انطلاقاً من استمرار عربدة العدو الصهيوني في المياه العربية، وامتداد أطماعه في الموارد المائية والجغرافية، قمنا بمعالجة هذا الموضوع عبر عدة محاور رغم أنها مترابطة، وتشكل وحدة مسطح مائي يتعرض للسرقة والاستغلال ووضع اليد من قبل الصهاينة عليه. عملنا على تقديم عرض دقيق وموجز لكل محور على حدة.
وقد جاءت المعالجة من خلال سلسلة مقالات نشرت في «تقدُّم» على النحو التالي:
تناولت هذه المقالات استعراضاً للموارد المائية في كل محور، وتوثق كيف عمد العدو على نهبها والسيطرة عليها. غير أن معالجة هذا الموضوع لا تكتمل دون كشف وتحديد ملامح الاستراتيجية الصهيونية المائية في العالم العربي، سواء من حيث التخطيط أو التنفيذ أو تحقيق الأهداف.
كما بحثنا في كيفية تعامل الدول العربية وخاصة المعنية مباشرة مع هذه الاستراتيجية الصهيونية، وأهمية الوقوف عند أبرز الخلاصات والاستنتاجات المتعلقة بهذا المجال الحيوي، الذي يمس الأمن الاقتصادي العربي.
لذا لا بد من التوقف في هذا المقال عند بعض الخلاصات والاستنتاجات العامة المحددة في هذا المجال الحيوي والاقتصادي وكيفية الخروج من هذا الوضع العربي المذري ومجابهة استراتيجية العدو المائية بكل وسائل الدفاع عن حقوقنا المائية والحصول عليها وتطبيق كل القوانين الدولية مرعية الاجراء وإجبار العدو على إعادة الحقوق المائية العربية.
الاستراتيجية المائية “لإسرائيل”
قامت الحركة الصهيونية منذ نشأتها على أسس دينية وتوراتية، أبرزها مفهوم ما يسمَّى “أرض الميعاد” الممتدة “من النيل إلى الفرات”، ما يوضح بجلاء الأهمية الاستراتيجية للمياه في الفكر الصهيوني وفي مشروعهم الاستيطاني. من هذا المنطلق، وضعت الحركة الصهيونية استراتيجية مائية واضحة منذ بداياتها، عبّرت عنها تصريحات قادتها، بدءاً من مؤتمر بازل عام 1897، مروراً هرتزل وبن غوريون، ووصولاً إلى الحكومات الصهيونية المتعاقبة.
كان الهدف الرئيسي لتلك الاستراتيجية هو السيطرة على الموارد المائية العربية، وقد ربط العدو الصهيوني باستمرار بين “الأمن القومي” و”الأمن المائي”، رافضاً الانصياع لقرارات الشرعية الدولية الداعية إلى الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة. (1)
وقد أكد هرتزل في مذكراته على أهمية جنوب لبنان وجبل الشيخ كمصادر مائية حيوية لتطوير الاقتصاد والحياة الاجتماعية في “الدولة اليهودية”، بينما عبّر بن غوريون بوضوح عن هذا التوجه بقوله:
“إن اليهود يخوضون مع العرب معركة من أجل المياه، وعلى نتيجة هذه المعركة يتوقف مستقبل اليهود في فلسطين”.
وفي وثيقة أعدها عام 1941، قال بن غوريون:
“علينا أن نعي جيداً أن بقاء الدولة اليهودية مرهون بضم مياه الليطاني ونهر الأردن إلى داخل حدودنا”.
وقد كررت حكومات الكيان الصهيوني المتعاقبة، بما في ذلك حكومة نتنياهو، هذه المطالب، وسعت لترجمتها إلى واقع عملي عبر الاستحواذ على مياه نهر الأردن، ومحاولة سرقة المياه من أنهار الليطاني والوزاني والعوجا، لاستخدامها في تلبية حاجات المستوطنات الصهيونية وتعزيز مشاريع التوسع الاستيطاني.
منذ أكثر من قرن، أدرك القادة الصهاينة أن النقص الحاد في المياه داخل الأراضي الفلسطينية يشكل تهديداً وجودياً، خاصة وأن الزراعة والاستيطان يمثلان ركيزتين أساسيتين في العقيدة الصهيونية. ولذا، اعتبروا أن السبيل الوحيد للتغلب على هذا التهديد هو الاعتماد على مصادر المياه في الدول المجاورة.
