
دعوا زياد يرقد بسلام …
ما إن صعدت روح زياد إلى بارئها وتم إعلان مغادرته للحياة الدنيا، حتى بدأت حملات التفتيش والتشويه في سجل الرّاحل بحثاً عن هفوات وسقطات وزلات
ترجمة: يوسف شوقي
أثار قرار الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الواردات البرازيلية أزمة غير مسبوقة في العلاقات الثنائية بين البلدين، مما يمثل نقطة تحول في النزاع بين واشنطن وبرازيليا. وعلى خلفية التوترات الجغرافية – الاقتصادية والتنافسات العالمية، ردت حكومة لولا بحزم، ساعية إلى تعزيز التحالفات الدولية للدفاع عن سيادة البرازيل واستقرارها الاقتصادي.
بشكل غير مقصود، تقريباً، منحت تهديدات الرئيس دونالد ترامب المتصاعدة ضد البرازيل حكومة لولا قضية موحدة تحشد حولها الائتلاف الواسع الذي يشكل التحالف السياسي الحاكم. وفي الوقت نفسه، وضع هذا الأمر اليمين المتطرف في البلاد في موقف صعب: فقد أُجبروا على الاختيار بين الوقوف إلى جانب القطب الأميركي ضد بلدهم أو دعم استراتيجية لولا في الدفاع عن الوطن والسيادة الوطنية.
ومن دون أن يحاول البيت الأبيض اخفاء هدفه، قامت واشنطن بخطوتها فور انتهاء قمة البريكس، فقد أصدر البيت الأبيض رسالة غير متوقعة يعلن فيها أنه ابتداءً من الأول من أغسطس الحالي سيتم فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على جميع الواردات البرازيلية.
وقد بررت الرسالة هذه الرسوم الباهظة بأنها رد على المحاكمة التي يواجهها بولسونارو – المتهم بالتآمر للقيام بانقلاب بعد خسارته في انتخابات عام 2022 – واصفة المحاكمة بأنها “خدعة سياسية”.
كتب الرئيس ترامب: “لقد عرفت الرئيس السابق جايير بولسونارو وتعاملت معه، وكنت أكنّ له احتراماً كبيراً، كما فعل معظم قادة العالم. إن الطريقة التي تعاملت بها البرازيل مع الرئيس السابق بولسونارو، وهو زعيم يحظى باحترام كبير في جميع أنحاء العالم خلال فترة ولايته، بما في ذلك الولايات المتحدة، هي وصمة عار دولية. لا ينبغي أن تحدث هذه المحاكمة. إنها حملة شعواء يجب أن تنتهي فوراً!”.
وانتقد أيضاً العقوبات التي فرضتها المحكمة العليا البرازيلية على وسائل التواصل الاجتماعي لنشرها معلومات مضللة، واصفاً إياها بـ “هيمنة الرقابة السرية وغير القانونية”.
مواجهة البرازيل للرسوم الجمركية الأميركية
وعلى الصعيد الاقتصادي، قال الرئيس ترامب أن البرازيل تحتفظ “بعجز تجاري” مع الولايات المتحدة وأن العديد من المنتجات البرازيلية تنافس “بشكل غير عادل” مع السلع الأميركية. من النادر أن نرى حرباً تجارية تتدخل بشكل علني في الشؤون الداخلية لبلد آخر.
ردت الحكومة البرازيلية على الفور، ووصفت بيانات واشنطن بأنها خاطئة تماماً. فوفقاً للأرقام الرسمية، في عام 2024 وحده، حققت التجارة الثنائية فائضاً قدره 7.4 مليار دولار للولايات المتحدة، ضمن حجم تجارة إجمالي يبلغ حوالي 92 مليار دولار.
وأكد لولا: “نحن لا نقبل فكرة أن يرسل الرئيس [الأميركي] رسالة بريد إلكتروني يقول فيها إنه إذا لم يتم إطلاق سراح بولسونارو، فإنه سيفرض الرسوم الجمركية بنسبة 50%”. “نحن لا نقبل تدخل أي بلد خارج البرازيل في شؤوننا الداخلية. هذه هي المرة الأولى في تاريخ هذا البلد التي نعتقل فيها ثلاثة جنرالات بأربع رُتب. ولم يتم اعتقالهم بدون سبب – لقد تم اعتقالهم لمحاولتهم القيام بانقلاب. وسوف تتم محاكمتهم – ليس لأن لولا يريد ذلك، ولكن استناداً إلى السجلات القضائية”.
