه اليوم أميركا وإسرائيل على عنق شعبنا الحر ورفعاً لراية التحرر الحقيقي لشعبنا العظيم”.
وكان النداء… وكانت تلبيته بتنفيذ عمليات بطولية ضد العدو الصهيوني بدأت من ليل 19 – 20 أيلول إلى 25 أيلول، أبطال وبطلات “جمّول” لاحقوا العدو في شوارع بيروت وأزقتها، وزواريبها إلى أن أخرجوه منها مهزوماً مذلولاً.
في 17 أيلول/ سبتمبر صدرت صحيفة “النداء” وعلى صفحتها الأولى العنوان الرئيس التالي:
وممّا جاء في افتتاحية صحيفة “النداء”:
“استمرت طيلة يوم امس وحتى ساعة متقدمة من صباح اليوم، المحاولات الإسرائيلية المستميتة لدخول أحياء بيروت تنفيذاً لقرار أميركي اتخذ على أعلى المستويات ولقي الشجب العنيف من جانب القوى والشخصيات الوطنية والإسلامية في عاصمة الصمود العربي.
قوات إسرائيلية قوبلت بمقاومة شرسة من جانب أبناء بيروت الوطنية يدعمهم شعب لبنان كله بقواه وفعالياته الحية، وتكبدت أفدح الخسائر البشرية وفقدت ست وأربعين دبابة وآلية، في مواجهات حولت الشوارع المكتظة بالسكان إلى مقبرة لآلة الغزو الأميركي- الإسرائيلي”.
وفي العدد نفسه نشرت صحيفة “النداء” نص بيان انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية.
بداية عمليات “جمّول” في بيروت:20 أيلول / سبتمبر 1982 صيدلية بسترس الطلقة الأولى لجبهة المقاومة
في منطقة الصنائع ببيروت، وبالتحديد في موقع تجمع إسرائيلي يقع قرب صيدلية بسترس، في محيط سينما كونكورد، تمت العملية الأولى للمقاومة الوطنية اللبنانية، تنفيذاً للقرار الصادر في 16 أيلول ببدء العمليات لإجلاء قوات الإحتلال عن العاصمة اللبنانية وتمهيداً لإجلائه عن كل لبنان.
الموقع كان مهماً جداً: فهو من جهة، يقع بالقرب من مقر رئاسة الوزراء [آنذاك] والإذاعة الرسمية؛ وهو، من جهة أخرى، يضم عشرات الجنود الإسرائيليين وأكثر من 15 آلية، هذا عدا سيارات الجيب. ولأن الموقع مهم كانت الحراسة مشددة حوله، وقد تجسد ذلك في انتشار جنود الاحتلال على سطوح البنايات الشاهقة التي تحيط به.
سلاح العملية الأولى كان القنابل اليدوية. وقد سقط للعدو بنتيجتها ثماني إصابات بين قتيل وجريح (بعد يومين، اعترف العدو بأربع إصابات).
وكون عملية صيدلية بسترس هي العملية الأولى فلا بد من إرفاق وقائعها بأول بيان صدر عن المقاومة الوطنية اللبنانية” “ليل الاثنين- الثلاثاء هاجمت مجموعة من قوات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية جنود الاحتلال الاسرائيلي في منطقة الصنائع، وذلك بالقنابل اليدوية، فجرت وقتلت ما لا يقل عن 8 جنود للعدو. وهرعت سيارات الإسعاف الى مكان الحادث، فيما عادت المجموعة إلى أماكنها سالمة. إن هذه العملية هي جزء من نضال كل المقاومين الوطنيين من أجل طرد الاحتلال واجلائه عن تراب الوطن”. (الوقائع اليومية لمسيرة المقاومة الوطنية اللبنانية. العمليات. الانتفاضات. سجل الشهداء. أيلول 1982- أيلول 1985. المجلس الثقافي للبنان الجنوبي. وأيضاً وجدت لتنتصر جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، بيروت، دار الفارابي).
