يوم المرأة العالمي بين الاحتفاء بالإنجازات ومواجهة التحديات

يعود أصل يوم المرأة العالمي إلى الحركات العمالية والنسوية في أوائل القرن العشرين ففي عام 1908 خرجت آلاف النساء في نيويورك للمطالبة بحقوقهن، بما في ذلك حق التصويت وتحسين ظروف العمل. وفي عام 1910 اقترحت الناشطة الاشتراكية كلارا زيتكين يوماً عالمياً للمرأة خلال المؤتمر الدولي للنساء العاملات في كوبنهاغن، ومنذ ذلك الحين، أصبح الثامن من مارس يومًا لتوحيد الجهود العالمية من أجل حقوق المرأة.

هذه المناسبة العالمية يحتفى بها لتكريم نضالات المرأة وإنجازاتها التي حققتها في مختلف المجالات وللتذكير أيضاً بالتحديات التي لا تزال تواجهها في سعيها نحو المساواة والعدالة. تُعد قضية المرأة العاملة من القضايا المركزية في النضال الطبقي والاجتماعي في العالم اليوم. فبالرغم من التقدم النسبي الذي أحرزته المرأة في مجالات التعليم والعمل والمشاركة السياسية، إلَّا أنها لا تزال تواجه تحديات جسيمة تعكس استمرار هيمنة النظام الرأسمالي والذكوري. هذه التحديات تتفاقم بشكل خاص في الجنوب العالمي، حيث تتعرض المرأة لاستغلال مضاعف بسبب الفقر والتبعية الاقتصادية والهياكل الاجتماعية التقليدية. ففي العديد من دول الجنوب العالمي، تفتقر المرأة العاملة إلى الحماية الاجتماعية الأساسية مثل التأمين الصحي، الإجازات المرضية، ورعاية الأطفال. هذا الغياب يجبر المرأة على الاختيار بين العمل ورعاية الأسرة، ممَّا يحد من فرصها في التقدم الوظيفي ويفاقم تبعيتها الاقتصادية.

ويُعد العمل المنزلي والعمل غير المأجور من أبرز أشكال الاستغلال في النظام الرأسمالي حيث يتم تحميل المرأة العاملة عبئاً مضاعفاً فهي تعمل في سوق العمل بأجر منخفض، وفي نفس الوقت تتحمل الجزء الأكبر من عبء العمل المنزلي غير المأجور. بالطبع إن هذا العمل الذي يشمل رعاية الأطفال والطبخ والتنظيف، يُعتبر “مسؤولية طبيعية” للمرأة، ممَّا يعزز من تقسيم العمل الجنسي غير العادل ويتفاقم ذلك في الجنوب العالمي حيث تكون البنى التحتية العامة مثل الرعاية الصحية والتعليم ودور الحضانة محدودة ممَّا يساهم في تزايد أعباء المرأة العاملة هنا بشكل كبير.

وكذلك الفجوة في الأجور ونسب المشاركة في سوق العمل حيث تواجه المرأة العاملة تمييزاً واضحاً في سوق العمل فهي تتقاضى أجوراً أقل مقارنة بالرجل، حتى عندما تؤدي نفس العمل في دول وقطاعات حكومية وخاصة كثيرة. ويأتي الفقر كعامل رئيسي استغلته العولمة الرأسمالية حيث فاقمت من معاناة المرأة العاملة في الجنوب العالمي. فمع تحول الاقتصادات المحلية إلى اقتصاديات تابعة للسوق العالمية، تم إجبار النساء على العمل في مصانع الاستغلال (مصانع الملابس، الإلكترونيات، إلخ) بأجور زهيدة وظروف عمل قاسية مع غياب الحماية الاجتماعية مثل التأمين الصحي والإجازات مدفوعة الأجر. هذه المصانع، التي تديرها الشركات متعددة الجنسيات، تستغل الفقر والبطالة لتوظيف النساء كقوة عمل رخيصة، هذا التمييز يعكس استغلال النظام الرأسمالي لقوة العمل النسائية كوسيلة لخفض تكاليف الإنتاج وزيادة الأرباح ممَّا يعمق الفجوة الاقتصادية والاجتماعية ويضمن التبعية الاقتصادية للدول الرأسمالية.

