
دور اليمن في معركة التعدد القطبي والتحولات العالمية
تُعيد التحولات المتسارعة في النظام العالمي، خصوصاً في هذا العقد، إنتاج مفهوم القوة والتأثير خارج الإطار التقليدي القائم على مركزية الدول الصناعية الكبرى.
يشكل واقع الشباب المغربي اليوم مرآة حقيقية لانهيار المشروع النيوليبرالي الذي تبنته الدولة منذ عقود. ففي الوقت الذي تروج فيه الحكومة لـ “الاستقرار” و”التحول الاقتصادي”، يجد الملايين من الشباب أنفسهم في مواجهة بطالة مزمنة، وتدهور خدمات التعليم والصحة، وغياب أفق سياسي حقيقي يسمح بالمشاركة والتغيير. هؤلاء الشباب، الذين يمثلون أغلبية المجتمع، يعيشون في ظل نظام اقتصادي – اجتماعي يعيد إنتاج الهشاشة والفقر والتهميش بشكل ممنهج، ويُقصيهم من الفعل السياسي، ويقمع تحركاتهم الاحتجاجية كلما تجاوزت الخطوط الحمراء التي تحددها الدولة.
هذا الواقع الاقتصادي والاجتماعي المُتردي هو الذي يولّد الإحباط والاحتقان في أوساط الشباب، وهو ما يفسر اندلاع موجات الاحتجاجات والتحركات الاجتماعية التي شهدها المغرب في السنوات الأخيرة. ففي الحواضر الكبرى، يتصاعد الغضب بسبب غلاء المعيشة وارتفاع أسعار السكن، وسط عمليات هدم واسعة للمنازل الشعبية بحجة إعادة الهيكلة العمرانية. هذه العمليات، التي طالت مناطق عديدة من الدار البيضاء إلى طنجة، ليست مجرد إجراءات تنظيمية، بل هي أدوات تهجير ممنهج تُستخدم لتحرير المجال أمام لوبيات العقار والسياحة. فالأسر الشعبية تُطرد وتُترك بدون تعويض أو بدائل واضحة، ما يعكس عجز الدولة عن ضمان حقوق الفئات الأكثر هشاشة، ويزيد من تعميق الأزمة الاجتماعية. في الوقت نفسه، تتفاقم البطالة بين الشباب لتتجاوز 30% في بعض المناطق، مع ارتفاع نسبة العاملين في القطاع غير المُهيكل الذي يفتقر لأدنى ضمانات الحماية الاجتماعية والقانونية. هذا الواقع الاقتصادي الصعب يترافق مع انهيار متواصل في التعليم العمومي، الذي يعاني من نقص في البنية التحتية والجودة، وارتفاع معدلات الهدر المدرسي خصوصاً في البوادي والمناطق المهمشة. أما قطاع الصحة، فقد تم تفكيكه تدريجياً لصالح استثمارات الرأسمال الخاص، مما جعل الحصول على الخدمات الصحية الجيدة حكراً على فئات محدودة من المجتمع.
هذه المعاناة المتواصلة تدفع أعداداً متزايدة من الشباب إلى الهجرة غير النظامية، التي لم تعد حكراً على الفئات الفقيرة فقط، بل تشمل خريجي الجامعات وحتى مهنيين مثل الأطباء والمهندسين. تُظهر هذه الظاهرة فشل الدولة في تقديم بدائل وطنية قابلة للحياة، وتدل على أزمة ثقة عميقة بين الشباب والدولة، حيث يرى كثيرون أن المستقبل خارج الحدود هو الخيار الوحيد للهروب من واقع الاستغلال.
وسط هذه الأزمة البنيوية، برزت نضالات الشباب المغربي كاستجابة طبيعية لهذا الواقع المرير. فموجات الاحتجاجات الطلابية التي شهدتها الجامعات والمدارس العليا ليست فقط مطالب تعليمية، بل هي رفض للتمييز الطبقي الذي يعزز الفوارق الاجتماعية ويكرس عدم المساواة. رغم القمع الأمني المتكرر، تستمر هذه الاحتجاجات لتؤكد وجود إرادة شبابية قوية للنضال والمقاومة ضد السياسات النيوليبرالية التي تحاصر مستقبلهم. في المدن الكبرى، خرج الشباب للاحتجاج ضد ارتفاع تكاليف السكن وعمليات الهدم القسرية، معبرين بذلك عن وعي متزايد بالروابط بين الفقر والهيمنة العمرانية التي تستهدف إخراج الفئات الشعبية من قلب المدينة. هذه التحركات تكشف عن فهم عميق للدور الذي تلعبه القوى الحليفة للدولة في حماية مصالح النخب العقارية على حساب حقوق المواطنين البسطاء.
موجات الاحتجاجات الطلابية التي شهدتها الجامعات والمدارس العليا ليست فقط مطالب تعليمية، بل هي رفض للتمييز الطبقي الذي يعزز الفوارق الاجتماعية ويكرس عدم المساواة
أما في المناطق الريفية والهامشية، فقد شهد المغرب حركات احتجاجية مثل حراك الريف الذي رفع مطالب اجتماعية واقتصادية حقيقية، من تحسين البنية التحتية إلى توفير فرص العمل ومحاربة الفساد والمحسوبية. هذا الحراك، رغم القمع الشديد الذي تعرض له، يعكس رفضاً جذرياً للهيمنة المركزية والإقصاء المتواصل، ويُظهر تصاعد الوعي الطبقي والوطني لدى الشباب في هذه المناطق المهمشة.
