سقوط معايير المنظومة الغربية السياسية والأخلاقية

أسقط السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ ورقة التوت التي كانت تستر زيف وازدواجية معايير المنظومة الأخلاقية للغرب الإمبريالي لتتجلى حقيقته الدموية في مشهد إبادة جماعية لشعب أعزل ومحاصر لم يُشهد لها مثيل في التاريخ الحديث. مشهد أعاد للأذهان فظائع جرائم الغرب الاستعماري في الجنوب العالمي هكذا كانت المعادلة ولم تزل مهما حاولوا ترويض وحشيتهم خلف مؤسسات تبدو ظاهرياً معنية بفرض السلام وحفظ حقوق الإنسان والدفاع عن حرية التعبير وفي واقع الأمر لم تلعب إلَّا دور “حصان طروادة” لتطبق هذه المبادئ حصراً على من لا يخضع لهيمنتها السياسية والاقتصادية؛ هنا فقط يُمارس النفاق الأخلاقي وتطبق العقوبات وتتحرك الجيوش باسم حفظ الحريات ونشر الديمقراطية، بينما يتم عمداً تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث في بلدان الجنوب العالمي “الحليفة” من وأد لحريات التعبير وحتى الاعتقالات التعسفية وعقوبات الإعدام، هذه المؤسسات والكيانات السياسية تخرس اليوم أيضاً أمام الإبادة الجماعية التي تحدث في غزة بل وتتكفل بتغذية هذه الإبادة وتدعمها معنوياً ومادياً حيث بلغت المساعدات العسكرية الأميركية وحدها ٢٦٠ مليار دولار للكيان المحتل بالإضافة إلى إرسال الجنود وحاملات الطائرات للمنطقة وتنفيذ ضربات نوعية تجاه أهداف “معادية لإسرائيل” ولعبت ألمانيا وبريطانيا ذات الدور بل وتم حشد مرتزقة من جميع أنحاء العالم وتسليحهم وإشراكهم مع الجيش الإسرائيلي في عدوانه الإبادي ضد شعب أعزل، ودافعت بقية المنظومة الغربية عن “حق إسرائيل” في هذه الإبادة الجماعية كما ذُكر نصاً على لسان رئيس وزراء السويد باسم الاتحاد الأوروبي !

وفي مشهد أكثر ابتذالاً رفضت الولايات المتحدة قرار المحكمة الدولية باعتبار نتنياهو رئيس الوزراء “الإسرائيلي” مجرم حرب واعتبرته قراراً معادياً للسامية وأنها غير ملزمة ولا تخضع لأحكام هذه المحكمة بينما هرعت، في أكثر من سابقة، لذات المحكمة لتدين خصوم لها، وتشرعن تدخلها في عدة بلدان وضد عدة حكومات بناء على أحكام هذه المحكمة!

حرية التعبير أيضاً تم وأدها عندما هاجمت الجماهير الغربية جرائم وانتهاكات حليف الغرب وقاعدته المتقدمة في منطقتنا فتم فض اعتصامات الطلبة الجامعيين واعتقال بعضهم وفصل بعضهم، وتم فصل الموظفين المؤيدين لحق الشعب الفلسطيني في المقاومة واتهامهم بالتهمة المعلبة مسبقاً “معاداة السامية” وتفريق المظاهرات الداعمة لفلسطين والمنددة بالإبادة.

وفي خضم كل ذلك لم يكن الخطاب النسوي الليبرالي، “المهيمن بطبيعة الحال”، بمعزل عن جو النفاق السمج فالاستنكار والتنديد الذي أغرق وسائل الإعلام العالمية لكذبة “اغتصاب الأسيرات الاسرائيليات” و”قطع رؤوس الأطفال”، تلتها فرجة خرساء على مدى عام على إبادة 45 ألف شهيد و107 آلاف جريح في غزة و4 آلاف شهيد و 16 ألف جريح في لبنان حتى لحظة كتابة هذا المقال وتم تدمير 75% من مدينة غزة وتجويع شعبها وجعله في حالة نزوح مستمر في بقعة جغرافية لا تتجاوز 360 كم2 وجعل مستشفياته ومدارسه مسارح لتجربة مدى فاعلية أحدث أنواع الأسلحة، قتلت النساء الفلسطينيات وهدمت بيوتهن على رؤوسهن وشاهدن أحبائهن يقتلون بدم بارد ويتعفنون تحت الأنقاض وتنهش جثثهم الكلاب وتم اعتقال الكثير منهن، وتعرضن خلال الاعتقال للتعذيب والتعرية والتصوير وحتى الاغتصاب ولم يجرؤ هذا الخطاب المعني بـ “حقوق المرأة” على الإدانة حتى! لتنتعش فجأة وتظهر من العدم ذات الأصوات معلقة ومنظرة على مشهد فتاة إيرانية تتجول عارية احتجاجاً على قانون اللباس في الجمهورية الإيرانية ليعيد مشهد النفاق نفسه مراراً وتكراراً ويسقط كل من يتبناه أو يؤمن به إلى الأبد، هذا البرود والتعالي والانتقائية في التعاطي مع قضايا شعوبنا واعتبارها محتوى لممارسة الدور التنظيري الفوقي للمرأة البيضاء هي مجرد حالة لتغذية نرجسيتهن واعطائهن الشعور الوهمي بأنهن يلعبن دور المنقذات الحاميات، هذا الدور هو جزء لا يتجزأ من سياق الهيمنة الغربية المفروضة علينا العسكرية منها والاقتصادية والثقافية مستغلة ضعف التنمية التي تتسبب في جزء كبير منها، والتي يتبعها بالضرورة القمع والفقر والجهل والفوضى لتستغل حالة اليأس والسخط وتلعب دورها التفوقي بكل احترافية وتأتي لتصوغ خطط التغيير التي تخدم مصالحها وتلعب بها خدعة العصا والجزرة.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

نساء الكويت لأجل نساء غزة

دعماً لمقاومة الشعب الفلسطيني الباسل ضد العدوان الصهيوني على قطاع غزة المستمر منذ السابع من أكتوبر الماضي، ورفضاً للإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو الصهيوني ضد أهل غزة ورفح التي ذهب ضحيتها عشرات آلاف الشهداء، معظمهم من النساء والأطفال، أصدرت مؤسسات المجتمع المدني الكويتية

جوزي مباما ودورها التاريخي في النضال ضد نظام الأبارتايد 

“جوزي مباما” من الأسماء المغمورة التي كرست حياتها في بناء وتنظيم القواعد الشعبية لمواجهة نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا، لكن للأسف تم التغاضي عن مساهماتها السياسية واستبعدت إلى حد كبير من السجل التاريخي الذي لم ينصف المئات بسبب أن هنالك تراتبية في تناول تاريخ المقهورين.