وقد بدأت هذه الطموحات كمطالب تُرفع إلى القوى الدولية آنذاك، وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة، وسرعان ما تحولت إلى خطط عملية نُفذت بالقوة أو عبر مشاريع استعمارية.
لقد رسمت الحركة الصهيونية منذ مؤتمر بازل عام 1897 خريطة للكيان الصهيوني تقوم على التحكم الكامل في مصادر المياه الطبيعية في المنطقة، ليس فقط من مجرى نهر الأردن وروافده (الدان، بانياس، الحاصباني، اليرموك)، بل شملت أيضاً مياه نهر الليطاني في لبنان، بل وامتدت أحلامهم إلى مياه النيل في مصر، مستندين إلى الرواية الدينية التي تزعم أن “أرض الميعاد” تمتد من النيل إلى الفرات.
وقد كشف الباحث ظافر بن خضراء في كتابه “إسرائيل وحرب المياه القادمة” (2) عن جوانب من هذه الاستراتيجية الماكرة، مستعرضاً عشرات المشاريع التي سعى من خلالها العدو الصهيوني إلى الاستحواذ على المياه العربية، منها: مشروع الجنرال تشارلز وارن – مشروع تجفيف بحيرة طبريا والحولة- مشروع روتنبرغ- مشروع يونيدس- مشروع لاودرميلك مشروع جونستون- هيز- مشروع الناقل القُطري من بحيرة طبريا إلى صحراء النقب جنوبي فلسطين المحتلة، وغيرها من المشاريع التي خطط لها العدو الصهيوني والتي أنجزت غالبيتها بدعم مباشر من بريطانيا وأميركا، بينما حالت توازنات مؤقتة بين فرنسا بريطانيا دون تنفيذ بعض منها.
في السياق نفسه، تأتي اتفاقية وادي عربة التي وُقعت عام 1994 بين الأردن “وإسرائيل”، حيث يتضح بجلاء طمع العدو الصهيوني في المياه الأردنية، لا سيما مياه نهر الأردن واليرموك، والمياه الجوفية في وادي عربة. ويكفي للتدليل على مراوغة العدو في هذا الملف ما قاله الدكتور منذر حدادين، رئيس الوفد الأردني في مفاوضات المياه: “إن إسرائيل لن تنفذ من اتفاقية المياه مع الأردن سوى ما يخدم مصالحها فقط” (3). وبموجب المادة السادسة من الاتفاقية، تم تشكيل “لجنة المياه المشتركة”، التي تهدف إلى ما يسمَّى “الاستغلال المشترك” وتوزيع الحصص، في إطار من التعاون الثنائي والإقليمي والدولي، بينما الواقع يؤكد أن العدو الصهيوني واصل استنزاف المياه لصالح مشاريعه الاستيطانية دون التزام فعلي ببنود الاتفاق.
من هنا، لا بد من التحذير من خطورة هذا المحور المائي الحاسم في الصراع العربي – الصهيوني، وعلينا قرع ناقوس الخطر عالياً، لتوعية الشعوب وصُنّاع القرار بخطورة الاستراتيجية الصهيونية التي لا تعترف إلَّا بمصالحها، وترى في المياه عنصراً وجودياً لا يمكن التفاوض بشأنه، ولا تحلّه لا المعاهدات ولا قرارات الأمم المتحدة ولا مناشدات حقوق الإنسان.
لا بد من التوقف عند نقطة مهمة في هذا المحور المفصلي من مستقبل الوضع المائي العربي ونحاول وضع الأمور في نصابها الصحيح ونرفع الصوت عالياً ومنذرين أصحاب السلام والتطبيع مع العدو الصهيوني الاعتراف بوقائع وخطط الكيان الصهيوني واستراتيجيته المائية من النيل إلى الفرات. هذه الاستراتيجية خط أحمر عند العدو لا تحل بالمفاوضات السلمية وحقوق الإنسان وتوقيع المعاهدات والاتفاقيات المبهمة وتنفيذ قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة وانتظار الحل.