أما نضالات الشباب العاملين في القطاع غير المهيكل تُظهر بدورها تصاعداً في الوعي بأهمية التنظيم والنضال من أجل حقوقهم الأساسية. هذه الفئات، التي تعاني من غياب الحماية القانونية والاجتماعية، تخوض صراعات يومية ضد الاستغلال، لكن ضعف البنية النقابية يجعل مقاومتها هشّة أمام الواقع الاقتصادي – الاجتماعي.
كل هذه التحركات الاجتماعية، التي قد تبدو متفرقة، في حقيقتها تشكل جبهات مختلفة لنفس الصراع الطبقي بين قوى رأس المال والسلطة من جهة، وشباب الطبقات الشعبية من جهة أخرى. كما أنها تعكس حالة الإحباط العميقة التي يعيشها الشباب، الذين يجدون أنفسهم محاصرين في نظام اقتصادي لا يرحم، ومنعهم من التعبير عن إرادتهم. هذا الوضع يؤكد أن الأزمة ليست ظرفية أو عرضية، بل هي تعبير عن عمق الأزمة الهيكلية في المجتمع المغربي، حيث تتقاطع مصالح رأس المال والسلطة لإعادة إنتاج نظام استغلالي يُبقي أغلبية الشباب في دائرة الفقر والتهميش، مع حرمانهم من أي أفق سياسي أو اجتماعي يضمن لهم حق المشاركة والتغيير.
في الختام، لا يمكن فصل واقع الشباب المغربي عن الأزمة البنيوية التي يعاني منها المجتمع بأسره، حيث تتلاقى عوامل الفقر والبطالة والتهميش السياسي والاجتماعي مع سياسات نيوليبرالية تخدم مصالح نخبة ضيقة تعيد إنتاج نظام الاستغلال والهيمنة. في ظل هذا الواقع، يصبح توحيد نضالات الشباب وتطويرها ضرورة استراتيجية حتمية، إذ يؤدي التشتت والفرقة إلى إضعاف القدرة على مواجهة القمع وإفشال مشاريع الهيمنة على حاضر ومستقبل هذه الفئة الحيوية. بناء أدوات دفاع ذاتية منظمة مثل نقابات قوية وجمعيات تنموية ومنابر ثقافية تعزز الوعي الطبقي والسياسي يشكل مفتاحاً لخلق مساحات فاعلة للنضال والمقاومة، مع تطوير روح التضامن والتنسيق بين مختلف الحركات الشبابية لتحويل الغضب والاحتجاجات العفوية إلى قوة اجتماعية مؤثرة تحقق مطالب الشباب المشروعة.
يشكل النضال الشبابي ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني أحد أبرز ملامح مقاومتهم للهيمنة الإمبريالية، حيث يعبر عن تمسك الشباب بالقضية الوطنية والقومية ورفضهم لأي شكل من أشكال الاحتلال أو التبعية
كما أن العمل الثقافي والسياسي المتواصل يمكّن الشباب من بناء رؤية واضحة لمستقبل مختلف يستند إلى العدالة الاجتماعية والمساواة وحرية التعبير والمشاركة الديمقراطية، ليصبحوا بذلك الفاعل الأساسي في إحداث تغيير جذري يضمن لكل فرد حقه في العيش الكريم والمشاركة الفعلية في صنع مصيره. وبالإضافة إلى ذلك، يشكل النضال الشبابي ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني أحد أبرز ملامح مقاومتهم للهيمنة الإمبريالية، حيث يعبر عن تمسك الشباب بالقضية الوطنية والقومية ورفضهم لأي شكل من أشكال الاحتلال أو التبعية. بهذا البعد الاستراتيجي، تؤكد نضالات الشباب الشمولية على أن التحرر الوطني والعدالة الاجتماعية وجهان لا ينفصلان في مسيرة التغيير الحقيقية.
باختصار، لا مجال للاستمرار في مسار التهميش والتفكك، بل يجب العمل الجماعي الموحد والقوي ليشكل الشباب قوة لا يمكن تجاهلها، ويعيدوا بناء أفق سياسي واجتماعي ينبض بالأمل والمقاومة، ويقلبوا الطاولة على منظومة الاستغلال التي طالما حاولت كسر إرادتهم وإخماد طموحاتهم.
تُعيد التحولات المتسارعة في النظام العالمي، خصوصاً في هذا العقد، إنتاج مفهوم القوة والتأثير خارج الإطار التقليدي القائم على مركزية الدول الصناعية الكبرى.
هذا المقال يناقش التجويع كأداة استعمارية مركبة تُستخدم ضد الفلسطينيين في غزة، لا لضبط الغذاء فحسب بل لإخضاع الوعي والسلوك. بالاعتماد على وثائق رسمية وشهادات
لا يمكن خوض معركة التحرر الاشتراكي في القرن الواحد والعشرين بأسلحة القرن الماضي
خلف لافتات العمال في الشمال، وأرشيف النقابات الكبرى، تظل هناك صفحات مطموسة من التاريخ، تنبض بحكايات المقاومة والنضال في الجنوب العالمي، خاصة في القارة الأفريقية.