ومنذ ذلك الحين، ضاعفت الحكومة البرازيلية من موقفها في مواجهة إدارة ترامب مع إبداء استعدادها للتفاوض. ومنذ تلك اللحظة، بدأت شعبية الحكومة في التحسن بعد أشهر من الركود أو التراجع.
ومع ذلك، أثار احتمال فرض رسوم جمركية أميركية شاملة على المنتجات البرازيلية قلقاً كبيراً في البرازيل. فالولايات المتحدة لا تزال ثاني أكبر شريك تجاري للبرازيل، حيث تستورد ما يقرب من 12% من صادراتها.
ولن تضر مثل هذه الرسوم الجمركية بالمصدّرين البرازيليين فحسب، بل ستضر أيضاً بالمستهلكين الأميركيين من خلال رفع أسعار المنتجات اليومية.
البرازيل هي واحدة من أكبر موردي البن في العالم – حيث تمثل حوالي ثلث الواردات الأميركية – وتهيمن على سوق عصير البرتقال، حيث توفر ما بين 65% إلى 70% من الواردات. كما توفر حوالي 12% من سكر القصب الأميركي و9% من واردات لحوم البقر.
هذه هي المواد الغذائية الأساسية، وبالتالي فإن الزيادات في الأسعار ستؤثر في المقام الأول على المستهلكين من الطبقة العاملة، الذين هم الأقل قدرة على استيعاب التكاليف المرتفعة.
كما توفر البرازيل أيضاً حوالي 37% من اللُب المستخدم في صناعة الورق والتغليف، وحوالي 20% من الحديد الخام والحديد والصلب الحيوي لصناعات مثل السيارات والبناء. هذا من شأنه أن يخلق أزمة متكاملة – ارتفاع تكاليف المدخلات الرئيسية ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى ضغوط تضخمية قوية.
البرازيل ليست مجرد مُصدّر للمواد الخام؛ فهي تلعب دوراً متزايد الأهمية في قطاعي التكنولوجيا والدفاع، لا سيما من خلال شركة إمبراير – إحدى أكبر خمس شركات في العالم لتوريد الطائرات ومكوناتها. ومن شأن فرض الرسوم الجمركية بنسبة 50% أن يعرّض العقود الحالية للخطر، ويفرض إعادة تفاوض مكلفة، ويعطل شبكة موردين كاملة، مما يخلق تأثيراً متسلسلاً يتجاوز مجرد أسعار المنتجات النهائية.
ومع ذلك، وبعد مرور ستة أشهر من ولاية ترامب الرئاسية الثانية، لا يزال هناك ما يبرر توخي الحذر. فمنذ توليه منصبه في 20 يناير، شنّ ترامب هجوماً جمركياً عالمياً.
وفي يوم التنصيب، أعلن عن فرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا – على الرغم من أن كلا البلدين جزء من اتفاقية التجارة الحرة.
وعلى الرغم من أن العديد من التهديدات لم تتحقق بالكامل، إلا أن ترامب استخدم الرسوم الجمركية كاستراتيجية مزدوجة: كوسيلة ضغط للتفاوض بشأن القضايا الاقتصادية والسياسية على حد سواء. وتعتبر حالة المكسيك مثالاً على ذلك: فعلى الرغم من تراجع الولايات المتحدة عن النزاع مع شينباوم رئيسة المكسيك، إلا أنها حصلت على بعض “التنازلات”، مثل نشر أكثر من 10.000 فرد أمني على حدودها الجنوبية.
والأمثلة كثيرة. بشكل عام، ترتبط التنازلات التي تنتزعها إدارة ترامب بشكل عكسي مع مدى حزم الدول في الدفاع عن سيادتها. فحكومة بنما، بقيادة خوسيه راؤول مولينو، على سبيل المثال، استسلمت دون احتجاج على نشر القوات الأميركية، ولم تصدر حتى شكوى رسمية.
