الحرب في جمهورية الكونغو الديمقراطية: وراء المذابح والنهب تقف المصالح الإمبريالية

ما أسباب الصراع الدموي الدائر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، كيف بدأ؟ إلى أين وصل؟ ومدى تأثيره في تأجيج صراع إقليمي في منطقة البحيرات العظمى الأفريقية؟ الدور الذي تلعبه الأطراف الإقليمية والدولية في تأجيج الصراع والاستفادة من استمراره؟.

تحمل التغطية الإعلامية للأحداث الجارية في “الكونغو الديمقراطية” هذه الأيام طابعاً خاصاً، إنها تركز على وجود مجموعات من “السود” يقتلون مجموعات أخرى من “السود” دون أن يتحدث أحد عن سبب هذا الاقتتال، أو من يساهم في جعله الحدث اليومي للسكان هناك، أو حتى من يمدهم بالسلاح الذي يذكي نار الصراع فيما بينهم.

ابتليت جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ الانهاء على مشروع باتريس لومومبا الثورى بالصراع بين مجموعات متنوعة من الفصائل المسلحة، تنتمي إلى مجموعات عرقية مختلفة تستغلها بعض القوى الإقليمية والغربية. أصبحت هذه الإثنيات وقود هذه النزاعات بحسب تركز الثروات المعدنية في مناطق معينة ومنها بعض المناطق الغنية بالموارد الطبيعية. وتنشط الجماعات المتمردة وشبكات وثيقة الصلة بالجيش الكونغولي في نشاط تجارة وتهريب هذه الموارد إلى الخارج.

في عام 2012، تمرد جنود سابقون في المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب (حركة 23 مارس) ضد حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية. وفر هذا النزاع لجميع الأطراف الإقليمية والدولية، (بوروندي-رواندا-أوغندا) و(الولايات المتحدة الأميركية- الاتحاد الأوروبي – إسرائيل)، وسيلة للاستغلال الاقتصادي لموارد الكونغو، منتهزين عدم سيطرة السلطات الكونغولية على مناجم الشرق. للأسف لم تقدم الدولة الكونغولية حلولاً جذرية لهذا الصراع لأن الجيش يعاني من تدني الأجور وإهمال صغار المجندين. في المقابل يكسب الجنرالات الغالبية العظمى من رواتبهم من خلال الامتيازات الاقتصادية المربحة والرشوة وعقود الأمن غير الرسمية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، مما يعني أنه لا يوجد حافز كبير ولا مصلحة في إنهاء هذا الصراع.

تكونت حركة “23 مارس” من “اتحاد الوطنيين الكونغوليين”، وهي جماعة سياسية بميليشيا تابعة لها سيطرت على منطقة شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، أسسها توماس لوبنغا في عام 2001، ثم تزعمها بسك نتجاندا، وفي الفترة من 2002 إلى 2005، قوات هذه المليشيا ارتكبت كثيراً من الانتهاكات الدموية. وبعد توقيع اتفاق سلام في 23 مارس 2009 اتخذت الحركة من تاريخ الاتفاقية اسماً لها، وكان الاتفاق ينص على دمج الحركة في الجيش الكونغولي، ولكن الحركة ركزت وجودها في مناطق النفط والذهب، ونشبت الصراعات بينها وبين الجيش، واتهمت الحكومة الكونغولية بعدم احترام الاتفاق حول تسريح مقاتليها وإعادة دمجهم. مما دفع الحركة  إلى قيادة انقلاب مدعوم من رواندا، وشن هجمات عدة ضد الجيش من مناطق حدودية مع أوغندا في يونيو 2012.

في 20 نوفمبر 2012، سيطرت حركة 23 مارس على غوما، عاصمة مقاطعة كيفو الشمالية. أجبر الصراع أكثر من 500 ألف شخص على النزوح. في 24 فبراير 2013، وقعت 11 دولة أفريقية اتفاقية تهدف إلى إحلال السلام في شرق الكونغو. في أكتوبر 2013، أبلغ الكونغو الأمم المتحدة أن حركة 23 مارس قد انتهت، فعلياً، بعد إعادتها إلى منطقة صغيرة بالقرب من رواندا. في 7 نوفمبر 2013، بعد هزائم كبيرة في هجوم حكومي تدعمه الأمم المتحدة، عبرت قوات حركة 23 مارس إلى أوغندا واستسلمت.