فضيحة “معاهدة السلام والاتفاق المائي بين إسرائيل والأردن”
كيف نفذت؟ وماذا حقق الأردن منها وكيف تهرب العدو من بنودها؟
أهم بنود “معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية” هي المادة السادسة التي تنص: “بهدف تحقيق تسوية شاملة ودائمة لكافة مشكلات المياه القائمة بين الطرفين، يتفق الطرفان على الاعتراف بتخصيصات عادلة لكل منهما وذلك من مياه نهري الأردن واليرموك ومن المياه الجوفية لوادي عربة، وذلك بموجب المبادئ المقبولة والمتفق عليها وحسب الكميات والنوعية المتفق عليها”. وقع الاتفاق المائي بين الأردن والعدو الصهيوني وحدد الحقوق بين الطرفين كملحق لاتفاقية السلام وخصوصاً حقوق الأردن في نهر الأردن والآبار الجوفية على مجرى النهر. عدم مشاركة سوريا ولبنان في هذه الاتفاقية ترك العديد من الثغرات التي سمحت للعدو التملص من بنوه والتوصل حتى إلى إلغائه. وصل الأمر بوزير المياه الأردني السابق منذر حدادين فصرح علناً أن الأردن بتوقيعه اتفاقية السلام عام 1994 “أنهى النزاع المائي مع إسرائيل، والذي بدأ منذ عام 1921 بتأسيس إمارة شرق الأردن، ولقد حصلنا من خلال الاتفاقية على حقوقنا المائية”. أثار موقف حدادين حول “عدم وجود حقوق مائية لعمّان في نهر الأردن” غضب الخبراء الدَّوليين منهم الخبير الدولي بقطاع المياه المشهور سفيان التل، وقال في رده على الوزير السابق “إن نهر الأردن وبموجب الاتفاقيات الدولية تشترك فيه سوريا ولبنان والأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة قبل عام 1967، ولم يرد ذكر لإسرائيل”. لكن العدو بعد الاحتلال وبموجب قرار عسكري حرم الفلسطينيين من حقوقهم في المياه وفرض نفسه المفاوض الأساسي. رغم التأكيدات والتصريحات الرسمية غير المسؤولة والتي تخضع لشروط وإرادة العدو “بأن الأردن قد حصل على كامل حصته المائية في نهر الأردن بموجب اتفاقية السلام الأردنية – الإسرائيلية الموقعة عام 1994؟” رغم ان الخبراء الدوليين في قطاع المياه يتهمون “إسرائيل” بـ “سرقة المياه الأردنية من نهر الأردن، ومياه الآبار الجوفية بمنطقة وادي عربة والغمر جنوبي المملكة”. ولا يتوقف الأمر عند “سرقة إسرائيل الحقوق المائية الأردنية” بحسب الخبراء الدَّوليين، بل يتم بيع تلك المياه المسروقة إلى الجانب الأردني بواقع 50 مليون متر مكعب سنوياً، وذلك خارج إطار اتفاقية السلام والكميات المنصوص عليها، وفق مصدر رسمي.
وبموجب اتفاقية وقعها وزيرا الخارجية الأردني أيمن الصفدي و”الإسرائيلي” يائير لبيد -إبان شغله المنصب في يوليو/تموز 2021- بعدما رفض رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو التوقيع عليها تم الاتفاق على بيع الأردن كميات إضافية وبسعر 40 سنتاً أميركياً للمتر المكعب (الدولار 100 سنت)، وذلك بحسب مصدر رسمي. النتيجة استسلم الأردن وتنازل عن حقوقه الشرعية وأعطى العدو ما يريد وأصبح بدون مياه يستجدي العدو الصهيوني بيعه المياه التي من حقوقه وبالتالي “لم يحصل على حقوقه المائية بموجب الاتفاقية، وإسرائيل سرقت حقوقه المائية بالأساس عندما قامت بتحويل مجرى نهر الأردن في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي الى صحراء النقب، وهذه الحقوق للأسف لم يتحدث عنها المفاوض الأردني، واعتبر أنه لا يملك حقوقاً مائية بنهر الأردن”. هذه هي نتيجة الاتفاقيات والمعاهدات والتطبيع مع العدو الصهيوني الذي يوقع ويهرب من التنفيذ ولا يحترم أي معاهدات يوقعها ولا يحترم القرارات والشروط الدولية ويمضي بخططه لتحقيق أهدافه وتحقيق الاستراتيجية المائية التي وضعها لوضع اليد على المياه العربية من النيل إلى الفرات. الأردن يفتش عن مصدر للمياه كي لا يموت عطشاً حتى وصل به الأمر إلى أن يوقع اتفاقاً مع العدو لتبادل الكهرباء بالمياه وأخيراً يطرح مشروع تحلية المياه في البحر كي يسد رمقه.