ولكن الأمر لا يتعلق فقط بتكتيكات الضغط. فعلى المدى القصير، تُستخدم الرسوم الجمركية كأداة لفرض الهيمنة؛ أما على المدى الطويل، فتهدف الترامبية – وفقاً لخطابها – إلى “التحرر” الاقتصادي. وهذا يعني ان تعود الولايات المتحدة إلى التصنيع، واستعادة القدرة الإنتاجية، وإعادة التصنيع إلى الداخل المحلي. يسعى شعار “لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى” في نهاية المطاف إلى حماية شركات التكنولوجيا الكبرى من المنافسة الصينية من خلال ضمان الوصول التفضيلي إلى الموارد الرئيسية – وخاصة الطاقة. وهذا رهان محفوف بالمخاطر لم تظهر نتائجه بعد.
فحتى الصناعات المحلية التي تأمل في الاستحواذ على السوق الداخلية من خلال إحلال الواردات تعترف بأن رفع الرسوم الجمركية من جانب واحد يمكن أن يكسر التحالفات التجارية ويوقف الاستثمارات ويضعف قاعدة الإنتاج المحلي في نهاية المطاف.
أن تتخذ بلداً كرهينة
استندت العلاقات بين الترامبية والبولسوناروية منذ البداية إلى تقارب أيديولوجي وسياسي وثيق. وقد أكسبت هذه العلاقة البولسوناروية لقب “الترامبية الاستوائية” في وسائل الإعلام الدولية. قد يبدو هذا التقارب متناقضاً. لكن وراء الخطاب القومي للحركات اليمينية المتطرفة في أميركا اللاتينية يكمن خضوع عميق لنفوذ واشنطن.
سافر بولسونارو مراراً وتكراراً إلى واشنطن للقاء الرئيس ترامب. وجاء أول لقاء بينهما بعد فترة وجيزة من تولي بولسونارو منصبه في مارس 2019، عندما ناقش “القومي البرازيلي” موضوع “كيف نجعل بلداننا عظيمة مرة أخرى”. وتشاركا مواضيع القومية المحافظة ومعارضة العولمة والدفاع عن القيم التقليدية.
والتقى الرئيسان مرة أخرى في مارس 2020 في مار-أ-لاغو، حيث وضعا خطة مشتركة للتعاون في مجالات الأمن والسياحة والدفاع. في ذلك الوقت، كان بولسونارو أحد قادة أميركا اللاتينية القلائل الذين يدعمون علانية سياسات ترامب الأكثر إثارة للجدل.
وحتى بعد خسارة ترامب في انتخابات عام 2020 أمام جو بايدن، انحاز بولسونارو إلى نظريات التزوير المتداولة في دائرة ترامب. وكأي مؤيد حقيقي لـ MAGA، فقد تأخر في الاعتراف بفوز بايدن حتى أصبحت ضغوط دوائر السلطة في البرازيل لا تطاق.
كان الإعجاب عميقاً لدرجة أنه عندما خسر بولسونارو في عام 2022، قام بتنظيم نسخته الخاصة من هجوم الكابيتول. في 8 يناير، شجع أنصاره على الاستيلاء على ساحة القوى الثلاث في برازيليا ودبر محاولة انقلاب بدعم من الجيش.
باءت المحاولة بالفشل. وفي سابقة تاريخية هي الأولى من نوعها بالنسبة للبرازيل، لا تتم الآن محاكمة الجناة الفعليين فحسب، بل أيضاً محاكمة العقول المدبرة. وفي ظل هذه الخلفية، قام نجل بولسونارو، النائب إدواردو بولسونارو، ومساعده المقرب باولو فيغيريدو بجولة في واشنطن للحصول على الدعم السياسي والاقتصادي للدفاع عن زعيمهم. وفي تطور غريب، وبمجرد ظهور الرسالة، حاولت جماعة بولسونارو أن تنسب الفضل لنفسها في تهديدات ترامب.
تجدر الإشارة إلى أن بولسونارو نفسه قال في وقت مبكر من جائحة كوفيد-19 إنه يجب عدم الإضرار بالاقتصاد، وأن البرازيل يجب أن تستمر في الإنتاج، وأن “كل برازيلي يجب أن يكون مستعداً للموت دفاعاً عن البلاد”. هذا “الوطني” نفسه يحتجز الآن الأمة بأكملها كرهينة حتى يتمكن هو وعدد قليل من السياسيين من تجنب السجن.
وفي هذه الأثناء، قام ستيف بانون – مستشار ترامب السابق – بدور الوسيط، حيث صرح بوضوح أن إسقاط التهم الموجهة ضد بولسونارو سيؤدي إلى تخفيف العقوبات وتقديم امتيازات اقتصادية.