وبعد اتفاق السلام الذى عقد عام 2013، تم دمج العديد من مقاتلي هذه الحركة في الجيش، ولكن في مارس 2022، نظمت حركة “23 مارس” صفوها مرة أخرى، وتمكنت، مرة أخرى، من اجتياح والاستيلاء على أجزاء رئيسية من إقليم “روتشرو” المتاخم لأوغندا ورواندا. وفي مايو 2022، اجتاحت قاعدة “رومانجابو”، وهي أكبر منشأة عسكرية للقوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية في شمال كيفو، ثم توغلت قوات الحركة جنوباً باتجاه العاصمة الإقليمية “غوما”.

 حينها اتهم الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي رواندا بدعم هذا التمرد وقال إن “بول كاجامى وضع نصب عينيه “مصادرة معادننا”. قام بطرد السفير الرواندي وقطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، متهماً رواندا بتنفيذ طموحات توسعية برعاية قوى عظمى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا.

منذ بداية هذا الصراع بين المتمردين والجيش سقط المئات من الضحايا من الأطفال والعجائز، دفنوا في مقابر جماعية، ومن الضحايا من قتل بالرصاص والذبح والتشويه بالبتر والنزيف حتى الموت، وهناك أشخاص حرقوا أحياء. أمام كل حملات التطهير هذه والإبادة لم تتخذ الأمم المتحدة أو الحكومة أو حتى المتمردون كل التدابير الضرورية للوفاء بالتزامها الأساسي بحماية الأشخاص من كل الأصول العرقية في مناطق النزاعات التى جرى تسليحها ودعمها من قبل زعماء تقليديين محليين ومسؤولين أمنيين، بما في ذلك من الجيش والشرطة.

 أشارت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى نزوح أكثر من 72 ألف شخص من غوما؛ بسبب الاقتتال، لتزداد أزمة النزوح في الكونغو، التي تعتبر الأزمة الأكثر إهمالاً في العالم بالنسبة للاجئين؛ نظراً لنقص التمويل، وقلة اهتمام وسائل الإعلام، ونقص المبادرات السياسية والدبلوماسية الدولية.

التدخل الإمبريالي (الدولي – الإقليمي) والتقاعس الداخلي

على مدار ما يقرب من عقدين من الزمن، لم تقدم كلا من أوغندا ورواندا الدعم المالي والسياسي والعسكري للميليشيات التي تغزو الشرق فحسب، بل تدخلت في كثير من الأحيان بشكل مباشر لضمان هيمنتها على موارد وأراضي الكونغو الديمقراطية.  نتاغاندا  – ضابط سابق في الجيش الوطني الرواندي الذي أطاح بالحكومة التي قادها الهوتو في عام 1994 – شغل منصب الرجل الثاني في القيادة بعد توماس لوبانغا في اتحاد الوطنيين الكونغوليين (UPC)، وهي جبهة ميليشيا عززتها أوغندا في الاقتتال الأهلي المفتعل لمقاطعة إيتوري الغنية بالمعادن. وقد ساعدت قوات الأمن الرواندية في صعود نتاغاندا من خلال صفوف مليشيا المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب (جماعة متمردة من التوتسي الكونغوليين، يطالبون بتمثيلهم في الحكومة بشكل أكبر)، في الوقت الذي أصبح فيه لوران نكوندا مستقلاً للغاية عن السيطرة عن رواندا.

لقد أعطى اتفاق السلام عام 2003 السيطرة على جزء كبير من الرافعة الأساسية للدولة داخل منطقة كيفو – لرجال المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب. وقد استخدموا بدورهم هذه المناصب لتعزيز سيطرتهم على العديد من طرق التجارة والتهريب، ودعم شركات تجارة المعادن المملوكة لجنوب إفريقيا والصين والاتحاد الأوروبي، والابتزاز الضريبي، فضلاً عن اختلاس أموال الدولة باستخدام مناصبهم القيادية لتسجيل وحدات كاملة من “الجنود الأشباح” لامتصاص رواتب الموظفين غير الموجودين، بالإضافة إلى تخزين أو بيع الإمدادات العسكرية والحصص الغذائية المرتبطة بها. إن الأرباح التي حققها هذا الاستغلال، والانتظام المثير للأعصاب الذي يتدفق به ليس من خلال مناطقهم غرباً، بل شرقاً إلى كيجالي.