خلاصات واستنتاجات
1– يمكن الاستنتاج من هذا الواقع المرير بأن منطق التعاطي مع موضوع الموارد المائية في منطقة الشرق الأوسط يختلف بين الأطراف جذرياً: قضية المياه بالنسبة للعدو الصهيوني هي قضية استراتيجية تمس “أمنه القومي” يخطط لها وتدرس بعناية وتنفذ بدقة مهما طال الزمن وهي قضية وجود وحياة. أما بالنسبة لسياسة بعض الدول العربية فإن قضية المياه قضية هامشية قابلة للتفاوض. فشاهدنا نتيجة التفاوض مع الأردن والسلطة الفلسطينية…. التي كانت نتيجتها أن الأردن بدون مياه يشتري أصلاً مياهه المشروعة في نهر الأردن من العدو الصهيوني والفلسطيني يموت عطشاً، فالمعادلة الطرف الأقوى يفرض شروطه.
2- عطفاً على الاستراتيجية المائية الصهيونية شرع العدو بتنفيذ بناء مدخل لناقل المياه من جسر بنات يعقوب لنقل مياه بحيرة طبريا إلى صحراء النقب جنوب فلسطين المحتلة. وقعت مناوشات محدودة النطاق متعلقة بالمياه عقب اتفاقيات عام ١٩٤٩. في يوليو ١٩٥٣. وكان مجلس الأمن قرر السماح بمتابعة العمل ولكن الاتحاد السوفياتي استخدم حق الفيتو وأوقف العمل في المشروع. وفي عام 1955 وضعت خطة جونستون وهي خطة المياه الموحدة لوادي الأردن ولكن الجامعة العربية اتخذت قراراً في 11 أكتوبر 1955 بعدم التصديق على الخطة. عدم اعتماد العرب للخطة لم يكن رفضاً تاماً بل فشل في الموافقة عليها سياسياً وعلى الرغم من فشل التصديق عليها فقد الأردن و”إسرائيل” بالعمل الجدي ضمن حدود تخصيصهما.
لم تكن الدول العربية مستعدة لقبول مشروع يستغل موارد لا تخص الكيان الصهيوني. في يناير/كانون الثاني 1964، انعقدت قمة جامعة الدول العربية في القاهرة وقررت خطة لتحويل منابع نهر اليرموك وضع التصاميم والاشراف على تنفيذ تحويل نهري الحاصباني وبانياس بقناة تصل نهر اليرموك عبر الجولان لتصب في سد يتم تزويد الأردن منه بالمياه، وبدأ العمل في المشروع عام 1965. كان المشروع صعباً ومكلفاً من الناحية الفنية والتنفيذية ولكن لو نجح لكان قد حول 35% من المياه التي كان العدو الصهيوني ينوي سحبها من أعالي نهر الأردن. ساهمت الدول العربية في جهود التحويل، لكن الصراع استمر على الحدود بين سوريا وفلسطين المحتلة، وتصاعدت الغارات الجوية المعادية على الأراضي السورية في أبريل 1967. قصف العدو الصهيوني المنشآت العربية وهدمها، وأجبر العرب على توقيف التنفيذ؛ وكان ذلك تمهيداً لحرب 5 حزيران/ يونيو 1967، حيث احتل العدو الصهيوني بنتيجة هذه الحرب الضفة الغربية والجولان وسيناء وأطلق يديه على الموارد المائية في بحيرة طبريا ونهر الأردن وهضبة الجولان. وانتهى الرد العربي الوحيد بمجابهة الاستراتيجية المائية الصهيونية وعاد العدو لمتابعة سيطرته على المياه العربية.
