الصراع مستمر… واتفاقات الهدن وقتية… والتحديات خطرة

اتفاقات الهدن الهشّة مع الكيان الصهيوني في غزة ولبنان مهما كانت ترتيباتها وأيًّا كان وسطاؤها وضامنوها تبقى في نهاية الأمر مجرد وقفات وقتية فرضتها ضغوط وظروف واعتبارات وتقديرات، ولكنها لا يمكن أن تنهي الصراع الوجودي الممتد مع الكيان الصهيوني وحماته الإمبرياليين.

فما دام هناك كيان صهيوني عدواني عنصري استيطاني غاصب ومحتل مزروع على أرضنا العربية، وما دام هذا الكيان يمثّل قاعدة أمامية للإمبريالية الغربية في منطقتنا تفرض من خلاله هيمنتها وتحمي به مصالحها وتنفّذ عبره مخططاتها، فإنّ الصراع الدائر معه ومع حماته لن ينتهي، وإن هدأ حيناً أو توقّف أحياناً.

ولتأكيد ذلك أمامنا المسلسل التاريخي الممتد من الوقائع والاعتداءات والحروب والصراعات بدءاً من العدوان الثلاثي على مصر في ١٩٥٦ مروراً بعدوان ١٩٦٧ ثم تشكّل فصائل المقاومة الفلسطينية في الأردن ولبنان بعد نكسة يونيو/ حزيران من ذلك العام، ثم حرب ١٩٧٣ واحتلال لبنان وصولاً إلى احتلال العاصمة بيروت في ١٩٨٢ وتشكّل المقاومتين الوطنية ثم الإسلامية في لبنان، وسقوط اتفاق مايو/ أيار ١٩٨٣، ثم الانتفاضة الفلسطينية في العام ١٩٨٧، والانسحاب الصهيوني من جنوبي لبنان وتحريره في العام ٢٠٠٠، واندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في العام ذاته، ثم حرب ٢٠٠٦ على الجبهة اللبنانية، وما شهدته غزة من اعتداءات صهيونية في ٢٠٠٨ و٢٠١٢ و٢٠١٤ امتداداً إلى معركة “سيف القدس” في ٢٠٢١ وارتقاءً إلى ملحمة “طوفان الأقصى” في ٢٠٢٣ وما تلاه من حرب الإبادة الصهيونية الوحشية المدعومة من الغرب الإمبريالي والردّ البطولي لجبهات الإسناد اللبنانية واليمنية والعراقية، بالارتباط مع الاعتداءات الصهيونية المتكررة على إيران وردود “الوعد الصادق” الإيرانية عليها، ثم عدوان سبتمبر/ أيلول ٢٠٢٤ على لبنان، والتمدد الصهيوني في سورية بعد تغيير النظام في جبل الشيخ والقنيطرة وريف درعا، والخروق الصهيونية لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان عبر المماطلة والتسويف ثم احتلال التلال الخمسة داخل الأراضي اللبنانية، المتزامنة مع الخروقات المتكررة لوقف إطلاق النار في غزة ومحاولات تعطيله والتلويح بالعودة إلى الحرب، وتصعيد العدوان الصهيوني على الضفة الغربية، وأخيراً وليس آخراً الكشف عن مؤامرة التهجير الصهيو-أميركية والتآمر على الأردن ومصر والسعودية… فهذه جميعها شواهد ملموسة على الطبيعة العدوانية التوسعية للكيان الصهيونية، وهي أدلة دامغة على مدى عمق الشراكة الاستراتيجية التي تربط الكيان الصهيوني بالإمبريالية الغربية، بالإضافة إلى تثبيتها الحقيقة الراسخة المتمثلة في كون الصراع مع العدو الصهيوني وحماته صراعاً وجودياً وليس صراعاً حدودياً، وعليه فإنّه من دون زوال أسباب هذا الصراع وفي مقدمتها زوال الكيان الغاصب لا يمكن لهذا الصراع الممتد أن يتوقف، مهما تبدّلت موازين القوى أو اختلت، وبغض النظر عن اتفاقات إطلاق النار والهدن الهشّة، حتى وإن بدت صامدة بعض الوقت.

أما اتفاقيات التطبيع المذلّة من شاكلة كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو وما يسمى بالاتفاقات الإبراهيمية فإنها فَقَدَت معناها ومبرراتها في ظل مؤامرة التهجير والوطن البديل والصلف الصهيو- أميركي الذي يحاول فرض تسيّد الكيان متحدياً حلفائه قبل أعدائه، وقد حان الوقت لأن يكون مصيرها المحتوم مماثلاً لمصير اتفاق ١٧ مايو/ أيار ١٩٨٣ بين الكيان الصهيوني ولبنان في عهد أمين الجميل.

إنّ المقاومة اليوم ليست خياراً من بين خيارات، وإنما هي الخيار الوحيد… وفي الوقت ذاته، وبعيداً عن أية أوهام، فإنّ الاستهداف الصهيوني لأمن وسيادة الأردن ومصر والسعودية واستمرار الاحتلال الصهيوني لأجزاء من الأراضي اللبنانية والتمدد الصهيوني على الأراضي السورية، وأسلوب التعامل الاستعلائي الصهيو- أميركي الفجّ مع هذه البلدان يفرض على حكوماتها – إنْ كانت تريد الحفاظ على ذواتها ووجودها ناهيك عن كرامتها- أن تعيد حساباتها وتستبدل تحالفاتها دولياً وإقليمياً وتستعيد إراداتها وتنفتح على شعوبها وتطلق طاقاتها المكبوتة وحرياتها المستحقة، بحيث تعتمد عليها في مواجهة البديل الوحيد، الذي يحاول الصهاينة وحماتهم الإمبرياليون فرضه على هذه البلدان… خيار الإمعان في إذلالها والتمادي في إخضاعها لسطوة  السيد الصهيوني المتغطرس والتبعية المطلقة للغرب الإمبريالي… ولا خيار ثالثاً أمامها.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

كان الله في عون أصحاب الدخول المتدنية

إنّ هذا التوجيه في حال تنفيذه يعني بالضرورة رفع أسعار السلع والخدمات العامة، التي تقدّمها الجهات الحكومية والشركات المملوكة لها، وهذا ما سيثقل كاهل المواطن والمقيم بأعباء معيشية مرهقة

جريمة صهيونية جديدة في جنين

تأتي الجريمة الصهيونية الجديدة اليوم بتفجير مربع سكني كامل في مخيم جنين بالضفة الغربية لتضاف إلى سجل جرائم الحرب، التي يقترفها الكيان الصهيوني الغاصب ضد

مشهدا العودة… وملامح أزمة الوجود الصهيوني

الدلالة الأهم مما حدث ويحدث تتمثّل في واقع ما شهده الكيان الصهيوني من تحجيم، بحيث أصبحت المشاريع التوسعية الأسطورية من شاكلة “إسرائيل الكبرى” وهماً فارغاً