تعتبر رواندا داعما لتأسيس حركة 23 مارس M23  التي تشكلت في أبريل 2012، من عناصر سابقين في المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب CNDP، وتزويدها بالأسلحة والذخيرة التي يتم تهريبها عبر الحدود ويدفع ثمنها تجار المعادن في رواندا من أرباحهم. حتى التكتيكات المستخدمة في القتال، فإن أغلب هجمات M23  تكون في الليل، ويتطلب القتال الليلي درجة من التطور غالباً ما تكون غريبة على الميليشيات، وبمدافع الهاون عيار 120 ملم، والقذائف المضادة للدبابات، ونظارات الرؤية الليلية. والأهم من ذلك أن هذه هي التكتيكات التي تم تدريب الجيشين الرواندي والأوغندي على استخدامها من قبل الجيش الأميركي على وجه الخصوص.

لكي نفهم أسباب الاقتتال المستمر منذ أكثر من عشرين سنة، يجب أن نكون على دراية بخلفية الأزمة العالمية للرأسمالية. لقد تدفقت رؤوس الأموال إلى ملاذات آمنة للاستثمار – وهذا يعني في كثير من الأحيان أنها تدفقت إلى أماكن، أو سلع، يعتبرها الرأسماليون آمنة لتخزين ثرواتهم حتى تمر الأزمة بشكل أفضل.  أحد هذه العناصر هو الكوبالت، الذي شهد سعره في السوق طفرة مطردة. وكان العامل الأكثر أهمية من ذلك هو انهيار الإنتاج في المناطق الصناعية في العالم.  لقد تباطأ تصنيع الإلكترونيات والمواد عالية التقنية والسيارات والسلع المصنعة الأخرى، بشكل كبير. وبما أن العديد من المعادن والفلزات المستخرجة في جمهورية الكونغو الديمقراطية يتم تهريبها إلى رواندا وأوغندا، فمن الصعب الحصول على أي فكرة حقيقية عن التقلبات في الأسعار وتأثيرها على الأرباح – على الرغم من أن هذا لا يمنعها من الظهور في الأرقام التجارية  لكل من أوغندا ورواندا.  يمكن لأرقام الإنتاج في الصين أن تعطينا فكرة تقريبية عما يحدث في سوق العناصر الأرضية النادرة (REE).

‏يستخرج حوالى 80 % من مادة الكوبالت في العالم من جمهورية الكونغو الديمقراطية. ولا يكتفي العالم بهذا القدر من الكوبالت إذ تشكل هذه المادة النادرة مكوناً أساسياً لكل بطاريات الليثيوم أيون القابلة لإعادة الشحن والتعبئة التي تمثل جزءاً ضرورياً من صناعة المركبات الكهربائية.

لدى النخبة الدولية والإقليمية مصالح واسعة النطاق في جمهورية الكونغو الديمقراطية. تقع مناجم في مقاطعة إيتوري الشمالية الشرقية، بين الحين والآخر، تحت السيطرة المباشرة لقوات الدفاع الأوغندية. في عام 2007، بلغت قيمة إجمالي الصادرات الرسمية من حجر القصدير من غوما إلى رواندا، والتي بلغت 10700 طن، نحو 50 إلى 75 مليون دولار.  لا تمثل هذه الصادرات الرسمية سوى حوالى ثلث ما يعبر الحدود، ويتم توجيه الباقي عبر شبكات التهريب التابعة لـ CNDP-M23 –  أي أنه تم تهريب أكثر من 20 ألف طن من حجر القصدير وحده عبر الحدود بقيمة تتراوح بين 100 و150 مليون دولار.

 كانت السيطرة على الوقود في غوما تقدر بمئات الآلاف من الدولارات خلال زمن الحروب المتتالية في الكونغو الديمقراطية، بالأخص التي اندلعت في مطلع القرن العشرين. وتسيطر ميليشيات (المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب، والقوات الديمقراطية لتحرير رواندا، وماي ماي) على إجمالي مناجم الفحم. 

