مع بداية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 ومع قرار السلطة في صنعاء الدخول في الحرب إلى جانب غزة، تصدر البحر الأحمر الأخبار العالمية خصوصاً مع استهداف صنعاء للسفن الإسرائيلية أو تلك المتوجهة لموانئ الأرض المحتلة، وصولاً إلى الاشتباك المباشر مع البوارج الحربية الأميركية والبريطانية.
البعد التجاري للمواجهة الراهنة في البحر الأحمر هو الظاهر، إلا أنه ليس أساس الصراع بل الحرب في غزة والاستقطابات الدولية في البحر الأحمر، فهي المحرك الباطن للصراع، فالبعد الجيو- سياسي هو الأساس في الحرب الراهنة، والولايات المتحدة لا تدافع عن حرية التجارة -المتاحة لكل دول العالم باستثناء كيان الاحتلال في ظل حرب غزة- بل تدافع عن وجودها العسكري الإمبريالي في البحر الأحمر وعن وضع السيادة الصهيونية القديمة في البحر الأحمر.
البعد التجاري الراهن للحرب هو الطارئ، فقرار منع السفن الصهيونية بدأ منذ شهرين على الأقل، فيما حقيقة الحرب في البحر الأحمر بدأت في العام 2015، وهي مستمرة حتى اليوم، وهي حرب إمبريالية لأهداف جيو- سياسية وجيو- اقتصادية تخدم الاستعمار الغربي ولا علاقة لها بمصالح الدول المشاطئة للبحر الأحمر.
وبالنسبة لبريطانيا التي تشارك الولايات المتحدة في المواجهة الحالية في البحر الأحمر فلها أطماع تاريخية، وهناك معلومة مغفلة وهي أن مضيق باب المندب وجزر البحر الأحمر كانت مستعمرة بريطانية حتى تحقيق الاستقلال الوطني في العام 1967 بقيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل، فرغم ان الاحتلال البريطاني كان في عدن والسلطنات الموالية له كانت في جنوب وشرق اليمن إلا أنه كان محتلاً لجزر البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وقد عادت أطماعه هذه من بعد حرب 1994 وحتى العام 2015 كان يملك البريطاني معلومات متكاملة عن الوضع العسكري اليمني في سواحل الجمهورية اليمنية.
البحر الأحمر والكيان الصهيوني
يكتسب البحر الأحمر، ومنفذه الجنوبي باب المندب، أهمية خاصة فيما تسمى “استراتيجية الأمن القومي الصهيوني”. هذه الأهمية جسدتها التحركات الصهيونية في الواقع التاريخي الملموس، منذ احتلالها لمنطقة “أم الرشراش” على البحر الأحمر في عام 1948، وتعززت عسكرياً عقب حرب 73. وقد كان إعادة فتح باب المندب أمام الحركة الصهيونية أحد شروطها في صفقة “كامب ديفيد” مع السادات. وتواصلت التحركات العدوانية الصهيونية في البحر الأحمر مؤكدة هذه الأهمية وصولاً إلى حرب اليمن في آذار/ مارس 2015.
يرد في “استراتيجية الجيش الإسرائيلي من منظور الأمن القومي” ما سموه “البعد البحري في الدفاع”، والذي بناء عليه يرسم الصهاينة سياستهم العدوانية ويعطون لأنفسهم حق التواجد العسكري والقيام بالعمليات العسكرية في كل منطقة تمر فيها بضائعهم، بما فيها البحر الأحمر ومضيق باب المندب اليمني.
طوال الفترة الماضية من عهد الوصاية كان للصهاينة تواجد محتمل في الجزر اليمنية، وخاصة جزيرتي زقر وميون (بريم). لهذا صرح المجرم نتنياهو عقب أحداث 21 أيلول/ سبتمبر 2014، أن باب المندب وقع في أيد غير صديقة، مشيراً بطريقة غير مباشرة إلى صداقته مع النظام السابق. وللكيان الصهيوني حالياً تواجد في جزيرتي ميون وسقطرى، وتواجد في إريتريا وجيبوتي، ينصب فيها مراكز استخباراتية تغطي المنطقة.
الطابع المعقد لمعركة البحر الأحمر
المعركة البحرية على طول البحر الأحمر من أقصى نقطة شمالاً في سواحل محافظة حجة حتى أقصى نقطة جنوباً في باب المندب سواحل محافظة تعز، برزت بوصفها أهم المعارك في 2015، فقد أخذت طابعاً خاصاً بها، مع حساسية المنطقة ذاتها، وكان من الملاحظ فيها ازدياد الفواعل العسكرية المحلية والدولية، والضغط العسكري المستمر.