وحدث ولا حرج عن جرائم العنف الجنسي والتحرش والابتزاز في أماكن العمل التي تواجهها المرأة العاملة، خاصة في البيئات التي تفتقر إلى قوانين صارمة لحماية المرأة. حيث تكون الدولة والمؤسسات القانونية ضعيفة أو فاسدة أو متواطئة بسبب العقلية الذكورية التي تدير هذه المؤسسات، فتتعرض المرأة العاملة لانتهاكات جسيمة دون وجود آليات فعالة لمساءلة الجناة، ولا يُعد هذا العنف فقط انتهاكاً لحقوق المرأة بل هو أيضاً أداة لقمعها وإخضاعها في سوق العمل.

وخارج سوق العمل لا زالت المرأة تعاني من مشكلات العنف الجسدي، الجنسي، والاقتصادي، والنفسي الذي لا يزال يشكل تهديداً كبيراً لحياة المرأة في جميع أنحاء العالم. وفي بعض المناطق، تكون المرأة عرضة للعنف المنزلي والتحرش الجنسي، والجرائم باسم “الشرف” ناهيك عن الفظائع والجرائم والانتهاكات الجسمية التي تحدث للنساء في مناطق الحروب، بما في ذلك العنف الجنسي، النزوح القسري، والفقر، والاستغلال الجنسي والتزويج القسري. وما الفظائع التي تعرضت لها الفلسطينيات والسودانيات والسوريات خلال الأعوام الماضية إلَّا مثالاً جلياً على أشكال العنف الذي تواجهه النساء تحت وطأة الحروب وكيف يصمت العالم الرأسمالي عن هذه الانتهاكات طالما تصب في مصلحته نهاية الأمر !

فكل المشكلات المذكورة أعلاه يحاول الخطاب النسوي الليبرالي تصويرها كمشكلات تتعلق بطبيعة الأنظمة الاجتماعية والسياق الاجتماعي والسياسي لهذه البلدان فقط وليست نتاج سياق للاستغلال الرأسمالي المباشر وغير المباشر لهذه المجتمعات وإفقارها وجعلها في حالة تبعية اقتصادية وسياسية له. تحرر المرأة الحقيقي يتجاوز ضيق مسألة الحريات الشخصية إلى مسائل أكثر جذرية كالنضال ضد كل أشكال الاستغلال وعلى رأسها الاستغلال الطبقي والهياكل الذكورية التي تعززه. هذه التحديات تتطلب النضال المشترك من أجل إقامة نظام اجتماعي عادل تكون فيه المرأة حرة، آمنة، ومتساوية في الحقوق والفرص ويجعل قضية تحرر المرأة جزءاً لا يتجزأ من النضال لأجل التحرر الوطني والاجتماعي.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

حماية المرأة من العنف في اليوم العالمي للمرأة

يحتفل العالم بالمرأة في الثامن من مارس كل عام، للتأكيد على التقدير والاحترام للدور الذي تقوم به النساء، في سبيل تقدم وبناء ونهضة وتطور العالم في جميع المجالات سياسياً واقتصادياً واجتماعياَ، بعدما خرجت المرأة للعمل ووصلت لمناصب صنع القرار.

حقوق المرأة البحرينية

ما زالت الجهود متواصلة من قبل المنظمات النسائية لإلغاء القوانين التمييزية واتخاذ تدابير تشريعية مؤقتة من شأنها توسيع مشاركة المرأة في الحياة السياسية وفي صنع القرار وتقرير مشاركتها في جميع المجالات.