الغزو بين التاريخ ودروس الحاضر

-+=

جاء الغزو العراقي الغاشم للكويت في الثاني من أغسطس/ آب من العام ١٩٩٠ ليشكّل زلزالاً قوياً وذلك ليس في الكويت فحسب، وإنما على مستوى المنطقة العربية ككل، حيث جرى احتلال الوطن في غضون ساعات قليلة، وانهار الكيان السياسي للدولة، وجرت محاولة لشطب الكويت وإلحاقها بالعراق، وتمّ تشريد عشرات الآلاف من الكويتيين، الذين اضطروا إلى مغادرة وطنهم بعد أعمال النهب والسلب والأسر والتعذيب والقتل والفظائع التي قامت بها قوات الاحتلال العراقي… وفي المقابل نشطت أعمال المقاومة وارتقى مئات الشهداء دفاعاً عن حرية الوطن وسيادته واستقلاله، وشارك المواطنون الصامدون على أرض الكويت في أوسع حركة عصيان مدني مناهضة لسلطات الغزو والاحتلال ورافضة للتعامل معها، وعانى الكويتيون الأَمَرَين على أيدي جيش الاحتلال وأجهزة استخبارات النظام الديكتاتوري العدواني البائد، الذي برر جريمته بادعاءات قومية فارغة، وتمّ ربط الانسحاب من الكويت بالانسحاب الصهيوني من الأراضي الفلسطينية في مساومة مضللة.

لقد أدّت الجريمة النكراء، التي اقترفها نظام صدام الدكتاتوري بغزوه الكويت واحتلالها، إلى عواقب وخيمة وتسببت في نتائج مدمرة على البلدين والشعبين والمنطقة، ودفعت إلى إقامة وجود عسكري أميركي مباشر في الكويت وعدد من دول الخليج وكانت بداية تنفيذ مسلسل التآمر الإمبريالي لاحتلال العراق، الذي أنجز في العام ٢٠٠٣.

إنّ غزو الكويت لم يخدم أحداً سوى الأعداء الصهاينة والإمبرياليين، حيث ساهم في الإضرار الفادح بحياة الشعبين الكويتي والعراقي، كما أضرّ بالقضية الفلسطينية وبقضايا التحرر الوطني والقومي العربية أيما إضرار.

ولئن كانت قوات الاحتلال قد انسحبت من الكويت بعد حرب مدمرة، فإنّ العراق قد طاله ما طاله من دمار وخراب وحصار واحتلال تحت ذرائع شتى من بينها البحث عن أسلحة الدمار الشامل، حيث جرى تفكيك الدولة العراقية وحلّ الجيش العراقي، ناهيك عن تكريس نظام محاصصة طائفية وإثنية كان ولا يزال سبباً في تعطيل العراق.

ولعلنا عندما نعود إلى مسلسل التآمر الإمبريالي الصهيوني في المنطقة نجد أنّ ما طال العراق، قد طاول تحت ذرائع وظروف وملابسات مختلفة العديد من بلداننا العربية بدءاً من السودان بتقسيمه شمالاً وجنوباً وأخيراً بإشعال الحرب المدمرة فيه بدعم خارجي، مروراً بليبيا ثم سورية واليمن والسودان وإشعال الفتن المذهبية والدعوات التفتيتية والحروب الأهلية، واستهداف المقاومة وضربها في فلسطين ولبنان، كل ذلك، بهدف تعزيز سطوة الهيمنة الإمبريالية على المنطقة وتسيّد الكيان الصهيوني على دولنا العربية الضعيفة والمفككة، وهو المشروع الذي يكاد أن ينجح لولا وجود شيء من المقاومة.

أما في الكويت، فلعلّه من الطبيعي في الذكرى السنوية الخامسة والثلاثين للغزو أن نسأل أنفسنا بصراحة ووضوح عما إذا كنا قد استفدنا كدولة وكمجتمع وكمواطنين من دروس تلك الكارثة الوطنية الأليمة؟!

إنّ الحقيقة المرّة تقول بكل أسف أنّه لم تتم محاسبة أي مقصّر عن تقصيره؛ ولم يُنَحَّ أي متهاون عن موقعه، وبالتالي فإنّه عندما يغيب الحساب وتنعدم المساءلة لا يمكن الحديث عن الاستفادة من الدرس والاتعاظ من التجربة.

والمؤسف أيضاً ما جرى من تفويت متعمّد للفرصة التاريخية التي كانت سانحة لإعادة بناء الكويت على أسس جديدة.

والأخطر من ذلك هو ما تعرّضت له الوحدة الوطنية للشعب الكويتي من محاولات إضعاف وتفكيك، وهي التي كانت سلاحنا الأساسي في الصمود والمقاومة.

بعد هذا كله، ترى هل نستطيع القول إننا استفدنا من دروس كارثة الغزو والاحتلال واتعظنا من عِبَرِها؟!

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

تعليم أبناء الكويتيات.. الحق المهدور

جاء قرار مجلس الجامعات الحكومية بإقصاء أبناء الكويتيات من القبول الجامعي المباشر بشكل مفاجئ، قبل أيام قليلة فقط من فتح باب التسجيل، ومن دون أي تمهيد مسبق. ورغم تقديم تبرير رسمي يتعلق بضغط القبول، إلا أن هذا المبرر لا يبدو منطقيًا أو كافيًا لتبرير هذا النوع من الإقصاء

تسويات كبرى؟ أم هُدنٌ وقتية؟

رغم حرب الإبادة والقتل والتدمير والتجويع في غزة، إلا أنّ العدو الصهيوني، بفضل صمود الشعب العربي الفلسطيني في غزة وبسالة المقاومة، لما يحقق بعد انتصاره

بعد انقضاء سنة من عمر الحكومة… استياء شعبي متزايد

انقضت سنة كاملة على تشكيل الحكومة الحالية بعد تعطيل الحياة النيابية، وها هو الشهر الأول من السنة الثانية من عمر هذه الحكومة يشارف على الانتهاء، فيما لما يتم بعد الإعلان عن برنامج عملها المفترض، رغم تكرار الوعود وتحديد أكثر من موعد لإعلان هذا البرنامج

أحمد الديين