3 – تفيد الإحصاءات العديدة أن ما يحصل عليه العدو الصهيوني من المياه من خارج حدود كيانه تبلغ نسبته ما يفوق 68% من إجمالي المياه المستهلكة فيه وهي موزعة على الشكل الآتي: 28% من جبل الشيخ ولبنان، 25% من مياه الضفة الغربية و15% من قطاع غزة. من هنا يمكن تفسير السبب في تشبث العدو الصهيوني وإصراره على السيطرة الكاملة والدائمة على منابع المياه ومصادرها كونه يدرك بأن المياه جزء هام من وجوده.
4– تؤكد مؤسسة الاستشارات الدولية ” برايس- ووتر هاوس – كوبرز أن ثلثي المياه المستهلكة فيالكيانالصهيوني تأتي من الأراضي المحتلة وقرابة النصف من المنشأة المائية الصهيونية تقع في مناطق لم تكن ضمن حدود الكيان قبل 1967. وإذا كان الصراع على البترول هو وراء المعادلات السياسية والحروب في المنطقة منذ عقود، فإن الصراع على المياه في العالم وفي الشرق الأوسط خاصة يتجه لأن يكون أشد حدة وأكثر خطورة فهو صراع حيوي ووجودي من أجل البقاء.
5– قام الكيان الصهيوني في أراضي فلسطين المحتلة باغتصاب جميع الحقوق بلا استثناء فقد سلب الأرض وشرد الشعب وقتل الأطفال والنساء والشيوخ وهجر الملايين ويسعى إلى ضرب الشعب الفلسطيني في مقتل من خلال سلب مياهه، المصدر الضروري والمهم لاستمرار الحياة في فلسطين، فالفلسطينيون اليوم يعانون من الشح المائي، ويتعرضون للموت عطشاً كل يوم. أيها الفلسطيني إذا لم تمت بالرصاص وإذا لم تمت بالحصار وإذا لم تمت في السجون وإذا لم تمت جوعاً فحتماً ستموت عطشاً. فعن أية دولة للفلسطينيين يتحدثون؟ … دولة غير قابلة للحياة بدون موارد مائية.
6 – يطلب العدو الصهيوني من الفلسطينيين أن يقبلوا بما هو قائم بالنسبة للموارد المائية، والمنظمات الدولية من مجلس الأمن والأمم المتحدة وكل المنظمات الإنسانية تقر بالوضع المأساوي للشعب الفلسطيني ولا تحرك ساكناًضد ممارسات العدو بسرقة المياه العربية وإجباره على تطبيق القرارات والقوانين الدولية،(3) بل تتجه وترضخ للفلسفة الصهيونية بقبول الشعب الفلسطيني بما هو قائم، وتساعد الفلسطينيين بتصليح بعض الشبكات المائية وتكرير المياه المبتذلة وتحلية المياه وتعليم الشعب الفلسطيني كيف يعيش بقليل من الماء. وأكبر دليل على ذلك ما قالته اليزابيت ليكتيفون خبيرة المياه في “ايكو ” عام 2006 وهي الجهة التي تعنى بالشؤون الإنسانية والمساعدات في المفوضية الأوروبية “إن مشكلة نقص المياه تتفاقم في الأراضي الفلسطينية حيث تسيطر إسرائيل على معظم مصادر المياه تاركة القليل منه للفلسطينيين، حيث انخفضت حصة الفرد من المياه في قطاع غزة والضفة الغربية إلى أقل من 15 لتراً في اليوم للشرب ولكافة الاستعمالات، مقارنة بأكثر من 240 لتراً للفرد الإسرائيلي” لذلك عملت “ايكو” على مساعدة الفلسطينيين على استغلال أفضل لما هو متوفر لهم من المياه.
7- سرق العدو الصهيوني بقوة الاحتلال الموارد المائية في الضفة الغربية وقطاع غزة (4) ولم يبقَ منها سوى القليل المالح والملوث ولا يتعدى 10 – 14 % من الموارد المائية الفلسطينية. وسرق مياه الجولان السوري المحتل ووضع يده على منابع الأنهر والمياه الجوفية والسطحية فيه، حتى على مياه السيول التي تنساب نحو الأراضي السورية. ووضع يده على بحيرة طبريا ونهر الأردن والبحر الميت ويسرق مياه الأنهر اللبنانية في الجنوب، وعينه على نهر الليطاني في الداخل اللبناني، ويمنع لبنان عبر التهديد والوعيد باستغلال مياهه وإقامة أية منشآت على أنهر الحاصباني والوزاني والسدود على نهر الليطاني.
