عندما تسقط المبادئ والأخلاق في فخ السردية الصهيونية
فلسطين وقضايا التحرر الوطني تعري أصحاب المواقف المتناقضة والمبادئ الهشة، وطريق التحرير يكتب بدماء الشهداء والمقاومة بكافة أشكالها.
رغم المجازر الوحشية، التي اقترفها العدو الصهيوني، والدمار الشامل والتضحيات الجسام والمعاناة الرهيبة، التي تعرّض لها أهلنا الصامدون في غزة طوال سنة كاملة منذ “طوفان الأقصى”، إلَّا أنه رغم ذلك كله يبقى الطوفان عملاً بطولياً استراتيجياً نوعياً هزّ أركان الكيان الصهيوني ووجّه ضربة أليمة للمنظومة العسكرية والأمنية الصهيونية.
والأهم، أنّ الطوفان قد أعاد الاعتبار إلى المقاومة بوصفها الخيار الأساسي الأول أمام شعبنا العربي الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، وأبرز مآثر الصمود الشعبي الفلسطيني الأسطوري في وجه آلة القتل والدمار الوحشية الصهيونية، وقطع الطريق على محاولات التآمر الصهيوني- الإمبريالي المحمومة لتصفية القضية الفلسطينية، وطوى صفحة العار المتمثلة في اتفاقات أوسلو الخيانية.
وفي الوقت ذاته فقد كشف الطوفان أنّ الإمبريالية الغربية، وبالأساس الإمبريالية الأميركية ليست مجرد داعم مساند للكيان الصهيوني الغاصب، وإنما هي شريك كامل له في عدوانه وجرائمه، مثلما فضح تخاذل ما يسمى المجتمع الدولي وتواطؤه، وعرى عجز بعض الأنظمة الرسمية العربية، وأبرز تآمر أنظمة التطبيع وضلوعها في إسناد العدو. وفي المقابل فقد أبرز الطوفان بداية تحرر شعوب الغرب من سطوة الدعاية الصهيونية الخادعة، حيث بدأ يتشكّل رأي عام شعبي مناصر للقضية الفلسطينية في أوروبا وأميركا.
وأما في بلداننا العربية، فإنّ معظم شعوب الأمة العربية الخاضعة لقيود الاستبداد السلطوي أو المكوية بنيران الحروب الأهلية والصراعات الداخلية المدمرة، لم تتمكن، بكل أسف، من أداء واجبها في التضامن مع الشعب العربي الفلسطيني والمقاومة والمشاركة في مواجهة العدو الصهيوني، ما يؤكد حقيقة ارتباط الصراع مع العدو الداخلي والعدو الخارجي، وأن النضال من أجل الحرية والخلاص من الاستبداد وإطفاء نيران الحروب الأهلية هما المدخل نحو المشاركة في معركة الكفاح ضد الهيمنة الإمبريالية والتصدى للعدوان الصهيوني.
ويبقى الدور المشهود هو دور قوى الإسناد العربية خصوصاً في لبنان واليمن، والدور المساند لإيران في التصدي للعدوان الصهيوني الإمبريالي، ما يؤكد حقيقة أنّ الصراع مع العدو الصهيوني وشركائه ليس مجرد قضية وطنية فلسطينية، وإنما هو صراع تحرري وطني ذو أبعاد قومية وأممية.
واليوم، وفي هذا الظرف العصيب، الذي أصبح فيه لبنان وشعبه ومقاومته في قلب المواجهة وليس مجرد طرف مساند، حيث يتعرض إلى عدوان صهيوني – أميركي غاشم، فإننا نستذكر ذلك التاريخ الطويل من مسلسل الاعتداءات والمجازر الصهيونية، التي استهدفت لبنان ونسترجع معها بفخر السجل المشرف للمقاومة اللبنانية، وأبرزها الاحتلال الصهيوني لبيروت في العام 1982، وتحرير الجنوب في العام 2000، وحرب العام 2006، ما يؤكد الحقيقة الثابتة بوحدة المصير بين الشعبين الفلسطيني واللبناني… وضرورة مواصلة المقاومة حتى التحرير.
وفي هذا السياق فإنّ المهمة الأولى، التي تبرز أمام شعوب أمتنا العربية وقواها التحررية، يفترض أن تتمثل في التحرك الجاد للفكاك من قيود الاستبداد والتهميش، وتجاوز التناقضات الجانبية، وصولاً إلى المشاركة الفاعلة في معركة الأمة ومواجهة العدو ودعم الصمود الشعبي الفلسطيني واللبناني وإسناد قوى المقاومة، ورفض التطبيع مع الكيان الصهيوني.
فلسطين وقضايا التحرر الوطني تعري أصحاب المواقف المتناقضة والمبادئ الهشة، وطريق التحرير يكتب بدماء الشهداء والمقاومة بكافة أشكالها.
لابد من محاسبة المسؤولين عن هذه المهزلة ووضع حد لها، وبالتأكيد فإن الحلول الإدارية متوفرة وهناك طاقات بشرية متخصصة مهم الاستعانة بها والاستفادة منها لخدمة البلد.
مضت ثلاثة أشهر ونصف الشهر على تشكيل الحكومة الحالية بعد تعطيل الحياة النيابية وتعليق عدد من مواد الدستور، وخلال هذه المدة وعلى الرغم من الوعود المتكررة لم تعلن هذه الحكومة برنامج عملها، فيما تجاهلت تماماً إصدار قرارات مستحقة بشأن تحسين مستوى المعيشة بما يخفف من وطأة التضخم والغلاء.
وقد تكون أفضل وسيلة للإجابة عن مثل هذا السؤال المستحق هي تتبّع مسار الأمور في البلاد منذ التحرير وما آلت إليه وصولاً إلى واقعنا الراهن.