ترابطت في معركة البحر الأحمر، دوافعها العسكرية وضرورات السيطرة على الساحل، هذا التشابك بين المحلي والإقليمي والدولي، أضفى طابعاً معقداً على المعركة في البحر الأحمر، التي بدأت في ديسمبر من العام 2015 لتشهد بروداً ميدانياً في العام 2018.
طول هذه الفترة تمت أكثر من 20 مناورة عسكرية في البحر الأحمر شارك فيها الأميركي و”الإسرائيلي” ودول تحالف النيتو، كما عُقدت العديد من التحالفات السياسية الأمنية البحرية، منها كيان الدول المشاطئة للبحر الأحمر، وتأسيس القوات البحرية المشتركة من قبل الولايات المتحدة، وظلت التحركات العسكرية المعادية مستمرة في البحر الأحمر.
التعزيز الأميركي في البحر الأحمر قبل حرب أكتوبر 2023 وأبعاده الاستراتيجية
في أغسطس 2023 وصلت قوات أميركية إلى المنطقة عددها 3000 جندي، على متن السفينة الهجومية البرمائية “يو إس إس باتان” وسفينة الإنزال “يو إس إس كارتر هول”، قادمة من الولايات المتحدة من المحيط الهادئ عبر قناة السويس.
رابطت هذه القوات في المنطقة بحسب البيان الأميركي “لتمكين الاستجابة الأميركية السريعة في حالة حدوث طارئ”، أي تسهيل إمكانية العدوان على دول المنطقة كما حدث في العدوان الأميركي – البريطاني.
الإطار التاريخي للتحرك الأميركي والعدوان الراهن على اليمن، يرتبط بالصراع التنافسي، المستوى الدولي والمستوى الإقليمي، ضمن النزعة إلى التعدد القطبي، والحرب الغربية المضادة لهذه النزعة الدولية التي تقودها روسيا والصين وتحالف “البريكس”، والتي تبرز أوضح ما تكون في المواجهة العسكرية الراهنة غير المباشرة في أوكرانيا شرق أوروبا.
الدفاع عن الكيان الصهيوني يكتسب أهمية لدى الولايات المتحدة بما يمثله من مكسب استراتيجي للولايات المتحدة والغرب عموماً فهو الحليف الوحيد للولايات المتحدة في المنطقة.
بشكل عام، وعلى المستوى الاستراتيجي تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى تعزيز نفوذها العسكري من مضيق هرمز في منطقة الخليج إلى قناة السويس أقصى نقطة في البحر الأحمر، ضمن الحسابات الدولية، واحتمالات تعقد الأوضاع في أوكرانيا، وتصاعد الصراع مع روسيا والصين وإيران.
في السياق المحلي اليمني، تعمل الولايات المتحدة على توسيع دائرة التواجد العسكري الأميركي وفتح مسارات جديدة لفرض سيطرة كاملة للسواحل الجنوبية الشرقية والغربية لكل من المهرة وحضرموت وشبوة وصولاً إلى عدن والمخا وباب المندب وإحكام السيطرة الكاملة على خط التجارة الدولي والملاحة البحرية من البحر العربي إلى البحر الأحمر.
ختاماً
البحر الأحمر بأهميته الاستراتيجية سيظل ميداناً للصراع الدولي والإقليمي وسوف تتقاطع فيه المصالح الوطنية مع السياسات العالمية والاستقطابات، إلا أن اليمن ولأول مرة في تاريخه الحديث تملك قوة بحرية قوية، القوة البحرية للقوات المسلحة اليمنية غيرت من الموازين العسكرية في البحر الأحمر، وباعتقادي فإن هذه القوة اليمنية ستكون عامل دعم للأمن في المنطقة، وبحسب التصريحات والبيانات فصنعاء ترى أن أمن البحر الأحمر يجب أن يكون أمناً جماعياً للدول المشاطئة فيه، ويحفظ مصالح دول المنطقة، وسيلعب اليمن هذا الدور بايجابية وفاعلية خصوصاً بعد انجاز التسوية السياسية الداخلية وتشكيل حكومة وحدة وطنية، ففي طي صفحة الحرب في اليمن مصلحة لليمن وجيرانها والمنطقة والعالم عموماً.