8 – تجدر الإشارة إلى أن الكثير من الدراسات تؤكد تنامي العجز في احتياطي المياه لدى الكيان الصهيوني ممَّا يجعل “أمنه” المائي بخطر، الأمر الذي قد يدفعه للقيام بمغامرات عدوانية معينة تحت أية حجة ضد لبنان والدخول إلى أراضيه كما يفعل الآن في حربه العدوانية على لبنان وعدم تقيده باتفاق “وقف إطلاق النار” ومن أهم أهدافه، محاولته وضع اليد على مياهه خاصة مياه نهر الليطاني. فلبنان دائماً في دائرة الخطر، لذا على لبنان حكومة وشعباً وجيشاً أن يضع، وقبل فوات الأوان، خطة دفاعية قادرة على حماية أرضه وموارده المائية. فالمقاومة الوطنية للشعب اللبناني التي انطلقت فور العدوان الصهيوني عام 1982 وحررت أرضه بدون أي قيد أو شرط ستستطيع حماية موارده المائية من أطماع العدو الصهيوني.
9– نزداد قناعة بأن الاستراتيجية المائية للعدو الصهيوني لم تنحصر في هذا المحور المائي (هضبة الجولان) لأنها ترتكز على مبدأ أساسي، في غاية الخطورة، على الأمن المائي العربي، حيث عمدت وتعمد إلى العديد من الأساليب الخبيثة، والتحالف مع تركيا وإثيوبيا والقيام بالاستثمارات والمشاركة في بناء السدود والمشاريع المائية، بهدف أن يكون أكبر نهرين في المنطقة (النيل والفرات) تحت سيطرة هذه الاستراتيجية.
لذا يجب متابعة ومراقبة هذا الأخطبوط المائي وكشف خططه ومحاربته والدفاع عن حقوقنا المائية والحفاظ عليها. لا بد من كشف حقيقة العلاقات المائية بين تركيا وسوريا والعراق (أنهر دجلة والفرات) وبين إثيوبيا ومصر والسودان (سد النهضة نهر النيل) وكشف مخططات الأخطبوط الصهيوني. ومتابعة الدراسة لمراقبة هذا الأخطبوط المائي.
10– وأخيراً يطرح السؤال المحوري والجوهري. هل مثل هذه الاستراتيجية المائية الصهيونية التي لها تفصيلاتها وتفاصيلها وتخطيطها المتقن وتنفيذها وأهدافها الواضحة تواجه على هذا النحو الذي تدار به الأمور في عالمنا العربي؟ بالصمت والترهل واللامبالاة والتنازل عن الحقوق الشرعية والسعي إلى مبادرات مثل ” الأرض مقابل السلام ” والتطبيع مع العدو”. فأية سيادة يا سادة على أرض بدون مياه وبدون بشر؟”
في هذا الوضع الخطير الذي يهدد الأمن المائي والقومي العربي لا بد من طرح استراتيجية مائية عربية واضحة تضع كافة الشعوب العربية والقوى الوطنية والتقدمية والقوى الحيَّة في العالم أمام مسؤولياتها للدفاع عن الموارد المائية العربية وتقف صفاً واحداً بوجه هذه العربدة الصهيونية التي تستبيح وتسرق بالقوة المياه العربية، والعمل على رفع الظلم عن الشعب الفلسطيني الذي يموت عطشاً، ومواجهة سرقة العدو لمياه الشعوب العربية التي تعتبر عملاً عدوانياً يشكل خطراً على وجود الشعوب العربية ولا يزول إلَّا بزوال الكيان المغتصب.
مراجع:
(1) – د. وليد عربيد -المياه: عامل استراتيجي في الصراع العربي – الإسرائيلي العدد 59 2007
(2) – ظافر بن خضراء كتاب إسرائيل وحرب المياه القادمة 2000
مسار الصراع الوطني والطبقي في المنطقة عسير وخطير، وأمام اليسار وقوى التحرر والديمقراطية امتحان فكري وسياسي وتنظيمي، ومراجعة للتخلص من الفئوية والرمادية والتشرذم، وبناء أواصر الثقة مع الفئات الكادحة، وإطلاق ورشة عمل لتوحيد الصفوف وتنظيمها