ومع ذلك، من الصعب تصديق أن دوافع ترامب تتعلق حقاً بحماية بولسونارو. والأرجح أنه يرى في فصيل بولسونارو “طابوراً خامساً” مفيداً، حيث تكون قضية بولسونارو بمثابة طُعم.
ينشأ هذا النقاش في الوقت الذي تسعى فيه حكومة لولا إلى زيادة الضرائب على القطاعات الأكثر ثراءً. إن رسالة الحكومة واضحة وقوية: يريد لولا فرض ضرائب على الأغنياء؛ بينما يريد بولسونارو فرض ضرائب على البلد بأكمله.
نزاع أوسع
لفهم النطاق الكامل لهذا الهجوم، يجب أن يُنظر إليه في السياق الأوسع للنظام متعدد الأقطاب الذي يعاني من الضعف وصعود المنافسات الجغرافية الاقتصادية المفتوحة. إن فرض الرسوم الجمركية على البرازيل هو مجرد مناوشة في صراع عالمي أكبر.
وتؤدي البرازيل دوراً رئيسياً داخل مجموعة بريكس، وخاصة بالنسبة لأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وهي المنطقة التي يبدو أنها الهدف الرئيسي للترامبية. فالقضية المركزية بالنسبة لواشنطن هي المنافسة مع الصين، التي أصبحت الآن المستفيد الأول من التجارة العالمية. فالصين هي أكبر شريك تجاري لأكثر من 120 دولة وتتوسع بسرعة في مجال الخدمات. وتتحدى جهود الصين لاستخدام أنظمة الدفع البديلة بشكل مباشر هيمنة الدولار الأميركي. ووفقاً للرئيس ترامب نفسه، فإن “الحرب الحقيقية” تدور رحاها للحفاظ على هيمنة الدولار.
ومن وجهة نظر حكومة لولا، فإن هذه الأزمة تمثل فرصة لإعادة تنشيط القومية الاقتصادية واضحة المعالم. وعلى الرغم من أن الضربة الجمركية قد تؤدي إلى إبطاء النمو – حيث تشير التقديرات إلى أنها ستخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3 نقطة مئوية في عام 2025 وربما تُكلف 110 آلاف وظيفة صناعية – إلا أنها تسمح للبرازيل ببناء سردية دفاعية عن السيادة يمكن أن تعزز الدعم الداخلي وتقوي التحالفات مع دول الجنوب الأخرى.
ومع ذلك، لا يمكن أن تظل هذه الاستجابة خطابية. هناك حاجة إلى خطة عمل قوية ومنظمة، بما في ذلك خطوط ائتمان خاصة للقطاعات الأكثر تضرراً، وبرامج توظيف طارئة، وقبل كل شيء، سياسة خارجية نشطة تركز على تنشيط ميركوسور وبريكس وإبرام اتفاقيات ثنائية استراتيجية مع أوروبا وأفريقيا وآسيا. عندها فقط يمكن للبرازيل تنويع أسواقها، وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، وبناء شبكات تجارية أكثر مرونة ومقاومة للقرارات الأحادية.
محلل وكاتب أرجنتيني متخصص في علم الاجتماع والشؤون الدولية. يعمل مراسلاً في صحيفة Brazil de Fato في هافانا.
ما إن صعدت روح زياد إلى بارئها وتم إعلان مغادرته للحياة الدنيا، حتى بدأت حملات التفتيش والتشويه في سجل الرّاحل بحثاً عن هفوات وسقطات وزلات
إصلاح التعليم في الكويت، ليس مجرد عملية تطوير تقني أو إداري، بل هو معركة تهدف إلى تحرير المجتمع من قيود التبعية
تحولت الرقابة الرقمية إلى أداة مركزية لرصد التوجهات الفكرية والسياسية للمستخدمين والمستخدمات، مما يمكن الشركات والحكومات من متابعتهم واستهدافهم عبر حملات تضليلية منظمة، أو فرض عقوبات رقمية تحدد وتقلص تأثيرهم في الرأي العام
تسمية أصحاب الفكر القومي وحدهم بالقوميين وسحب هذه التسمية عن الماركسيين أمر غير صحيح وغير دقيق؛ فالماركسيون قوميون كذلك، إنهم ليسوا قوميين فكراً، ولكنهم قوميون نضالاً وهدفاً.