22 أيلول/ سبتمبر عملية في منطقة زقاق البلاط قرب محطة أيوب للوقود
على مدخل منطقة زقاق البلاط، في بيروت، وبالتحديد على مقربة من “محطة أيوب” للمحروقات الواقعة على بُعد أمتار من منزل السفير البريطاني، تمت العملية الثانية في السابعة والنصف مساءً، وقد استخدمت فيها قذائف “ب 7” ورشاشات “كلاشينكوف”. وقد أسفرت العملية عن إصابة دبابة وملالة، كما جُرحَ وقُتلَ عدد من جنود العدو. وعلى الأثر قام العدو بشن حملة إرهابية واعتقل العشرات من المواطنين. في هذا الوقت كانت إذاعة جيش العدو الإسرائيلي تعترف بسقوط 4 جنود جرحى في “منطقة تقع جنوبي شرقي حي الحمراء” في بيروت (وجدت لتنتصر جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية. وأيضاً الوقائع اليومية لمسيرة المقاومة الوطنية اللبنانية….).
23 أيلول/ سبتمبر كورنيش المزرعة مقر منظمة التحرير
في مقر “منظمة التحرير” الواقع في وسط كورنيش المزرعة، أقامت القوات الصهيونية أحد المراكز العسكرية الضخمة وانتشر الجنود على الطريق المؤدي للمبنى على سطحه وشرفاته بحيث لا يمكن لأي كان أن يقترب منه خلسة، ورغم ذلك، وفي السابعة والنصف 7.30 مساء، وفي أحد الشوارع المتفرعة من حي السريان والمواجهة للمبنى، التقت، صدفة، مجموعتان للمقاومة، وجرى التنسيق سريعاً بينهما: واحدة تهاجم والثانية تتولى الحماية.
تمّ الهجوم بالأسلحة الرشاشة، وأصيب خلاله عدد من جنود العدو بين قتيل وجريح (إذاعة الجيش الإسرائيلي اعترفت بإصابة ثلاثة عسكريين). (الوقائع اليومية لمسيرة المقاومة الوطنية اللبنانية…. وأيضاً وجدت لتنتصر جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية).
24 أيلول/ سبتمبر عملية مقهى الويمبي
في “مقهى الويمبي” وسط شارع الحمراء، جلس ضابط وجنديان إسرائيليان إلى إحدى الطاولات الموضوعة خارج المقهى، على زاوية تقاطع شارعي الحمراء وعبد العزيز، وكان بالقرب منهما جيب عسكري…
توقّفت سيارة إلى يمين الشارع، ونزل منها شاب أخذ يقترب نحو المقهى، فيما بقي رفيقان له داخل السيارة التي ظل محركها يعمل. وما لبث أن اقتراب الشاب على مهل وشهر مسدساً موجهاً الطلقة الأولى إلى رأس الضابط، ثم الثانية إلى صدر أحد الجنديين والثالثة إلى عنق الجندي الآخر… بعد ذلك عاد إلى السيارة التي انطلقت مسرعة، كما روى شهود عيان (الوقائع اليومية لمسيرة المقاومة الوطنية اللبنانية…)
كتبت صحيفة “النداء” أن عدد جرحى العدو في العملية أكثر من ثلاثة فعدد “سيارات الاسعاف التي شوهدت تنقل الجرحى إلى الجناح، يشير إلى أن عدد الجرحى أكثر من ذلك.
فقد شوهدت طائرة هليكوبتر اسرائيلية تصل الى منطقة الجناح لنقل القتيل والجرحى، وقال شهود عيان ان عدد سيارات الاسعاف التي نقلت الجرحى يبلغ خمس سيارات
وكانت بقع من الدم تلطخ الرصيف أمام المقهى، في الوقت الذي قامت به قوات اسرائيلية مدججة بالسلاح وترتدي خوذاتها بإغلاق شارع الحمرا وفرض الحصار عليه. وقام خمسة عشر جنديا اسرائيليا بحملة لتمشيط شارع الحمراء، حيث وقفوا وهم يضعون أصابعهم على زناد أسلحتهم، ورفضوا الاجابة على الاسئلة التي وجهها اليهم الصحافيون الأجانب.
وقد جاءت العملية البطولية في مقهى “الويمبي” بعد أقل من أربع وعشرين ساعة من العملية التي تمت ضد تجمع للقوات الاسرائيلية أمام مقر منظمة التحرير الفلسطينية في كورنيش المزرعة، وكانت نتيجتها مقتل وجرح أربعة جنود اسرائيليين” (صحيفة “النداء” 25 أيلول/ سبتمبر 1982).