 ساهمت رواندا وحركة 23 مارس في الاستيلاء على الأراضي في ماسيسي وروتشورو من أجل الماشية. واستخدم القتل والتعذيب والاغتصاب، لتفكيك العائلات وترويع صغار المزارعين. مما أدى إلى طرد مئات الآلاف منهم، كجزء من حملة لتطويق المزيد من الأراضي الجماعية لتوسيع الصناعة الزراعية التي تقدر بملايين الدولارات من خلال الماشية والأخشاب والشاي والقهوة (ستاربكس مستثمر كبير بشكل خاص في رواندا)، وهو استنتاج تدعمه النتائج التي توصلت إليها تحقيقات بعثة منظمة الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية بشأن القتال في المنطقة.

ليس رأس المال الإقليمي هو وحده المستفيد من الصراع الدائر في الكونغو الديمقراطية، بل أيضاً رأس المال الدولي الذي يعتمد على الميليشيات المسلحة. شركة AngloGold Ashanti، وهي جزء من شركة AngloAmerican  البريطانية متعددة الجنسيات، تعمل في تمويل وإمداد وتقديم الدعم اللوجستي للجبهة القومية (FNI)  سيئة السمعة، المعروف عنها استخدام سلاح الاغتصاب الجماعي ومطاردة النساء لحرقهن باعتبارهن ساحرات في مقاطعة ايتوري شمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، للوصول إلى حقول الذهب. إلى جانب الأنجلو أشانتي، تهيمن شركة جلينكور التي يمتلكها “دان جيرتلر” الملياردير الإسرائيلي الذي جمع ثروته من خلال نسج علاقات داخل الكونغو الديمقراطية سمحت له بالحصول على صفقات ضخمة غير مشروعة لتصدير الألماس والذهب والنفط، بالإضافة إلى معدن الكوبالت؛ وتكوين ثروة خياليّة تقدّرها “فوربس” بـ2 مليار دولار بفضل علاقاته المشبوهة مع أشخاص متورطين في جرائم حرب بداخل السلطة أو بين المليشيات المتمردة.  وفي جميع أنحاء شمال وجنوب كيفو، تمتلك شركتا Banro وLoncor Resources الكنديتان، بالإضافة إلى شركة Samika SARL  الكونغولية، امتيازات في مناجم الذهب والولفراميت والمنغنيز والكولتان التي تغطي المنطقة بأكملها، واحتكار الصناعة. إن شركتي بانرو ولونكور ريسورسز هما وجهان لنفس مجموعة المصالح الرأسمالية، مع سايمون فيليج (الذي كان يعمل سابقاً في بنك إتش إس بي سي)، وأرنولد تي كونرادت (مؤسس بانرو ورئيس صندوق التحوط الكندي). أضف إلى ذلك شركتي Tullow و Heritage Oil – التي يضم مجلس إدارتها المدير التنفيذي السابق لشركة Executive Outcomes  والرجل العسكري أنتوني باكنجهام، الذي كان يشغل منصب عقيد سابق في القوات الخاصة الأميركية.  وهناك نزاع بين شركتي هيريتيج وتولو مع الحكومة الكونغولية بشأن عقود حقوق التنقيب والحفر في منطقة ألبرتين جرابن التي تمتد من متنزه فيرونجا الوطني (شمال جوما) شمالاً إلى إيتوري. حصل تولو على امتيازات على الجانب الأوغندي من بحيرة ألبرت، وعمل بشكل وثيق مع موسيفيني وشقيقه لتطوير حقول النفط هناك – حيث اشتبك جنود قوات الدفاع الشعبي الأوغندية مع القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية في بعض الأحيان بناءً على طلب من ممثلي شركة تولو. وكجزء من العقد المبرم مع الحكومة الكونغولية، قدمت شركة هيريتدج معدات عسكرية بقيمة ملايين الدولارات إلى القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية، بما في ذلك سيارات جيب وزوارق سريعة للقيام بدوريات في مصافي النفط – وتحديداً في تلك المناطق التي توفر فرصة لتطوير الاتصالات مع الوكلاء الروانديين وحركة 23 مارس. 

دور الأمم المتحدة في الكونغو الديمقراطية

الشعب الكونغولي يخرج في مظاهرات يومية احتجاجاً على الوجود العسكري للأمم المتحدة فوق أراضيه لأنه يتساءل بشكل منطقي كيف يمكن لألف وخمسمائة من قطاع الطرق أن يهزموا جيشاً نظامياً تدعمه قوة مفوضة من الأمم المتحدة؟  لقد مر ما يقرب من عقد من الزمن منذ وصول أول قوات تابعة للأمم المتحدة إلى مناطق الصراع، ولم يتم إحراز أي تقدم في القضاء على هذه الميليشيات. ما يقرب من 19000 جندي يتم جلبهم من كل ركن من أركان المعمورة، بميزانية تبلغ 2 مليار دولار كل عام، طائرات هليكوبتر حربية، وناقلات جند مدرعة، وسيارات جيب ودبابات إلى جانب القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية التي يبلغ قوامها 200000 جندي؟.

