تعليم أبناء الكويتيات.. الحق المهدور

-+=

جاء قرار مجلس الجامعات الحكومية بإقصاء أبناء الكويتيات من القبول الجامعي المباشر بشكل مفاجئ، قبل أيام قليلة فقط من فتح باب التسجيل، ومن دون أي تمهيد مسبق. ورغم تقديم تبرير رسمي يتعلق بضغط القبول، إلا أن هذا المبرر لا يبدو منطقيًا أو كافيًا لتبرير هذا النوع من الإقصاء. وبهذا الشكل، حُرم عدد كبير من الطلبة من حق أصيل في التعليم، لا لسبب سوى أن أمهاتهم كويتيات وآباءهم غير كويتيين، ودون أن يُمنحوا فرصة للتظلّم أو الاعتراض.

هذا القرار لا يمكن فهمه بمعزل عن السياق الأوسع للتضييق الذي طال الطلبة البدون سابقًا عبر حرمانهم من القبول في جامعة الكويت، وها هو اليوم يمتد ليشمل أبناء الكويتيات في تمييز جندري واضح. فهو لا يُجرّد الأبناء فقط من حقهم في التعليم، بل يطعن في أهلية الأم الكويتية كمواطنة. تُعامل المرأة في هذه الحالة كأنها لا تملك الشرعية الكافية لنقل حقوق المواطنة، كالقبول الجامعي، لأبنائها، بينما يُمنح هذا الحق تلقائيًا لأبناء الرجل الكويتي.

حين نتحدث عن التمييز الجندري في هذه الحالة، فنحن لا نتحدث عن تمييز ضد “المرأة كأنثى”، بل عن تمييز أعمق يستهدف مكانة المرأة الاجتماعية ودورها القانوني. فالنظام الاجتماعي – كما يُترجم داخل البُنى والمؤسسات – لا يعترف بالمرأة كأصل مستقل، بل يعاملها ككائن تابع لا يُنظر إليه كصاحبة حق مكتمل بذاته، بل يُربط وجوده القانوني والاجتماعي بدورٍ ما في حياة رجل، سواء كابنة أو زوجة أو أم. ومع ذلك، فإن هذه الأدوار نفسها لا تضمن لها سلطة حقيقية، بل تُستخدم لتقييدها أكثر، وتجريدها من القدرة على اتخاذ القرار أو نقل الحقوق. ولهذا، حين تُقصى الأم الكويتية من القدرة على تأمين حق أساسي لأبنائها، لا يعود السبب فقط إلى جنسها، بل إلى ما تمثّله اجتماعيًا ضمن هذا النظام: “نصف مواطنة”.

هذا التمييز يناقض الدستور الكويتي صراحةً، الذي يفترض المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن الجنس. كما يُخالف مبادئ العدالة والكرامة الإنسانية، ويقوّض أي خطاب رسمي حول “تمكين المرأة” أو دعم الأسرة.

تبرير القرار بضغوط القبول لا يُلغي طبيعته الإقصائية، بل إن توقيته المفاجئ، وغياب الشفافية، يكشفان عن عقلية لا ترى في أبناء الكويتيات طرفًا يستحق أن يُراعى في القرار أو يُؤخذ في الحسبان ضمن أولويات التنظيم. وبدلًا من معالجة الضغط بآليات تنظيمية واضحة، تم اللجوء إلى خيار الاستبعاد السريع، وكأن أبناء الكويتيات عبء زائد لا أولوية لهم. وهذا ما يجعل من القرار تمييزًا ممنهجاً، إذ تُكرَّس فئة أولى تُمنح حق التعليم تلقائيًا، وفئة ثانية تُوضع على هامش الاحتمالات.

إذا كانت المشكلة هي ضغط القبول، فالحل لا يكون بإقصاء فئة كاملة من الطلبة المستحقين، بل من الواجب أن تتجه الدولة نحو فتح شعب دراسية إضافية، وزيادة عدد أعضاء هيئة التدريس، واستقطاب كفاءات أكاديمية جديدة تسهم في استيعاب الأعداد المتزايدة. كما يمكن على المدى المتوسط بناء جامعات جديدة أو التوسع في البنية الحالية، بدل الاكتفاء بخيارات الاستبعاد. والأهم، أن تُجرى دراسات علمية واضحة لفهم أسباب الضغط، وتقديم حلول عادلة ومستدامة، لا قرارات مفاجئة تُحمّل الأم الكويتية وأبناءها كلفة فشل إداري.
أبناء الكويتيات لا يحتاجون شواغر، بل اعترافًا. لا يطلبون امتيازًا، بل حقًا. والعدالة تبدأ حين تُعامل الأم الكويتية كمواطنة كاملة، قادرة على ضمان مستقبل أبنائها، لا كتابعة يُشكّك في أهليتها كمواطنة.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

تسويات كبرى؟ أم هُدنٌ وقتية؟

رغم حرب الإبادة والقتل والتدمير والتجويع في غزة، إلا أنّ العدو الصهيوني، بفضل صمود الشعب العربي الفلسطيني في غزة وبسالة المقاومة، لما يحقق بعد انتصاره

بعد انقضاء سنة من عمر الحكومة… استياء شعبي متزايد

انقضت سنة كاملة على تشكيل الحكومة الحالية بعد تعطيل الحياة النيابية، وها هو الشهر الأول من السنة الثانية من عمر هذه الحكومة يشارف على الانتهاء، فيما لما يتم بعد الإعلان عن برنامج عملها المفترض، رغم تكرار الوعود وتحديد أكثر من موعد لإعلان هذا البرنامج

محاولة لفهم غطرسة التهديدات الأميركية

رغم الطبيعة العنجهية والخطاب المتعالي المتغطرس للولايات المتحدة الأميركية خصوصاً في ظل الإدارة الحالية للرئيس ترامب وزمرته، ورغم ما نشهده من عدوان أميركي سافر يستهدف