25 أيلول/ سبتمبر يوم رعب لجيش العدو
كتبت صحيفة “النداء” عن عمليات جبهة المقاومة الوطنية ضد العدو:
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الغزاة تتسع
الضربات تشتد ضد المحتلين: أربع عمليات في بيروت في يوم واحد
“كان يوم أمس (25 أيلول 1982) يوم رعب حقيقي لقوات الاحتلال الاسرائيلية في بيروت الوطنية. أربع عمليات في يوم واحد توزعت بين الصباح والمساء، وفي أكثر من منطقة من مناطق بيروت وضاحيتها، في عائشة بكار وفي كورنيش المزرعة وفي منطقة الجناح وفي منطقة الكونكورد، وأدت الى عدة اصابات في آليات قوات الاحتلال وفي عناصرها بين قتيل وجريح. ويوم أمس هو اليوم الرابع على التوالي الذي تشن فيه عمليات جريئة ضد قوات الاحتلال الاسرائيلية وتنزل بها الخسائر وتجعل الرعب الرفيق الدائم لوجودها المرفوض في بيروت الوطنية. ويشير تطور هذه العمليات وتصاعدها بهذه الوتيرة الى اتساع نشاط جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية للاحتلال وتشديد ضرباتها ضد قواته.
ويشكل تصاعد عمليات المقاومة وتشديد ضرباتها ضد الغزاة الإسرائيليين الدليل القاطع على ان هؤلاء لا يمكن ان يعرفوا الهدوء، لا في بيروت ولا في غيرها من المناطق اللبنانية، ما داموا يدنسون أرضنا الطاهرة، وعلى تصميم أبناء بيروت الوطنية وكل الوطنيين في لبنان على متابعة النضال بأشكاله المختلفة ضد الاحتلال الإسرائيلي حتى فرض انسحابه الكامل وتحرير لبنان من رجسه وضمان قاعدة صيانة لبنان بلداً موحداً حراً مستقلاً عربياً وديمقراطياً. كما يشكل تصاعد هذا النضال أساساً مهماً في انطلاق العمل لتحقيق المهمة الرئيسية التي تواجه كل اللبنانيين، مهمة التصدي للاحتلال الإسرائيلي وفرض جلائه التام (…)”.
العمليات البطولية:
العملية الأولى: إطلاق نار على جنود صهاينة قرب جامع عائشة بكار
“أمس، نفذ أبطال جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية للاحتلال الإسرائيلي أربع عمليات جريئة ضد قوات الغزو، جاء توقيتها متتابعاً، وفي أماكن متفرقة، كانت على التوالي: عائشة بكار، كورنيش المزرعة، الجناح، وسينما الكونكورد.
العملية الأولى شبيهة إلى حد ما للعملية التي نفذت في شارع الحمراء أمس الأول [عملية الويمبي]. ففي حوالي الساعة الحادية عشرة قبل ظهر أمس أطلق شاب مسلح النار على عدد من الجنود الإسرائيليين كانوا يعبرون بسيارة جيب قرب جامع عائشة بكار وقد أصيب أحد الجنود الإسرائيليين إصابات مباشرة، وجرى نقله بواسطة سيارة إسعاف إسرائيلية إلى مستشفى الجامعة الأميركية. وشوهد الدم ينزف من ظهر الجندي المصاب، رغم ان الناطق العسكري الإسرائيلي زعم ان إصابة الجندي في رجله وهي طفيفة. وقد اعربت مصادر طبية أمكن التحدث إليها عن اعتقادها ان إصابة الجندي الإسرائيلي خطرة، وربما مميتة.
هذا، وطوقت قوة إسرائيلية مؤللة منطقة عائشة بكار طوال نهار أمس وجرت حملة مداهمات للبيوت والمحال التجارية واعتقلت عدداً من المواطنين للتحقيق معهم، في كان الشاب المسلح قد فر”.
العملية الثانية: إعطاب آلية في كورنيش المزرعة
“العملية الثانية هي الأجرأ منذ أربعة أيام. فقد هاجمت مجموعة مسلحة في حوالي الساعة السابعة والربع من مساء أمس تجمع القوات الإسرائيلية أمام مقر منظمة التحرير الفلسطينية. وقد هوجم الإسرائيليون بقذائف الآر بي جي، مما ادى إلى إعطاب حاملة جنود وتدمير أخرى. واعقب ذلك اطلاق نار متواصل من الأسلحة الرشاشة.