 عندما نقارن تدخل بعثة منظمة الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية بتدخلها في هايتي وتدخل منظمة حلف شمال الأطلسي في كوسوفو وليبيا والإمبريالية الأميركية في العراق سوف نعلم انه عندما يتعلق الأمر بمصالح الغرب سوف يكون هناك تعبئة ضخمة في غضون فترة زمنية قصيرة. بعثة منظمة الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، مكونة من جنود من عشرات البلدان المتنوعة مثل الدنمارك، والأوروغواي، وكرواتيا، ونيجيريا، وباكستان، والهند، وغواتيمالا، والبوسنة، دون وجود ما يكفي من المترجمين. ومن المتوقع أن تنتشر هذه القوة المكونة من 19.000 جندي على مساحة تقل قليلاً عن 125.000 كيلومتر مربع من مقاطعة إيتوري في الشمال وصولاً إلى جنوب كيفو في ركن من الكرة الأرضية، غير متطور، بالكامل تقريباً- لا توجد طرق معبدة، ونقص كبير في عدد الطائرات أو المروحيات التي يمكن حشدها- والتفويض يقتصر على دعم القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية و”حماية” 14.8 مليون مدني في منطقة العمليات.

النتائج تتحدث عن نفسها، في بلدة كيسانغاني بشمال شرق الكونغو، قتلت الميليشيا ما لا يقل عن 103 مدنيين. وكان أكثر من 1000 عنصر من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، بما في ذلك العميد المسؤول، حاضرين ولاحظوا إطلاق النار من دون اتخاذ أي إجراء، وقد وصف الناجون من مذابح أخرى في المنطقة لـ “هيومن رايتس ووتش” كيف أجبر المتمردون المدنيين على حفر قبورهم قبل أن يتم ربطهم ببعضهم البعض وقتلهم بالمطارق والمناجل. منذ عام أعدمت مليشيا  M23 أكثر من 200 مدني في كيوانجا، على بعد أقل من ميل واحد من قاعدة للأمم المتحدة. غير فضائح القبض على موظفي بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية متلبسين ومتورطين بشكل مباشر في التهريب والابتزاز. ففي العام الماضي، أفادت الأخبار أن سائقاً من بعثة منظمة الأمم المتحدة تم القبض عليه بعد محاولته عبور الحدود بين جمهورية الكونغو ورواندا ومعه 1200 كلغ من حجر القصدير (خام القصدير) في إحدى سيارات الدفع الرباعي البيضاء المميزة للأمم المتحدة، وذلك بعد أقل من شهر من سرقة 10 أطنان من حجر القصدير، عثر عليها في مقر القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية في غوما.

 في أوفيرا، بعض الطيارين الروس في أسطول الأمم المتحدة ادينوا بتهمة استغلال للنساء اللواتي يعملن في قسم نظافة الفنادق.

(http://www.monitor.upeace.org/innerpg.cfm?id_article=930)

 في عام 2008 كشفت بانوراما بي بي سي(http://news.bbc.co.uk/1/hi/world/africa/7365283.stm) أن جنود الأمم المتحدة من الجيش الباكستاني كانوا يتاجرون بالأسلحة مقابل الذهب المستخرج من المناجم. فقد استخدم ضابط باكستاني طائرات الأمم المتحدة لنقل التجار (تجار الذهب والمعادن المحليين) كجزء من تعاملاتهم. 

