في الذكرى الـ ٣٤ للغزو والاحتلال: هل استفدنا من دروس تلك الكارثة؟

لعلّه من الطبيعي في الذكرى السنوية الرابعة والثلاثين لغزو النظام العراقي البائد الكويت واحتلالها أن نسترجع شريط الذكريات الأليمة لتلك التجربة القاسية، وأن نستذكر في الوقت نفسه التضحيات البطولية التي سطّرها أبناء الكويت دفاعاً عن الوطن وفي مقاومة الغزو والاحتلال، وأن نحني رؤوسنا إجلالاً للشهداء الميامين… إلَّا أنّ الأهم هو أن نسأل أنفسنا بصراحة ووضوح عما إذا كنا بعد أربعة وثلاثين عاماً قد استفدنا كدولة وكمجتمع وكمواطنين من دروس تلك الكارثة الوطنية الأليمة؟!

وقد تكون أفضل وسيلة للإجابة عن مثل هذا السؤال المستحق هي تتبّع مسار الأمور في البلاد منذ التحرير وما آلت إليه وصولاً إلى واقعنا الراهن.

إنّ الحقيقة المرّة تقول أنّه لم تتم محاسبة أي مقصّر عن تقصيره؛ ولم يُنَحَّ أي متهاون من المسؤولين الكبار عن موقعه في سلطة القرار جراء تهاونه عن أداء واجبه وعدم قيامه بمسؤولياته، وذلك على الرغم من الإدانة الصريحة التي تضمّنها تقرير “لجنة تقصي الحقائق عن موضوع الغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت” في مجلس الأمة الصادر في ١٦ أغسطس من العام ١٩٩٥ حول التهاون في عدم اتخاذ أبسط التجهيزات والاستعدادات الأمنية المدنية والعسكرية للتعامل مع التهديدات العراقية التي استمرت طوال أسبوعين كاملين بين ١٥ يوليو والأول من أغسطس ١٩٩٠، حيث حمّل التقرير السلطة التنفيذية المسؤولية لأنّها “لم تقرأ الخطر والتهديدات العراقية الموجهة ضد الكويت قراءة صحيحة”… “ولم تتعامل مع الخطر تعاملاً صحيحاً”.. و “قللت من الخطر الماثل أمام الكويت واستبعدت حتى التجهيز والإعداد الدفاعي والعسكري”… و”غيّبت المشاركة الشعبية والرأي العام وتعمّدت إخفاء الأخطار العراقية في أجهزة الإعلام الرسمية”… و”فشلت في مساعيها السياسية التي كانت المحور والمسار الوحيد الذي اتخذته دون غيره من المسارات ولو من باب الاحتياط”…  ومع ذلك كله لم تتم محاسبة أيٍّ من أولئك المسؤولين عن تقصيرهم الفاضح وتهاونهم الواضح، وبالتالي فإنّه عندما يغيب الحساب وتنعدم المساءلة لا يمكن الحديث عن الاستفادة من الدرس والاتعاظ من التجربة.

والمؤسف أيضاً ما جرى بعد اندحار قوات الاحتلال من تفويت، ربما كان متعمداً، للفرصة التاريخية التي كانت سانحة لإعادة بناء الكويت على أسس جديدة، بحيث “عادت حليمة إلى عاداتها القديمة” بمواصلة النهج المعتاد في إدارة الدولة وسطوة المصالح الضيقة للقلّة المتنفذة في الاستحواذ على مقدرات البلاد والانتفاع والتنفيع؛ بالتزامن مع تعطيل العودة المستحقة إلى طريق بناء الدولة الكويتية الحديثة.

وغير هذا، فإنّه بدلاً من التوجّه الجاد نحو توفير متطلبات الحفاظ على الأمن الوطني للكويت بعد تلك الكارثة الأليمة، فقد جرى الاكتفاء بوضع “بيض أمننا الوطني كله” في سلّة الولايات المتحدة الأميركية، التي تمثّل مصالحها الخاصة ومصالح الكيان الصهيوني أولوياتها، بل لقد كشفت تجارب كثير من الذين اتكلوا عليها في حمايتهم مدى هشاشة تلك الحماية، ولعلّ ما تعرّض له النظام الأفغاني السابق من خذلان عند الانسحاب الأميركي المذل والمرتبك يقدم للواهمين درساً لا يُنسى، ما يفترض معه بناء استراتيجية دفاع وطني تعتمد على مشاركة الشعب في الدفاع عن وطنه وتماسك الجبهة الداخلية.

والأخطر من ذلك هو ما تعرّضت له الوحدة الوطنية للشعب الكويتي من محاولات إضعاف وتفكيك، وهي التي كانت سلاحه الأساسي في الصمود والمقاومة، حيث شهد المجتمع الكويتي، خصوصاً منذ العام ٢٠٠٨ وإلى يومنا هذا، العديد من محاولات التأجيج للنعرات الطائفية والعنصرية والقبلية والمناطقية والإثارة المتعمدة للانتماءات الفئوية والهويات الصغرى على حساب الانتماء الجامع إلى الهوية الوطنية الكبرى، ما أدّى إلى تمزيق مجتمعنا الكويتي الصغير.

بعد هذا كله، ترى هل يجرؤ أحد على الادعاء بأننا استفدنا من دروس كارثة الغزو والاحتلال واتعظنا من عِبَرِها؟!

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

سنة على طوفان الأقصى: وحدة المصير… مقاومة على درب التحرير

طوفان الأقصى أعاد الاعتبار إلى المقاومة بوصفها الخيار الأساسي الأول أمام شعبنا العربي الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، وأبرز مآثر الصمود الشعبي الفلسطيني الأسطوري في وجه آلة القتل والدمار الوحشية الصهيونية، وقطع الطريق على محاولات التآمر الصهيوني- الإمبريالي المحمومة لتصفية القضية الفلسطينية، وطوى صفحة العار المتمثلة في اتفاقات أوسلو الخيانية.

ليست مجرد مهزلة رياضية!

لابد من محاسبة المسؤولين عن هذه المهزلة ووضع حد لها، وبالتأكيد فإن الحلول الإدارية متوفرة وهناك طاقات بشرية متخصصة مهم الاستعانة بها والاستفادة منها لخدمة البلد.

نهج حكومي غير مقبول

مضت ثلاثة أشهر ونصف الشهر على تشكيل الحكومة الحالية بعد تعطيل الحياة النيابية وتعليق عدد من مواد الدستور، وخلال هذه المدة وعلى الرغم من الوعود المتكررة لم تعلن هذه الحكومة برنامج عملها، فيما تجاهلت تماماً إصدار قرارات مستحقة بشأن تحسين مستوى المعيشة بما يخفف من وطأة التضخم والغلاء.