وذكر شهود عيان ان الرعب والخوف ركب الجنود الإسرائيليين الذين لم يستطيعوا تحريك ساكن في مواجهة الهجوم العنيف الذي شن عليهم. وبعد نهاية العملية قامت قوة إسرائيلية مؤللة بتطويق المكان، وتقدمت دورية بالجيبات وحاملات الجنود لتجوب منطقة المصيطبة وأطلقت الرصاص ارهاباً، في حين أطلقت عشرات القنابل المضيئة في سماء المنطقة، وجرت حملة تفتيش محدودة خوفاً من عملية أخرى”. (صحيفة “النداء” 26 أيلول/ سبتمبر 1982)
نفذت العملية في هذا الموقع من المنطقة نفسها- حي السريان- التي نفذت عبرها العملية الأولى ضد تجمع قوات العدو الصهيوني أمام مبنى منظمة التحرير الفلسطينية في كورنيش المزرعة.
وعملية ثالثة: محلة الجناح
وفي اليوم نفسه، في محلة الجناح إلى الجنوب – الغربي من بيروت، حوالي الساعة 13.00، تمّ تدمير ملالة للعدو بواسطة ألغام يجري التحكم بها عن بعد. الناطق الإسرائيلي “اعترف بتدمير الناقلة وإصابة 3 جنود” (وجدت لتنتصر جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية…، وأيضا الوقائع اليومية لمسيرة المقاومة الوطنية اللبنانية…).
من موقع العملية الأولى صيدلية بسترس كانت العملية الرابعة
قرب صيدلية بسترس – منطقة الصنائع بيروت، وحيث كانت العملية الأولى لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، تمت العملية الثانية والأخيرة، حيث بدأ العدو الإسرائيلي في اليوم الثاني بالانسحاب من بيروت. عند الساعة 23.00، تسلل ثلاثة مقاومين إلى موقف سيارات مواجه للموقع، وأطلقوا قذيفة “اينرغا” مرفقة برشقات أسلحة رشاشة، انسحبوا بعدها بسلام (وجدت لتنتصر جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية. وأيضاً الوقائع اليومية لمسيرة المقاومة الوطنية اللبنانية…).
وذكرت صحيفة “النداء” في عددها الصادر في 26 أيلول/ سبتمبر أنه على اثر عمليات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية البطولية ضد الغزاة، “جابت سيارات جيب إسرائيلية، تساندها الملالات منطقة تلة الخياط والمصيطبة وكركول الدروز بعد ظهر امس [25 أيلول/ سبتمبر]، وهي تنادي بمكبرات الصوت عن فقدان ثلاثة جنود إسرائيليين”
26 أيلول/ سبتمبر 1982 العدو الصهيوني ينسحب من بيروت مذلولاً مهزوماً
وكان تحرير بيروت “أم العواصم” بفعل عمليات “جمول” المتتالية ضد جيش العدو الصهيوني، عمليات بطولية حوّلت بيروت، الرايات الحمراء، إلى نار وجحيم ضد الغزاة الصهاينة، و”حصل ما لم يحصل قبلاً في تاريخ (تساحال): العدو يطلب من المواطنين عدم مهاجمته لأنه منسحب فوراً. لكن العمليات لاحقته إلى كل مكان تواجد فيه”. (الاحتلال والمقاومة دراسات ووقائع) في ذلك التاريخ حررت بيروت والعدو ينادي بمكبرات الصوت ويستغيث: “يا أهالي بيروت لا تطلقوا النار علينا نحن منسحبون“.
يوم الاثنين 27 أيلول/ سبتمبر 1982 صدرت صحيفة “النداء” وعلى صفحتها الأولى العنوان الرئيسي التالي
ومما جاء في الصفحة الأولى:
“انسحبت قوات الاحتلال الاسرائيلية من بيروت الغربية أمس وبقيت وحدات منها في المرفأ وفي المطار. ويأتي الانسحاب بعد مضي 11 يوماً على دخول الغزاة الى بيروت الوطنية حيث واجهتها مقاومة بطولية، كما تعرضت الى موجة من العمليات الجريئة على امتداد ما يقرب من الاسبوع قبل انسحابها، كانت ذروتها يوم أمس الأول الذي شهد أربع عمليات متتالية ضد الغزاة انزلت به اصابات عديدة في العناصر والآليات.