والجنود الهنود كانوا، أيضاً، يتاجرون بالذهب والمخدرات مع القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، باستخدام طائرات الهليكوبتر التابعة للأمم المتحدة لنقل الذخيرة إلى متنزه فيرونجا الوطني مقابل العاج.  منذ بداية مهمة الأمم المتحدة في الكونغو، ظهرت فضيحة تلو الأخرى حيث يتم التحقيق مع جنود من وحدات مختلفة بتهمة الاغتصاب والاعتداء الجنسي ضد الشابات والأطفال.

 http://www.rnw.nl/africa/article/un-investigating-sex-abuse-drc-peacekeepers; http://www.theglobeandmail.com/news/politics/than-reading/peacekeepers-gone-wild

الخلاصة

استمرارية المذابح وعمليات النهب ليست أسبابها ودوافعها خارجية فقط، لكنها أيضاً نتيجة لفشل الزمرة المتمركزة في كينشاسا وطبقة الضباط في تفكيك المليشيات، وذلك للاستيلاء على عمليات التهريب والتعدين ومضارب الضرائب والماشية التي تحت سيطرتها، للسيطرة عليهم، وأيضاً لتهيئة عدو خارجي في وقت تضيق فيه القاعدة الاجتماعية ضد النظام كل يوم. الصراع الحالي في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية بمثابة قنبلة موقوتة، ان اشتعلت سوف تحرق منطقة البحيرات العظمى (رواندا وأوغندا وبوروندي)  كما قد يؤدي تجاهل الصراع إلى عدم استقرار هائل في وسط وشرق إفريقيا في المستقبل، مما يوفر وسيلة لـ “داعش” للتمدد والتوغل داخل الأراضي الكونغولية لتعزيز وجوده في وسط أفريقيا ليلتحم مع مليشياته في منطقة الساحل الإفريقي وتعويض الخسائر بعد هزيمته في مناطق أخرى، ويطيل بقاءه باستنزاف مزيد من الثروات.

المصادر والمراجع:

https://libcom.org/article/war-dr-congo-behind-slaughter-and-looting-stand-imperialist-interests-ibrp

https://www.msuilr.org/new-blog/2022/10/12/neocolonialism-cobalt-mining-in-democratic-republic-of-the-congo

https://jacobin.com/2023/02/democratic-republic-of-the-congo-war-colonialism-exploitation-resources-intervention-history

https://internationalsocialist.net/en/2020/06/drc-60th-anniversary-of-independence

https://www.congoplanet.com/2012/11/21/news/2011/thousands-protest-m23-capture-of-goma-turnagainst-government-un-mission-monusco.jsp

https://www.telegraph.co.uk/finance/personalfinance/investing/gold/9742142/Gold-demand-increases-15pc.html

https://congosiasa.blogspot.com/2009/11/monuc-internal-report-about-ex-cndp.html?m=1

https://www.wsj.com/articles/SB10001424052702303836404577476460542151978

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

في الكيان الصهيوني.. الأندية الرياضية معامل لتفريخ الفاشية والعنصرية

لمن يمتلك معرفة، ولو محدودة، لواقع أندية كرة القدم ومشجعيهم الصهاينة، لكان لن يُفاجأ بما فعله مشجعو (مكابي تل أبيب) في أمستردام، بالعكس، لفوجئ كيف يمكن للسلطات الهولندية أن تسمح للآلاف من هؤلاء بالدخول لهولندا، وهم المعروفون بسلوكهم الغوغائي والعنصري والهمجي.

نظام الانتخابات الرئاسية الأميركية: هيمنة رؤوس الأموال وضرب لمفهوم التعددية الحزبية والديمقراطية الحقيقية وحقوق الطبقة العاملة

تتغنى الولايات المتحدة الأميركية بنظامها “الديمقراطي” وحرية الانتخابات فيها، والحريات والدفاع عن حقوق الإنسان فأين تلك الادعاءات والولايات المتحدة الأميركية حامية للاحتلال الصهيوني ومشاركة في حربه العدوانية على قطاع غزة ولبنان.

تصويت تاريخي: 187 دولة في الأمم المتحدة تطالب بإنهاء الحصار الأميركي الجائر على كوبا

صوتت الأمم المتحدة يوم الأربعاء 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على مشروع القرار المعنون ”ضرورة إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه حكومة الولايات المتحدة ضد كوبا“، حيث صوتت 187 دولة لصالح إلغاء هذه السياسة الأميركية المعادية .

احتدام حرب الجنرالات في السودان

تجددت الاشتباكات بين جنرالات الحرب في السودان الجنرال “حميدتي” قائد ميليشيا الدعم السريع، والجنرال البرهان قائد الجيش المختطف من الحركة الإسلامية، بشكل أكثر شراسة خلال شهر أكتوبر المنصرم على جميع محاور القتال، بخاصة في محوري الخرطوم وولاية الجزيرة.

[zeno_font_resizer]