وبذلك تكون فترة بقاء قوات الاحتلال الإسرائيلية في بيروت، والتي دخلتها غدراً، فترة قتال متواصل ضدها كان البرهان الساطع على إرادة اللبنانيين في رفض الاحتلال الإسرائيلي والتصميم على مواجهته والتصدي له بكل الأشكال، هذا الإرادة التي لعبت دوراً مهماً في فرض انسحاب الغزاة من بيروت. كما كان برهاناً على قيام ظروف اتساع نطاق ونشاط جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية للاحتلال، وإمكانية تطوير هذا النشاط على الأصعدة المختلفة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الذي يستمر بتدنيس مناطق لبنانية واسعة، وفي اتجاه جعل فرض انسحابه من بيروت المنطلق نحو فرض انسحابه الكامل من لبنان كله”.
وكانت بيروت المنطلق لفرض انسحاب العدو الصهيوني من لبنان بإرادة مقاومين ومقاومات بقوا:
يَعبرونَ الجِسرَ في الصبحِ خفافاً
سطروا بدمائهم وعرقهم ملاحم مسيرة “جمول” الطلقة… الكلمة… المشروع السياسي الوطني التحرري… “جمول” حررت أكثر من 80% من أرض الوطن، إلى أن حاصرت العدو وعملائه في ما أطلق عليه تسميَّة الشريط الحدودي الذي حررته المقاومة اللبنانية من رجس الاحتلال في 25 أيّار/ مايو العام 2000.
إنه درب المقاومة من لبنان إلى كل حبة تراب من أرض فلسطين المحتلة المقاومة… أرض الزيتون والبرتقال…
الأرض لنا…
الاحتلال إلى زوال.
المصادر:
الاحتلال والمقاومة دراسات ووقائع. أنصار جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية. الطبعة الأولى 1985.
الوقائع اليومية لمسيرة المقاومة الوطنية اللبنانية. العمليات. الانتفاضات. سجل الشهداء (أيلول 1982- أيلول 1985). المجلس الثقافي للبنان الجنوبي.
وجدت لتنتصر. جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية. بيروت، دار الفارابي.
بيان نويهض الحوت، صبرا وشاتيلا أيلول 1982. مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت.
بحلول شهر نوفمبر 2024، وفي خضم الحرب الدائرة منذ أكتوبر 2023 في غزة والضفة والجنوب اللبناني بين قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية من جهة وقوات الاحتلال الصهيوني بمشاركة أميركا من جهة أخرى، يكون قد مضى 89 عاماً على المواجهات المسلحة الأولى للشعب الفلسطيني ضد التشكيلات الصهيونية المسلحة القادمة من مختلف بلدان العالم لاحتلال فلسطين وإقامة دولة دينية لليهود طبقاً للمشروع الاستعماري بقيادة بريطانيا، أقوى دولة استعمارية في تلك الفترة.
إن دراسة التاريخ بتناقضاته وتطوراته تساهم في تجنب الأخطاء وتطوير ما كان صحيحاً. فالأحداث التاريخية تبقى في ذاكرة المجتمعات. هذه الأحداث قد لا يُرى تأثيرها وقت حدوثها، لكن تضاف إلى جينات هذه المجتمعات ومفعولها يورَّث جيلاً بعد جيل. إذاً، من المهم أن يتم تدوين واستذكار التجارب، الإيجابية منها والسلبية، بين فترة وأخرى حتى تدُرس كيلا تنسى وتندثر وتفقد الأجيال القادمة الإحساس بمدى أهميتها وتأثيرها على حياتهم.
محاولة لتسليط بعض الضوء على جوانب مهمة من مسيرة الحزب تتعلق بما تميّز به نضال هذا الحزب الطليعي ودوره وخبراته وتجاربه المتنوعة، التي تشكّل له رصيداً نضالياً تاريخياً غنياً ويفترض أن تكون مصدر إلهام للمناضلين العرب.
ضمن حالة النهوض العامة، التي شهدتها الحركة الوطنية الديمقراطية الكويتية في النصف الأول من ستينات القرن العشرين، وامتداداً للمسار التاريخي الممتد منذ الخمسينات لنضال الحركة الطلابية الكويتية، تأسست في ديسمبر من العام 1964 المنظمتان الطلابيتان الديمقراطيتان: الاتحاد الوطني لطلبة الكويت والاتحاد المحلي لطلبة الكويت “الثانويين”.